الأرشيفعربي وعالمي

أعمق من حرب باردة وأشرس من مواجهة عسكرية وصراع العتبات

 

*كتب: المحامي محمد احمد الروسان*

بلا أدنى شك، يسود العالم هذا الأوان حالة متفاقمة من الدفع التاريخي الحاد والعميق، سأحاول أن أجمع وأكثف في(حويصل)كمّاً من المعلومات ضمن هذه القراءة، فنحن لا ننجّم ولا نقتحم علم المستقبليات الذي يعتمد نظريات فلسفة التاريخ، عندما نبحث شكل العالم القادم بعد ضم القرم، فنحن أمام يالطا جديدة أنهت يالطا القديمة.

أحسب وأعتقد أنّ أوكرانيا ستبقى أولوية أمريكية أولى(في عهد ترامب كما كانت في أواخر عهد أوباما)وهي نتاج الحدث السوري، وايران أولوية ثانية وهي الحلقة المستهدفة استراتيجياً عبر الحلقة السورية، والملف الفلسطيني أولوية ثالثة، والملف السوري بشكل عام أولوية رابعة رغم الشعور الغربي بقلق شديد نتيجة ارتفاع أسهم سيطرة الدولة السورية بمساعدة الروسي، على بؤر وساحات ساخنة تستهدف السياسة أكثر مما تستهدف الميدان والسيطرة، نتيجةً للغة الميدان العسكري السوري لصالح دمشق، والرسالة وصلت الرياض وقطر وتركيا، فذهبت الأخيرة الى عميق التفاهمات التي تبلور بعضها على شكل اتفاق مع الروسي، ألمح له الرئيس التركي أردوغان في تعليقه على اغتيال السفير الروسي في تركيا، وأنّ الجيش السوري خضع لأعادة هيكلة ميدانية عميقة، وسيكولوجية بالغة الأهمية على مدار الأزمة السورية، وواشنطن تعمل على المتابعة وفي احتواء نتائج ضم القرم على المنظومة الدولية، بحيث لا يتمدد النفوذ الروسي سريعاً في دول حدائقه الخلفية، ذات المجال الحيوي للأمن القومي الروسي، وهناك قراءة أمريكية مستحدثة لفريق الرئيس المنتخب دونالد ترامب، في تفسير نبرة الرئيس محمود عباس ابو مازن الأخيرة، حيث وجدت فيها واشنطن معالم لتدخل روسي واضح في اعادة احياء اللجنة الرباعية، بينما أمريكا تريد جعلها بيدها وحدها فقط، وبعيداً عن موسكو في الداخل الرباعي الدولي الراعي للمفاوضات، وكذلك بعيداً عن موسكو خارج الرباعي الدولي أيضاً.

وكلّما ارتفعت بتفاقم عميق حدّة الكباش الروسي الأمريكي، كلّما زادت حرارة التدمير الممنهج في سورية وتوسعت رقعة الأرهاب في المنطقة، وتوسع رقعة الأرهاب في الشرق الساخن وقلبه سورية، قد تغير وتبدّل كل المعادلات وتقلب الطاولة على رأس الجميع، وهذا يدفع العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي في المرحلة القادمة بعد تولي ترامب سلطاته الدستورية، الى حالة من المجاهرة والأعلان بما صارت تقبله ضمناً، وهو بقاء الرئيس الأسد ونسقه السياسي، على شرط ضرب الأرهاب الأممي في المنطقة والعالم.

بالمقابل هناك طرف أمريكي مستمر في عمله وفاعل وصقوري يتصل بحبل سريّ بالبلدربيرغ الأمريكي يقوم بأدوار خطيرة، تشي أننا أمام المرحلة الثانية من الحرب في سورية وعليها، لتحسين شروط التفاوض الأمريكي الغربي البعض العربي المرتهن أمام المحور المقاوم الممانع والمضاد، وهناك سلاّت من الضغوط القادمة على الأردن لمزيد من توريطه بالحدث السوري، لنقل الفوضى اليه ولجعله(مثل اسفنجة)تمتص مخرجات المفاوضات الفلسطينية الأسرائيلية العبثية(السريّة والمعلنة)، فهل يزور الملك ايران قريباً لغايات ادارة فاعلة لملف الضغوط الأقتصادية والسياسية والأمنية على بلاده؟ التنسيقات العسكرية والمخابراتية بين موسكو وعمّان تتفاعل وتتطور ونوعية في مفاصلها(لمّح السفير الروسي في عمّان لها في آخر لقاء صحفي له)، هل كل ذلك من أجل الترتيبات الخاصة والعامة لترسيخ تواجد الجيش العربي السوري على كامل الجبهة الجنوبية وفتح الحدود رسميّاً بعد الأنجازات النوعية والكمية للجيش العربي السوري شقيق جيشنا العربي الأردني؟ ان كان كذلك فهذا مؤشر قوي وفاعل يدل على انفلات السياسة الأردنية من قيود كانت تقيّدها في الفترة الماضية، وربما يحصل لقاء على أعلى المستويات في القريب العاجل، وبرعاية روسية في قصر الشعب في استدارة أردنية كاملة خاصةً وبعد خيبات عميقة لعمّان، ان في مؤتمر لندن الأخير بخصوص اللجوء السوري في الأردن، وان في جلّ الدعم الدولي للآردن.

