الأرشيفالجاليات والشتات

أسرار من حرب فلسطين – عيسى دباح 

 يقول مشهور باشا حديثة الجازي​​ :
بحثتُ عن القائد (عبد الله التّلّ) ، كان يجلسُ وحيدًا، تحت نخلةٍ ، يسند ظهره إليها ، يتناول حصًى من الأرض ، ويرميها بصمتٍ . كنتُ في أوائل العشرينات من عمري ، وكان هو في أوائل الثّلاثينات ، كنتُ أسمع عن شجاعته ، وعن عقيدته القِتاليّة ، وعن حماسته ، لكنّني في تلك اللّيلة رأيتُ منه وجهًا آخر ، اقتربتُ منه ، وسألتُه : “كيفَ ترى الأمور؟”
فردّ دون مقدّمات: “إنّهم يُقدّموننا قربانًا” .. ولم أفهم، فسألتُه: “مَنْ تعني؟”
 فردّ بكلمة واحدة: “الأنظمة”. واستوضحتُ منه، فالتفتَ إليّ وقال : “أتعرفُ كم عدد جيوشنا السّبعة الّتي سمعتَ هياجها وصِياحها قبل قليل ، الجيش الأردنيّ والمصري والعراقي والسّوري واللّبناني والسّعوديّ وجيش الإنقاذ ، ومعه جيش الجهاد المُقدّس ، كلّ هؤلاء لا يزيدون عن عشرة آلاف ، واليهود الّذين نُسمّيهم عصابات ، يملكون أكثر من مئةٍ وعشرين ألف مقاتلٍ ..
 ما معنى هذا يا مشهور؟”. ووجمتُ، لم يكنْ لديّ أيّ جواب .


لكنّه قال : “هل تعتقد أنّهم يريدون تحرير فلسطين بهذه الطّريقة أم تسليمها؟ هل تعتقد أنّهم يريدون لنا نحن أفراد الجيوش السّبعة أنْ نقاتل أم ننسحق ؟ إنّهم يبعثون بنا إلى مجزرة يا مشهور ؟ إنّهم يُلقون بنا إلى مذبحةٍ جماعيّة ! أرأيتَ إلى شليّة من الأغنام تُحبَس في زريبةٍ ثُمّ تمتدّ إلى أعناقها آلاف السّكاكين ؟ ها نحن” .
ولم أرَ بؤسًا ولا يأسًا في وجه رجلٍ كما رأيتُه في وجهه ذلك اليوم ، وأخذتْني بعضُ الحميّة فقلتُ : “ولكنّ هذه النّفسيّة ستُحطّم جيشنا” .
فردّ : “جيشنُا لا يدري شيئًا ، وسيبقى لا يدري ، أمّا أنا وأنتَ والّذين يعرفون ، فعلينا أنْ نقاتل حتّى حزّ الحلاقيم ، هذا قَدَرُنا ولا فِرار منه” . ووقف على قدمَيه ، وقبل أنْ يمضي بعيدًا ، قال وهو ينفثُ هواءً حارًّا من صدره : “أتعرفُ كم عدد القادة الّذين سيخوضون المعركة ضدّ اليهود ؟ إنّهم خمسةٌ وخمسون قائدًا ، ليس بينهم من العرب إلاّ خمسة ، والبقيّة إنجليز ، وكلوب القائد العامّ – إنجليزيّ ، ولا أحد يستطيع أنْ يشرب كأس ماءٍ واحدةٍ دون الرّجوع إليه .. هل هذه حرب تحرير أم حربُ تدمير ؟ .. أم حرب تسليم؟!” . ومضى ، ورأيتُ ظهره قد انحنى كأنّ جبلاً من الهمّ قد أناخَ عليه !!
للعلم فقط : 
 البطل عبد الله التل استطاع ان يحافظ على القدس القديمة وتمكن من أسر الصهيوني شارون وأرسله الى معسكرات الجيش في الزرقاء ليعيده جون كلوب الى الصهاينة بعد وقت قريب  و الذي كان قائد الجيش العربي في حينه.
رحم الله البطلين مشهور الجازي وعبد الله التل رحمة واسعة وأسكنهما فسيح جناته .
 
ملاحظة: القائد المقاتل العروبي عبد الله التل بعد اغتصاب فلسطين ذهب إلى مصر لاجئا سياسياً وبقي هناك عدة عقود قبل أن يعود إلى القطر العربي الأردني.
:::::
موقع التضامن العربي والأممي 13 آب 2022..