الأرشيفعربي وعالمي

ميلاد البعث وقضية فلسطين وتجديد الفكر القومي – د. غازي حسين

 

تحل في السابع من نسيان 2015 الذكرى الثامنة والستون لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، حزب فلسطين والأمة العربية، حيث بلغت المخاطر التي تعصف بالمشروع القومي وحاضنته سورية على أشدها، لوأد الثوابت الوطنية والقومية، وتصفية قضية فلسطين، وتفتيت البلدان العربية على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وإعادة تركيبها من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد لإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية.

اهتم البعثيون بقضية فلسطين منذ ظهور حركة البعث في أربعينات القرن الماضي. وتصدت الحركة لوعد بلفور الاستعماري وغير الشرعي، والهجرة اليهودية وإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين العربية.

واحتلت القضية الفلسطينية المكان الأول في نضال الحزب منذ تأسيسه في السابع من نيسان عام 1947، وأعلن الحزب موقفه منها كقضية قومية، وأصرّ على عروبتها وعلى الحقوق التاريخية للعرب فيها. وبيّن الحزب المخاطر القادمة على الأمة جراء إقامة الكيان الصهيوني كقاعدة للإمبريالية الأمريكية وكمركز للصهيونية العالمية ورفض الحزب تقسيم فلسطين، ودعا الأمة إلى مواجهة الخطر الصهيوني والتواطؤ الإمبريالي والرجعي.

واعتبر الحزب أن الخطر الصهيوني خطر يهدد الأمة وتطلعاتها الوحدوية، وشخصيتها القومية، ووجودها الحضاري وثرواتها الطبيعية، وهو خطر سياسي واقتصادي وثقافي وقومي وديني، مما يعني أن الأمة بأسرها معنية ومطالبة لمواجهة هذا الخطر الذي يجسده العدو الصهيوني. وركّز الحزب على الطابع القومي لنضاله، وعلى أهمية دور الجماهير في التصدي للإمبريالية والصهيونية والرجعية. وخاض البعثيون معارك البطولة والفداء عام 1948 في فلسطين، تنفيذاً لقرار الحزب لإنقاذ عروبتها من براثن أخطر استعمار استيطاني عنصري وإرهابي، وحقق الحزب الوحدة بين سورية ومصر ولمواجهة الخطر الصهيوني.

وجاءت ثورة الثامن من آذار عام 1963 في سورية ودعمت تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية وحركة المقاومة الفلسطينية والتي انطلقت في بداية عام 1965 من العاصمة السورية دمشق. ودعمت دمشق جميع حركات التحرر الوطني العربية والمقاومة اللبنانية. وأدى دعمها للمقاومة الوطنية في لبنان إلى انتصارها في 25 أيار عام 2000 وتحرير جنوب لبنان، وانتصار المقاومة اللبنانية في حرب تموز 2006، ودحر الهولوكوست الإسرائيلي على غزة في نهاية عام 2008 وبداية عام 2009، ووصول صواريخ المقاومة من غزة إلى تل أبيب، وأقامت تحالفاً استراتيجياً مع إيران لمواجهة المشروع الصهيو أمريكي وتحرير القدس والجولان وجنوب لبنان.

ولعبت سورية دوراً أساسياً في دعم التعاون والتضامن والعمل العربي المشترك، ونشر الشعور القومي وبلورة الهوية القومية، والوقوف في وجه مشاريع الهيمنة الأجنبية على المنطقة ومشروع الشرق الأوسط الجديد.

وفشلت الصهيونية العالمية والإمبريالية الأمريكية والرجعية في القضاء على فكر الحزب الوطني والقومي لتجذُّره في أعماق الشعب والأمة والأرض والإنسان في سورية، على الرغم من التدخل الخارجي واستهداف سورية بالحرب الكونية لإسقاط دمشق والقضاء على دورها الجيو سياسي الهام في الصراع العربي ـ الصهيوني وإضعاف الفكر القومي والدولة القومية والحزب القومي. وترسخت مسيرة الحزب العظيمة في عقول وضمائر جماهير الأمة، لذلك عندما بدأ التدخل الخارجي المسلح في سورية.

وقف التيار القومي منذ البداية وحيداً بجانب الشعب العربي السوري وجيشه العقائدي ورئيسه الشجاع بشار الأسد.

وعندما اتضحت الأهداف الحقيقية للمؤامرة، انضمت التيارات الوطنية واليسارية والإسلام المقاوم إلى التيار القومي في الدفاع عن سورية، وعن دورها الجيو سياسي الأساسي في الصراع العربي ـ الصهيوني، وفي دعم الحقوق الوطنية الثابتة غير القابلة للتصرف للشعب العربي الفلسطيني وحركات المقاومة وبقية قضايا الشعوب العربية والإسلامية.

