الأرشيف

أوجه الدعم الأمريكي للفلسطينيين وسياسة الابتزاز المالي – فتحي كليب

 

تعتبر المساعدات المالية احدى المرتكزات الاساسية للسياسة الخارجية الامريكية التي تعتمد عليها في تعاطيها مع الدول الفقيرة في العالم. وقد برز ذلك بشكل واضح في الجمعية العامة للامم المتحدة قبل وبعد التصويت على مشروع قرار الرئيس الامريكي بشأن القدس والتهديد العلني والصريح من مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي بأن الولايات المتحدة ستقطع التمويل عن جميع الدول التي ستصوت ضد القرار، وهذا أيضا ما عبر عنه الرئيس الأمريكي بتغريدته الشهيرة “واشنطن تعطى الفلسطينيين مئات الملايين من الدولارات سنويا ولا تنال أي تقديير أو احترام، هم لا يريدون حتى التفاوض على اتفاقية سلام طال تأخرها مع إسرائيل”..

ولم يكن قرار الإدارة الامريكية بتخفيض المساهمة الامريكية في موازنة وكالة الغوث وليد ساعته كرد فعل على رفض الشعب الفلسطيني والعالم لقرار الرئيس الأمريكي وتوجيه صفعة قوية في الجمعية العامة للأمم المتحدة وقبلها في مجلس الامن، بل كان هذا الاجراء جزءا من سياسة ممنهجة تسير عليها الخارجية الامريكية والبيت الأبيض اللذين كانوا يختارون التوقيت المناسب للإعلان. ويمكن رؤية هذا الاستنتاج في العديد من القوانين والقرارات التي سنها واتخذها الكونغرس الأمريكي منذ العام 2013 وحتى اليوم، حيث تم اقرار عدد من القوانين التي اتكأ عليها الرئيس الأمريكي لتبرير سياسته واجراءاته ضد الفلسطينيين..

– عام 2012 اقر مجلس النواب الأمريكي بالإجماع قانون “تعديل تمويل المساعدات الخارجية”  بالزام وزارة الخارجية بالإبلاغ عن عدد الذين يستحقون المساعدات من إجمالي عدد اللاجئين الفلسطينيين الذين يتلقون مساعدات من وكالة الغوث. وكان الهدف من هذا القانون هو خفض حجم المساعدة الأمريكية للأونروا بذريعة عدم حيادية الوكالة وتحولها الى منصة للتحريض على إسرائيل وعلى العنف ضدها..

– عام 2016 اقر مجلس النواب الأمريكي قانون “تايلور فورس” المتعلق بتقليص حجم المساعدات الامريكية الى السلطة..

– في منتصف عام 2017 دعا رئيس وزراء العدو بشكل علني ولأول مرة منذ العام 1948 الى حل وكالة الغوث وتحويل قضايا اللاجئين الفلسطينيين الى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين..

– افشال نائب رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة (الاسرائيلي) بالتعاون مع المندوبة الامريكية لمساعي الأمين العام بادراج قضية “التمويل المستدام لموازنة وكالة الغوث” على جدول اعمال الدورة (72) للجمعية العامة.

    لقد جاء استهداف وكالة الغوث في اطار مشروع سياسي يشكل مروحة سياسية بالنسبة للولايات المتحدة تتوزع على قضايا كثيرة يقع في مقدمتها قضايا: القدس، حق العودة من زاوية وكالة الغوث، الاستيطان، الترتيبات النهائية والحدود، وهي القضايا المعروفة باسم “قضايا الوضع النهائي”. وبهدف رسم واقع جديد يجبر الشعب الفلسطيني على تقديم تنازلات تؤدي الى فتح الآفاق لتسوية تضمن المصالح الإسرائيلية..

ويمكن تقسيم قنوات الدعم المالي الامريكي المقدمة الى الشعب الفلسطيني الى ثلاثة فئات:

*- الاولى هي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) التي تأسست وفقا لقانون اقره الكونغرس عام 1961 وعرف باسم “قانون المساعدات الخارجية لعام 1961”. وتعتبر هذه الوكالة الذراع المالي الذي تمارس من خلاله وزارة الخارجية ضغوطها على العديد من دول العالم خاصة وانها تقدم مساعدات لعشرات الدول ومنظمات المجتمع المدني، وهي تخضع لاشراف مباشر من الرئيس ومن وزارة الخارجية ومجلس الأمن القومي الأمريكي وتعمل على تنفيذ برامجها وفقا لسياسات وتوجهات وزارة الخارجية.

