وقفة عز

وجهة نظر حول الفلسطينيين في أوروبا والسفارات الفلسطينية هناك

 نضال حمد

في هذا الشهر أيار – مايو وهو شهر النكبة الفلسطينية الكبرى دائما تتصاعد وتيرة النشاطات الفلسطينية في أوروبا ويقوم الفلسطينيون في هذه القارة بعمل مهرجانات ومؤتمرات وندوات وتجمعات وأمسيات في كل البلدان الأوروبية. وإذا أردنا أن نقوم بإحصاء عدد النشاطات التي جرت هذا الشهر في البلدان والمدن والعواصم الأوروبية فسنخرج بحصيلة كبيرة نستطيع القول أنها مشرفة بالرغم من غياب المشاركة الجماهيرية بكثافة تتناسب مع الوجود الفلسطيني في أوروبا، والتي يجب أن تعكس حجم تعداد الفلسطينيين في أوروبا. إذ هناك عشرات آلاف الفلسطينيين المقيمين والمنتشرين في الدول الأوروبية، ففي ألمانيا وحدها يتجمع أكثر من نصف فلسطينيي أوروبا. وهناك قسم كبير منهم في البلدان الاسكندينافية.

وبالرغم من عدم ارتقاء كل النشاطات لهول الحدث المتمثل بضياع وأحتلال وأغتصاب الوطن الفلسطيني وتشتيت شعب فلسطين في كل بقاع الدنيا. فإن هذه التحركات والنشاطات تبقى أفضل من عدمها. خاصة أنها تترافق مع نشاطات كثيرة للجان التضامن مع الشعب الفلسطيني في أوروبا والعالم. أما القلق فيجب أن يكون بسبب عدم المشاركة الواسعة ولا نقول الشاملة للفلسطينيين في أوروبا بالنشاطات التي تحصل وتقام وتنظم. هذا الأمر بالذات يجب أن يشغل بال مؤسسات فلسطينيي أوروبا، وأن يثير القلق في أوساط المسئولين عن الجاليات والتجمعات الفلسطينية هناك. وكذلك في أوساط الفصائل الفلسطينية التي وإن اكتفت بأنصارها في النشاطات التي تقيمها. ورغم ذلك تبقى النشاطات في نهاية المطاف بحاجة لمزيد من الفلسطينيين و لتطوير المشاركة لتكون واسعة وشاملة قدر الإمكان. هذا هو التفكير الصحيح الذي يجب أن يشغل بالنا في أوروبا. أما الذين يكتفون فقط بالمصفقين من أنصارهم في هذا الفصيل أو تلك الحركة سوف يأتي يوم يجدون فيه أنفسهم لوحدهم، وسط بحر من اقرأنهم الفلسطينيين المقيمين في أوروبا. ومن لا يرى سوى نفسه في الميدان لن يستطع تحقيق أي انجاز ملموس وله قيمة مهما أصدر من بيانات، لان الشكل الذي يراه أمامه في المرآة هو شكل دائم وغير متغير. هذه حقيقة لن تبدلها ولن يغيرها الإسهال البياناتي لدى البعض ولا الإمكانيات المالية الضخمة لدى البعض الآخر من الجهات القائمة على بعض النشاطات السنوية في أوروبا.

بما أن الفلسطينيين في أوروبا في غالبيتهم الساحقة لا يتبعون ولا ينتسبون للفصائل الفلسطينية سواء الوطنية والقومية واليسارية أو الإسلامية أو كان عدد كبير منهم من المنتسبين سابقا لتلك الفصائل، أو من الملتحقين مؤخرا بفصائل جديدة برزت في الساحة الفلسطينية. ورغم الوجود الأكثر بروزا للمنتمين للتيار الإسلامي وبما أن هناك كادر مجرب ومدرب وخبير يتبع لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وللفصائل اليسارية والوطنية التي تعارض قيادة المنظمة، فأن لهؤلاء علاقاتهم وخبراتهم ووجودهم وهيبتهم وطرق عملهم التي تُغني في بعض البلاد أو بعض المدن عن كتيبة من الناشطين الجدد الذين لا خبرة لهم في العمل التضامني والإعلامي والسياسي والعلاقات في أوروبا. وكل من يحاول القفز فوق هؤلاء أو تخطيهم لا بد سيواجه عقبات وصعاب. ولكن هل من العقل تخطي هؤلاء وعدم الاستعانة بما لديهم من مخزون هائل من كل ما ذكرناه أعلاه؟.

