الأرشيفوقفة عز

أسرى محررون يحتضنون أطفالهم للمرة الأولى.

أطفال النطف المهربة من سجون الاحتلال يستقبلون آباءهم المحررين بصفقة التبادل …

لأول مرة التقى بعض الأسرى المحررون في عملية التبادل مع أطفالهم الذين ولدوا من نطف هربت من السجون. لأول مرة يلمسون أيادي اطفالهم، يضمونهم الى صدرورهم ويقبلون رؤوسهم ويسمعون أصواتهم ويشعرون بنبضات ودقات قلوبهم.. بأصواتهم الهاتفة بكلمات “بابا” و ” يابا” وكذلك ” أبويا”التي تعني كلها “أبي” باللهجة الشعبية الفلسطينية.
أبناءهم هؤلاء ولدوا بابتكارات مقاومة ورغم أنف السجان والاحتلال، من نطفٍ كان الآباء المعتقلون والمحكومون بالمؤبدات ومدى الحياة هربوها من سجون الاحتلال. هناك عدد لا بأس به من الأطفال الفلسطينيين الذين ولدوا من نطف أباءهم أسرى المؤبدات. يعني الذين لن ولم ينتزعوا حريتهم إلا في عملية تبادل الأسرى، فبدون تلك العملية التبادلية كانوا محكومين وبقرارا من الأحتلال بالموت في السجون وبعدم اللقاء بأطفالهم وعائلاتهم.
بعض الأسرى ماتوا واغتيلوا في السجون بسبب الاحتجاز والاعتقال والحبس والاذلال والتنكيل والقمع والتعذيب والمرض وسوء العلاج والإهمال والموت البطيء، كما جرى مع بضع مئات منهم… ومن أولائك الأسرى الشهداء، نستحضر الشهيد المناضل الكبير، الأديب والمبدع، وليد دقة، والد الطفلة ميلاد التي ولدت أيضاً من نطفة مهربة من السجن. قضى وليد شهيداً في السجن الصهيوني ٣٧ سنة، الى أن توفي بسبب مرض عضال وإهمال قبل اطلاق سراحه بشهور عديدة.
مع سريان الهدنة وعملية تبادل الأسرى عادت قصص النطف المهربة وأباء الاسرى للظهور مجدداً مع تحرر بعض آباءهم قبل أيام من سجون الاحتلال. فشاهدنا الأسير محمد حروب وهو يلتقي بطفله وكذلك الأسير علي نزال الذي التقى بابنه.
قصة النطف التي هربت من السجون الصهيونية هي واحدة من القصص المؤثرة التي تتعلق باسلوب مقاومة الأسرى الفلسطينيين للسجانين وللقوانين الصهيونازية. فخلال فترات الاحتجاز في سجون الاحتلال، استخدم الأسرى الفلسطينيون طريقة مبتكرة للحفاظ على نسلهم ومنع انقطاعه في حال تعرضوا للموت لأي سبب أو الاستمرار في الأسر لفترات طويلة. هذه الطريقة تعرف بـ “تهريب النطف” أو “النطف المهربة”.
الفكرة هي أن الأسرى يقومون بتخزين نطفهم (الحيوانات المنوية) بطريقة سرية، ليتم تهريبها من السجون بواسطة زيارات أو وسائل أخرى، بحيث يمكن استخدامها في وقت لاحق في عمليات التلقيح الصناعي لزوجاتهم. هذا الأسلوب يعتبر من الأفعال المقاومة التي تهدف إلى الحفاظ على الحياة والنسل الفلسطيني في مواجهة قسوة الاحتلال وظروف الأسر.
في عمليات تبادل الأسرى التي تحدث بين كيان الاحتلال الصهيوني والفصائل الفلسطينية، كان هناك العديد من الأسرى الذين تم الإفراج عنهم بعد فترات طويلة من الاعتقال. بعض هؤلاء الأسرى أصبحوا آباءً لعدد من الأطفال، حيث أن زوجاتهم حملن من نطفهم التي تم تهريبها أثناء الأسر.
مؤخراً، عاد هؤلاء الآباء من الأسر إلى أحضان عائلاتهم بعد عمليات تبادل الأسرى، واستقبلوا أطفالهم الذين تمت ولادتهم باستخدام النطف المهربة. هذه القصص تمثل رمزاً للمقاومة الفلسطينية ولإرادة الحياة التي يبديها الفلسطينيون في مواجهة الظروف القاسية التي يفرضها الاحتلال السادي والمتوحش.
قصة “النطفة المهربة” هي شهادة على القدرة البشرية العظيمة لشعب يصر على الحياة والاستمرار والديمومة والانتصار في نهاية المطاف. شعب قادر على التكيّف والمقاومة في أصعب الظروف… وقادر أيضاً على التمسك بالروابط الأسرية والحفاظ عليها لكي تبقى قوية رغم محاولات الاحتلال لتدميرها… كما دمر الحجر والشجر وأباد البشر في غزة.

نضال حمد
موقع الصفصاف
٣ فبراير ٢٠٢٥