الأرشيفوقفة عز

أبو فايز شريدي شيخ مناضلي الصفصاف – إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

العم الراحل أبو فايز شريدي كان واحداً من شيوخ النضال الوطني الفلسطيني في مخيمنا عين الحلوة وبين فلسطينيي لبنان منذ البدايات عقب النكبة سنة 1948. فهو وأبو صالح الأسدي وأبو ماهر اليماني وأبو عدنان حمد وابراهيم الحسين وصلاح صلاح وآخرين كثيرين جداً، كانوا قد بدأوا مرحلة أعداد الشباب للثورة وكسر القيّد وتحطيم الخيمة. بدأوا في زمن القمع والظلم والمكتب الثاني اللبناني، السيء في كل شيء. إذ لا يمكن أن يجد المرء ايجابية واحدة ولو صغيرة تركها مكتب مخابرات الرئيس اللبناني آنذاك، مخابرات الشعبة الثانية، تلك التي قمعت وظلمت اللاجئين الفلسطينيين لأتفه الأسباب، والتي لاحقت المناضلين الفلسطينيين ومنهم المرحوم أبو فايز شريدي. كما ولاحقت رفاقه وكذلك لاحقت إخوته من المناضلين الأشاوس، الذين جمعتهم فلسطين بالرغم من معتقداتهم الايديولوجية المختلفة، فكان منهم القومي العربي والقومي السوري واليساري والبعثي والاسلامي والخ. كما أنها هي نفسها التي اغتالت البطل المناضل جلال كعوش تحت التعذيب في أقبيتها.

ولد أبو فايز شريدي في قرية الصفصاف قضاء صفد في عشرينيات القرن الفائت وعاش في البلدة حتى سقوطها بيد الصهاينة ليل 28-10-1948. كما كان من المقاتلين المدربين على السلاح والذين شاركوا في معركة الدفاع عن الصفصاف بوجه الهجوم اليهودي الصهيوني يوم سقوطها.

يقول في شهادته لمحمود زيدان أن شباب الصفصاف قاتلوا هم ومجموعات من جيش الانقاذ العربي، كلها شباب وجنود متطوعين سوريين بحسب قوله (علويين) وأكد أنه لم يكن في البلدة متطوعين غير السوريين. واشارالى أن المتطوعين المغاربة علقوا في كمين لليهود في بلدة الجش حيث دارت معركة قصيرة هناك، للأسف استشهد على إثرها معظم المتطوعون المغاربة. كان والدي المرحوم أبو جمال حمد في مقابلة أجريتها معه وفي شهادته على المجزرة والمعركة، أكد لي حصول ذلك الكمين وروى ما شاهده اثناء انسحابه من الصفصاف باجاه لبنان.

حدثني والدي (أبو جمال حمد) عن ذلك لأنه عاش بداية الواقعة فقال: «بينما كنت متجهاً إلى الحدود اللبنانية بعد سقوط الصفصاف سالكاً الطرق الجبلية والوعرة وصلت إلى مكان غير بعيد عن الحدود اللبنانية حيث التقيت بالمتطوعين المغاربة. فسألوني أين تقع الصفصاف، فأجبتهم بأن اليهود احتلوها. لكنهم ظنوا أنني جبنت وهربت، فأقتادوني أمامهم ولم نتقدم كثيراً حتى رأينا اليهود أمامنا، وأخذوا يطلقون النار صوبنا، فقلت لهم ها هم اليهود. تركتهم يتبادلون إطلاق النار حيث إنني كنت بلا سلاح ومرهقاً، فضلاً عن أن فكري كله كان مشغولا بالبحث عن أبي وأمي وعائلتي الذين فقدت أثرهم بعد سقوط البلدة. يؤكد هذا الكلام في شهادته السيد أسعد زغموت حين يقول في روايته «إن المتطوعين المغاربة علقوا في الكمين وقاتلوا حتى الشهادة»، فاستشهدوا في اليوم الذي استشهدت فيه البلدة التي جاؤوا من أجل إنقاذها ومساعدتها والدفاع عنها. أبي في حديث آخر أخبرني والدي أنه في بنت جبيل التقى بجريح مغربي استطاع النجاة من الكمين الصهيوني في الجش.

بالعودة الى أبي فايز شريدي فقد ذكر في شهادته اسم الوكيل أبو جهاد زيني وهو من الساحل السوري وكان ضمن المتطوعين السوريين وقد أبلى بلاءا عظيماً هو ورشاشه في معركة الدفاع عن الصفصاف بحسب كل الشهادات التي ذكرته.  كما وذكر العم أبو فايز شريدي أيضاً أن قائد القوات السورية كان جودت الأتاسي.

أسهب العم أبو فايز “محمد سعيد شريدي” في الحديث عن المعركة بالصفصاف وتطوراتها ونهايتها التراجيدية.