وهل من العقل والمنطق دعوة هؤلاء للمشاركة في مؤتمرات يكونون فيها مجرد ديكور لتغيير ألوان المؤتمرات، ولا يكون لهم فيها مشاركة في قيادتها، ولا قرار في توجهاتها ومستقبلها وعملية متابعتها و استمرارها؟؟؟.

الفلسطينيون في أوروبا بشكل عام وبغض النظر عن انتماءهم أو عدم انتماءهم لأي فصيل سياسي فلسطيني تواقون دائما للمشاركة في أي عمل فلسطيني شامل يجمع ولا يفرق ويوحد ولا يقسم. لكن تجربة العمل في أوروبا، والتي عشتها شخصيا مع أطراف عديدة، سواء كانت يسارية أو يمينية، وطنية أو إسلامية، تجعلني أقول أن المؤتمرات الفلسطينية في أوروبا لم تساعد في تحقيق الوحدة، ولا في إنهاء الانقسام، بل جلبت الانقسام الى الساحة الفلسطينية في أوروبا. كما وعززت لغة اللاوحدة في الميدان بسبب حساباتها و مصالحها و صراعها على النفوذ والسيطرة، وعلى احتكار التكلم باسم عشرات آلاف من الفلسطينيين في أوروبا وأدعاء تمثيلهم. وفي حقيقة الأمر فإن غالبية الفلسطينيين في أوروبا لا يعترفون بأي واحد منهم يتحدث بإسمهم او يدعي أنه يمثلهم. كما لا يعترفون أيضا بالسفارات الفلسطينية وسفراء فلسطين ممثلين لهم ولشعبهم.

قد يسأل سائل لماذا؟

نقول له لأن القائمين على معظم المؤتمرات الكبيرة يمثلون فصائل ولا يمثلون عامة الناس ولا الغالبية الساحقة من الجاليات الفلسطينية المتواجدة في أوروبا. مع العلم أن تسميات مثل الجالية الفلسطينية في البلد الفلاني او المدينة الفلانية لا تعني أن هذه الجالية تمثل كل الفلسطينيين المقيمين في هذا البلد او تلك المدينة إلا فيما نذر. وهذا شيء طبيعي لأن المؤسسات والجاليات مؤسسات تمثل فقط الأعضاء المنتسبين إليها. وللعلم فإنها كلها تعتبر مؤسسات أوروبية تخضع للقوانين الأوروبية.. في حين أنه توجد لدى بعض الفلسطينيين مشاكل في فهم طبيعة التمثيل وطبيعة الاسم والمؤسسة، لذا يعتقد بعضهم أو كثيرين منهم أن الجالية هنا أو هناك تمثل الجميع في هذا أو ذاك البلد. مقابل ذلك تبرز أنانية وانتهازية بعض الفصائل الفلسطينية التي كانت أهدافها ومازالت خلق وجود لها يتنافى مع الحقيقة ولا يعكس حجمها الحقيقي، وذلك من خلال إختلاق وإنشاء عشرات أو مئات المؤسسات الفلسطينية الإسمية والوهمية في أوروبا. مثل هذه المؤسسات تنتشر في أوروبا بشكل غير مقبول وغير معقول. بعضه فصائلي وبعضه الآخر لغاية في نفس البعض أو غيرة أو نكاية أو موضة. مما أن القوانين الأوربية السهلة تشجع المهتمين على قيام مثل تلك المؤسسات. خاصة أن القوانين الأوروبية المحلية تسمح لكل ثلاثة أشخاص أو أكثر إنشاء مؤسسة أو جمعية وحتى مراكز وجاليات. هذا لا يعني ان كل المؤسسات الفلسطينية في أوروبا مثل هذه المؤسسات، فهناك مؤسسات محترمة ولها وجود تاريخي وفاعل في القارة بالرغم من شحة الموارد وقلة الإمكانيات المادية، لكنها في عملها تعتمد على كوادر مجربة ومتجذرة وعلاقات أصيلة عمرها عشرات السنين..

