الأرشيفوقفة عز

أبو أحمد الطايش ومحل الخياطة في صيدا اللبنانية – نضال حمد

بعد النكبة سنة 1948 توزع الفلسطينيون على الدول العربية فيما بقي قسم منهم في الوطن المحتل. اللاجئون الذين قدموا الى لبنان أيضاً توزعوا في المدن والبلدات والمخيمات في كل لبنان من جنوبه الى شماله وشرقه وفي العاصمة بيروت. كما هناك قسم كبير من الفلسطينيين استقر في منطقة صيدا. فمنهم من سكنوا في مخيمي عين الحلوة والمية ومية ومنهم من سكنوا في البلدة القديمة بصيدا وفيما بعد في أحياء متفرقة من المدينة. أما الآن فالفلسطينيون ينتشرون في كل صيدا وضواحيها بالإضافة للمخيمين المذكورين.

العم أبو أحمد الطايش رجلٌ فلسطينيٌ ولد في عكا، عروس بحر فلسطين وساحله الذهبي. عائلته عائلة عكاوية عاشت مئات السنين في عكا عاصمة ظاهر العمر والتي ردت نابليون بونابرت خائباً ومهزوماً الى فرنسا.

عكا هي بلد عيسى العوام وسميرة عزام وبلد الفلافل العكاوي الفلسطيني العربي الكنعاني، الذي أصبح الآن منتشراً في كل العالم. كما أن اليهود الصهاينة الذين سرقوا وطننا فلسطين واحتلوه، يقدمون الفلافل الفلسطيني المسروق على أساس أنه طبخة شعبية صهيونية (اسرائيلية). لكن الفلافل مثل عكا لن يكون إلا فلسطينياً.

تهجرت عائلة العم أبو أحمد الطائش من عكا وانتكبت كما كل شعبنا في سنة النكبة 1948، فوصلت الى مدينة صيدا اللبنانية عاصمة الجنوب اللبناني. يبدو أن عائلة الطايش لم تسكن في المخيم، لا أعرف السبب، لكنها سكنت على ما يبدو مباشرة في صيدا. على كل حال هذا شيء طبيعي فهناك آلاف العائلات الفلسطينية التي سكنت في مدينة صيدا. خاصة في البلدة القديمة الأثرية والتاريخية. كما لازالت مئات العائلات الفلسطينية تقيم هناك حتى يومنا هذا، لكنها تأثرت باللهجة الصيداوية اللبنانية، ولم تحافظ كما سكان المخيمات على لهجتها الفلسطينية.

ربما يعود سبب سكن تلك العائلات في صيدا كون أن تلك العائلات في غالبيتها جاءت من مدن الساحل الفلسطيني، مثل: عكا وحيفا ويافا، فهي في غالبيتها عائلات لصيادي أسماك ولصانعي قوارب بحرية، يعني أهل الساحل والبحر. فمن هناك ربما أبحروا على متن زوارقهم وقواربهم، من فلسطين المحتلة الى لبنان في سنة النكبة الفلسطينية الكبرى عام 1948. هرباً من جحيم العصابات الصهيونية ومجازرها في عكا ومدن الساحل وفي كل فلسطين.

في صيدا كان العم أبو أحمد الطايش يملك محلاً للخياطة في منطقة شارع الإشارة، مقابل بناية بعاصيري ومطعم البساط ومحل عمي أبو حسين حمد رحمه الله، ومحل السعودي ومحل جورج للخياطة. الآن في مكان محل الطايش للخياطة يوجد محل لبيع الألعاب وأشياء أخرى متفرقة. وخلفه هناك الحسبة الصغيرة مقابل مقبرة أو جبانة صيدا القديمة.

عمل والدي خياطاً في محل الطايش لأعوام طويلة وكنا أنا وأخي جمال نذهب لمساعدته في العطلات أوالعطل المدرسية والصيفية خاصة قبل الأعياد. فكنا نتعلم المهنة ونحصل على مبلغ من المال وعلى بنطال جديد من تفصيل وخياطة الوالد.

كان العم الطايش انساناً طيباً وهادئاً ومحترماً ووقوراً. كما كان يعمل معه في المحل شقيقه عبدالله الطايش، الذي كان يأتي الى العمل على الدراجة الهوائية (البسكليت). علمت أول أمس من ابن عمي طارق حمد أبو علي أن عبدالله لغاية قبل ثلاث سنوات كان لازال يستخدم الدراجة الهوائية، فقد جاء لزيارة عمي علي – أبو حسين حمد-  في محله اثناء وجود طارق هناك. ولغاية ذلك التاريخ كان العم أبو أحمد الطايش لازال على قيد الحياة. وأتمنى له دوام الصحة وحياة مديدة وسعيدة.

في محل الطايش تعرفت على نجله هيثم الذي علمت أنه أصبح دكتور أسنان. خلال وجودي هناك تعمقت علاقتي بهيثم وأصبحنا صديقين. كنا من نفس الجيل والعمر. لكن تفرقنا بعد حصول غزو الصهاينة للبنان صيف سنة 1982. منذ ذلك الوقت لم ألتق بهيثم، الذي أتمنى له دائما التوفيق والنجاح ودوام الصحة. فقد كان أخاً وصديقاً حميماً وشاباً محترماً.

خلال العمل في محل الخياطة كان عدد من الأشخاص أصدقاء العم أبو أحمد الطايش والوالد أبو جمال حمد رحمه الله، يترددون على المحل، يجلسون في زاوية معينة ويقضون بعض الوقت في الثرثة والأحاديث والنكات والخ مع العم والوالد. في ذلك الوقت كنا أنا وهيثم نستمع لأحاديثهما المتشعبة والمنوعة. من هؤلاء الزوار الدائمين يحضرني الآن مدير مدرسة جنة الشرق، الأستاذ شحادة بِشِر رحمه الله. فقد كان دائم الحضور هناك. وهناك قصة تعنيني شخصياً وهي حديث دار بين والدي والمدير شحادة رحمهما الله عن مجل المدير وعني أنا. سوف أحكيها لكم-ن في حكاية أخرى قادمة.

نضال حمد

30-7-2021

 

هنا صورة مركبة لوالدي بعد العودة من الحج في مكة المكرمة والثانية وهو يعمل في عكا قبل النكبة بسنوات.

للأسف لا توجد صورة للعم أبو أحمد الطايش ولا لمحله.