الدولة الأردنية بمؤسساتها المختلفة وعنوانها الملك، والأخير يدرك حركة التاريخ في الجغرافيا الثابتة وعليها، ويدرك قاعدة الدفع التاريخي الحاد(الأحتكام والأمتثال لثقافة العولمة والتجارة الدولية ونسج المصالح وتهيئة أسباب تعظيم المكاسب وتحويل الأخطار الى فرص)، ويدرك أنّ العالم بعد ضم القرم وعودتها الى حضن أمها الرؤوم ليس كالعالم قبل الضم، ولأول مرة بعد الحرب العالمية الثانية تتغير الحدود الدولية، ويمتد هذا الأدراك الى أنّ الصراع الأن في العالم هو صراع بين(مفهوم احترام مبادىء الأخلاق التقليدية في السياسة الدولية واحترامات عميقة للقانون الدولي)وهذا المفهوم المتصاعد تتبناه نواة الدولة الروسية، و(مفهوم تصنيف الدول في العالم بين محور الخير ومحور الشر)تتبناه مؤسسات الولايات المتحدة المختلفة لتبرير عداواتها على الشعوب المستضعفة، كونها فقدت القدرة على التأثير وفي التأثير الجدّي والحقيقي في خصومها وحلفائها، وهي كما وصفها الأعلام المضاد للمحور الأمريكي الغربي البعض العربي المرتهن والتابع، مثل لاعب كرة القدم الذي وصل لسنّ متقدمة من العمر، فصار يلعب بخبرته لا بقدرته على المناورة والمراوغة، ومن هنا جاء قول الملك: الفعل العسكري الروسي الفعّال في الداخل السوري، هو من دفع العالم بشكل جدي وحقيقي للبحث عن حل سياسي للمسألة السورية. روسيّا تدرك أنّ هناك محاولات أمريكية وغربية واسرائيلية وبعض عربية واهمة، كلّها تسعى لتفخيخ روسيّا من الداخل، مع عدم انكارها واغفالها للقوّة الميثولوجية للأمبراطورية الأمريكية، وهذا مؤشر قوي على حكمة وواقعية القيادة الروسية ونخبة نواتها الصلبة التي تعمل كفريق واحد، ان لجهة السياسي والدبلوماسي، وان لجهة الأقتصادي والمالي، وان لجهة العسكري والمخابراتي، وان لجهة الثقافي والفكري في تعزيز الشعور القومي الروسي المتواصل، والأجتماع الأخير لمجلس الأمن القومي الروسي بحث الشياطين في التفاصيل لمسارات الأزمة السورية بعد تحرير حلب واغتيال السفير الروسي في تركيا، مع العمل على تنفيذ وتطبيق القرار 2254 والذي هو تسييس لعاصفة السوخوي الروسية ونتيجةً لها.

وصحيح أنّ القرار الذي تم اعتماده للحل في سورية 2254 والقرار الذي قبله 2253 والذي صاغه وزيرا مالية واشنطن وموسكو المتعلق بتجفيف منابع الأرهاب ويضع دول الجوار السوري على المحك ويحشرها في خانة اليك، وقبلها من قرارات سابقة، يؤكد فشل المؤامرة والعدوان على سورية ونسقها السياسي ورئيسه وعلى قومية جيشها العربي العقائدي، لكن ثمة كمائن في نصوصه وبنوده الخمسة عشر ومضامينها، يمكن للخاسر في الميدان السوري وحدثه من الطرف الثالث أن يتسلّل منها(أي يزرق بالعاميه)ليعوّض هزيمته العسكرية الميدانية في السياسة، لكن في المحصلة والنتيجة: الذي لم يتمكنوا من الحصول عليه في الميدان العسكري على مدار ست سنوات من الحرب لن يحصلوا عليه لا في السياسة ولا في قرارات لمجلس الأمن، ودائماً وأبداً فلا أحد يعرف كيف تفكّر د دمشق، فسياسة دمشق بالنسبة للغربي لغز مستمر.