قال أبو فايز شريدي أنه ألتقى بالشاويش ديفيد البيطار كان الشاويش يعرف رجال أو تجار من الصفصاف وسأله عنهم وهم محمود زيدان وأحمد جوخ وعلى الطه شريدي، كانوا يعملون بالتجارة وكان يعرفهم جيداً. التقى الشاويش البيطار بأبي فايز، الذي كان يومها بصحبة المناضل العتيق الراحل أبو أحمد القبلاوي من بلدة الزيب ومخيم عين الحلوة. وأكد أبو فايز أن القبلاوي كان شاهداً على حديث الشاويش البيطار. فقد سأل الشاويش عن التجار وعن البلدة. فأجابه أبو فايز بأن البلدة راحت واحتلها اليهود. قال له البيطار وحلف يمين بعمر أولاده وبحياة والدته “الماما” بأن “تركات” أي شاحنات اليهود ظلت تنقل القتلى من حوالي الصفصاف على مدار يومين. ثم ضحك وقال لأبي فايز: وتقول لي أنكم ما عملتم شيء… لقد أوقع حُماة الصفصاف بالغزاة الصهاينة اليهود خسائر فادحة.

كان أبي فايز شريدي من أوائل منتسبي حركة القوميين العرب في المخيم. ثم من أوائل مناضلي الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. خلال طفولتي وشبابي في المخيم وبالذات في حارة الصفصاف ومرحلة التردد على نادي فلسطين الثقافي، على الشارع التحتاني قرب الجسر، فمن أكثر الناس الذين لازلت أذكرهم كان أبي فايز شريدي بكلاشنكوفه وأبو صالح الأسدي كذلك ببندقيته والرفيق سليم بلشة – أبو سامر- بتوزيع البيانات وجمع التبرعات للجبهة. ثلاثة رموز أساسية للجبهة الشعبية في مخيم عين الحلوة.

بقي الرفيق الختيار أبو فايز شريدي محافظاً على انتمائه للجبهة حتى الرمق الأخير ولم يكن وحده من منتسبي الجبهة، فقد كان شقيقيه الأستاذ أحمد والمهندس علي وكذلك أولاده وبالذات المرحوم سعيد والأخ فخري من منتسبي ومناضلي الجبهة الشعبية.

في غزو لبنان سنة 1982 اعتقله الغزاة الصهاينة وزجوا به في معتقل أنصار الشهير ولم يطلق سراحه إلا في عملية تبادل الأسرى التي أسفرت عن اطلاق سراح كل أسرى معتقل أنصار. هناك نكتة طريفة ترددت على سبيل المزاح والدعابة على ألسنة بعض أهل الصفصاف وهي أنه صيف سنة 1982، يوم احتل الصهاينة صيدا ومخيم عين الحلوة، جمعوا الرجال والشباب في مدرسة الراهبات وكانوا يسألون الشخص “من أي بلد أنت وماذا تعمل”. توالت ردود مجموعة من الأشخاص الموقوفين أنهم من بلدة الصفصاف ويعملون في قص الليمون. عندما جاء دور العم أبو فايز شريدي أجاب أنا أيضا من الصفصاف وأعمل في قص الليمون. فقال له الضابط الصهيوني “يا رفيق أبو فايز ستكون وكيلهم ومسؤول خيمتهم في معتقل أنصار”.

يقول الصديق دياب العلي: “سبحان الله كنت اتفاءل به كثيرا فقد كان قريبا الى القلب فضلا عن انه مناضل، كان من اللطافة والأخلاق الراقية، أنني رغم الفارق الكبير جدا في السن، إلا أنه يشعرني وجيلي بأنه قريب جداً من معشر الفتية. كان من رواد مقهى والدي وصديقا مقربا للوالد أبو دياب العلي رحمهما الله تعالى… هكذا هم المناضلون”.

في مقالة له نشرت في العدد رقم 40 من مجلة بديل الفلسطينية كتب الباحث الصفصافي الفلسطيني علي زيدان: “أبو فايز شريدي قال أنه يرضى أن يقيم في “شادر” على أرض الصفصاف وأن يدفن في ترابها حتى لو ملّكوه في لبنان والدول العربية.”.

أما الأخ حميد يونس فكتب معلقاً على صورة لأبي فايز شريدي في مجموعة ذاكرة أهل الصفصاف: (الله يرحمك يا أبو فائز، يا صديق والدي، ويا عزيز علينا جميعا. كم أنت طيب المعشر والنية الصافية. أتذكر كم كانت الوالدة رحمها الله “تدعي لك بأن يرزقك الله” وكم كانت تفرح عندما تخبرها بأنك تشتغل ولله الحمد. كذلك أنا كنت ارتاح لوجودك عندنا).

عند سؤال الأخ محمود زيدان لأبي فايز شريدي أن كان يحب أن يعود الى فلسطين. أجابه أبو فايز بأنه أحيانا يقلق ولا ينام الليل، عندها يمضي مع الذكريات الى الصفصاف حيث يلف البلد من أولها الى آخرها… وأضاف: لو يعطوني كل لبنان سأرفض واختار الشادر (خيمة) في فلسطين أموت وأطم حالي فيها في الصفصاف ولا أريد كل البلاد الأخرى. أتمنى لو أنام ليلة فقط في الصفصاف وأموت ويدفنوني بالصفصاف بفلسطين.

إعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

22-12-2021