الأرشيفثقافة وفن

فقدت أخي الحبيب بسام في صباح خريفي كهذا الصباح..

كتب الشاعر ماهر رجا – ألمانيا:

لكنني اليوم لا أعرف كيف لي أن أتلمس الذكرى وألم فقدان، أن أتحدث عن شجوني الصغيرة في هذا الوقت الذي يمتلئ بجرح غزة، وبعيون عشرات آلاف الأمراء والاميرات الشهداء الذين يحصدهم القصف والجوع ويمحوهم جميعاً من سجل العائلة..

رحل بسام وهو ينظر في عيون أبنائه من حوله. وجد أخي وقتاً للوداع ومكاناً للزيارات القصيرة على رقعة ارض صغيرة تنبت في ترابها ازهار السكون الأخير، لكن في غزة لا أرض ولا قبر، ولا وقت للجنازات وما من موت عادي، ما من اغماضة عين سوى على جرح يغوص في العظم، او اختناق الانفاس تحت الركام، او تفتت الجسد وصيحات الألم الفاجعة.. ولو كان لصوت بسام ان يصلني الآن فلربما همس لي: خفف الرثاء عني، وتعال نبكِ غزة معاً.. فلا شيء يجرح الروح كالذي في غزة.. كل هذه الحياة في كل هذا الموت!

صباح الخير بسام.. ويشق علي أن أردد ما كنت تقول عن صباح يأتي بلا غزاة..

وحشة الأرض تتسع والكون يغص بالغزاة. ليس حول غزة وحدها بل في كل مكان من الامتداد العربي السعيد بعطايا التتار.

تسرب الغزاة في كل شيء، في الفكرة قبل الأرض وفي الثقافة قبل السياسات، وفي تعريف العدو والأغاني والقصائد والفنون والمواقف والخطابات والمصطلحات والتوقعات والامنيات..

الغزاة في كل شيء اليوم، في كل صورة غزاة يستقبلون بالأعراس وآيات الود والورد ويظهرون في أبسط علاقات الأشياء وشؤون النهار العادي. سقط فرسان الحكاية عن الأحصنة وداستهم السنابك، والتهم العفن أثواب الأميرات، وامتلأ الحي بالأفّاقين والمهرجين والمدعين..

عالم قاحل، ميت، أفّاق، متداع، يحتفي بامتداح السقوط ويسخر من “لا تصالح” ويتفنن بإنتاج الوضاعة.. سياسيون وممتهنو ثقافة وشخصيات عامة وكتاب وفنانون وشيوخ ومحترفو تفاهة لم تكن لتتوقع ان ترى عصرهم هذا في أسوأ الكوابيس والاحتمالات القاتلة.

مع ذلك صباح الخير ايتها الأشياء الجميلة المفردة الباقية، فالقيمة مفردة دائماً والامل مفرد وكذلك الحب..ولطالما كانت الأشياء الجميلة والناس الرائعون أقلية وحيدة ومعذبة..

أخي بسام.. مازلت أتذكرك كأنك غادرت أمس، بل وأتخيل ما كنت ستقول أمام مشهد اليوم لو كنت هنا الآن، وأعرف مخابئ الأمل والبرق في شعاب روحك الفلسطينية.. لذلك سأصدقك مرة أخرى وأردد معك ما كنت تقول، تلك التحية العفوية الممتلئة بإرادة الحياة: صباحكم بلا غزاة.

28 ايلول – سبتمبر 2025