من هنا وهناك

(إسرائيل) بين المأزق ومحاولة مستميتة لتحقيق الاهداف – د. فايز رشيد

 

(إسرائيل) في مأزق .كان هذا هو العنوان  الابرز والادق في وصف الوضع (الإسرائيلي), طيلة ايام عدوانها على القطاع, التي وحتى اللحظة امتد لحوالي 35 يوما . مأزق لماذا ؟ ليس من الصعب الإجابة على السؤال , وهو يتلخص في التالي : (إسرائيل) لم تعتد الحرب الطويلة , تستدعي احتياطها البشري من الجيش , من اماكن العمل . لذا فالحرب الطويلة لها تداعيات كثيرة على اقتصادها وتصنيعها وإنتاجها وتجارتها الداخلية والخارجية . (إسرائيل) لم تعتد أن تتاثر (ما تعتبره أراضيها) بالحرب ,وتصبح جزءا منها . في معظم الحروب التي شنتها (إسرائيل), لم تتإثر الجبهة الداخلية (الإسرائيلية) مباشرة بالحرب ,وكانت تخاض في اراضي الغير. الحروب (الإسرائيلية) في معظمها كانت تنتهي بالانتصار وتحقيق جزء كبير لما سعت إليه من أهداف , ولهذا كان من السهل عليها إقناع اليهود في الدول الأخرى بالهجرة إلى (إسرائيل), ولم تكن هناك من أسباب مقنعة لمعظم (الإسرائيلين) للهجرة من الكيان .

كذلك  فإن الكيان استثمر الانتصارات العسكرية التي حققها في إنجازات سياسية غالبا , فقد وقع ثلاث معاهدات ( سلام – من وجهة نظره ) مع طرف رسمي فلسطيني ومع دولتين عربيتين بينهما : الدولة العربية الأقوى والأكبر( في عهد الرئيس الأسبق السادات ) وبذلك خرجت هذه الدولة من معادلة الصراع العربي – الصهيوني, بكل ما يعنيه ذلك من تداعيات سلبية على المستويين : الفلسطيني والعربي , وعلى الصعيدين : الإقليمي والدولي بالنسبة لتقزيم النظرة للقضية الفلسطينية . (إسرائيل) لم تعتد أن يعاني مستوطنوها مباشرة من نتائج الحرب .

في العدوان الاخير على قطاع غزة  , فإن كافة البنود السابقة ( وهي تشكل البنود الرئيسية من العقيدة الامنية (الإسرائيلية) والكيان وبناء على قرار من مؤتمر هرتزيليا الأخير , بصدد تعديل بنود هذه العقيدة الأمنية بفعل مستجدات كثيرة ). كافة البنود السابقة لم تتحقق لدولة الكيان : امتدت الحرب لمدى زمني طويل لم ترده ولم تخطط له (إسرائيل) ,تأثر اقتصادها في كل مجالاته سلبا, بالإضافة إلى تكاليف الحرب .تاثرت المدن والقرى (الإسرائيلية) بالحرب واضطرمعظم ساكنيها إلى النوم في الملاجىء هربا من الصواريخ الفلسطينية ,التي وصلت حتى شمال فلسطين المحتلة عام 1948. لم تستطع (إسرائيل) تحطيم اسلحة المقاومة, وتاثرت الهجرة إليها ومنها سلبا , وزادت من حجم مذابحها وحرب إبادتها الجماعية للمدنيين الفلسطينيين تعويضا عن ذلك: إبادة عائلات باكملها, وتجريف احياء بمجملها , وتدمير البنى التحتية للمدنيين بما في ذلك : محطات الكهرباء والمياه. الامر الذي ساهم في زيادة كشف الوجه القبيح (لإسرائيل) على الصعيد الدولي .

المقاومة تمكنت من اسر جنديين , وهذا ايضا مخالف للعقيدة الأمنية للكيان . الامر الابرز في نتائج العدوان : أن إسرائيل لم تستطع تحقيق أي من اهدافها وبخاصة : نزع الاسلحة ( كما ذكرنا ) . كسر روح المقاومة لدى الفلسطينين . فرض إرادتها عليهم من خلال تمرير التسوية (الإسرائيلية), وتعميم تجربة الضفة الغربية في الحكم , على القطاع .هذه القضايا وغيرها ساهمت في ارتفاع وتيرة الجدل في (إسرائيل), وانقسام الآراء حول العدوان والاستمرار فيه ,ومدياته. كما أدت إلى احتدام الجدل بين القيادتين : السياسية والعسكرية , الأمر الذي ساهم في رفع  حدة الجدل في الشارع , وتعارض ملموس بين الوزراء سواء في الحكومة المصغرة أو الموسعة . أدت إلى بدء المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق عنوانها الرئيسي : تقصير نتنياهو والحكومة والقيادة العسكرية والامنية في إدارة الحرب ,على قاعدة : أن (اسرائيل) لم تحقق اي من أهدافها من وراء عدوانها . هذه القضية حتى الرئيس الأمريكي أوباما , اعترف بها . كل هذه الأسباب مجتمعة  : خلقت مأزقا (لإسرائيل) في المجالات : العسكرية , السياسية , الاقتصادية , الاجتماعية .

(إسرائيل) وفي المفاوضات السياسية غير المباشرة التي تدور بينها وبين الفصائل الفلسطينية تحاول    جاهدة : تحقيق بعض الأهداف السياسية ( ولو حتى هدف صغير ) تحاول من خلاله : إقناع الشارع( الإسرائيلي) بالإنجاز الذي تحقق من خلال المفاوضات , لذا فإن من المستبعد تماما استجابة (إسرائيل) للعديد من المطالب الفلسطينية .

ثم إن ما لم يؤخذ من (إسرائيل) من خلال القوة , لن يؤخذ بالمفاوضات . (إسرائيل) في المفاوضات تحاول فرض مقولة ” هدوء مقابل هدوء ” , بالتالي فلا مراهنة على مفاوضات القاهرة من زاوية  تحقيق (تنازلات ) “إسرائيلية” للفلسطينيين , مع أن الشروط  أو المطالب الفلسطينية محقة وعادلة ومشروعة في الهيئات الدولية .لذلك فإن الاحتمالات لما بعد انتهاء فترة الهدن ( جمع هدنة ) المتتالية , والتي سيجري تمديدها واحدة بعد أخرى  تحت مبرر : المزيد من التفاوض ( وهذا أيضا سياسة إسرائيلية على قاعدة : الخطوة خطوة , وفقا للمبدأ الكيسنجري ) احتمال قائم .

غير أن الحقيقة الأكيدة التي تعمل على تفاقم المازق الإسرائيلي تتلخص في : لا هدنة مع بقاء الاحتلال , دولة الكيان لا تفهم غير لغة القوة وتحويل احتلالها إلى مشروع خاسر بكل المعاني : السياسية , العسكرية , الإقتصادية الإجتماعية . والأهم من كل ذلك : الخسائر البشرية بين صفوف الجنود . هذا ما يتوجب الانتباه اليه من قبل الفصائل الفلسطينية ,ومن قبل الوفد الفلسطيني  المفاوض,  ومن قبل شعبنا وأمتنا .

(إسرائيل)  بين المأزق ومحاولة مستميتة لتحقيق الاهداف – د. فايز رشيد

اترك تعليقاً