مشكلة الفصائل أنها مازالت تعمل وفق سياسة وفكرة السيطرة على الميدان وأحتكار تمثيل الفلسطينيين في أوروبا بالرغم من أنها نفسها تعاني من إفلاس سياسي وفقدان للمصداقية بين أبناء وبنات شعب فلسطين في أوروبا. وأصبحت مصطلحات وتسميات مثل سلطة رام الله وسلطة غزة ومنظمة التحرير الفلسطينية تثير الضحك والشفقة بين الناس هنا.

ماذا يعني أن تكون هناك سلطتين واحدة في رام الله تحت الاحتلال تنسق معه أمنيا وتقمع شعبها يوميا، وسلطة أخرى في غزة محاصرة وتنشأ نظام حياة لا يتناسب مع متطلبات حياة الناس. وتقول أنها مقاومة ولا تمارس أعمال المقاومة إلا إذا اضطرت لذلك، كما وتمنع من يريد أن يقاوم من القيام بذلك بدون تصريح منها .

أعرف أن كلامي هذا لن يعجب الكثيرين من أصدقائي ورفاقي وإخوتي وزملائي من اليساريين والوطنيين والقوميين وكذلك من الإسلاميين. لكنها الحقيقة الموجودة والتي يتوجب عليهم كلهم الاعتراف بها عملا بالقول التالي ” الاعتراف بالخطأ فضيلة”.

أقول كلامي هذا وأنا أرتكز على تجربة عمرها أكثر من ثلاثين عاما في العمل السياسي والإعلامي والنقابي والتضامني في أوروبا وفي بلدان عديدة من هذه القارة، وعلى مدار سنوات طويلة وفي أوقات وفترات وأزمنة مختلفة، ومع شخصيات وقوى وفعاليات ومؤسسات وجاليات ومراكز فلسطينية وعربية وأوروبية أيضا منوعة ومختلفة. وعبر الحياة في شرق أوروبا الاشتراكي وغربها الرأسمالي، ثم بعد انهيار المعسكر الاشتراكي وتوحيد القارة تحت المظلة الرأسمالية.

عقد في بروكسل مؤتمر فلسطينيي أوروبا ال11، الذي تقف خلفه حماس.

كما جرت العادة عُقد مؤتمر فلسطينيي أوروبا في هذا الشهر وهذه المرة بمدينة بروكسل عاصمة بلجيكا، وحيث مقر الاتحاد الأوروبي، وفي غياب مشاركة منظمة التحرير الفلسطينية وبعض المؤسسات الفلسطينية العاملة والفاعلة في بلجيكا ولوكسمبورغ. أما غياب سفيرة فلسطين عن المؤتمر المذكور فلا نجد له سببا سوى الانقسام والخلافات التي تشهدها الساحة الفلسطينية بالذات بين فتح وحماس، الحركتان المهيمنتان منذ سنوات ما بعد أوسلو على المشهد الفلسطيني. وحيث الصراع بينهما على أشده. وقد تكون السفيرة الفلسطينية التي تمثل منظمة التحرير الفلسطينية ومن يغتصب المنظمة ومؤسساتها منذ سنوات طويلة، التزمت بقرار من قيادتها ومن وزير خارجية سلطة رام الله الذي يمتثل بدوره لما تقرره اللجنة المركزية لفتح. وهذا القرار الفتحاوي في طبيعة الحال يسري على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها كذلك حركة فتح. هذه الحركة التي يتزعمها رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وتقيم سلطتها تحت الاحتلال الصهيوني في الضفة الغربية. وهذا ليس الخطأ الأول ولن يكون الأخير لهؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم أوصياء وأولياء أمر الشعب الفلسطيني من دون انتخابات ودونما توكيل من أي كان. وهؤلاء لغاية اليوم مازالوا عاجزين عن استيعاب الدروس وأخذ العِبَر والاقتناع أن مكانة فتح لم تعد كما كانت، وأنهم أصبحوا مثلهم مثل غيرهم من الفصائل.

