الأرشيفوقفة عز

أبو العبد الآغا مؤذن ومسحراتي مخيم عين الحلوة

عند بحثي عن مصدر كلمة آغا وجدت في تعريفات كثيرة التالي:

كان لقب الآغا في زمن العثمانيّين بمنزلة أفندي أو خواجا ولدينا في عائلتنا حمد فرع من العائلة لقبه “الخُجا” أي الأفندي أو الشيخ فقد كان أحد كبار عائلتنا ومن وجهاء الصفصاف. منحه العثمانيون لقب “خُجا” فهو من الذين عملوا كل ما بوسعهم وجاب فلسطين كلها لجمع المال من أجل بناء مسجد في قرية الصفصاف قبل النكبة بسنين طويلة. هدم الصهانية المسجد يوم سقوط الصفصاف في 28-10-1948.

لقب الآغا يطلق كذلك على أصحاب بعض الرُّتب العسكريَّة كما أنه لقب شرف واحترام يطلق على السادة والقادة والكبار في أقوامهم. ختاماً نجد أن مصدر كلمة الآغا يعود الى لقب تركي وفارسي وكردي دخل من هناك الى البلدان واللغة العربية.

أما آغا المنشية ومخيمنا وشخصية اليوم في حديثنا عن أهل المخيم فهو الراحل أبو العبد الآغا.  عاش بعد النكبة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين والملاصق لمدينة صيدا اللبنانية ولبلدتي درب السيم ومغدوشة. كما أنه أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. منذ النكبة سنة 1948 سكن في هذا المخيم آلاف من الفلسطينيين. آلاف من أبناء المدن والقرى الفلسطينية التي تشردت بسبب النكبة وعقب احتلال فلسطين من قبل الغزاة الصهاينة بدعم أوروبي مفتوح خاصة من بريطانيا الاستعمارية. بريطانيا التي كانت وعدت الحركة الصهيونية في مثل هذا اليوم الثاني من تشرين الثاني 1917 بمنح أرض فلسطين لليهود كي يقيموا عليها دولتهم.

للأسف نجحت بريطانيا في مساعدة عصابات الصهاينة اليهود الارهابية في تحقيق مشروعها الإسعماري الرأسمالي الاقتلاعي الاستئصالي عبر احتلال وطننا فلسطين واقامة ما يسمى دولة “اسرائيل” وتحقق ذلك سنة 1948.

منذ ذلك الوقت وأبو العبد الآغا ومعه مئات آلاف الفلسطينيين من الذين تشردوا وتهجروا أو بالاصح اقتلعوا من ديارهم، تحولوا الى لاجئين في الدول العربية المجاورة وفي نفس فلسطين المحتلة.

أبو العبد الآغا بطل حكايتنا لهذا اليوم، هو الرجل الأسمراني الذي لفحت شمس العرب جسده وبشرته. هو الآغا الذي كان يقطن في بلدة المنشية قرب عكا عروس الساحل الفلسطيني، التي لا بد أنها ستقهر الصهاينة ذات يوم من السنوات القادمة مثلما كانت قهرت نابليون بونابرت.

كان أبي العبد الآغا رجلاً معروفا بالتقوى وحسن الأخلاق والتعامل الراقي مع الجيران والناس بشكل عام. يقال أنه من أصول مصرية، أي من بلاد الأهرام المُسماة أرض الكنانة.

كان الراحل رجلاً وقوراً ومؤمناً وصادقاً يقوم برفع الاذان وبمهمة المسحراتي لوجه الله تعالى وبلا مقابل سوى ما تجود به بيوت وعائلات الحي أو الأحياء الفقيرة، تلك الأحياء التي كان يؤدي فيها مهمة المسحراتي والمؤذن وذلك قبل حلول عيد الفطر. فتلك كانت ولازالت من أجمل عادات العرب الفلسطينيين المسلمين وحتى المسيحيين الفلسطينيين. فأغلب الناس في حارات المخيم كانوا يأتونه والمسحراتيين الآخرين بالهدايا صباح عيد الفطر السعيد. كشكر لهم على ما قاموا به خلال الشهر الفضيل.

كان لأبي العبد الآغا عدد من الأبناء حيث أحسن تربيتهم  ومنهم نجلهه البكر المرحوم الأستاذ الفاضل عبد آغا طيب الذكر والمعشر، الانسان القريب للقلب. الي لا بد أن غالبية طلبة مدارس المخيم يذكرونه.

لا يمكن أن ننسى الخصال الطيبة لأبي العبد الآغا فقد كان حتى الرمق الأخير رجلاً فاضلاً ومحباً للناس ومحبوباً منهم أيضاً.

لا أدري في أي سنة توفي لكنه رحل عن عالمنا تاركاً خلفه صوته وهو يرفع الآذان من أحد مساجد المخيم. كما ترك خلفه ذكريات التسحير في ليالي رمضان الكريم. تركها مع أهل المخيم ومع صوته وهو يقوم بإشعار الناس النائمين بموعد السحور في شهر رمضان المبارك. لقد ترك أبو العبد الآغا خلفه أهم ما يتركه الانسان عند رحيله ألا وهو سيرته الطيبة والحسنة. رحمه الله.

“أبو العبد الآغا مؤذن ومسحراتي مخيم عين الحلوة – إعداد نضال حمد لموقع الصفصاف”

02-11-2021