أوكرانيا هي عتبة البيت الروسي نعم، وهذا صحيح الواقع وعلم الرياضيات السياسية، وليس من الحكمة بمكان أن يقاتل العدو الغربي والأمريكي على العتبة البيتيّة، لأنّه هنا صار داخل البيت فتمّ ويتم مقاتلته داخل عقره وحدائقه الخلفية، عبر تعزيز وبناءات جديدة للقواعد العسكرية الروسية في سورية و كوبا، وحتى لا يتم الأستفراد بالأولى واسقاط نسقها السياسي ورئيسه الشرعي بشّار الأسد، ولا يصار الى اختطاف الثانية أمريكيّاً بعد عودة العلاقات الكوبية الأمريكية، وفي فنزويلا ونيكاراغوا وفيتنام أيضاً، والآن في أرمينيا، فمحور واشنطن تل أبيب ومن ارتبط به من غرب وبعض عرب متصهين واهم ومخادع عرض المعادلة التالية بكل بساطة: سورية مقابل أوكرانيا فتمّ الرفض الروسي(بلا)روسيّة بحجم العالم، مع دخول روسي عسكري شرعي في سورية لتطهير جلّ الجغرافيا السورية من زبالة الأرهاب المدخل، حيث الموقف الروسي قائم على رؤية بعيدة المدى واستراتيجية دقيقة متماسكة وحسابات علم الرياضيات السياسية، حيث أوكرانيا لا تشكل سوى جزء ومهم ولكنه محدد، حيث المشتركات بين الحدث السوري والحدث الأوكراني في الجغرافيا والأستراتيجيا.

نعم الوجود العسكري الروسي الفاعل على الشاطىء السوري وفي داخل الجغرافيا السورية، يمثل حالة التوازن مع الوجود الأطلسي في تركيا، بل لكسر هذا الحاجز التركي الأطلسي الذي أريد له أن يشكل مانعاً من تدفقات الوجود الروسي في جنوب تركيا(الناتو الآن يتهدده خطرين، واحد في الشرق حيث الوجود العسكري الروسي على الشاطىء السوري وفي كل الجغرافيا السورية، والأخر في جنوب تركيا حيث الأرهاب وكلاهما يجتمعان في الداخل التركي، لذا أنقرة أكثر دولة من دول الناتو انكشافاً أمنيّاً)، وبالتالي واهمون وسذّج من يعتقدون أنّ الوجود العسكري الروسي الفاعل في سورية وعلى الساحل في طرطوس، هو وجود ثانوي نسبة الى حضورها في شبه جزيرة القرم، فروسيّا الخارجة من سورية هي روسيّا الغارقة عندّ عتبتها الأوكرانية، وهي روسيّا المقفل في وجهها بحرها الأسود(رئتها)، باختصار روسيّا الخارجة من سورية كما يريد المحور الصهيوني الأمريكي الغربي البعض العربي الواهم والمخادع، يعني روسيّا الخاصرة لمصالحها الأستراتيجية والفوق الأستراتيجية، كون جوهر معركة موسكو ليس في أوكرانيا بل في سورية، والأخيرة هي جوهر الفكرة وبالتالي هي المعركة الكبرى والأولى( أي المعركة في أوكرانيا) هي ثغرة صغيرة ولكنها مهمة.

روسيّا نجحت بتمنهج في جعل عنوان النسق السياسي السوري العقدة والحل معاً، لا بل وعقدة الحل نفسه حفاظاً على الأمن والسلم الدوليين، ونكايةً بالطرف الخارجي بالحدث السوري من أمريكيين وبريطانيين وفرنسيين وبعض العرب، والروس أرسوا توازناً دقيقاً حال وما زال يحول دون تدخل عسكري خارجي في سورية، كما يحول دون سقوط الرئيس الأسد واخراجه كرهاً أو حبّاً، من أتونات المعادلة السورية الوطنية، إن لجهة المحلي وتعقيداته، وان لجهة الإقليمي وتداعياته ومخاطره، وان لجهة الدولي واحتقاناته وتعطيله وأثاره على الأزمة الاقتصادية العالمية، وبالتالي أثاره على نسب النمو الاقتصادي واستعادة المنظومة الاقتصادية الأممية لعافيتها، بعد أزمة الرهن العقاري وارتباطاتها في الولايات المتحدة الأمريكية – شرارة وجوهر الأزمة الاقتصادية الأممية.