لقد قاطعت فتح والسلطة الفلسطينية مؤتمرات اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في الشتات – أوروبا، وهو اتحاد جامع يجمع في صفوفه العديد من الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية العاملة في أوروبا بالإضافة لشخصيات فلسطينية فاعلة وناجحة ومؤثرة وصاحبة حضور ووجود ونفوذ في كل مجالات العمل الجاليوي في أوروبا. ولأن فتح لم تستطع وضع اتحاد الجاليات تحت سيطرتها ونفوذها ولا كذلك مؤتمر فلسطينيي أوروبا الذي يتبع حماس، توجهت لمحاربة الطرفين وأقامت اتحادا بائسا خاصا بفتح عقد مؤتمرا له في بودابست العام الفائت وأطلق على نفسه اسم اتحاد الجاليات الفلسطينية في أوروبا. ونشرت التعميمات والرسائل التحذيرية على جماعتها، محذرة إياهم من المشاركة في مؤتمر اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في الشتات – أوروبا، متهمة القائمين عليه بمعاداة المنظمة والسلطة وفتح. هذا المؤتمر الذي عقد على مدار سنوات في عدة مدن أوروبية، أولها في جنيف بسويسرا سنة 2005 بمشاركة ممثلين عن مؤتمر فلسطيني اورووبا وعن مركز العودة الفلسطيني الذي يديره الأخ ماجد الزير من لندن وهي مؤسسات تابعة أو محسوبة على حماس. كذلك حضرته جهات فتحاوية وأخرى من فصائل أخرى كالشعبية والديمقراطية وجبهة التحرير الفلسطينية ومستقلين يعملون كلهم في أوروبا. عقد المؤتمر التأسيسي الأول في مدينة برشلونة 2007 ثم الأول في فيينا 2009 والتكميلي في برشلونة الاسبانية 2010، فيما عقد المؤتمر الثاني في مدينة دورتموند الألمانية 2012، برعاية ومشاركة الجالية الفلسطينية العريقة في دورتموند وأتحادي الأطباء والمهندسين الفلسطينيين العريقين في ألمانيا. بعد فترة قصيرة من العمل المشترك في تأسيس اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات الفلسطينية في الشتات انسحبت الأطراف المحسوبة على حماس. ثم انسحبت الأطراف المحسوبة على فتح والسلطة في رام الله مع بقاء الفتحاويين المحسوبين على تيار فارق القدومي – أبو اللطف.

في وقت لاحق خرج المحسوبين على الجبهة الديمقراطية وبقيت البقية التي تمثل المستقلين وبعض المؤسسات المحسوبة على بعض الفصائل الفلسطينية الأخرى. وأستمر الاتحاد في عمله غير آبه بالتحديات والصعاب. مع علاقات متقطعة ومتوترة مع السفارات الفلسطينية في أوروبا ومع المؤسسات المحسوبة على فتح وحماس. وللتاريخ أقول أنني شخصيا بادرت لرأب الصدع والتقريب بين الاتحاد ومؤتمر فلسطيني أوروبا لكن دون نتيجة. فالقائمون على مؤتمر فلسطينيي أوروبا لا يريدون تقاسم مؤتمرهم مع أحد وأكثر من ذلك لا يعيرون أهمية وأهتمام للقائمين على اتحاد الجاليات ويعتبرونهم لا يمثلون أحدا. وهذا خطأ تاريخي و تفكير مرفوض وغير مقبول لأنه لا يعكس حقيقة الأمر، ولا الواقع على الأرض. وإذا كانوا هم يفكرون كذلك وبهذه الطريقة، فقد كان هناك أعضاء مؤسسين وقادة في اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات كانوا أيضا يرفضون العمل المشترك مع مؤتمر فلسطينيي أوروبا ويعتبرونه يمثل حماس والإخوان المسلمين فقط لا غير. حتى أكثر من ذلك يرفضون تسميته مؤتمر فلسطيني أوروبا لأن التسمية مضللة وتوحي لغير العارفين ببواطن الأمور وبالواقع في أوروبا بأن هذا المؤتمر يمثل كل فلسطينيي أوروبا. طبعا هذا غير صحيح لأن المؤتمر يمثل فقط جزءا من فلسطينيي أوروبا. وهذا ينطبق كذلك على بقية المؤتمرات والاتحادات العاملة في أوروبا. ببساطة لا يستطيع أي كان في أوروبا الادعاء بأنه يمثل الفلسطينيين في القارة الأوروبية.