*- الثانية هي الدعم الذي يقدم للنظام السياسي للسلطة الفلسطينية تحت عناوين “الدعم الإقتصادي للقانون والنظام”. قسم بسيط من هذه المساعدات يدخل خزينة السلطة والباقي يتم انفاقه على تطوير برامج لها علاقة بالامن والقانون و”مكافحة الارهاب” وبرامج التدريب والنفقات الادارية واللوجستية لقوات أمن السلطة الفلسطينية والشرطة، وتدريب القضاء والمحامين. وغير ذلك من البرامج المحددة في القانون الامريكي للمساعدات الخارجية.. وقد بلغت موازنة هذه الفئة في العام (2016) وفقا لما ذكرته القنصلية الامريكية في القدس (55) مليون دولار.()

*- الفئة الثالثة موازنة الاونروا بأقسامها الثلاثة: الصندوق العام، المشاريع والطوارئ.

ووفقا للقنصلية الامريكية في القدس، فإن الولايات المتحدة قدمت للفلسطينيين منذ العام 1994 مساعدات بأكثر من(5.2) مليار دولار، شملت مجالات الديمقراطية والحكم، التعليم، الصحة، المشاريع الخاصة، المساعدة الأمنية، المياه والصرف الصحي والبنية التحتية. وقدمت هذه الاموال من خلال (6) قنوات هي التالي: الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وكالة الغوث، المساعدات الأمنية، مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط، السياسة العامة وتدمير الأسلحة التقليدية. وخلال العام 2016 قدمت الولايات المتحدة ما قيمته (290) مليون دولار (بشكل مباشر دون ان تدخل خزينة السلطة) من خلال وكالة USAID  توزعت على الشكل التالي:()

المساعدات العامة

-الدعم غير المباشر لتخفيف الديون (75) مليون دولار.

-المساعدات الإنسانية في غزة، المياه (71) مليون دولار.

-إمدادات المياه والصرف الصحي (41) مليون دولار.

-النمو الاقتصادي، والطاقة، وتنمية القطاع الخاص (31) مليون دولار.

-البنية التحتية، الطرق، البنية التحتية المجتمعية (31) مليون دولار.

-التعليم والشباب (25) مليون دولار.

-الديمقراطية والحكم (12) مليون دولار.

-الصحة (4.5) مليون دولار.

موازنة الاونروا 2017: تم تقديم (335) مليون دولار بما فيها (95) مليون دولار لنداء الاستغاثة الطارىء للضفة الغربية وقطاع غزة. وقد بلغت موازنة هذا النداء (402) مليون دولار.

الأمن والعدل: منذ العام 2007 تم تقديم (858) مليون دولار، بما فيها (200) مليون دولار لمشاريع البنى التحتية في قطاعي الأمن والعدل. وفي العام 2016 تم تقديم (54) مليون دولار.

مبادرة الشراكة في الشرق الأوسط: تم تخصيص نحو (8.7) ملايين دولار لدعم برامج محددة في الضفة الغربية وقطاع غزة في العام 2016.

الدبلوماسية العامة: وفي قطاع الدبلوماسية العامة تم تخصيص (2) مليون دولار لدعم التعليم والمجتمع المدني وتمكين المرأة عام  2016 وأيضا (2) مليون لبرنامج الإنجليزية في المناهج الدراسية.

تدمير الأسلحة التقليدية: تم استثمار أكثر من (4) ملايين دولار منذ عام 2011 لدعم برامج تتعلق بإزالة الألغام في الضفة الغربية، بما في ذلك مليون دولار في السنة المالية 2016. ويشمل ذلك البحث عن وإزالة ألغام من مخلفات الحروب السابقة.

غير ان المساعدات الامريكية المقدمة إلى السلطة الفلسطينية شهدت خلال العام الأول من عهد الرئيس ترامب تراجعا كبيرا ووصلت إلى أدنى مستوياتها منذ آخر 10 سنوات. ووفقا لـ (USAID) ولمعطيات وزارة الخارجية الامريكية، فإن ما قدم لاسرائيل خلال عامين، يعادل ما قدم الى السلطة الفلسطينية طيلة 23 عاما .إذ أن قيمة هذه المساعدات للسلطة الفلسطينية منذ التوقيع على اتفاق اوسلو بلغت (8) مليارات دولار، فيما وصلت قيمة المساعدات المقدمة لإسرائيل خلال العامين الأخيرين (8) مليارات دولار. مقارنة مع (130) مليار دولار هي إجمالي المعونات الاقتصادية الأمريكية المقدمة إلى إسرائيل منذ عام 1949. زد عليها تعهد الرئيس الامريكي السابق باراك أوباما بتقديم مساعدات عسكرية إلى إسرائيل بقيمة 38 مليار دولار، للفترة الممتدة بين عامي 2019 و2028.()