كما نجحت موسكو وبقوّة بأن جعلت الأسد ونسقه السياسي طرفاً رئيسياً في التسوية، وان بقاء الأسد ونسقه ليس فقط ثمناً من أثمان مسألة التسوية الكيميائية السورية في حينه، كما يظن السذّج من الساسة والذين تمطى رقابهم كالعوام، بل أنّ الرئيس الأسد وموضوعة بقائه صارت بفعل الدبلوماسية الروسية الفاعلة والجادة، خارج دائرة التفاوض والمساومة ومسألة خارج النقاش بالنسبة لموسكو وإيران ودول البريكس، والشعب السوري وحده يقرر مصيره وعبر صناديق الأقتراع، أمّا بقاء الجيش السوري العقائدي لا يقرر يا بعض المعارضات السورية عبر صناديق الأقتراع أو عبر قرار من مجلس الأمن، فهو لا يقاتل عن قصر المهاجرين بل عن كل الوطن السوري الطبيعي، وقومية هذا الجيش العقائدي السوري هو ما يؤذي وجود ثكنة المرتزقة “اسرائيل” كيف ذلك؟

الدور القومي والوطني للجيش العربي السوري العقائدي، هو ما يقلق بل يزلزل مضاجع ثكنة المرتزقة “اسرائيل” ملكة جمال الكون، ووصيفاتها من بعض الساحات الخليجية والعربية، فقومية الجيش العربي السوري المترسّخة في عقيدته، هي هدف استراتيجي لثكنة المرتزقه هذه، ومن يسعى لعلاقات رأسيه وعرضية معها(أي ثكنة المرتزقة)من بعض عربنا الذي لا يملك معاهدات معها، ان كان سرّاً وان كان علناً، بوجود عارض الأزياء يوسي كوهين مهندس استعادة حرارة العلاقات مع بعض الساحات والدول، ان كانت عربية، وان كانت غير عربية ولكنها اسلامية في ظاهرها وعلمانية في عمقها.

كذلك قومية الجيش العربي الأردني وقومية الجيش المصري، وقومية الجيش الجزائري وقومية الجيش اللبناني وبعض الجيوش العربية الأخرى، هي أهداف لثكنة المرتزقة “اسرائيل” تسعى لتحطيمها ولو بعد حين، عبر تحويلها الى جيوش وطنية قطرية ضيقة محصورة بالجغرافيا السياسية، وحسب ترسيمات سايكس اللعين وبيكو الخبيث، وان كانت عمّان والقاهرة أبرمتا معاهدات في مرحلة ما مع ثكنة المرتزقة والبلاك ووتر هذه، لكن عقيدة الجيشان لم تتغيّر، وقوميتهما كذلك رغم مرور سنين، ورغم التنسيق الأمني بمستويات مختلفة.

بعض شخصيات المعارضة السورية في الخارج السوري وفي الداخل السوري وعلى حد سواء(لا أريد تسميتها لأنّها معروفة للجميع)، تسعى وبايعاز من أمريكا وبعض العواصم الغربية والعربية، وثكنة المرتزقة والبلاك ووتر”اسرائيل”، الى استبدال عقيدة الجيش العربي السوري العقائدي، عبر تحويله الى جيش وطني قطري ضيق، جيش طائفي لا يرقى الى مستوى مجموعات شرطية لا علاقة لها بالوطن السوري، فما يغيض ثكنة المرتزقة ثكنة بلاك ووتر هو قومية الجيش العربي السوري العقائدي كما أسلفت أنفاً ومعه بعض الجيوش العربية المعروفة بقوميتها.

في ظل هذا التيه والتوهان العربي، لم تعد الخيانة وجهة نظر، بل صارت عشقا دّنِساً، فبعض شخصيات المعارضات السورية هذه وبايعاز من مشغليّهم، يريدون تصوير الجيش العربي السوري وكأنّه مجرد أداة أو ماكينة يتم تحويلها من شرف النضال إلى دناءة الخيانة. فالموقف من ثكنة المرتزقة الصهيونية ومن برلمانها، ليست مسألة خيار سياسي أو فكري أو فلسفي أو نفسي أو مصلحي، بل مسألة وطنية قومية بعمق وبلا مواربة، وحيث نجح التطبيع في تمويه هذا، فعلينا كشفه ومواجهته.

