من هنا وهناك

المعالجة التشريعية لمعايير العدالة في فلسطين

     الدكتور/ أيوب عثمان

 

     عنوان هذا المقال هو في الأصل عنوان لمؤتمر أقامته هذا الأسبوع، ولمدة ثلاثة أيام في الفترة ما بين السبت 7 ديسمبر والاثنين 9 ديسمبر 2015، كلية الحقوق في جامعة الأزهر التي أضافت لهذا العنوان الرئيس عنواناً فرعياً آخر لافتاً وجذاباً هو: “نحو مجتمع ديمقراطي قائم على العدالة”، ما يعني أن جامعة الأزهر بغزة – ومن خلال كلية الحقوق فيها – حريصة على العدالة وعلى معاييرها لا لشيء إلا لحساب هدف سامٍ وعظيم تنشد بلوغه وهو: “مجتمع ديمقراطي قائم على العدالة”!

    ما يلفت الانتباه في عنوان هذا المؤتمر – على نحو عام – هو مدى الأهمية التي يشعر المرء بأن المؤتمر ومنظميه يولونها للعدالة، باعتبارها هدفاً للتشريع السليم وغاية، غير أن ما يلفت الانتباه الخاص والنابه هو مدى الأهمية الفعلية الحقيقية التي يوليها أرباب الإدارة والريادة والقانون والقيادة في جامعة الأزهر بمشرعها (مجلس الأمناء رئيساً وأعضاء) وإدارتها (مجلس الجامعة رئيساً وأعضاء)، مع التركيز على أساطين القانون ومفذلكيه وشراحه في كلية الحقوق.

    فإذا كانت العدالة هي ما تسعى إليه جامعة الأزهر بكل مكوناتها القيادية، التشريعية الرقابية منها والتنفيذية والإدارية والأكاديمية والقانونية، وإذا كانت العدالة هي المبتغى عند أساتذة القانون في هذه الجامعة، لا سيما أولئك الذين قالوا بالأمس واليوم – وسيقولون بالتأكيد غداً وبعد غد – في العدالة أقوم القول وأعدله، فكيف يرون أنفسهم وهم يتحدثون عن العدالة بما ليس فيهم، وعلى نحو بعيد أو منافٍ تماماً لما يفعلون؟! وكيف يُجَمِّلون قبحاً واضحاً وفاضحاً وهم يتحدثون عن جمال لا وجود له فيهم أو فيما يفعلون، بل يتحدثون عن قبح هم في الأصل صُناعه وأسياده وعشاقه وفاعلوه، لاسيما حينما أهملوه أو تغاضوا عنه أو تنكروا له أو أنكروه؟!

وإذا كانت العدالة هي ما سُخِّر المؤتمر والمؤتمرون والمنظمون والمشاركون والمتحدثون من أجله، لا سيما وإن المؤتمر الذي ينعقد – بكل محاوره وأبحاثه – تحت مظلة “العدالة ومعايير العدالة”، قد تضمن سبعة أبحاث لم تَخلُ عناوينها من كلمة “العدالة”، فكيف بمن رأيناهم وسمعناهم وهم يولون للعدالة هذه الأهمية الكبرى وينزلونها هذه المنزلة العليا أن نراهم يديرون لهذه العدالة ظهورهم؟! واستتباعاً لذلك، فإننا نتساءل: “كيف بمن نراهم وهم يتظاهرون بالنضال في سبيل العدالة اليوم أن يصبحوا – على سبيل المثال –  قتلة للعدالة سواء في سرقة كتابٍ أو بحثٍ، على نحو كلي أو جزئي، أو في الامتناع عن تنفيذ أمر مشروع أصدر القانون فيه حكمه من خلال ما نصت عليه المادة (106) من القانون الأساسي الفلسطيني (الدستور المؤقت) والمادتان (142) و(143) من قانون العقوبات الفلسطيني رقم 74 لعام 1936، وهو ما رأيناه ومازلنا نراه ماثلاً في جامعة الأزهر التي – بالإضافة إلى امتناع سدنتها (مشرعين ومنفذين) عن تنفيذ الأوامر المشروعة أكثر من مرة – أهانت العدالة واستباحتها ودنست قدسيتها حينما قامت بترقية وترفيع سارق إلى مرتبة الأستاذية في القانون حيث سطا – بكل جرأة وغلظة دون أن يرمش له جفن خوفاً أو خجلاً ودون ذرة من ضميرٍ أو حياء –  على كتاب بأكمله في القانون الدولي ألفه اثنان من  أساتذة القانون الدولي في جمهورية مصر العربية، وحينما قامت أيضاً بترقية وترفيع مزور إلى مرتبة رئيس الجامعة بعد أن  ارتكب جريمة تزوير رخيصة وفاضحة في أوراق رسمية، طمعاً في ملاليم بخسة عوقب على إثرها –  بعد أن اعترف بجريمته وأدانته لجنة التحقيق عليها – بإنذاره نهائياً بالفصل من الجامعة.

