الأرشيفوقفة عز

الخياط اسكندر ومخيطته على دوار الأمريكان – نضال حمد

الخياط اسكندر ومخيطته على دوار الأمريكان – نضال حمد

كل كبار السن في مخيم عين الحلوة ومن بعدهم الأجيال التي ولدت وعاشت في المخيم حتى الغزو الصهيوني صيف سنة 1982 كانت تعرف “اسكندر” الخياط الفلسطيني من أصول أرمنية. هاجر وحده أو مع عائلته الى فلسطين بعد المجازر وعمليات الترحيل التي تعرض لها الأرمن سنة 1915-1916. في ذلك الوقت لجأ الأرمن الى سوريا الكبرى ومنذ ذلك الوقت لازالوا يسكنون في سوريا ولبنان وفلسطين. أما أرمن فلسطين فبعضهم لجأ مع اللاجئين الفلسطينيين الى لبنان وسوريا وربما الأردن ومصر. بقي قسما منهم في فلسطين مثل عائلة الصديق غاير الأرمني الفلسطيني ابن مدينة عكا المقيم منذ عشرات السنين في اوسلو بالنرويج. في حين وصل اسكندر الى مخيم عين الحلوة قرب مدينة صيدا عاصمة الجنوب اللبناني وبقي هناك حتى مصرعه سنة 1982.

بحسب الأخ عبدالله سعيد من مخيم عين الحلوة فإن اسكندر يعتبر أقدم الخياطين على الاطلاق في مخيم عين الحلوة. تتلمذ عنده عدد كبير من الخياطين الفلسطينيين ومنهم أيضا بعض الناس من ذوي الحاجات الخاصة في سنوات الخمسينيات والستينيات. من الخياطين الذين تخرجوا من “مخيطة أو مدرسة اسكندر للخياطة” نجد كل من: أبو سمير دهشة وعلي القاضي وكلاهما من بلدة طيطبة في فلسطين المحتلة ومن سكان مخيم عين الحلوة. وكذلك أحمد شحادة وآخرين كثيرين لم يعد محدثنا الأخ عبدالله سعيد يذكر أسماءهم. كما هناك من الخياطين ولا أدري إن كانوا تتلمذوا عند اسكندر أم لا، والدي أبو جمال حمد وعمي أبو حسين حمد وكذلك أحمد وصدقي فرهود والصديق مجدي سلامة والعمدة الزغموت. رحم الله الأموات وأمد بعمر الأحياء منهم. من خياطي المخيم أيضا محدثي عبدالله سعيد الذي كان خياطاً لكن بدون محل للخياطة ومثله كان هناك خياطين آخرين. بعض خياطي المخيم عملوا في ليبيا والسعودية والكويت وفي بيروت وأشهرهم على الاطلاق في بيروت كان من بلدة عين الزيتون.

هناك من كتب لي أيضاً: “أن إسكندر هو أرمني الأساس وكان كثير التنقل بين لبنان وسوريا وفلسطين وكان مرات يذهب إلى السعودية ليس للحج ولكن لسرقة الحجاج. كما كان لديه زوجة وبنت وولد إسمه سمير. فعندما حصلت التغريبة الفلسطينية سجل اسكندر نفسه على أنه فلسطيني وحصل على بطاقة هوية للاجئين الفلسطينيين في لبنان. يعني أنه كان يأخذ الاعاشة مثلنا. للعلم فأن اسكندرا في أول مرة فتح محلاً للخياطة كان في حي أهل الزيب. حيث كان ينام في المحل هو وزوجته وابنته. ثم من بعدها لا أعرف إلى أين إنتقل وغاب مدة طويلة، ليعود بعدها ويفتح محلاً للخياطة عبارة عن براكية من الخشب والزينك، مقابل ثكنة الشهيد النقيب زغيب” للعلم كان في ذلك المحل المخيطة أو البراكية يصلح بدلات الجنود اللبنانيين وملابس اللاجئين الفلسطينيين والفقراء اللبنانيين. ثم فيما بعد انتقل إلى منطقة الجسر فوق وادي البرغوث عند دوار ومدرسة الأمريكان هناك افتتح محله وهناك رأيته كثيرا في طفولتي وفي بداية شبابي. بقي اسكندر في مكانه هناك حتى الغزو الصهيوني سنة 1982، حين قام أفراد من عصابة الكتائب والقوات اللبنانية العميلة للاحتلال الصهيوني بقتله بطريقة بشعة عندما علموا أنه فلسطينياً. فلم يشفع له أنه أرمني الأصل ولا أنه مسيحي الديانة.

كانت شخصيته مثيرة لنا نحن صغار المخيم، وهو الرجل الذي كان يحرص على ارتداء البدلات وتميز بشعره الشائب، فيما طغت لكنته الأرمنية على كلماته ومفرداته العربية. لا أذكر أنني في يوم من الأيام رأيته مع عائلته، مع زوجته أو ابنته او نجله سمير، الذين تحدث عنهم البعض. دائما كان وحيداً وعاش وحده في مكان عمله. حين قتله وحوش آل الجميل كان أيضاً وحيدا. أما سبب قتله عبر دق مسمار من الحجم الكبير في رأسه، أنه اعترف لهم بأنه فلسطيني أرمني.

ذهب اسكندر المغدور ضحية العنصرية والطائفية والانعزالية الفاشية اللبنانية الى جوار ربه، وبعد مماته جُرفت مخيطته – براكيته وجَفت المياه في وادي البرغوث، ثم قامت بلدية المدينة بردم الوادي ليصبح جزءاً من الشارع العام بعدما تمت توسعته على حساب وادي طفولتنا – وادي اسكندر الفلسطيني الأرمني.

نضال حمد

02-10-2021

الصورة من سنة 1956 لصيداويين على مجرى وادي البرغوث