ماجد الزير رئيس مؤتمر فلسطينيي أوروبا ورئيس مركز العودة في لندن شن هجوما عنيفا على السفارات الفلسطينية في أوروبا مستثنيا السفير الفلسطيني في لندن، ووعد بالعمل على إنشاء حملة ضدها وفضحها بسبب معاداتها لمؤتمر فلسطينيي أوروبا ومحاولة تعطيله ولأنها لا تمثل الشعب الفلسطيني، بل وكما قال تمثل مقاطعة رام الله فقط لا غير. نالت السفيرة ليلى شهيد وسفارتها في بروكسل النصيب الأكبر من الهجوم

بدوره صرح عضو المجلس الوطني ومنسق حق العودة سلمان أبو ستة عن أسفه لغياب أي ممثل عن السفارة الفلسطينية في المؤتمر، قائلاً انه اتصل بالسفارة الفلسطينية لتوضيح سبب غيابهم عن الفعاليات في ذكرى النكبة، قائلاً: “طلبوا مني نصف ساعة للإجابة قبل 3 أيام لكنهم لم يردوا حتى الآن”.

وكشفت مصادر من اللجنة التنظيمية لمؤتمر فلسطينيي أوروبا النقاب عن أنهم وجهوا الدعوة للسفارة الفلسطينية لحضور فعاليات المؤتمر لكنهم رفضوا التجاوب مع الدعوة.

فيما يخص الغالبية الساحقة والعظمى من السفارات الفلسطينية في أوروبا واعتقد في العالم أيضا أتفق مع الأخ ماجد الزير على أنهم لا يمثلوننا كفلسطينيين. ويمثلون فقط مقاطعة رام الله. وهذا الادعاء رددوه هم أنفسهم خلال بعض الحوارات التي جرت مع بعضهم في أوقات سابقة.

حل هذه القضية يكون فقط جزءا من حل قضية الانقسام الفلسطيني بشكل عام وقضية انتخاب المجلس الوطني الفلسطيني بشكل حر ومباشر من قبل كل الفلسطينيين في كل بقاع الدنيا. وأذكر القراء بمقالات كثيرة كنت كتبتها عن السفارات والسفراء الفلسطينيين في أوروبا. والتي لم تحرك ساكنا لدى المسئولين عنهم كما أنها لم تغير ولم تبدل من تعامل وتعاطي السفارات مع الفلسطينيين في أوروبا. فالسفارات تقف حجرعثرة في تطوير الجاليات الفلسطينية لنفسها في أوروبا، لأنها تريد جاليات وهمية تعمل وفق تقويمها وحسب رؤيتها، وعادة ما يكون رؤساؤها من أتباعهم، ومن الذين ينفذون ولا يناقشون ولا حتى يفكرون. ولن أتوسع كثيرا في هذه النقطة لأنها ستكون جزءا من كتاب سيرة شخصية سيصدر في السنوات المقبلة.

 

هذا وكانت فعاليات المؤتمر الذي تقيمه مؤسسات وتجمعات تابعة لحركة ( حماس) مع مشاركة من الإسلاميين الفلسطينيين والعرب ومشاركة اقل تواضعا من فلسطينيين غير إسلاميين، منهم القوميين واليساريين وكذلك المستقلين تنتهي عادة بعدم عودة كثيرين من هؤلاء للمشاركة في المؤتمر المذكور. وجرت العادة أن يحصل هذا الشيء في كل عام وفي كل مؤتمر.

شاركت شخصيا في كل المؤتمرات الممتدة من المؤتمر الثاني الذي عقد في برلين وحتى المؤتمر الثامن الذي عقد في كوبنهاغن. كما عملت بكل جد وإخلاص على إنجاح تلك المؤتمرات. وكان يحدوني الأمل دائما أن استطيع التقريب والجمع بين كل أطياف العمل الفلسطيني في أوروبا، نتيجة وجودي في العمل هنا وهناك. وعبر استغلال شبكة علاقات جيدة ومحترمة أقمتها على مر السنين مع غالبية الأطراف الفلسطينية الوطنية واليسارية والإسلامية وكذلك المستقلة. ولا أنكر انه كانت لي في مؤتمر فلسطينيي أوروبا مكانة مصانة ومحترمة. طبعا مكانتي تلك نلتها نتيجة للنضال في الميدانين العسكري حين قاتلت وجرحت لأجل فلسطين، والسياسي والإعلامي نتيجة نضال أكثر من 30 سنة على جبهة فلسطين في الشتات الأوروبي. ولأنني كنت في ذلك الوقت أمثل وأترأس جالية من أفضل وأنشط الجاليات الفلسطينية في أوروبا، وهي الجالية الفلسطينية في النرويج، التي كان لي شرف النهوض بها ورئاستها في أصعب المراحل والمحطات، ومازلت رئيسها بالرغم من تراجعها كثيرا على أثر تدخلات فتح والسفارة الفلسطينية في أوسلو وعملهم الدءوب على تعطيلها وتخريبها لانهم لم يتمكنوا من السيطرة عليها لا بالانتخابات ولا بالانقلابات.