بقاء ودور الرئيس الأسد يحدده الشعب العربي في سورية بالانتخابات وعبر صناديق الأقتراع، وهذا ما أكدت عليه صراحة نصوص ومضامين قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، لكن بقاء الجيش العربي السوري العقائدي لا يقرره صندوق الانتخابات، ولا يقرره معارض هنا ومعارض هناك في دفىء العواصم الأوروبية أو بعض العربية وبغاياهما، بينما الجندي العربي السوري الذي رضع القومية العربية مع حليب أمه فهي اكسير حياته وحياة قطره، ينطلق من الوطني الخاص الى القومي والوطني العام، كجندي جيشنا العربي الأردني حيث عقيدته ما زالت سليمة ولم تتغير، ورضعها مع حليب أمه كشقيقه السوري والجزائري والمصري واللبناني وغيرهم، الجندي السوري القومي يقاتل الفواحش والدواعش والدوامس والبواعص والنصرة، وما تسمى بأحرار الشام وجيش الأسلام وصعاليك جيش الفتح في كل الجغرافيا السورية، وهو لا يقاتل السابق ذكرهم من سلّة الأرهابيين الذين تم ادخالهم وعلى مدار سنوات من دول الجوار السوري مجتمعة ومنفردة لا ضير في ذلك، فهو لا يقاتلهم حول قصر المهاجرين، بل في كل الجغرافيا السورية ونيابةً عن العالم والأنسانية جمعاء.

بين حالات الخلع الأستراتيجي ومحفزاته وتراكيبه في المنطقة ومن المنطقة، والأرباكات الأمريكية المقصودة للشرق الأوسط كاستراتيجات بديله، لغايات هيكلة وهندرة الوجود الولاياتي الأمريكي لهذا النفوذ ولا أقول الأنسحاب الأمريكي، لغايات تحسين أليات الصراع المستتر مع بريطانيا(ومن يقع تحت مظلتها)والجاري على قدم وساق من تحت الطاولة، وحيث المال يجعل المعاق يسير على الحبال، فرأينا المرتزقة في العدوان السعودي البعض العربي على اليمن العروبي أصل العرب، للتساوق فيما ذهبت اليه السعوديه بالتوافق مع تركيا وواشنطن لعرقلة الفعل العسكري الروسي والسوري الفعّال، لغايات استعادت ما فقدته الأدوات الأرهابية من مساحات جغرافية في الداخل السوري، بعد خروقات نوعيه وكميه للجيش العربي السوري، الذي صار يملك المبادرة العسكرية الأستراتيجية في الميدان بالتعاون مع حلفائه، باسناد روسي عميق بالمعنى العسكري جوّاً وبرّاً بحدود، ان في شمال سورية، وان في جنوبها(الجبهة ما زالت مغلقة)، وان في غربها، وان في شرقها، حيث داعش والنصرة تحديداً في هذه المناطق، مع التأكيد أنّ ثمانين بالمائة من المساحات الخارجة عن سيطرة الدولة السورية وجيشها، يسيطر عليها داعش والنصرة وكلاهما منظمتين ارهابيتين باجماع دولي وحسب منطوق القرار 2170، وعشرين بالمائة من المساحات المتبقية يسيطر عليها فصائل مسلح ارهابية أخرى كأحرار الشام وجيش الأسلام وبعض صعاليك جيش الفتح، فأي أفكار أو اقتراحات بوقف اطلاق النار لن تصمد وغير فاعلة وغير عملية وغير منتجة وتشكل حماية لداعش والنصرة.