وقد صدّق مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون قضى بتخفيض قيمة المساعدات التي تقدم للسلطة الفلسطينية سنوياً بحيث لم تزد هذه المساعدة في العام 2016 عن (85) مليون دولار بالمقارنة مع لاشيء عام (2015) و (110) مليون دولار عام (2014) و (365) مليون في العام (2013).()

المساعدات الامريكية المقدمة للفلسطينيين من 2008 – 2017 (بملايين الدولارات)()

 

2017

2016

2015

2014

2013

2012

2011

2010

2009

2008

350

300

380

450

440

513

550

502

980

414

المساعدات الأمنية الامريكية للسلطة – بملايين الدولارات()

العام

قيمة المبلغ

2007

86

2008

75

2009

131

2010

100

2011-2017

58

 

اما بشان المساهمات الامريكية في الموازنة العامة لوكالة الغوث، فلا بد من التعرف على أبواب الموازنة العامة للوكالة التي تتوزع على ثلاثة اجزاء:

الجزء الأول هو الموازنة العادية المخصصة لتمويل الأنشطة العادية للأونروا وهي قضايا: التعليم، الصحة والخدمات الاجتماعية والإغاثة، وهو ما يطلق عليه عادة “موازنة الصندوق العام” او “الموازنة العادية”.

الجزء الثاني هو موازنة المشاريع الخاصة بأعمال البنية التحتية وإنشاء المدارس والمراكز والعيادات الصحية وتنفيذ مشاريع الصرف الصحي. وهذه الموازنة منفصلة عن موازنة الصندوق العام..

الجزء الثالث هو موازنة نداءات الطوارئ، وهي لم تكن موجودة عند تأسيس الاونروا، لكنها إستجدت واستحدثت بفعل تطور الأحداث، كالحروب وتداعياتها. وبدورها تتوزع هذه الموازنة على ثلاثة أقسام: توزيع المساعدات الغذائية، بناء المنازل المدمرة كلياً أو جزئياً، وخلق فرص عمل.

هذه الأجزاء الثلاثة تشكل مجتمعة الموازنة الاجمالية لوكالة الغوث التي بلغت ارقامها لعام (2017) حوالي (1.5) مليار دولار امريكي منها (760) مليون دولار لموازنة الصندوق العام والباقي موزع على موازنتي المشاريع والطوارىء..()

وتتوزع موازنة الطوارئ بدورها على أربعة اقسام هي: برنامج المساكن في قطاع غزه، اعمار مخيم نهر البارد، نداء الطوارئ للأراضي الفلسطينية المحتلة والنداء الطارئ لتداعيات الازمة السورية، وهذه الموازنات ترصد لها موازنات اجمالية وأخرى سنوية ومنفصلة عن موازنات الصندوق العام والمشاريع..

ووفقا لارقام وزعتها القنصلية الامريكية في القدس، بلغت مساهمات الولايات المتحدة في الموازنة الاجمالية لوكالة الغوث لعام (2017) نحو (365) منها (130) مليون ذهبت لموازنة الصندوق العام والمبلغ المتبقي (235) مليون وزع على قسمي الموازنة.. مقارنة مع (319) مليون دولار عام (2016) و (380) مليون عام (2015) و (408) في العام (2014).()

الإيرادات للصندوق العام 2015 – 2017()

 

%

2017

2016

2015

الجهة المانحة

27.4

130,000

130,000

130,000

الولايات المتحدة

18.7

89,000

89,000

89,325

الاتحاد الاوروبي

9.5

45,000

45,000

45,090

المملكة المتحدة

7.6

36,000

36,000

35,859

السويد

5.2

25,000

25,000

24,822

اليابان

30.4

144,250

143,750

177,188

دول أخرى

1.2

5,800

5,800

5,800

دول عربية

100

475,050

474,550

508,084

المجموع

 

قيمة المساهمة المالية الامريكية

في موازنة الصندوق العام وفي الموازنة الاجمالية لعام 2017()

 

الموازنة الاجمالية

1.5 مليار

الموازنة العادية

760

المساهمة الامريكية/ الموازنة العادية

130

المساهمة الامريكية الاجمالية

365

النسبة المئوية / الموازنة العادية

17 %

النسبة المئوية مقارنة مع الإجمالي

24.3 %

جدول يبين مساهمة الولايات المتحدة في موازنة وكالة الغوث

العادية والاجمالية وفي موازنتي الطوارئ والمشاريع()

 

 

العام 2015

2016

2017

الموازنة العامة

744

718

760

الصندوق العام

130

130

130

المشاريع والطوارئ

250

189

265

 