في بداية توسطي لحل الخلافات بين بعض فلسطينيي أوروبا نجحت في استقطاب الكثير من الجاليات والمراكز والمؤسسات والفعاليات والشخصيات الفلسطينية للمشاركة في مؤتمر فلسطينيي أوروبا وكذلك فيما بعد في مؤتمرات اتحاد الجاليات والمؤسسات والفعاليات في الشتات – أوروبا.

في مؤتمر فلسطينيي أوروبا كانت دائما تواجهنا عقدة البيان الختامي، الذي كان يحضر جاهزا ويطرح للنقاش بين مجموعة مختارة ومصغرة من ممثلي الأطراف المشاركة. وكانت العقدة دائما تتمثل في التأكيد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وفي البدايات كان الإخوة من القائمين على المؤتمر من حماس يرفضون ذلك تماما. ولكنهم كانوا يتراجعون ويقبلون بعد نقاشات مطولة معنا نحن الذين لم نكن من حماس، وكان يقر البيان مع تعديلات خاصة في موضوع م ت ف. وأنا شخصيا كنت من مؤيدي هذا الاتجاه في كل مؤتمر حضرته وفي كل البيانات الختامية التي صدرت عن المؤتمرات التي شاركت في أعمالها وقُدت بعضها مع آخرين. بالرغم من قناعتي بعدم وجود م ت ف هذه الأيام وبأنها مغتصبة من قبل فئة وشريحة لا تمثل الشعب الفلسطيني وبأنها تستخدم الآن ومن سنوات ضد مصالح وثوابت شعب فلسطين..

هذا المؤتمر ال11 عقد هذا العام في العاصمة البلجيكية بروكسل. وجدير بالذكر أن الضيف الأول لهذا المؤتمر كان راشد الغنوشي زعيم الإخوان المسلمين التونسيين والحاكم الفعلي في تونس بعد الإطاحة ببن علي. مع العلم أن المؤتمر الأسبق في العام الفائت بكوبنهاغن استضاف الرئيس التونسي المرزوقي تعبيرا عن دعم هذه الفئة من الفلسطينيين في أوروبا لما يسمى بثورات الربيع العربي، التي تعتبر حركة الإخوان المسلمين الفلسطينية والعربية جزءا رئيسيا منها. برأيي المتواضع ارتكب القائمون عليه جريمة بشعة حين وضعوا علم الجيش الحر السوري على الدعوة بدلا من علم سورية العربية. هذه الفعلة جعلت الكثيرين من فلسطينيي أوروبا يقاطعون المؤتمر ويصفونه بمؤتمر إخوان الربيع العربي، حتى أن بعضهم دخل قاعة المؤتمر ولوح بأعلام سورية وهتف ضد الإخوان.

هل الحل قريب؟

وهل ستتوحد الأطراف الفلسطينية في أوروبا؟

في الوقت القريب لا اعتقد ذلك. فنحن بحاجة لسنوات عديدة حتى نعيد الثقة بين البعض وكي نبني جسور التواصل والعمل المشترك من جديد. ونحتاج لإنهاء الانقسام الفلسطيني العام حتى يساعد ذلك في إمكانية إعادة توحيد الفلسطينيين هنا.

هذه مجرد وجهة نظر من إنسان عارف بالأمور. أضعها بين أيدي الجميع لفتح نقاش فعال وحوار حيوي حول أوضاع الجاليات والسفارات الفلسطينية في أوروبا، بغية إيجاد حلول وتعزيز التقارب بين جميع الأطراف لما فيه خدمة القضية الفلسطينية والفلسطينيين في أوروبا.

*نضال حمد رئيس الجالية الفلسطينية في النرويج ومدير ورئيس تحرير موقع الصفصاف

الإثنين 20 مايو 2013