ففي ظلال المشهد السابق، تهتم الدولة العبرية(الكيان الصهيوني ثكنة المرتزقة)بدولة أذربيجان ومنذ سنوات وسنوات، وزادت اهتماماتها بباكو منذ بدء مفاوضات خمسه زائد واحد والتي أفضت الى جنيف ايران النووي، ومن بعد دخول الأتفاق النووي الأيراني حيّز التنفيذ زادت مفاعيل وتفاعلات اهتماماتها، والتي لم تتوقف يوماً من الأيام ومنذ انتصار الثورة الأسلامية الأيرانية، كون أذربيجان تعتبر النقطة الجيواستراتيجية الأكثر أهمية في منطقة أوراسيا قلب العالم القديم، وتمثل بوابة السيطرة على منطقة حوض بحر قزوين(بحر الخزر بالتسمية الأيرانية)الغني بالموارد النفطية والغاز الطبيعي، وعن طريق أذربيجان يمكن بسهولة تهديد منطقة قلب الدولة الحيوي في إيران، وذلك لقربها الشديد من العاصمة طهران، والمناطق الإيرانية الفائقة الأهمية والحساسية، إضافة إلى وجود حجم ليس بالقليل لما يعرف بـ(الأقلية الأذربيجانية)الموجودة في شمال إيران، وتتميز بمشاعر عداء قوية إزاء المجتمع الإيراني، وتنشط داخلها حالياً بعض الحركات الانفصالية التي تطالب بالانفصال عن إيران والانضمام لأذربيجان، وذلك بدعم المحور الأمريكي الغربي الأسرائيلي البعض العربي، ولأنّ أذربيجان تشكل نقطة تموضع كقاعدة يمكن تهديد المنشآت الروسية في مناطق منابع النفط الروسي منها، ومحطات الطاقة الكهرومائية الروسية، وأيضاً منطقة جنوب غرب روسيا التي تتمركز فيها الأنشطة الصناعية الروسية، ولأنّ أذربيجان تشكل بطريقة أو بأخرى محطة لدعم الحركات المسلحة في آسيا الوسطى ومنطقة القفقاس، وبالتالي فإن دعم هذه الحركات عن طريق باكو من الممكن أن يؤدي إلى المزيد من القلاقل في هاتين المنطقتين. عرّاب المحطّة الأذربيجانية في خلايا نواة ثكنة المرتزقة اسرائيل، هو يوسي كوهين ومنذ أن كان مستشاراً للآمن القومي الأسرائيلي، وضمن الدائرة المغلقة لنتنياهو وقبل أن يصبح رئيساً لجهاز الموساد، فعل ذلك بالتعاون مع المخابرات البريطانية الفرع الخارجي، حيث اسرائيل تدرك طبيعة الصراع البريطاني الأمريكي، ومحاولات لندن استعادة مناطق النفوذ التي خسرتها بعد الحرب العالمية الثانية، عبر استثماراتها العميقة في المشهد الدولي الجديد الذي ظهر بعد ما سميّت بموجات الربيع العربي وتسخين الساحات وظهور دواعش الماما الأمريكية(راجع تحليلنا السابق: ثمة صراع أمريكي بريطاني على فرز ديمغرافي وجغرافي للساحات). 

والسؤال هنا: لماذا تزايد عدد الجالية(الأسرائيلية)والنخب الأقتصادية في مناطق بحر قزوين وأسيا الوسطى وخاصة في الأذربيجان، حيث تلك النخب ذات الخلفيات السياسية والمخابراتية وغيرها، والتي تبقى تملك خيوط وحبال سريّة تتغذّى من مجتمع المخابرات العبري الصهيوني ويتغذّى منها، كل ذلك بالتشارك مع المافيا (الأسرائيلية)ان لجهة الداخل الأسرائيلي، وان لجهة الخارج الأسرائيلي؟ ولماذا تتواجد كبرى وصغرى الشركات “الإسرائيلية” هناك مع سلّة محفزات مالية هائلة؟ لسلّة الأسباب السابقة ومحفزات حزمها المختلفة، بجانب حزم وأسباب اقتصادية وعسكرية وأمنية استراتيجية أخرى، تعنى نواة ومخ الكيان الصهيوني بأذربيجان وموقعها ومكانتها، وتشجع جلّ الشركات الأسرائيلية الكبرى والصغرى للعمل هناك، مستفيدة من حزم التسهيلات الأقتصادية والسياسية والأمنية التي تقدمها باكو لمن يريد الأستثمار فيها، كما تشجع يهود روسيا الذين هاجروا اليها في السابق بالهجرة الى هناك الى باكو، كما فعلت وتفعل ازاء أوكرانيا ومنذ أكثر من عشر سنوات، حيث الدور الأسرائيلي تجلّى في الحدث الأوكراني الآن بالرغم من أنّ عدد اليهود الأوكران لا يتجاوز الربع مليون من أصل 47 مليون عدد سكّان أوكرانيا، والكل رأى الفيلسوف الفرنسي اليهودي الصهيوني برنار هنري ليفي في أوكرانيا وسط المتظاهرين، ومعه بعض حلفائه من المحافظين الجدد الأمريكان كجون ماكين وغيره.

