من هنا وهناك

أنصدق له قولاً يكذّبه فعله؟!- الدكتور أيوب عثمان

أنصدق له قولاً يكذّبه فعله؟!- الدكتور أيوب عثمان

“الأمناء لا يتدخلون في صلاحيات أحد”… “من حق رئيس الجامعة اختيار أعضاء مجلس الجامعة بالشكل الذي يراه مناسباً”… عنوانان رئيسان يتصدران الصفحة الرئيسة من صحيفة “الأزهر” في عددها الثالث الصادر يوم الأربعاء 11/6/2014!!! ما يلفت الانتباه أن هذين العنوانين الجذابين  جداً هما جزء من أنظمة الجامعة وقوانينها، غير أن العلة في هذين العنوانين وفي التغني بهما والتأكيد على صدقيّتهما وإبرازهما على النحو الذي رأيناه على صدر صحيفة الأزهر هي ليست في التصريح والقول وإنما في الممارسة والفعل، ذلك أن التصريح والقول شيء، فيما الممارسة والفعل شيء آخر مختلف تماماً على نحو يأتي فيه الفعل ليس كالقول، بل متعارض ومتناقض معه ومعاكس له!!!

  فحينما نقرأ العنوان الأول الذي يقول على لسان رئيس مجلس الأمناء، الدكتور/ عبد الرحمن حمد: “الأمناء لا يتدخلون في صلاحيات أحد”، فإننا نفهم أن أنظمة الجامعة وقوانينها تنص على عدم جواز تدخل الأمناء في صلاحيات السلطة التنفيذية للجامعة ممثلةً في رئيسها والنواب والعمداء ومسؤولي الدوائر والأقسام والوحدات في الجهاز التنفيذي للجامعة!  وحينما نقرأ العنوان الثاني الذي يقول أيضاً على لسان رئيس مجلس الأمناء: “من حق رئيس الجامعة اختيار مجلس الجامعة بالشكل الذي يراه مناسباً”، فإننا نفهم- بل يتوجب علينا أن نفهم- أن أنظمة الجامعة وقوانينها تقضي بأن رئيس الجامعة هو الذي يشكل دون غيره- وبموجب الأنظمة والقوانين- مجلس الجامعة ويختار أعضاءه دون تدخل من مجلس الأمناء!

  غير أن الواقع مختلف تماماً، حيث يتعارض الفعل  مع القول تماماً ويعاكسه، كما يتناقض المتبوع مع المطبوع تماماً ويكذبه.  فما صرح به رئيس مجلس الأمناء إلى صحيفة “الأزهر”، وعلى صدر صفحتها الأولى، بتحدٍّ طافح، ليس له في الحقيقة والممارسة والواقع أدنى رصيد، إذ يقول: “أتحدى أن يكون لمجلس الأمناء أي تدخل في صلاحيات رئيس جامعة الأزهر بغزة”! إن من لا يعرف جامعة الأزهر عن قرب، قد يرى في استخدام رئيس مجلس الأمناء لكلمة “أتحدى” تأكيداً قاطعاً على صوابية قوله غير الصائب وعلى مطابقة قوله غير المطابق للحقيقة والواقع في أن مجلس الأمناء لا يتدخل في إدارة شؤون الجامعة، البتة! ومن لا يعرف جامعة الأزهر هو بالتأكيد لا يعرف من الذي يديرها وكيف تدار، وهو بالتالي لا حرج عليه إن صدَّق ما يقوله رئيس مجلس الأمناء، آخذاً قوله الطافح بالتحدي مأخذ الجد والصرامة والثبات والرسوخ والمصداقية! أما ما صرح به رئيس مجلس الأمناء على نحو يحتويه التحدي أيضاً، إذ يقول إنه “يعطي  رئيس الجامعة حرية اختيار أعضاء مجلس الجامعة بالطريقة التي يراها مناسبة”، فضلاً عن قوله بأن “مجلس الأمناء يختار رئيس الجامعة وفق معايير أكاديمية وإدارية ووفق الأنظمة والقوانين”، فهي في الحقيقة أقوال تثير- بمدى معاكستها للأفعال- سخرية نادرة، فيما تخلق في العارفين بالجامعة وحالها ومجلس أمنائها ومجلسها ورئيسها وعمدائها من حيث تصريف اليومي من شؤونها وتشكيل مجالسها، شعوراً بالاشمئزاز والنفور والتقزز، جراء هذه الدرجة الكبيرة والمتزايدة من استغباء رئيس مجلس الأمناء لهم واستخفافه بهم وبأبصارهم التي ترى كل يوم ما تراه وتشاهده، وببصائرهم التي تفكر وتحلل وتقارن، ما دفعني إلى استذكار  كتاب سبق لي أن قرأته، حول ما ينتهجه البعض في استغباء الآخرين واستهبالهم، عنوانه “النباهة والاستحمار” للمفكر الإيراني محمد علي شريعتي!

  وبعد، فإنني إذ أرغب- وبشديد ميل عندي- إلى افتراض صدقية رئيس مجلس الأمناء فيما صرح به إلى صحيفة “الأزهر”، مؤكداً- وبتحدٍ- أن “أحداً من الأمناء لا يتدخل في صلاحيات أحد”، وأن “مجلس الأمناء يختار رئيس الجامعة وفق معايير أكاديمية وإدارية ووفق الأنظمة والقوانين”، وأن “رئيس الجامعة هو الذي يختار أعضاء مجلس الجامعة، دون تدخل أو إملاء من مجلس الأمناء”، لأرى أن من المفيد الحازم والحاسم  القيام بعمل من شأنه أن يحسم  أمراُ ليس قول رئيس مجلس الأمناء فيه إلا قولاً يجمع العارفون بالجامعة وأمورها على نقيضه.

 وعليه، فهل يؤكد الدكتور/ عبد الرحمن حمد رئيس مجلس الأمناء على التحدي الذي أعلنه مصرحاً به إلى صحيفة الأزهر فيقبل التحدي ليُقبل على  الدخول في مناظرة موضوعية جادة وهادئة تحتضنها جلسةٌ عامة أو- إن شاء هو- مصغّرة، وفي وجود من يشاء من داخل الجامعة وخارجها، مُؤكداً أن الجامعة والحرص على مسيرتها ومستقبل طلبتها والعاملين فيها ومجتمعها هو هدف المناظرة وغايتها!

  أما آخر الكلام، فإنني إذ أرى في عقد هذه المناظرة الموضوعية الجادة والهادئة كثير خير ينبغي لرئيس مجلس الأمناء-  إن أراد إصلاح الجامعة  أو إن أصبح الإصلاح فيها هدفه وأمله-  أن يهتبله فيلتقط لحظة الانكشاف والخير والحقيقة فيستجيب لها، فَرِحَاً بها وممتناً لمقدمها، وإلا فإنَّ  الضرورة توجب- مع بالغ الأسف وأشده دونما  أدنى نية لقذف أو تعريض أو إيذاء أو تشهير بأحد- الرد على التحدي الذي أعلنه رئيس مجلس الأمناء في صحيفة “الأزهر” حول قول له يناقضه فعله، مذكراً إياه بقوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا لمَ تقولون ما لا تفعلون، كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.

  بقلم: الدكتور/ أيوب عثمان

                                                              كاتب وأكاديمي فلسطيني

                                                                 جامعة الأزهر بغزة

اترك تعليقاً