الأرشيفوقفة عز

الشهيد جمال زعطوط 1963-1985 – نضال حمد

ولد عام 1963 في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في لبنان في كنف عائلة مناضلة عرفت بانتمائها الوطني وبحسها الثوري الفلسطيني. هذا وتعود أصول العائلة الى طيرة حيفا في فلسطين المحتلة. مثلها مثل اللاجئين الفلسطينيين الآخرين من بلدات ومدن وقرى الجليل والساحل الفلسطيني المحتلين تهجرت العائلة الى لبنان، لتصبح بين ليلة وضحاها في العراء، ثم في الخيام وفي المخيم ولازال اللجوء مستمراً حتى يومنا هذا بعد 73 سنة على النكبة.

في كنف العائلة وفي المخيم وحاراته ومدارسه ومعسكراته نمى وترعرع وشب ونشأ جمال زعطوط فدائياً مندفعاً ومضحياً ومناضلاً منذ الصغر. حيث كان يتمتع بشجاعة الموقف وسرعة بديهة اتخاذ القرار وقبل أي شيء بالحس الوطني العالي والراقي. تمتع أيضاً بالثقافة الوطنية والقومية والتقدمية، ثقافة الاشتباك والمواجهة، حيث كان شعاره مثل شعارات المقاتلين الشجعان آنذاك “قد أقبلوا فلا مساومة المجد للمقاومة”. فجمال ورفاقه أقبلوا ولم يدبروا، وهاجموا واستشهدوا ولم يفروا أو ينسحبوا. بدمائهم وبتضحياتهم وبحيواتهم صانوا وحموا مخيمهم عين الحلوة.

في مدرسة الفالوجة بمخيم عين الحلوة نال تعليمه الابتدائي، ثم في مدرسة حطين أتم كما كل أقرانه المدرسة المتوسطة التكميلية. كنا من جيل واحد ومواليد سنة واحدة وبدأنا المدرسة في في العام الدراسي نفسه، هو في الفالوجة وأنا في قبية. جمعتنا ساحة المدرسة وحارات وأزقة المخيم، كما جمعنا النضال لأجل فلسطين كل فلسطين.

مع بدء الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982 كان شهيدنا جمال قد بلغ التاسعة عشرة من عمره. فكان من قافلة الأبطال والشباب الذين حملوا السلاح وشاركوا في معركة التصدي والدفاع عن القضية والثورة والوجود الفلسطيني في لبنان.

يقول الصديق خالد زعطوط شقيق الشهيد جمال: “قامت قوات الاحتلال الصهيوني باعتقاله بعد فترة وجيزة من سقوط المخيم. كما اعتقلت الكثيرين معه وقبله وبعده. في ذاك الوقت كان يتم معهم تحقيق أولي ومن ثم يتم نقلهم بالباصات الى المعتقلات في الداخل الفلسطيني. لاحقا كان يتم تحويل المعتقلين الى معسكرات سجن أنصار. أطلق سراح جمال من معتقل أنصار ضمن عملية التبادل الأولى. بعد الخروج التحق  مباشرة بالعمل السري المقاوم للاحتلال و عملائه. فكان ضمن إحدى المجموعات التابعة “لمحكة الشعب” مع الشهيدين زاهر السعدي ومحمد خضر المقدح. استمر عمله بسرية وكتمان إلى أن انسحب الصهاينة من مدينة صيدا وضواحيها وأجزاء أخرى من الجنوب اللبناني”.

لم يتأخر الوقت حتى بدأت معركة شرق صيدا ضد القوات الفاشية الانعزالية اللبنانية بقيادة الفاشي سمير جعجع. كانت مواقع تلك القوات تحيط بمخيم عين الحلوة من عدة تلال عالية وجهات مطلة على المخيم. كما كانت تشكل خطراً كبيراً على حيوات وأمن سكانه. كما كانت تذكر الناس في المخيم بما تعرض له مخيم تل الزعتر من إبادة جماعية سنة 1976. وكذلك بحصار مخيمي جسر الباشا وضبية الصغيرين شرق بيروت. كما كانت تذكرهم بمجزرة صبرا وشاتيلا التي كانت ولازالت دماء الآلاف من ضحاياها الأبرياء ساخنة ولم تجف بعد.