وبعد، فإن ما رأيناه في المؤتمر من ادعاءٍ فارغ أجوف لا رصيد له بحرص جامعة الأزهر وغيرتها على العدالة، يحرضنا على أن نتساءل:

1) أليس نقيضاً للعدالة ومهيناً لها ومسيئاً لفكرتها ومحفزاً على الفساد الذي هو في الأصل نقيضها أن يتجاهل مسؤول كبير بحجم رئيس مجلس الأمناء (ألف باء) الحق والأصول والشفافية من ناحية، وأن يسيء استخدام سلطته في التشريع والرقابة والمساءلة والمحاسبة من أجل منفعة لشخصه من ناحية أخرى، معبداً في سبيل ذلك كل الدروب أمام مصلحته الشخصية  على حساب مستقبل وسمعة جامعة استُخلِف هو فيها فولي أمرها بغية انتشالها من أزماتها والإقلاع بها صوب إصلاحها وتطويرها؟!

2) وأليس منافياً للعدالة وإيغالاً في الفساد الذي هو نقيضها أن يختار من بيده صولجان الأمر والنهي والعقد والحل وصلاحية الاختيار رئيساً للجامعة مزوراً وهو يعلم أنه مارس الفساد بارتكابه جريمة تزوير يعلم أنه اعترف بارتكابها وصدر ضده قرار يقضي بمعاقبته بالإنذار النهائي بفصله من الجامعة؟! أليس نقيضاً للعدالة وإيغالاً في الفساد أن تتحول الجامعة من صرح علمي مقاوم للفساد إلى موئل له معزز لأركانه وحامٍ له ومحامٍ عنه؟! ذلك ما شهدته جامعة الأزهر من فعل المشرع فيها الذي مهمته التشريع والمراقبة والمساءلة والمحاسبة، الدكتور عبد الرحمن حمد، بصفته رئيساً لمجلس الأمناء! لسنا نتجنى فيما نقول على أحد، فقد أوردنا هذه المفسدة ضمن مفاسد أخرى كثيرة ومتنوعة أثناء دفاعنا أمام محكمة العدل العليا التي أصدرت منذ ما يزيد على أربعة أشهر ونصف، وتحديداً في 5 يوليو 2015، حكماً قطعياً باتاً ونهائياً يقضي بإلغاء قرار الفصل الذي أصدرته الجامعة بحقي في 2 أبريل 2014، والذي ما تزال الجامعة حتى اللحظة ممتنعة عن تنفيذه، خلافاً للقانون في مواده المشار إليها آنفاً. كما أوردنا تلك المفاسد بتفاصيلها أمام النيابة العامة، مؤيدينن دفاعنا بكثير مما لدينا من أدلة وشواهد ومبرزات.

3) أليس استباحةً للعدالة وقتلاً لها على نحو يعزز الفساد ويزيد من استشرائه ويقوي سطوته وسلطانه أن يتم إلحاق ابنة المشرع (رئيس مجلس الأمناء) إلى الدراسات العليا، على الرغم من حصولها على 50% فقط في امتحان القبول؟! أيجوز أن يمارَس  مثل هذا الفساد – الذي هو في الأصل للعدالة نقيض –  في جامعة الأزهر التي رأيناها تقيم هذا الأسبوع مؤتمراً كله- من ألفه إلى يائه- عن العدالة على مدار أيام ثلاثة قدمت له في الجلسة الافتتاحية بفيلم وثائقي عن العدالة لترينا كيف يرى العدالة كل من أفلاطون وأرسطو وعبد الخالق الفرا وعبد الرحمن أبو النصر، وأيضاً كيف يرى العدالة ديننا الإسلامي الحنيف الذي علمنا كيف نحفظ للعدالة مكانتها العليا التي ما كان لرسولنا الكريم إلا أن يعبر عنها بكل إعلاء وتسام حين قال صلى  الله عليه وسلم: “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها”. وعليه، فكيف يصير إدخال ابنة رئيس مجلس الأمناء بخمسين درجة في المقابلة؟! وكيف يصير إدخال ابن عضو مجلس أمناء آخر، بتسع وأربعين درجة في المقابلة، فيما ثمانية آخرون حيل دون إدخالهم، على الرغم من حصولهم على الدرجة ذاتها (49%)؟! أين العدالة إذن؟! وهل ثمة عدالة يمكن لأي أحد ان يستجليها في فعل كهذا أتى عليه ثالوث القيادة الخطر والمؤثر في الإدارة والتشريع والرقابة في جامعة الأزهر التي قدمت لمؤتمرها ذي الأيام الثلاثة عن العدالة بفيلم وثائقي تضمن قول النبي محمد صلى الله عليه وسلم عما كان سيفعل عقاباً لفاطمة لو أنها سرقت.

4) وأليس نقيضاً للعدالة التي يدافع عنها منظمو مؤتمر العدالة التابع لجامعة الأزهر أن يتخذ مجلس الجامعة قراراً بالموافقة على إدخال طالبين اثنين حصلا على 49% في امتحان القبول للدراسات العليا، وذلك إمعاناً في تخريب الجامعة ومراكمة للفساد المستشري في كثير من أنحائها؟! أليس نقيضاً للعدالة أن يتخذ مجلس الجامعة مثل هذا القرار استرضاء لرئيس مجلس الأمناء وإرضاء لعضو مجلس الأمناء الآخر الذي عجز ابنه عن النجاح حين لم يتمكن من الحصول إلا على 49 درجة من 100؟! لم كان امتحان القبول، إذن؟! أكان امتحان القبول لقبول من لا يمكن قبوله؟! أكان امتحان القبول لقبول من لم ينجح وكشف الامتحان عجزه وعورته وبين سقوطه وفشله؟! ألا تهزم الجامعة – على هذا النحو –  ذاتها وتهدم كيانها وبنيانها وتضعف مكانتها وتدمر هيبة الامتحان فيها وتحقر فكرة العدالة التي تتبناها وتحسب نفسها حارساً عليها ومتحدثاً باسمها حين تقبل حتى الراسبين في امتحان تصنعه هي باعتباره معياراً تقرر من خلاله القبول من عدمه؟! أين العدالة من حيث فكرتها ومعاييرها وأهدافها في جامعة الأزهر التي تدخل اثنين فقط من الحاصلين على 49% فيما تمنع ثمانية آخرين من الدخول، على الرغم من حصولهم على الدرجة ذاتها 49%؟!

5) وأليس منافيا للعدالة ومعززاً للفساد الذي هو في الأصل منافٍ للعدالة أن يتدخل النائب الأكاديمي على نحو منافٍ للقانون وضارٍ بالجامعة فيجيز لبعض الطلبة – خلافاً للقانون – تسجيل مواد في جامعات أخرى، وذلك سعياً لبلوغ هدف شخصي طابعه والدافع له انتقامي بامتياز؟!

6) وأليس نقيضاً للعدالة واستباحةً لحرمتها وحماية للفساد ومراكمة له حتى في الأنشطة الأكاديمية البحثية التي تقدم للمؤتمرات العلمية التي تقوم الجامعة بإقامتها أن تُعرض أبحاث علمية في مؤتمر للقانون دون اطلاع اللجنة العلمية للمؤتمر – حسب مقررها – على أيٍ من تلك الأبحاث؟! وأليس إيغالاً في الفساد والإساءة للعدالة ألّا يستجيب النائب الأكاديمي – الذي هو مخ الجامعة وعميد عمداء العلم والمعرفة فيها – لاستغاثة مقرر اللجنة العلمية لمؤتمر القانون الذي عقدته كلية حقوق جامعة الأزهر في فندق الأركميد يومي الأربعاء والخميس 12 و13/12/2013 حيث وجه مقرر اللجنة العلمية- قبل عقد المؤتمر بعشرة أيام- كتاب شكوى عنوانه (النجدة) إلى النائب الأكاديمي مستغيثاً به وطالباً النجدة منه دون أن يغيثه ودون أن يستجيب لطلبه لصالح الجامعة!!!

7) ألم يكن مهماً للمؤتمر القانوني الرابع بكلية حقوق جامعة الأزهر الذي اهتم – شكلاً لا مضموناً – بالمعالجة التشريعية لمعايير العدالة، وألم يخطر في بال منظميه أو أيٍ من أصحاب الأوراق البحثية فيه، وتحديداً من أكاديميي جامعة الأزهر، أن يجود أحدهم أو بعضهم لصالح هذه الجامعة ببحثٍ أو أكثر، حول أهمية حماية الملكية الفكرية وتطبيق القانون الخاص بها على جامعة الأزهر، لا سيما كلية الحقوق فيها.

8) هل قامت اللجنة العلمية للمؤتمر القانوني الرابع بمراجعةٍ دقيقة على مستوى العلم واللغة والإملاء والترجمة؟! إننا لا نحسبها كذلك، وحريٌ بالغيارى من كبار مسؤولي الجامعة وسواهم، ممن يسعدهم تفوق الجامعة وتقدمها ويبكيهم خرابها وتراجعها، أن يروا فيما نقول ما يستطيعون رؤيته لصالح الجامعة إن نقداً أو مدحاً، إن تصويباً أو تصفيقاً.

وبعد، فأما آن لنا أن نصل حتى اليوم إلى حقيقة مفادها أنه لولا الفساد الفوقي السياسي لما كان مثل هذا الفساد الأكاديمي والإداري والقانوني في مؤسسة أكاديمية الأصل فيها أن تقاوم الفساد وتجتثه، لا أن تحميه وترعاه وتنميه.

أما آخر الكلام، فهل يدافع عن العدالة من لا يحترم أسس العدالة ولا يلتزم بقوانينها فيمتنع عن تنفيذ الأوامر المشروعة بمقتضاها؟! تلك هي جامعة الأزهر- بأكابرها- التي دأبت على ذلك! وهل يحاضر في العدالة من يتجرأ على كتابٍ ألفه غيره فيسطو عليه وينسبه إلى نفسه، دون هوادة ودون خجل ودون حياء، فيسرقه كله بفواصله ونقاطه وحواشيه وهوامشه بعد أن جعلته الجامعة– وهي العارفة بعملية سطوه وسرقته للملكية العلمية لغيره – لكلية الحقوق حارسا وعميداً وعماداً!!! وهل  ننشد عدالةً في جامعةٍ ركب صهوة قيادتها في زمنٍ رديء غادِر خؤون من مارس فساداً ثابتة– بارتكابه جريمة التزوير الشهيرة– أركانه، والذي يعلم به مع بالغ الأسف وأشده من أمّروه وسّودوه، وفي مقصورة قيادة الجامعة أجلسوه؟! ذلكم هو رئيس الجامعة الذي ارتكب جريمة التزوير الشهيرة التي أهلته ليصبح لهذه الجامعة رئيساً، وذلكم هو رئيس مجلس الأمناء الذي أيد من يعلم أنه قد ارتكب التزوير فجعله للجامعة رئيساً، دون خجل أو حياء أو عاقبة حساب، مالكاً في ذلك جرأة بَزَت وتجاوزت، بل وفاقت- أضعافاً مضاعفة- جريمة التزوير وجريمة السطو سبحان رب العالمين القائل في محكم التنزيل عن الفساد والفاسدين والمفسدين:” وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ”.

 بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

  كاتب وأكاديمي فلسطيني

جامعة الأزهر بغزة

اترك تعليقاً