الأرشيفوقفة عز

أبو صالح الأسدي – سعيد صالح عبد الهادي الأسدي 1918 – 1997 – نضال حمد

أبو صالح الأسدي – سعيد صالح عبد الهادي الأسدي 1918 – 1997

في المخيم غير بعيد عن الشارع التحتاني، قرب الوادي الذي اختفى من الوجود وانتهى عمره بعد الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982 واحتلال المخيم في ذلك الوقت. كانت هناك غرفة صغيرة قرب الوادي هي بيت شيخ الفدائيين الرفيق أبو صالح الأسدي.

منذ اللجوء الى لبنان سنة 1948 سكن أبو صالح في المخيم في تلك الغرفة، وحيداً دونما زوجته وعياله وأطفاله. فقد بقيوا في فلسطين المحتلة ولم يغادروها في ذلك الوقت.

عاش أبو صالح منفياً وبعيداً عن العائلة والأهل، لكن مخيم عين الحلوة كان كله أهله وشعبه.  وكانت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي ساهم في تأسيسها ونشأتها، كانت جبهته ووجهته وباباً للعلم والاجتهاد والنضال والكفاح والعودة الى فلسطين الحرة.

اشتهر الراحل أبو صالح ببدلته العسكرية الكاكي أو الخضراء ورشاشه الكلاشنكوف أخمص حديدي، الذي كان لا يفارق كتفه. وبروحه المرحة ودعابته وحسه الانساني الكبير والوطني العالي. كان أباً وأخاً ورفيقاً وصديقاً للجميع. للمخيم كله وللجبهة كلها. فمع مرور السنوات أصبح الأسدي أبو صالح، ابن بلدة شعب في الجليل الفلسطيني المحتل، رمزاً من رموز عين الحلوة والجبهة الشعبية ومن رموز النكبة والمقاومة الفلسطينية قبل وبعد النكبة.

كان أبو صالح بعد كل نكبة ونكسة أو هزيمة يجيب على اسئلة القانطين والمتعبين والمترددين

ماذا بعد وماذا نفعل وألى أين نذهب والخ؟؟؟… كان يجيب ببساطة المناضل الثوري بحنكة الفدائي الجليل وبتجربة شيوخ النضال والكفاح، وبجواب مختصر مفيد: نبدأ من جديد.

أبو صالح الأسدي المولود في بلدة “شعب” قضاء عكا عام 1918، يعني ثلاثون عاماً بالكمال والتمام، أي قبل ولادة كيان الصهاينة المحتلين، المستوطنين، المستعمرين، الغاصبين.. عمره أكبر من عمر دولة عصابات اليهود الصهاينة التي احتلت فلسطين سنة 1948. فحين سقطت فلسطين بيد الغزاة الصهاينة كان الراحل الأسدي من مقاتلي الثورة ومن مجاهدي فلسطين الذين خاضوا المعارك والمواجهات ضد الاستعمار الانجليزي والغزاة اليهود الصهاينة.

شارك الأسدي كشاب وفتى في بداية نشأته بالثورة الفلسطينية سنة 1936. والتحق مقاتلا مجاهدا في محمية شعب التي واجهت فيما بعد العصابات الصهيونية.

تطور الأسدي في العمل النضالي والجهادي ليصبح فيما بعد أحد قادة فصائل مقاتلي ومجاهدي الثورة. وفي سنة النكبة وبعد مقاومة ومواجهات عنيفة غادر عام 1948 شعب في فلسطين مع جيش الإنقاذ مخلفاً وراءه عائلته، على أمل العودة، لكن العودة طالت وطالت وطالت كثيرا وطويلا يا أبا صالح.. وامتد العمر بأبي صالح طويلا في مخيم عين الحلوة وهو يعيش فدائيا بعيداً عن العائلة والزوجة في جليل فلسطين المحتل.

في مقالة عن الاسدي لتوفيق عبد الفتاح بعنوان “اسطورة رجل شجاع” نشرت في حزيران –  يونيو ٢٠١١: (يروي أبو السعيد العديد من الوقائع، منها ما يذكرها شخصيًا عن والده ومنها ما تناقل على ألسن الأهالي لأنه كان حكاية البلد، بل حكاية وطن، “في إحدى الوقائع، عام 1953، توفيت زوجة محمد سعيد الخطيب، الذين سكنا بيتهم، وعندما لم يتمكن من المشاركة بالجنازة وصل بعد ثلاث أيام ليقدّم التعازي، إلا أنّ رجال المخابرات داهموا المكان متخفين بلباس عربي مموّه ووقفوا وسط الحضور وسألوا من منكم سعيد الصالح؟ وبعد حالة إرباك وذهول نهض والدي من بينهم وقال أنا سعيد الصالح، حيث ألقوا القبض عليه واقتادوا الجميع إلى معسكر في مجد الكروم، إلا أنّه رفض الصعود لسيارة الشرطة وقال: سأسير مثلهم وأمامهم على الأقدام، حوكم على أثر ذلك ثلاثة شهور زرته مع والدتي خلالها في سجن الجلمة، وبعدها طردوه إلى الضفة الغربية، وواصل من هناك إلى الأردن ولبنان، لكنه بعد ثلاثة أيام عاد إلينا للبيت في دير الأسد”).