الشهداء جمال زعطوط، تيسير الشايب، محمود المدد، نورالدين عيسى وعبد الناصر السعدي

في هكذا جو مشحون وخطير جداً كان جمال ضمن مجموعة شباب المخيم التي كانت سباقة للدفاع عنه وللاستماتة والاستشهاد في سبيل منع تكرار سيناريوهات المجازر وما حصل في مخيمات بيروت. تسارع جمال ورفاقه لتنفيذ خطة الهجوم على مواقع للفاشيين في تلة جبل الحليب والتلال الأخرى قرب المخيم، لمواجهة وصد قوات جعجع العميلة والمعتدية. اتخذت القيادة الفلسطينية المشتركة في المخيم قرارها بالهجوم الذي بدأ بالعملية الاقتحامية الأولى مع مجموعة من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ومنها الشهداء جمال زعطوط وتيسير الشايب ومحمود المدد وآخرين… كان حسب الخطة من المقرر أن يتبعها عملية اقتحام ثانية تشارك فيها كل الفصائل. يبدو أن المجموعة الأولى المقتحمة، مع جمال ورفاقه وقعت في كمين للقوات مع أنها وصلت الى المبنى، حيث دارت معركة استشهد فيها الأبطال. كما جرح فيها الأخ غسان ورد، واستطاعت مجموعة من جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة الرفيق الأمين العام طلعت يعقوب سحبه ونقله الى مكان آمن ثم الى المشفى.

استمرت الاشتباكات مع القواتيين الجعجعيين حوالي الشهر حيث كان المخيم طيلة الشهر المذكور يتعرض للقصف الوحشي اليومي، مستهدفاً السكان والبيوت الآمنة. كما نشط قناصة الارهابي جعجع في قنص أهل المخيم من التلال المحيطة به مما أدى لاستشهاد وجرح العشرات من أبناء وبنات المخيم. بناءا على كل تلك المعطيات على الأرض قررت القوات المشتركة حسم الأمر باقتحام مواقع الفاشيين الانعزاليين عملاء الصهاينة. فكانت عملية الاقتحام يوم العاشر من نيسان – ابريل 1985.

يقول أحد رفاق الشهيد: “مع ساعات الفجر الأولى ليوم العاشر من نيسان 1985 وبعد أن أمَ الشهيد تيسير الشايب بالمقاتلين وصلوا معاً صلاة الفجر وصلاة النصر في مؤسسة غسان كنفاني بالمخيم انطلقوا صوب موقع العملاء”.

في حديث مع صديق مشترك لي وللشهيد جمال ولشقيقه خالد، والشخص هو مسؤول موقع جبهة التحرير الفلسطينية هناك قال لي: “كان جمال وشقيقه الأصغر منه سناً ضمن الشباب الذين سينفذون عملية الاقتحام”. لكن اعتراض ذاك الشخص المسؤول عن مجموعة جبهة التحرير الفلسطينية التي كان ينتمي اليها الشقيق الأصغر منعهما من التوجه معاً. إذ طلب منهما أن يختارا من منهما سينطلق في العملية. بعد ذلك قررا أن الذي سيذهب في عملية الاقتحام هو جمال. وهكذا منعت حكمة قائد المجموعة أحد الشقيقين من الموت المحتم.

شهداء فتح الانتفاضة

تسللت المجموعة حتى وصلت الى أحد وأهم مواقع الجعجعيين الأمامية. هناك دارت عملية الاشتباك على بعد أمتار حتى من مسافة صفر أو ما يسمى وجها لوجه. في تلك العملية التاريخية المشرفة، البطولية، استشهد البطل جمال زعطوط. كما استشهد معه تيسير الشايب ومحمود المدد. في نفس الوقت وفي نفس اللحظة وفي مواقع أخرى استشهد أيضاً نور الدين نمر عيسى وجمال دحابرة من فتح الانتفاضة.. كما استشهد عبد الناصر السعدي نتيجة اصابته بقذيفة أطلقها الفاشيون على موقع لحركة فتح. بالمقابل تكبدت قوات جعجع خلال هذا الاقتحام خسائر غير معروفة. كما أدت العمليات الى إجبار ما تبقى منهم فيما بعد على ترك المواقع كافة والاندحار عن المنطقة وشرق المخيم. تكمن أهمية تلك العمليات الفدائية أنها حققت الأمان والطمأنينة لشعبنا في مخيمي عين الحلوة والمية ومية ،ولدى التجمعات الفلسطينية في منطقة صيدا. كما أنها قضت على مخططات الارهابيين الانعزاليين الفاشيين في احتلال المخيمين وارتكاب المذابح والمجازر بحق شعبنا.

المجد والخلود للشهيد جمال زعطوط ولرفاقه الشهداء ولكل شهداء ثورتنا وأمتنا وقضيتنا وكفاحنا.

نضال حمد

30-3-2021