وفي المعلومات، أنّ من أبرز العوامل التي ساعدت على ذلك، قيام(إسرائيل) بتشجيع اليهود الروس على القيام بالهجرة المعاكسة، أي دفع اليهود الروس المقيمين بإسرائيل للهجرة إلى أذربيجان، وتوفير الدعم اللازم لهم لإنشاء الشركات والمنشآت، على النحو الذي جعل من اقتصاد أذربيجان يقع بقدر كبير تحت سيطرة الشركات اليهودية والإسرائيلية، وكذلك الحال فعلت وتفعل ازاء أوكرانيا. إنّ وقوع أذربيجان تحت دائرة النفوذ الأمريكية والقبضة الإسرائيلية الخانقة على اقتصادياتها، سوف يلقي بتداعيات كبيرة على الأمن الاستراتيجي في منطقة شرق المتوسط، وذلك لأنه يمثل مصدراً خطيراً لتهديد إيران، والضغط على المصالح الروسية بما يعوق حركة روسيا الداعمة للبلدان العربية، كذلك يؤدي إلى تهديد تركيا نفسها، لأن أنابيب نقل نفط بحر قزوين تنطلق من أذربيجان، وبالتالي يصعب على تركيا الاستقلال بقرارها بمعزل عن أذربيجان.

وفي المعلومات أيضاً، يقوم الأيباك في الداخل الأمريكي وفي الخارج الأمريكي، على توجيه بعض مراكز الدراسات الأمريكية والأوروبية وبعض مؤسسات المجتمع المدني(وهي بمثابة نوافذ استخباراتية في الدواخل العربية)في بعض الدول العربية، والتي تدور في الفلك الأمريكي وخاصة بما كانت تسمّى بدول الطوق العربي،  تقوم بعض مؤسسات المجتمع المدني هذه، والمدعومة مالياً من العاصمة الأمريكية واشنطن دي سي، لأجراء الدراسات والأبحاث اللازمة لبحث مسألة أو النموذج الأذربيجاني للتعايش بين اليهود والمسلمين تحت مضامين وتفاصيل السؤال التالي:- وهل من الممكن أن يتم تعميمه كنموذج مستقبلي يتم تطبيقه في البلدان العربية المسلمة، بحيث يتحقق تعايش يهودي عربي على غرار النموذج الأذربيجاني؟!.

وبشكل عام أنّ منطقة القوقاز وآسيا الوسطى أو اللتان تعرفان إجمالاً بمنطقة أوراسيا كما أسلفنا، يمثلان الحيز الجيوسياسي الأكثر أهمية لمشروع الهيمنة الأمريكية الذي تمثل(إسرائيل)شريكاً رئيسياً فيه، (وأسرائيل)قامت في السابق وتقوم بدور الوكيل الأمريكي الذي يقوم بعملية توصيل دعم واشنطن دي سي، إلى حواضن أدواتها السياسية والأقتصادية والأستخباراتية في أوكرانيا وجورجيا وغيرهما من دول الحدائق الخلفية للفدرالية الروسية، كما تقوم تل أبيب بدور قناة تمرير المعلومات الاستخبارية التي يتم تجميعها عبر الجماعات اليهودية المنتشرة في بلدان آسيا الوسطى والقوقاز، إلى الولايات المتحدة الأمريكية عبر وكالة الأمن القومي الأمريكية ومجتمع المخابرات الولاياتي الأمريكي بشكل عام، وهذا ليس دور جديد بل هو قديم جديد ومنذ أيام حلف وارسو وصراعات الحرب الباردة، حيث ما يجري الآن هو أعمق من حرب باردة وأشرس من مواجهة عسكرية، كل ذلك عبر المسألة السورية والمسألة الأوكرانية الان، حيث الأخيرة مع أسباب أخرى نتاج المسألة الأولى وعقابيلها.

تساوقت في الأهداف وتعاونت(اسرائيل)خلال فترة إدارتي جورج بوش الأبن لجهة القيام بإشعال مشروع الثورات الملونة، وعلى وجه الخصوص في جورجيا وأوكرانيا، إضافة لذلك فقد سعت إسرائيل إلى توظيف قدرات الجماعات والمنظمات اليهودية في أوراسيا، للسيطرة على الأنشطة الاقتصادية والسياسية وبناء الكتل السياسية الموالية للغرب.

