الأرشيفوقفة عز

أبو سمرة يدفن في أرض السواد – نضال حمد

أبو سمرة يدفن في أرض السواد – نضال حمد

ليس كل من نودعه يموت أو ننساه

الى صديقي أبو سمرة الذي استشهد مقاوما عربياً في العراق المحتل

كلهم في إجازة. خلدوا للراحة وكنت وحدك تفكر بالجنازة ولا ترضى بالوقاحة، سواء عربية كانت أم أجنبية. رأيت في مخيمك الصغير الكبير عروبة كالحة. وسمعت كلاما مثل العسل. قلت ها هم هبوا للمبارزة ولم تعد سيوفهم في أغمدتها تخلد للراحة. قلت بينك وبين نفسك لقد هداهم الله وأفاقوا من نوم أهل الكهف. لكنك كما كل عربي ينطق بالضاد عرفتهم فيما بعد ذوو غدرٍ، يبثون السموم أخبارا ويجعلون الدين مسخرة لكل غازٍ من الذين هم اشد الناس عداء لأمة الضاد.

كانوا يعدون جنازة أمتك وكنت غير مكترث بالجثمان بعد الموت في ساحِ الوغى..حزمت متاعك وشددت الرحيل بعدما ألقيت نظرة وداع على أطفالك المنتشرين في ساحة الدار. ودعتهم بدمع داخلي لا يسقط فوق الخد بل يتقطر من القلب داخل الجسد. التفت إلى أم أطفالك ودون أن تنبس بكلمة مضيت إلى حيث كنت تعرف انه لا عودة من هذا السفر. انه سفر النهاية ولا نهاية سوى الشهادة. سرت في أزقة مخيمك “عينك الحلوة”.. أخذت نظرات أخيرة. نظرات وداعية لمخيم أحببت وفيه كبرت وعشت وقاتلت وتربيت وترعرعت. لعين الحلوة المخيم الذي أنجب وينجب مقاومة ومقاومين. مخيم الشهداء والعطاء. ودعته يا صاحبي بصمت. ترى ماذا قلت للجسر حيث كنا نقرأ الديالكتيك؟ وحيث غدوت تتلو وتحفظ القرآن لاحقاً؟ وماذا قلت لسوق الخضار ولشارعٍ ليس للنسيان ولكل الذين صادفتهم أثناء جولة الوداع؟؟ هل تلوت على مسامعهم: ” لا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياه عند ربهم يرزقون..”. أو رددت بينك وبين نفسك: ” بسم الله الرحمن الرحيم. من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. صدق الله العظيم.”. هناك من رحل وهناك من لازال ينتظر يا محمود..

مضى صديق الدروب المتشعبة ورفيق المراحل القديمة، وأزمنة الثورة المستمرة والموت تحت أعواد المشانق، مضى بعدما حولته السنوات الأخيرة من يساري حتى العظم إلى إسلامي حتى النخاع. كان يحلم بفجر عربي منير وشرق عربي فوق العادة. كما كان في أيام الزهو والسعادة وفي عصر التألق الإسلامي والعربي. لكن الحلم كبير وتحقيقه يكلف الكثير، فالأعداء على كل درب وفي كل مكان، يتربصون بالإنسان ويعاملونه كما الحيوان. و أنت يا صاحبي أيها الأسمر العنيد، لست من الذين يقبلون بالزمن الجديد ولا بواقع الحال السائد.حيث لم يبق من العرب سوى اسمهم.أما أرضهم فصارت مرتعاً لكل أصناف الاحتلال. وأنت يا أبا سمرة لست ككل الناس، فقد عجنتك المبادئ منذ اليوم الأول، وفي فترة التكوين على أزقة المخيم وفي زواريبه الضيقة. حيث كان زاروبك زاروبنا وزقاقك زقاقنا ونهجك نهجنا واندفاعك اندفاعنا، دفاعاً عن أمة كادت تنقرض. وكانت تلاوتك تلاوتنا ولازلنا من بعدك ننتظر فجر النصر وانبعاث قريب.

كنا معاً نشكل بداية الطوفان الثوري في زمنٍ ذبحت فيه فلسطين وحاولوا كذلك ذبح مخيمات أهلها في الشتات. نذكرك وأنت القابض على الجمر والزناد، أول المتقدمين إلى خط التماس وآخر المنسحبين. قالوا عنك الكثير ولكن مثلي ليس بحاجة لشهادة الآخرين عنك. فأنا عشت معك وعرفتك أيام عنفواننا اليساري. والتقيت بك عدة مرات بعدما أصبحت من أتباع الشهادة القديمة- الجديدة المتجددة. أتذكرت يا ابا سمرة وانت تودعنا دون أن ندري، اليوم الذي كنا قضيناه متسكعين على كورنيش صيدا وعند خط السكك الحديد تحت ظلال النخيل بعد نهر الأولي. حدثتني يومها عن مقاومة الاحتلال الصهيوني في صيدا وعين الحلوة، وعن تجربة قوات شهداء عين الحلوة “حتما سنلتقي” وعن رفاقك- رفاقي الشهداء، أبطال تلك المرحلة الصعبة. لازالت الصور يا صاحبي تشهد على تلك الفترة من الزمن وعلى ذاك المشوار في ذلك اليوم الذي لم ولن يتكرر.

سألت عنك مؤخراً فقالوا أنك رحلت ويا لرحيلك كم هو عظيم. فليس كل إنسان ملتزم ومؤمن بنهج المقاومة يستطيع الوصول الى حيث مثواك الأخير. هناك واجهت أعوان الصهاينة وقاتلت المحتلين، ورددت أناشيد الشهادة قبل ان تتقبلها بصدر رحب. اختطفتك رصاصاتهم أو قنابلهم بعدما قاومتهم لشهور.

ماذا أقول لك يا صديق الصبا والمعسكرات والمواقع المتقدمة في جنوب لبنان. أقول وداعا أيها الأسد الأسمر. يا شمعداننا الباقي واقفاً، مشعاً، منيرا مثل تاريخ الأمة. وداعاً يا نبراسنا المشع وشعاعنا النوار. وداعا أيها الفتى الذي خسرته مقاومة أهل فلسطين وخسرته كذلك مقاومة شعب العراق. فأمثالك يا صديقي قلائل. لذا أقول لك ليس كل من نودعه يموت ننساه، فأنت حي في شهادتك ومثال في كفاحك.

نبذة عن الصديق الشهيد محمود عيسى – أبو سمرة

مواليد مخيم عين الحلوة في لبنان

كان في شبابه وحتى بداية تسعينيات القرن الفائت مناضلا في صفوف جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الشهيد الأمين العام طلعت يعقوب.

كان مناضلا صلباً وانسانا طيباً وفلسطينياً أصيلا.

كان من مؤسسي مجموعة حتماً سنلتقي – قوات شهداء عين الحلوة – الجناح العسكري السري لجبهة التحرير الفلسطينية بعد الاحتلال الصهيوني للمخيم سنة 1982.

شارك في العديد من المعارك والمواجهات والتصدي للغزو الصهيوني سنة 1982. وكذلك في عدد من العمليات الفدائية ضد الاحتلال وعملائه في صيدا ومخيم عين الحلوة.

مطلع التسعينيات تبنى الفكر الجهادي الاسلامي واستشهد في العراق المحتل اثناء مواجهة مع قوات الاحتلال الأمريكي.

13-04-2007

تم التعديل في 21-1-2021

نشرت في موقع الصفصاف – وقفة عز