عربي وعالمي

نظام المحاصصة الطائفية والاثنية في العراق – د.عامر صالح

هل يستطيع نظام المحاصصة الطائفية والاثنية في العراق إنتاج معارضة سياسية سليمة

د.عامر صالح  

المعارضة بشكل عام هي الفطرة الإنسانية التي تجسدها صراع الأضداد في السلوك والظواهر الإنسانية المختلفة, السياسية منها والاجتماعية العامة وطبعا البيولوجية التي تكمن فيها اسرار سنة التطور والارتقاء في النوع البشري والإنساني بشكل خاص, فالمعارضة تنشأ في رحم المكونات الأولى الجنينية سواء في المادة الجامدة أم الحية, ولعل في مخاض ولادة الطفل من رحم أمه تشكل جزء من ملامح تلك الظاهرة الغريزية, التي تجسدها محاولات الطفل الوليد في الخروج الى عالمه الجديد وبين آلية الاحتفاظ به في الأرحام, ولكن الجديد بمواصفات تقدمية يفرض نفسه وينطلق الى رحاب عالمه الأوسع.

 

في السياسة وحيث المعارضة السياسية تشكل ركنا جوهريا في أي نظام نظام سياسي إن كان مستبدا دكتاتوريا قمعيا أم نظام ديمقراطيا تعدديا, ففي النموذج الآول يكون دور المعارضة السياسية الأساسي هو لاسقاط النظام بعد ان تستنفذ مقومات وجوده وصلاحيته للبقاء خارج إطار الإصلاحات الممكنة التي تنقله نقلة جذرية صوب الأفضل, أما في النموذج الثاني حيث المعارضة السياسية الديمقراطية التي تستهدف اصلاح النظام الديمقراطي القائم بوسائل سلمية متاحة عبر موازين القوى السياسية واعادة تشكيلها في مؤسسات الدولة وخاصة البرلمانية منها وعبر استخدام الجماهير والشارع للضغط على الحكومة في الاستجابة للمطالب الشرعية, في تحسين ظروف العيش والارتقاء بمستويات الحياة نحو الأفضل استنادا إلى المعايير الدولية في حدودها المعقولة والدول المرجعية في التقدم والرقي الاجتماعي وفي الاستناد ايضا الى الامكانيات والموارد التي يمتلكها البلد.

 

في العراق وما بعد عام 2003 أي بعد سقوط الدكتاتورية بآلية الأحتلال الأمريكي حيث أسس نظاما سياسيا قائم على المحاصصة الطائفية السياسية والأثنية العرقية أخل بأنتاج نظام سياسي قائم على اساس الحكم والمعارضة ورفع شعار ” الجميع يحكم ” ويتقاسم كعكة المحاصصة أو العراق الغنيمة, وهكذا نشأ نظام سياسي شاذ عن اصول اللعبة الديمقراطية يتقاسم مغانم السلطة ويعيد انتاج نفسه عبر انتخابات برلمانية طال الشك بمصداقيتها في كل الدورات الأنتخابية وتوجتها سوءا وعدم شرعية الأنتخابات البرلمانية الأخيرة من ضعف المشاركة في الأنتخابات الى التزوير وحرق صناديق الاقتراع.

 

جميع القوى السياسية العراقية وخاصة الأسلاموية والأثنية منها الغير مؤمنة بالديمقراطية اصلا والتي وجدت في تلك البيئة السياسية المريضة ملاذا لأعادة انتاج نفسها عبر الترهيب والترغيب والتحايل, هذه القوى مجتمعة وجدت نفسها في سلة الحكم والمغريات السلطوية وتقاسم النفوذ, اما معارضتها المفتعلة فهي جزء من اساليبها لأمتصاص نقمة الشارع الغاضب وغير المتسامح مع الفساد مستندة تلك القوى الى جمهور قطيعي غير معارض بالمعنى السياسي وممتثل لأوامر مرجعيته, فتراه مرة ممتعض منتفض وتارة أخرى خانع مستكن ينتظر نتائج الصفقات الطائفية والأثنية لكي يتلقى الأشارة بالهدوء المؤقت بأنتطار الحصول على المزيد من الغنائم وليست الحقوق المشروعة.

 

في النظم الديقراطية الحقة المعارضة مثلها مثل الحكومة فهما وجهان لعلمة واحدة تجسدها الديمقراطية والتدوال السلمي للسلطة وهي حكومة الظل المرتقبة عند تراكم اخطاء الحكومة, فالمعارضة هي ملجأ المواطن الآمن عند الاحساس بالظلم وانتهاك الحقوق وعدم تحقيق المطالب العادلة, والمعارضة السياسية هي حجر الاساس في النظم الديمقراطية والذي افتقده العراق بفعل نظام المحاصصة البغيض والذي افرغ مفهوم الديمقراطية من محتواها الأنساني وحول الصراع على السلطة صراع غابة يسيطر فيه المسلح والمليشياوي وتدخل الأجندة الخارجية لتقرير مستقبل العراق وشعبه.

 

واليوم حيث لاجديد يذكر في معالجة اوضاع العراق ومعاناته في ظل حكومة عبد المهدي وفي محاولة للتملص من المسؤولية التاريخية تنطلق دعاوى التمويه تحت عباءة المفهوم الجديد للمعارضة التي ابتدعها الأسلامويين على شاكلة “معارضة تقويمية” و”معارضة دستورية” تخفي ورائها ممارسة الضغط لأعادة توزيع غنائم السلطة, فعادل عبد المهدي لم يأتي من كوكب آخر بل أتت به القوى الغير راضية عنه اليوم والتي تروم معارضة حكومته, وجميع القوى التي ستعارضه لم تكن بعيدا عن الفساد وملفاته الشائكة او تقاسم النفوذ في السلطة ابتداء من اصغر موظف الى الوزير وصعودا الى قمة هرم جميع السلطات.

ان الازدواجية الأخلاقية السياسية التي يمارسها الإسلام السياسي هي محاولات بائسه للظهور بمظهر المتقن والمتعفف لأدارة فن الصراع في الأزمات وتناسوا أن هم انفسهم من أسقط مفهوم المعارضة السياسية من خلال اللجوء الى التوافق سيئ الصيت والذي تم اختيار عادل عبد المهدي على أساسه, وحين يشتد البؤس الاجتماعي والاقتصادي وتسيئ الأحوال العامة فأن الأسلامويين يستنفروا كل قواهم للظهور بمظهر المدافع الأمين عن مصالح الشعب والوقوف معه بواجهات المعارضة ذات المسميات المختلفة ولكن محتواها المعطل لأرادة الأصلاح الجذري هو واحد. أن الأصلاح السياسي والدستوري الشامل هو المدخل للحفاظ على العراق وطنا صالحا للجميع اما عدا ذلك فأن الجميع ذاهبا الى الجحيم وسيبقى العراق آمنا بما تبقى من الشرفاء.