الجدول يبين ان نسبة مساهمة الولايات المتحدة في الصندوق العام لا تزيد عن 17 بالمائة من موازنة عام 2017 البالغة (760) مليون دولار ولا تزيد عن 25 بالمائة من الموازنة الاجمالية، وان التهديد الأمريكي يستهدف موازنة الصندوق العام أي خدمات التعليم والصحة والإغاثة.. هنا تبرز خطورة وتداعيات القرار الأمريكي الذي من شأنه زيادة نسبة العجز في موازنة الصندوق العام التي كانت تترواح قبل القرار الأمريكي بين 48 و 49 مليون دولار، فيما العجز اليوم يزيد عن (179) مليون دولار اذا تم قطع المبلغ بأكمله.. وبالتالي يتحول العجز مركبا. وهناك فارق بين عجز سنوي هو عبارة عن زيادة في النفقات وتخلف في الإيرادات ويمكن إحتوائه في سنوات لاحقه، وبين عجز مركب لا يمكن بالتالي لأية تدابير تقشفية أن تسد ولو قسم بسيط منه طالما أنه أصبح جزءاً عضوياً من الموازنة العامة.

وفي وقت لاحق، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة لن تقدم مساعدات غذائية قيمتها 45() مليون دولار كانت تعهدت بتقديمها لوكالة الغوث في وقت سابق، فى إطار برنامج النداء الطارئ للأراضى الفلسطينية المحتلة. وهذا المبلغ يضاف الى مبلغ آخر كانت وزارة الخارجية الامريكية قد أعلنت أنها ستعلقه بقيمة (130) ثم (65) مليون دولار، لتصبح القيمة الاجمالية للمبلغ المقتطع نحو 110 مليون دولار. ومن المتوقع ان تكون هناك اقتطاعات اخرى من برامج نداءات الطوارئ المخصصة لقطاع غزه ومخيمات سوريا ومخيم نهر البارد، اي ان هناك جريمة جماعية تنوي الولايات المتحدة ارتكابها بحق اللاجئين الفلسطينيين.. وهو عقاب جماعي تتحمل تداعيات الولايات المتحدة بشخص رئيسها ووزير خارجيتها ومندوبتها نيكي هايلي في الامم المتحدة والمندوب الاسرائيلي والمسؤولين الاسرائيليين الذين حرضوا وما زالوا يحرضون ضد وكالة الغوث والوظيفة الاجتماعية والاغاثية التي تقوم بها..

ان الولايات المتحدة تعتمد اسلوب التخفيض الممنهج بشكل تدريجي وهي حكما تضع برنامجا وقائمة بالقطاعات التي تنوي استهدافها بحيث يمكن القول الآن بأن ما كان يعلن سابقا من قبل اللاجئين أن هناك استهداف مباشر لوكالة الغوث اصبح اليوم حقيقة امام الجميع تترجمها سياسة الابتزاز المالي من قبل الولايات المتحدة التي تشترط الموافقة المسبقة على مشاريعها التصفوية للقضية الفلسطينية والا فحرب التجويع والتجهيل والمستقبل المجهول وعظائم الامور بانتظار اللاجئين الفلسطينيين..

ان بعض مسؤولي وكالة الغوث في تعاطيهم مع مشاكل العجز المالي عادة ما يلجأون الى الخيارات الاسهل وهي تخفيض الخدمات التي تمس حقوق اللاجئين. بينما المطلوب هو ضرورة تحلي هؤلاء المسؤولي بالشجاعة في معالجتهم للازمة المالية برفض سياسات الاملاء التي تسعى الادارة الامريكية الى فرضها على وكالة الغوث كأمر، وعبر معالجات جدية وجذرية لهذه المشكلة ومن خلال ثلاثة خطوط متوازية: الاول حث المجتمع الدولي والدول المانحة بخاصة الى زيادة مساهماتها المالية بما يسد ثغرة تقليص الولايات المتحدة لمساهماتها والثاني اعادة بحث مسألة التمويل المستدام لموازنة الاونروا بتخصيص موازنة ثابتة من موازنة الامم المتحدة.. والثالث دعوة الدول العربية والاسلامية الى زيادة مساهماتها المالية في صندوقي المشاريع ونداءات الطوارئ المختلفة.. هذا اضافة الى ضرورة ترشيد النفقات وصرف الاموال في المكان الصحيح في اطار سياسة واضحة شفافة ومعلنة لمحاربة الفساد والمفسدين بما يوفر ملايين الدولارات التي يمكن ان تستخدم في صالح اللاجئين.

فتحي كليب /عضو اللجنة المركزية

الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين