الأرشيفعربي وعالمي

النكبة وحق العودة – د. غازي حسين

بمناسبة مرور الذكرى الثامنة والستين للنكبة

النكبة هي أكبر كارثة ومصيبة مدمرة سببتها الدول الاستعمارية والصهيونية العالمية والرجعية العربية لشعبنا العربي الفلسطيني، باقتلاعه من أرض وطنه فلسطين العربية وبزرع المستعمرين اليهود محله الذين جاؤوا من وراء البحار، غرباء عن المنطقة دخلا عليها.

والنكبة ذاكرة لا تنسى وحق لا يموت وواجب يتوارثه الآباء عن الأجداد والأبناء عن الآباء جيلاً بعد جيل.

ولا تزال النكبة مستمرة بعد مرور 68 عاماً عليها،  ويحييها الشعب والأمة في ظروف تختلف عما كانت عليها في السنوات الماضية، تقتضي الوقوف عليها أمام خطورة المفاوضات التي جرت وتجري برعاية الولايات المتحدة الحليف الاستراتيجي للعدو الصهيوني، وعدو العروبة والإسلام وذلك من خلال رؤية الدولتين وخطة كيري لصناعة التسوية الأمريكية، وإقامة دويلة بموافقة إسرائيل ولمصلحتها ، منقوصة الأرض والحقوق والسيادة والسكان، لترحيل أبناء شعبنا من الداخل الفلسطيني أي من الأراضي المحتلة عام 1948 إلى دولتهم المزمع إقامتها، ولاستكمال تهويد النقب والجليل والقدس الشرقية، ولشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، والاعتراف بيهودية الدولة، ولضم 85% من كتل المستعمرات اليهودية في القدس وبقية الضفة الغربية، ولإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري وإرهابي في فلسطين قلب الوطن العربي، وتطبيع العلاقات مع جامعة الدول العربية.

بدأت النكبة بارتكاب العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة أكتر من سبعين مجزرة جماعية خلال الأشهر الأخيرة من سيطرة حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين . وكانت مجزرة دير ياسين في التاسع من نيسان عام 1948من أخطر وأبشع هذه المجازر، حيث أبادت عصابات الأرغون وشتيرن سكان القرية عن بكرة أبيهم .واستغلتها العصابات اليهودية المسلحة إما الرحيل أو الإبادة والاغتصاب والسلب والنهب والحرق كما حدث في قرية دير ياسين على الرغم من وجود مقر حكومة الانتداب البريطاني والجيش البريطاني في القدس التي كانت تبعد 8 كيلومترات عن قرية دير ياسين وبالتالي تتحمل بريطانيا مسؤولية المجزرة.

وأدى ارتكاب المجازر الجماعية وحرب عام 1948 التي اشعلتها اسرائيل بعد تأسيسها مباشرة الى ترحيل حوالي850ألف – 900 ألف، فلسطيني من حيفا ويافا والقدس الغربية واللد والرملة وسلمة وصفد وغيرها حتى توقيع اتفاقيات الهدنة مع الدول العربية 1949، ووصلت غطرسة وعنجهية ووحشية قادة الصهيونية والكيان الصهيوني حداً أنكروا فيه مسؤوليتهم التاريخية عن نشوء مشكلة اللاجئين، وزعموا كعادة اليهود في الكذب والتضليل والخداع، ان الفلسطينيين تركوا ديارهم تلبية لنداءات القادة العرب الى ان جاء مؤخراً المؤرخون الجدد الاسرائيليون واعلنوا انطلاقاً من الوثائق السرية التي أفرجت عنها اسرائيل ان ترحيلاً قسرياً ارتكبته إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني عام 1948، وجاء قرار الأمم المتحدة رقم 194 المعروف بقرار العودة والتعويض ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين فوراً إلى ديارهم ورفضت إسرائيل تنفيذ القرار الأممي.

جاءت موجة ترحيل الفلسطينيين الثانية على إثر حرب حزيران العدوانية عام 1967 واحتلال اسرائيل كل فلسطين وسيناء والجولان وأجزاء من جنوب لبنان .فأتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 237 وتضمن عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا جراء الحرب الى ديارهم .

إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم حق أساسي من الحقوق الطبيعية ومبادئ القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني والإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وينبع هذا الحق من قدسية حق المواطن في وطنه، ومن حرية حق العودة الذي لا يزول بزوال الدول أو بتغيير السيادة، وهو حق غير قابل للتصرف أو الإنابة، ولا يجوز فيه التمثيل، وهو حق شرعي مقدس وعادل،ولا يسقط بتقادم الزمن،وحق فردي وجماعي انطلاقاً من الحقوق التاريخية للعرب والمسلمين في فلسطين ومن حق الشعوب والأمم في تقرير المصير، وهو ملك للاجئ الفلسطيني نفسه، وليس لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أومؤتمرات القمة العربية أو جامعة الدول العربية فالقانون الدولي يؤكد على ان العودة للأشخاص الذين يرغمون على مغادرة منازلهم بسبب قوة قاهرة فالحرب ملزمة، ولا مجال للطعن في حقهم بالعودة إلى منازلهم.

إن إسرائيل هي التي أجبرت الفلسطينيين على الترحيل، واغتصبت أرضهم وممتلكاتهم ودمرت مجتمعهم ومدنهم وقراهم التي بلغت حتى حرب حزيران العدوانية عام 1967 أكثر من ( 531 ) قرية وبلدة، وأقامت على أنقاضها المستعمرات اليهودية للمستعمرين اليهود من أصقاع الدنيا كافةوتعمل على ترحيل الفلسطينيين حتى اليوم لتحقيق يهودية الدولة لشطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، ولإقامة أكبر غيتو يهودي استعماري وعنصري وإرهابي في قلب المنطقة العربية والإسلامية، لتفتيت الدول العربية والإسلامية بإشعال الحروب الطائفية والمذهبية والعرقية، ولإقامة إسرائيل العظمى الاقتصادية من خلال مشروع الشرق الأوسط الجديد.

وزعمت إسرائيل كعادتها في الكذب والتضليل والخداع أن اللاجئين الفلسطينيين تركوا ديارهم بناءً على طلب القادة العرب، وجاء المؤرخون الإسرائيليون الجدد وأعلنوا انطلاقاً من الوثائق الإسرائيلية التي أخرج عنها أن ترحيلاً جماعياً قسرياً قد ارتكبته إسرائيل عام 1948.

وقفز اتفاق الإذعان في أوسلو عن حق العودة للاجئين إلى ديارهم، كما أعلنت قيادات من منظمة التحرير الفلسطينية استعدادها للتنازل عن حق العودة وتضمنت معاهدة الإذعان في وادي عربة في الفقرة الثانية من المادة الثامنة توطين اللاجئين والنازحين عام 1967 من الضفة الغربية تلبية لإملاء إسرائيلي أمريكي.

إن توطين اللاجئين الفلسطينيين هدف وتخطيط ومصلحة إسرائيلية لتصفية قضية فلسطين والقضاء على عروبتها، وإنجاح المشروع الصهيوني، وإنهاء الصراع العربي الصهيوني، وهرولة إمارات وممالك الخليج لتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني.

إن استمرار النكبة بعد مرور أكثر من ستة وستين سنة، والمصائب والويلات والقتل والتدمير والعذابات والمحرقة المستمرة، والعنصرية والتمييزالعنصري الذي يعانيه الإنسان الفلسطيني في العديد من البلدان العربية وفي مقدمتها لبنان والأردن، ومأساة مخيم اليرموك وبقية المخيمات الفلسطينية في سورية التي سببها دخول المسلحين إليها يزيد من تمسك اللاجئين بحقهم في العودة إلى ديارهم في وطنهم فلسطين، وطن آبائهم وأجدادهم، فالفلسطيني إنسان بلا وطن، والإنسان الذي لا وطن له لا كرامة ولا حقوق إنسانية حتى ولا حقوق ملكية له في البلدان العربية أسوة ببقية المواطنين، لذلك ليس أمامه إلا العودة إلى دياره واستعادة أرضه وممتلكاته.

إن قضية حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم هي جوهر قضية فلسطين، وهي التي أدت إلى تأسيس منظمة التحرير الفلسطينية، واندلاع المقاومة الفلسطينية المعاصرة في بداية عام 1956 ولا يمكن التوصل إلى حل عادل وسلام دائم إلا بعودة اللاجئين إلى ديارهم، ولا تزال قضية حق العودة حية وحيوية وتترسخ يوماً بعد يوم وجيلاً بعد جيل، وهي الأمل والحلم والهدف للشعب والأمة، وإن الشعب الفلسطيني يتمسك بها، ولن يستسلم أو يفرط بها، أو يسمح لجامعة الدول العربية ببيعها على الإطلاق، وذلك على الرغم من الهولوكوست ( المحرقة ) الإسرائيلي المستعمر، والحروب العدوانية، والمجازر الجماعية والتهويد، تهويد الأرض والحجر والشجر والبشر والحضارة العربية الإسلامية في أرضنا المقدسة التي حررها رجال الصحابة من الغزاة الرومان.

إن الشعب والأمة وبعد مرور 68 عاماً على النكبة يرفضان رفضاً قاطعاً الاعتراف والقبول بالكيان الصهيوني على الرغم من الدور الخطير الذي تقوم به ممالك الرمال في قطر والسعودية والإمارات والأردن وبقية المتصهينين الفلسطينيين والعرب من دعاة رؤية الدوليتين الذين يمثلون ظاهرة خطيرة وقاتلة ومدمرة لعروبة والإسلام، وهم قلة قليلة جداً من شعبنا وأمتنا.

إن اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة وبعض الفصائل وبعض الأثرياء الفلسطينيين بشرعية إسرائيل لا يمثل الشعب الفلسطيني والأمة العربية والإسلامية ولا يلزمها بشيء، فالحديث عن إجراء استفتاء لتمرير التنازلات التي سيدفع عليها المفاوض الفلسطيني بتغطية من آل سعود وثاني ونهيان وباسم جامعة الدول العربية هو موقف كارثي ومدمر وعبثي وغير مسؤول فالحقوق حقوق الشعوب والثوابت الوطنية لشعبنا العربي الفلسطيني لا يستغنى عليها إطلاقاً فالشعب الفلسطيني لا يخول أحد للتوقيع نيابة عنه لبيع فلسطين لليهود مع أخطر كيان استعمار استيطاني ونظام عنصري وإرهابي ظهر في تاريخ البشرية.

إن اعتراف فصيل أو أكثر من ذلك بكيان الاستعمار الاستيطاني في فلسطين لن يغير من الحقائق التاريخية والقانونية والسياسية إن هذا الكيان وهذا الاحتلال باطل وغير شرعي مهما طلا الزمن وغلا الثمن.

إن المصالحة والوحدة الوطنية والعودة إلى الميثاق الوني وخيار المقاومة المسلحة حق على الفصائل والقوى والشخصيات الوطنية تفرضه وتكرسه دماء الشهداء اللذين رووا أرض فلسطين بدمائهم الزكية، وإن اتفاق المصالحة يجب ألا يكون خطوة للتقدم إلى الأمام نحو حل الدولتين وتبادل الأراضي وشطب حق العودة والاعتراف بكيان الاستعمار الاستيطاني العنصري والإرهابي.

أثبت التاريخ التشابه والتعاون بين الصهيونية والنازية وبين اللاسامية والصهيونية لتهجير يهود أوروبا وأمريكا إلى فلسطين وإقامة إسرائيل فيها باستغلال ما يسمى بعقدة الذنب والهولوكوست النازي، زالت النازية من ألمانيا والفاشية من إيطاليا والاستعمار الاستيطاني الفرنسي من الجزائر والأنظمة العنصرية من الصحابة والبرتغال ومصير الكيان الصهيوني كغدة سرطانية خبيثة في جسد الأمة إلى زوال.

اترك تعليقاً