من هنا وهناك

هيطلية على خشبة مسرح الحرية

 
عودة إلى الوراء، إلى زمن كان فيه قيمة للأشياء الصغيرة، زمن فيه كل شيء محدود جداً، ولم يكن البذخ والترف يملأ البيوت والبطون، زمن كانت فيه قيمة للأشياء حتى البسيطة منها، في قصة من فلكورنا الشعبي، إحدى قصص الطفولة التي عاشها الكاتب الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا والمأخوذة من سيرته الذاتية “البئر الأولى” قصة “هيطلية”.

صورة مثلت هذه القصة الشعبية اليوم الإثنين 19/2/2018 على خشبة مسرح الحرية، بعرض مسرحي بعنوان “هيطلية” من إنتاج مسرح الحارة في بيت جالا، وأداء كل من؛ كرستين الهودلي، وشبلي البو، ورزق إبراهيم، وبدعم من مؤسسة عبد المحسن القطان، وشبكة تماسي، والوكالة السويدية للتنمية الدولية.

وبحضور 60 طفل من مدرسة وروضة الهدى الأساسية، وروضة الأقصى، وروضة رياض الصالحين، روت المسرحية حكاية الولد الصغير “يوسف” من مدينة بيت لحم والذي يعيش مع عائلة فقيرة، تعد له أمه هيطلية وتتركها لتبرد حتى يتناولها في المساء مع العائلة بعد عودة والده من العمل، ثم هذا الطبق الأبيض الشهي وجنون وفوضى الطفولة الناعمة يغريان يوسف بأن يدعوا أصحابه في الحي إلى المنزل ليثبت لهم صدق كلامه؛ بأن يروا بأم أعينهم طبق الهيطلية اللذيذ ليحدث ما لم يكن بالحسبان ويأكل الجميع الهيطلية، ويقع يوسف في ورطة كبيرة، فتكتشف أمه ذلك ويهرب منها. حتى يحل المساء، فيعود إلى بيته، إلى العقاب المنتظر.

كانت خشبة المسرح مؤثثة بالزمان القديم الجميل، أما المكان فقد أثث باستخدام مكعبات وألواح خشبية ودمى صغيرة بسيطة تنقل بها الممثلون من مكان إلى آخر، وكان العرض يعتمد بشكل كبير على تفاعل ومشاركة الأطفال مع الممثلين، ليعتبروا جزءاً من العرض، ليخلق الممثلون حولهم محيطاً تحيا به القصة، ويكشف تفاصيلها الأطفال من قيم وأخلاق وخير وشر، ومن جمال وقبح وفرح وبؤس، فهذا التفاعل كان يهدف به مسرح الحارة ممثلاً بفريق عمل المسرحية لتعريف الأطفال أكثر بالمسرح بشكل بسيط.

ولعل عرض اليوم كان إشارة خفية تظهر بين الفنية والأخرى، عن قصد أو غير قصد، وهي أن المسرح يجمع بين الذات ومكنونتها بالشوق والحنين إلى الوراء، والمحيط كموضوعين متبادلين، وفي الواحد انعكاس للآخر، وتجسيد رمزي له أحياناً، لأنه في زوال مستمر مع الزمن فكانت محاولة مسرح الحارة اليوم في وضع يده على هذا الزمن ليأسره   في عمل مسرحي يقدمه للجمهور.