SANYO DIGITAL CAMERA

لم يستسلم الأسدي للواقع المرير والصعب الذي تسببت به العصابات الصهيونية عبر احتلال فلسطين وتشريده وتفريقه عن زوجته وأطفاله وعائلته. أصر على العودة من بوابة الثورة والكفاح. فكان يدخل الى فلسطين المحتلة متسللاً وخلسة كي لا يراه جنود الاحتلال الصهيوني. يصل الى شعب بلدته وهناك يلتقي بزوجته ويعاشرها وفيما بعد تحبل وتنجب الأبناء. مما أصاب الصهاينة بالجنون وبالذهول. كان يريدون أن يعرفوا كيف وقعت أم صالح بالحبل. فكانت تستفزهم وتقول لهم ماذا تريدون مني أنا بائعة هوى.. لكن في بطنها كان جنينها من صلب أبي صالح الفدائي والد أولادها وزوجها الوفي.

عن تلك القصة المثيرة كتب الروائي الياس خوري في روايته باب الشمس، التي تروي حكاية الفلسطينيين والنكبة وحكاية أبو صالح الأسدي كبطل ومرز للحكاية وللرواية. كما علمت من رفاق وأصدقاء أن المبدع الشهيد غسان كنفاني كتب عدة قصص قصيرة من وحي حكايات سمعها من أبي صالح الأسدي.

في مقالة له نشرت بمجلة العودة في آب 2017 كتب محمود كلم: (أقدم لوحة معروفة للفنان الشهيد ناجي العلي هي لوحة سعيد صالح عبد الهادي الأسدي (أبو صالح) رفيق ناجي في الزنزانة، رسمه ناجي على علبة سجاير فارغة بعد تعذيبه وتعليقه على النافذة.

الزمان: صباح يوم من أيام الشهر الثالث من العام 1961. المكان: سجن الثكنة العسكرية في بلدة أبلح البقاع، لبنان. (محمود كلّم، ناجي العلي: كامل التراب الفلسطيني، دار بيسان . بيروت 2001 ص 76).

هذا و حاول ناجي العلي بحسب ما جاء في مقالة كلم استعادة هذه اللوحة من صديقه أبو صالح، إلاّ أنّ جميع محاولاته باءت بالفشل، وبعد وفاة أبو صالح ( 28-1- 1997) احتفظ باللوحة ولده محمود سعيد صالح الأسدي المقيم في مدينة عكا شمال فلسطين المحتلة.

يقول نجله محمود سعيد صالح الأسدي “كان عمري 12 عامًا، تردّد والدي على البيت من عام 1948حتى عام 1956، أذكر أنه في صيف نفس العام قبّلنا قبلات الوداع الأخير واتجه إلى لبنان بعد أن علم أنّ القرار لم يعد قرارًا بالقبض عليه بل بقتله، كنت أشتاق له دومًا، ولا زلت مشتاقًا”.

بحسب موقع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين:”انتمى أبو صالح إلى حركة القوميين العرب ـ فرع فلسطين منذ التأسيس، وكان من أوائل المناضلين الذين امتشقوا السلاح لإعادة الحق المغتصب من خلال شباب الثأر ـ الفرع الفدائي للحركة. من مؤسسي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. أما عام 1967، إثر هزيمة حزيران “النكسة” وتنامي الكفاح المسلح الفلسطيني، كان من مؤسسي قواعد الفدائيين في الأردن. كان مناضلاً صلباً، تعرض مرات عديدة للاعتقال خلال الخمسينيات والستينيات لمواقفه النضالية أمضى خمسين عاماً من عمره أو يزيد خدمة لفلسطين، وساعياً للعودة إليها بكافة الأشكال النضالية، لم يحقق حلم حياته بالعودة إلى فلسطين.. وافته المنية يوم 28/1/1997 في مخيم عين الحلوة في لبنان إثر مرض عضال”.

نضال حمد

5-02-2021