بساط الريح

أقرعوا جدران الخزان – بقلم عيسى قراقع

في الذكرى ال 44 لاستشهاد الاديب والمفكر غسان كنفاني

هي حتمية المضطهدين والمقهورين والمستعبدين واللاجئين والمهجرين ، التمرد من اجل الكرامة والحرية والحياة الانسانية، ان يحملوا السلاح ويدافعوا عن ذاتهم وحقوقهم واعراضهم ويواجهوا دولة تنشب اظافرها الفاشية في جسد وحياة الشعب الفلسطيني قتلا واعداما وتشريدا واعتقالا ونهبا للارض وما عليها، دولة اسرائيل اصبحت متضخمة بقوتها وتطرفها وعنصريتها، لا ترى العالم ولا تلتزم لا بمباديء حقوق الانسان ولا بالقرارات الدولية ولا بالشرائع الاخلاقية والدينية، تحتاج الى قوة لمواجهتها والتصدي لها ، دولة عليها ان تخاف وترتعب، وأن ثمن احتلالها لشعب آخر سيكون وخيما عليها وعلى مستقبلها ووجودها.

هذا ما قاله لي غسان كنفاني بعد 44 عاما من استشهاده وتمزيق جسده بقنبلة غادرة وضعت في سيارته عام 1972، لتتحول اشلاؤه الى حبر، والحبر الى مرتبة الشرف  بعد ان اعطاه قيمة الدم كما وصفه محمود درويش، عندما دعا الى تعليم الاولاد حمل البندقية والانتقال من خيمة اللجوء الى خيمة القتال، خيمة عن خيمة تفرق.

اقرعوا جدران الخزان، نداء غسان التاريخي الاديب والمقاتل والمفكر السياسي ، فليس المهم ان يموت الانسان ، بل المهم ان يموت في سبيل فكرة سامية ونبيلة، ويتحرر من العبودية والاذلال، ولا يرتد حتى يزرع في الارض جنته او يقتلع من السماء جنتها، فالانسان في نهاية الامر قضية.

اقرعوا جدران الخزان، تتجدد الدعوة الآن امام هذه البطش الاسرائيلي الممنهج ضد شعبنا الفلسطيني ، وقد كثرت الجدران وتشابكت حولنا المعازل، وانسحبت الارض من تحت اقدامنا لهؤلاء الغزاة العابرون من المستوطنين والمتطرفين وهم ينفخون في ابواق التبشير بالفاشية والابرتهايد.

اقرعوا جدران الخزان المغلق والمحكم على آلاف الاسرى والاسيرات في تلك السجون والمعسكرات، اطفال وصبايا وشباب وجرحى ومرضى وكبار في السن ونواب وطلاب وعمال واكاديميين، تزدحم بهم السجون وتحيط بهم قوانين تعسفية من كل صوب، ولتكن ثورة على كل سجان وجلاد ومتواطيء، ثورة تستقطب الموت الشريف كما قال غسان، ولكي تشق الحياة.

اقرعوا جدران الخزان، ايها الشعب المكبل والمضيع، المحاصر عسكريا وإنسانيا وجغرافيا وسياسيا، المهدد بالانقراض والانزواء على هامش التاريخ امام تنامي وتصاعد هذا التطرف الكولونيالي الذي لا يرى الشعب الفلسطيني سوى سقائين وحطابين وعمال بالسخرة في مستوطناته ومزارعه، ورعاعا يصطفون طوابير على الحواجز أذلاء مهانين امام هذه الجندية او ذلك الجندي.

اقرعوا جدران الخزان، لانه ليس عاديا ان يعدم الاولاد والبنات عن سبق اصرار وتعمد، تطلق النار على رؤوسهم من مسافات قريبة، يعدم الجرحى وتقتحم المستشفيات ودور العبادة، ليس عاديا ان ينتشر الموت في بيوتنا الفقيرة، وتشاد العمارات الفارهة على مسافة قريبة من الجنازة، قرب مقابر الفجع والحسرات.

اقرعوا جدران الخزان، فالاسير بلال كايد يموت الف مرة في صمت زنزانة سجن عسقلان، طمئنوا قلب امه واخوته قليلا، ليسمع الاحتلال الطرقات على الابواب في كل السجون، وحدة الاسرى، وحدة الشعب، العودة الى الينابيع الاولى الصافية الخالية من شوائب الحسابات الصغيرة، ليكن الجوع هو رسالة الجوعي الى الحرية، وليس الى الخبز والراتب، فالحرية لا مقابل لها كما يقول غسان ، الحرية هي المقابل فقط.

اقرعوا جدران الخزان، لأن غسان هو من اكتشفنا ، اكتشف اشعار وقصائد الارض المحتلة من سخنين حتى جنين، واكتشف ان هناك في هذه الارض روح المقاومة ، حجر وورد وبرتقال وأغنية ودم واساطير، تعود من الغيب والمنفى الى الواقع فدائيين.

اقرعوا جدار الخزان، أم سعد لازالت هنا، المرأة الشهيدة والاسيرة والمقاتلة، ام الاولاد الصاعدين الى شموسهم اقمارا مضيئة، ام سعد تحمل بيدها اليمنى  برقا، وفي اليسرى فصل شتاء.

اقرعوا جدران الخزان، فالكلمات ليست تعويضا عن حمل السلاح والدفاع عن الفكرة والحلم والبيت، فقد اصبح كل الشعب الفلسطيني مجرما امام ما يسمى قانون الارهاب الاسرائيلي الذي صودق عليه مؤخرا ، لا شرعية للنضال والكفاح والامنيات الجميلة، الكل ارهابي ومجرم ومحرض ضد دولة اسرائيل العظمى، فاسرائيل تدعي انها ليست دولة محتلة، وانما نحن غرباء طارئون مزعجون في هذا المكان المقدس لدولة اسرائيل الديمقراطية اليهودية النقية والعنصرية.

اقرعوا جدران الخزان، لا تختبئوا في اعماقه وتطيعوا ابو الخيزران المتواجد بيننا، تختنقون وتموتون بصمت مخزي، فلكم في هذا الوطن وفي العالم شأن عظيم، قوموا وانهضوا، فهذا العالم يسحق العدل بحقارة كل يوم، ولنزرع شهدائنا في رحم هذا التراب المثخن بالنزيف،  فدائما هناك متسعا لشهيد آخر، يقول غسان لنا قبل ان يرحل .

وصدق محمود درويش عندما قال:

غسان كنفاني هو كاتب الحياة

كان يكتب لأنه يحيا

وكان يحيا لأنه يكتب

سجل دمه على اصابعنا وذاكرتنا

كان يسبق الموت الى الحياة

رئيس هيئة شؤون الاسرى والمحررين*

 



اترك تعليقاً