بعد فشل الثورات الملونة ونكسة نظام ساخاشفيلي الجورجي بدأت كما هو واضح معالم لاستراتيجية دبلوماسية إسرائيلية جديدة في أوراسيا، وهي استراتيجية تقوم على معطيات ورهانات جديدة، وان كان الرهان في السياسة ليس يقيناً، حيث تراهن الدولة العبرية على أن يكون التعاون، مع أذربيجان بدلاً عن جورجيا، لأن أذربيجان توجد فيها حقول النفط والغاز إضافة إلى خطوط نقل النفط والغاز من بحر قزوين(بحر الخزر)وبلدان آسيا الوسطى سيتم تمريرها عبرها، ويضاف إلى ذلك أن وجود علاقات الجوار(الإيراني الأذربيجاني)تضمن دوراً كبيراً من التوتر بسبب دعم أذربيجان للحركات الانفصالية الأذربيجانية الإيرانية، إضافة إلى قابلية النظام الأذربيجاني للتعاون مع(إسرائيل)في تنفيذ مخطط استهداف إيران، ولتقويض الأتفاق النووي الأيراني الذي دخل حيز التنفيذ. كما تراهن(اسرائيل)على كازاخستان لتكون الشريك الرئيسي لها من بين بلدان آسيا الوسطى، بدلاً عن أوزبكستان التي امتلأت بالحركات الأصولية الإسلامية، وكيرغيزستان وطاجيكستان اللتان أصبحتا أكثر ارتباطاً بروسيا، وتركمانستان التي بدأت تميل إلى التفاهم مع إيران وروسيا وتركيا. إنّ البلدربيرغ الأمريكي( جنين الحكومة الأممية)يدفع أي ادارة أمريكية وبعض الدول الأوروبية وحلف الناتو، من أجل الاعتماد على(إسرائيل)باعتبارها تملك مفاتيح كازاخستان الدولة الرئيسية في آسيا الوسطى، وأذربيجان الدولة الرئيسية في القوقاز الجنوبي. ولا بدّ من القول أنّ مجتمعات المخابرات في كل من روسيّا وايران والصين وبعض الدول الأخرى الحليفة، تتابع كل ما ذكر أنفاً وبشكل دقيق وموضوعي، وتقول المعلومات أنّ هناك غرف عمليات مشتركة بعضها موجود ومنذ سنوات والآخر تم استحداثه منذ أربع سنوات تقريباً، تعمل على مدار الساعة عبر خطوط ساخنة ومفتوحة على كافة المستويات الأمنية والعسكرية، وترفع تقارير مشتركة الى المستويات السياسية في هذه المنظومة الدولية الجديدة، ذات الأهداف المشتركة للوصول الى نوع من التوازن الدولي عبر عالم متعدد الأقطاب.

أتفق مع غيري من الخبراء، أنّ العنوان الرئيسي لهذه المرحلة هو الخلع الاستراتيجي من المنطقة وفي المنطقة، و المتمثل في اعادة هيكلة الوجود الأمريكي في أفغانستان وليس بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان وفي كل جغرافيا الشرق الأوسط ككل، لغايات مواجهة الصراع على محاولات بريطانيا استعادت مناطق النفوذ التي خسرتها بعد اتفاق يالطا ما غيره، بعد اعادة(هندرة)الوجود الأمريكي في العراق، والذي صار يعود من جديد عبر ما يحدث في الأنبار وتحت عنوان مكافحة الأرهاب، من هنا تأتي أهمية إرباك المنطقة الشرق الأوسطية كحاجة أميركية للخروج من متاهاتها العميقة، عبر اعادة تموضعها وحصر أولوياتها وتنازلات هنا وهناك، للوصول الى تفاهمات مع التكتل الدولي الاخر وعنوانه موسكو.

ولسان حال الفدرالية الروسية يقول: بأنّ هناك حصار تحاول الولايات المتحدة الأمريكية ضربه حولنا، من قلب أوروبا وحدودنا الحيوية في مواجهة شبكة صواريخها هناك، حتى آسيا الوسطى. فالمسألة تبدو بالنسبة إلينا كأنها استعادة أميركية كاملة للأجواء التي كانت سائدة بيننا قبل نصف قرن، لمجرد أن واشنطن أدركت فقدانها لأحادية قطبيّتها العالمية، عادت معالم الحرب الباردة، ثم لدينا مصالحنا الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية في المتوسط، لم يعد لدينا موطئ قدم هنا إلا في دولتين اثنتين: الجزائر وسورية، ومن الخطأ الفادح التفريط بأي منهما، خصوصاً في سورية الدولة المركزية المحاذية لكل قضايا الشرق الأوسط والمشرق العربي، فضلاً عن القضايا الملامسة لبعدنا الاستراتيجي في أوراسيا وحدودنا الجنوبية.

*عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية*

اترك تعليقاً