أيلول – سبتمبر عاد ولم يعد رشاد..
في الذكرى الأولى لوفاة الحبيب رشاد أبوشاور
أيلول – سبتمبر عاد ولم يعد رشاد..
ما عاد الروائي لأنه لم يغب عنا، فقد بقي كما كان، رشاد القصاص الفدائي.
ما عاد رشاد لأنه لم يغادر الميدان، فهو هنا وهناك، موجود معنا وفي كتاباته التي تصلح لكل مكان وزمان، فيها روح مقاومة ولهيب كفاح وانتماء للأرض والانسان.
أيلول عاد وما عاد رشاد.
لكن الوجع رجع ممزوجاً بالحزن والألم وفقدان من أحببناهم ..
في نهاية أيلول – سبتمبر فقدنا أحبة كثيرين وكتاب ومناضلين، رواد فدائيين.
بالدم كتبوا لفلسطين.
سنة بلا رشاد، معقول؟

سنة كاملة لا اتصال هاتفي ولا مكالمة ولا مكاتبة ولا صوت ولا صورة ولا رواية ولا قصة ولا خاطرة ولا نص ولا موضوع أو مقالة .. ولا نصيحة أو لفت انتباه.. إعتاد رشاد بأدب ودأب منذ حصار بيروت 1982 لغاية آخر أيامه أن يوجه لي بعض النصائح. كان يوجهها ونحن في خضم معركة ثقافة المقاومة والشهداء ضد ثقافة الهزيمة والاستسلام والاستزلام وشراء الضمائر والذمم.
كان رشاد طيباً جداً وفكاهي من الطراز الرفيع وصلب لا يلين ولا يمكن كسر إرادته.
كان رشاد فكاهيا لحد الضحك بلا توقف …

ذات مرة قمنا بزيارة الرفاق علي عزيز وياسين معتوق وابو نضال الأشقر ومحمد غانم وأبو المأمون وأبو الجاسم رحمهما الله، في مخيم اليرموك قرب دمشق ..
خرجنا من مكتب الروائي والأديب الكبير حسن حميد في مقر اتحاد الكتاب العرب في دمشق وصعدنا سيارة رشاد، كنت أعرف أنه لا يحب قيادة السيارات كما كان لا يحب قيادة التنظيمات والاتحادات .. على الطريق مرت قربنا شاحنة عسكرية مسرعة فأرتبك رشاد وكاد يصعد بسيارته على الرصيف. ثم أخذ يشتم السائق… وبعد أن هدأ قليلاً ، إلتفت إلي وقال يا أبا يعقوب: فلنحذر شاحنات الجيش العربي السوري… ضحكت من قلبي وتذكرت صاحبنا توفيق إرشيد (أبو الناجي)، الذي كان يقود سيارة رشاد في دمشق أو يحضر في سيارته من عمان إلى دمشق برفقة رشاد لهذا السبب.

كما تذكرت عوني صادق رحمه الله وتعليقاته على هذا الأمر. وتذكرت أيضاً الأديب والطبيب الرفيق المرحوم فايز رشيد وحديثه المشوق، الذي كان ينسينا عجقة السير والسيارة وصولاً الى باب المخيم وباب الحارة. وتذكرت الراحل المقاوم بسام رجا،صاحبنا الجميل في راديو القدس، وعلي بدوان ومشاوريه جيئة ذهبا بين شارعي اليرموك وفلسطين وصولاً الى الخالصة ومشحم عامر ومقهى الجليل.. تذكرت أبو يزن وكل الأحبة في مخيم اليرموك.
وصلنا مخيم اليرموك ودخلنا الزقاق المؤدي الى مكتب رفاق الشهيد الكبير طلعت يعقوب، رجل القيّم والمبادئ كما كان رشاد نفسه أطلق عليه هذا اللقب يوم رحيله في السابع عشر من نوفمبر 1988. هناك أمام المكتب لم نجد مكاناً لركن السيارة، فتولى الأمر إذا لم تخن الذاكرة أحد الرفاق.

صعدنا الدرج الى المكتب بشق النفس وبعد راحة قصيرة ذهب رشاد الى المطبخ، أراد صنع شاياً بالنعناع. عاد إلى الغرفة حاملاً علبة شاي وعلبة قهوة .. وأخذ يقول ضاحكاً: شاي الوديع للتنظيم البديع وبن العميد للتنظيم الفريد .. وصاحبنا أبو نضال الاشقر “سكر بالدم قد ما بدك بس سكر بالمطبخ فش” في إشارة منه إلى الحياة الصعبة لرفاق طلعت يعقوب، الذين كانوا بلا امكانيات مالية بسبب مواقفهم الوطنية المشرفة وحصارهم من قبل من دمروا قضية فلسطين وغدوا لحديين ووقائيين.
صنع رشاد الشاي ففاحت منه رائحة النعناع. جلسنا نرتشفه ولكن رشاد لم يكتف بما سمعناه، إذ نظر صوب الرفاق وقال: “الرفاق في جبهة التحرير الفلسطينية مواقف وطنية قد ما بدك بس موقف سيارة فش”.
كان رشاد مزيحاً وضحوكا ومحدثاً وسارداً رائعاً .. جمعتنا سنوات طويلة من النضال، بندقية وقلم وفكر وانتماء وموقف ملتزم. لي عودة للحديث عن ذلك.
* في الصورة بمقهى الروضة في دمشق قبل عشرون سنة أنا مع ياسين معتوق (ابو ابراهيم)، ومع الراحلين: الروائي والقصاص والأديب رشاد أبوشاور ، الكاتب الأديب عدنان كنفاني، الشاعر عبد الكريم عبد الرحيم.
نضال حمد
موقع الصفصاف – وقفة عز
27 ايلول سبتمبر 2025




