التقت مصالح ومخططات الإمبريالية والصهيونية والرجعية على إضعاف سورية وكسر إرادتها الوطنية والقومية وتفتيتها تحقيقاً لمشاريع التفتيت على أسس طائفية ومذهبية وعرقية، وذلك لضرب المشروع القومي وتفتيت وحدة الأرض والشعب. ولكنها فشلت بسبب تصدي الجيش العربي السوري لها والتفاف الشعب حول جيشه وقيادته الحكيمة والشجاعة.

وكشف الجنرال مائير داغان رئيس الموساد السابق عن أهداف إسرائيل من الحرب الكونية الجارية في سورية وأكد أن إسرائيل تعمل على توجيه تطورات الحدث السوري على النحو الذي يخدم مصالحها وقال إن إخراج سورية من الصراع العربي ـ الإسرائيلي هو السبيل الوحيد لإنهاء هذا الصراع وإلى الأبد، وإن إخراجها من دائرة الشعور القومي العربي هو السبيل الوحيد لإنهاء المشروع القومي العربي، وتفكيك تماسك المنطقة العربية وتحويلها إلى كيانات مفككة يمكن إخضاعها بسهولة للنفوذ الإسرائيلي، وأكد على ضرورة أن تسعى إسرائيل إلى انهيار دمشق، لأن النتائج التي ستحصل عليها إسرائيل والولايات المتحدة كثيرة، وإن انهيار دمشق سوف يؤدي إلى خلق فراغ تقوم السعودية بملئه، مما يعزز دعم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، وإن استهداف دمشق في الوقت الحاضر بحسب رأيه هو أهم لإسرائيل من استهداف إيران.

إن التحديات التي واجهت حزب البعث لتحقيق أهداف المشروع القومي العربي كثيرة وأدت إلى عرقلة تحقيق العديد منها بسبب التحالف بين الإمبريالية والصهيونية والرجعية.

انطلق المشروع القومي في النصف الأول من القرن العشرين رداً على المشاريع الاستعمارية والصهيونية. وكان من أهم أهدافه رفض المخططات الاستعمارية والصهيونية، وتحقيق الوحدة العربية وتحرير فلسطين. فالمشروع القومي اليوم بأمس الحاجة لتحريك الجماهير العربية لتحرير فلسطين بخيار المقاومة، لأن ذلك سوف يقود إلى قومية المعركة كما حدث في حرب تشرين التحريرية، وتعزيز العمل العربي المشترك وبناء الهوية العربية.

إن إقامة الاستعمار البريطاني أمارات وممالك موالية له سمح له بالهيمنة على ثرواتها وسياساتها وتسخيرها في خدمة مصالحه ومصالح أمريكا والكيان الصهيوني. ونجحت بريطانيا بتشكيل دويلات على غرار مملكة آل سعود والمملكة الهاشمية وإقامة إسرائيل لتفتيت الوطن العربي من خلال الحروب وإثارة النعرات الطائفية والعرقية.

ويقود تبني المشروع القومي لمصالح وأهداف مرحلية واقعية، وتجديد آليات العمل والنضال القومي على أسس ديمقراطية إلى النهوض به والتفاف الجماهير حوله.

وتختلف طبيعة المشروع القومي العربي عن مشاريع القوميات الأوروبية التي قامت على أسس ومفاهيم وبرامج استعمارية وعنصرية واستعلائية. وأدت إلى إشعال نيران الحربين العالميتين لاقتسام مناطق النفوذ ولتحقيق نظرية المجال الحيوي كما فعلت ألمانيا النازية. فالمشروع القومي العربي تحرري يهدف إلى تحقيق الاستقلال والسيادة الوطنية، وتعزيز التعاون العربي المشترك والتحرر من التبعية ومواجهة المخططات الإمبريالية والصهيونية المعادية لمصالح وأهداف وآمال العرب في الحرية والتقدم والازدهار.

إن صمود سورية جيشاً وشعباً وقيادة في مواجهة الحرب الكونية والانتصارات التي يحققها الجيش العقائدي على الأرض تفسح المجال لتجديد الفكر الوطني والقومي وإحياء المشروع القومي العربي وتطويره. فالمرحلة التي تمر بها الأمة العربية تتطلب نهوض الحراك الشعبي في جميع البلدان العربية، لإلغاء اتفاقات الإذعان في كمب ديفيد وأوسلو ووادي عربة، ورفض خطة كيري للاعتراف بيهودية الدولة وتصفية قضية فلسطين، وضرورة تحالف التيارات الوطنية والقومية واليسارية والإسلام المقاوم لمواجهة المشروع الصهيو أمريكي والاتجاهات التكفيرية والوهابية وجماعة الإخوان المسلمين.

وسيبقى حزب البعث العربي الاشتراكي بفكره القومي المتجدد ورسالته الخالدة للأمة العربية والإنسانية حياً في ضمائر وعقول النخب الوطنية والقومية والجماهير العربية.

اترك تعليقاً