بساط الريح

)إسرائيل( وحق العودة بعد 70 عاماً من النكبة المستمرة – د.غازي حسين


    إنكار “إسرائيل” لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم، واستعادة أرضهم وممتلكاتهم، استخفاف إسرائيلي بالقرارات والأعراف والقوانين والمواثيق الدولية                     
 
         رحّلت “اسرائيل” في حرب عام 1948 التي أشعلتها أهالي (530) قرية ومدينة في فلسطين وأهالي (660) خربة وقرية صغيرة. وتعتبر عملية التطهير العرقي التي نفذتها العصابات الإرهابية اليهودية المسلحة، الهاغاناه والأرغون وشتيرن، أكبر عملية تطهير عرقي حدثت في التاريخ الحديث بعد الحرب العالمية الثانية.

شرّدت إسرائيل اللاجئين الفلسطينيين تطبيقاً لمخططاتها في تهجير اليهود إلى فلسطين وترحيل الفلسطينيين منها، تحقيقاً للاستعمار الاستيطاني اليهودي لإقامة أكبر غيتو  عنصري  في قلب المنطقة العربية، على شكل ثكنة عسكرية مدججة بجميع أسلحة الدمار الشامل، معادية لشعوب المنطقة، وحليفة للامبريالية الأمريكية لخدمة مصالحها ومصالح اليهودية العالمية والدول الغربية.

حاولت إسرائيل أن ترسخ في الأوساط الدولية، وفي المناهج والكتب الدراسية فيها إن اللاجئين غادروا مدنهم وقراهم طواعية ودون إكراه، تنفيذاً لنداءات الحكام العرب، وذلك كعادة اليهود في الكذب والخداع والتضليل، لكن المؤرخين الجدد في «إسرائيل» عكفوا على دراسة وتحليل الوثائق الصهيونية التي سُمح بنشرها، وخرجوا برأي هزّ الكيان الصهيوني، وأعلنوا أن ترحيلاً جماعياً قسرياً  ارتكبته “إسرائيل” عام 1948 بحق الشعب الفلسطيني.

قام الكيان الصهيوني على مقولة كاذبة هي أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض، لذلك قررت الصهيونية تهجير اليهود بالترغيب والترهيب إليها وترحيل العرب منها بمساعدة الدول الاستعمارية وبعض العرب واستغلال معزوفيتي اللاسامية والهولوكوست (المحرقة).

إن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، حق طبيعي وقانوني ومقدس، فردي وجماعي وينبع من الحقوق الطبيعية، ومن القانون الدولي الإنساني، فهو حق فردي، كونه من حق المواطن في وطنه وحق الملكية الذي لايزول بزوال الدول أو بتغيير السيادة ولا بتقادم الزمن، وهو ملك للاجىء نفسه. وهو حق  جماعي انطلاقاً من حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وهو مبدأ أساسي من مبادىء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كرسته العهود والمواثيق والقرارات الدولية، ومنها القرار 194 واتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، وهو حق رسخته الشرائع السماوية والقوانين الوضعية، ولا تجوز فيه الإنابة أو التمثيل، ولا تلغيه اتفاقات الإذعان في كامب ديفيد وأوسلو ووادي عربة. لذلك لا يجوز لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية أو لمؤتمرات القمم العربية التنازل عنه، ولا للكيان الصهيني بشطبه، لأنه يتعلق بقاعدة آمرة من قواعد القانون الدولي، وهو حق يتمسك به الشعب الفلسطيني والأمة العربية.

وتجري المساعي الصهيونية والأمريكية والفلسطينية والعربية الرسمية، محاولة تحويله من قانون دولي ملزم إلى حق اقتصادي، أي بتوطين اللاجئين والتعويض عنه بفتات من الدولارات عن طريق صندوق دولي تموله دول الخليج العربي والدول المانحة تحت ستار كاذب، “التوصل إلى حل عادل ومتفق عليه”، كما ورد في مبادرة ولي العهد السعودي -آنذاك- الأمير عبدالله التي وضعها اليهودي الأمريكي توماس فريدمان، والتي أصبحت تعرف بمبادرة السلام العربية للتوصل إلى حل نهائي لتصفية قضية فلسطين وعلى حساب أكثر من ستة ملايين لاجئ فلسطيني، إرضاءً للولايات المتحدة واليهودية العالمية.

إن محاولة “إسرائيل” شطب حق عودة اللاجئين إلى ديارهم، واستعادة أرضهم وممتلكاتهم تطبيقاً للقرار الدولي رقم 194، الذي أكدت عليه الجمعية العامة للأمم المتحدة 135 مرة في قراراتها والمادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تمثل استخفافاً إسرائيلياً بالقرارات والأعراف والقوانين والعهود والمواثيق الدولية.

وقد مارست “إسرائيل”، ولاتزال،  هذا الاستخفاف والتجاهل والنكران لأن الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وضعتها فوق القانون الدولي وفوق الأمم المتحدة وحتى فوق مبادئ وقرارات الشرعية الدولية.

نشأت مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نتيجة لوعد بلفور غير الشرعي، ونظام الانتداب الاستعماري وقرار التقسيم غير الشرعي، وحرب عام 1948 التي أشعلتها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة، وتأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية.

ينص قرار التقسيم والذي بموجبه أقيم الكيان الصهيوني على ما يلي:

– لا تمييز بين السكان من أي نوع، وعلى أساس العرق أو الدين أو اللغة أو الجنس.

– يكون لجميع الأشخاص الخاضعين لولاية الدولة الحق في حماية القانون بالتساوي.

– لا يسمح بمصادرة أي أرض تخص عربياً في الدولة اليهودية، أو يهودياً في الدولة العربية إلا للمنفعة العامة، وفي جميع الحالات المصادرة يدفع تعويض كامل قبل نزع الملكية.

كان من المفروض على “إسرائيل” التي أقيمت بموجب قرار التقسيم، وبطريقة غير شرعية، أن تحترم هذه الأحكام الأساسية الواردة في قرار التقسيم حول حقوق الأقليات وتنفيذ حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وتعويضهم عن الخسائر والأضرار التي ألحقتها “إسرائيل” بهم.

وكانت الجمعية العامة قد وافقت على اقتراح مجلس الأمن بتعيين الكونت برنادوت وسيطاً دولياً في فلسطين، وذلك بموجب القرار 186 تاريخ 14 أيار 1948.

أكد الوسيط الدولي في التقرير الذي رفعه إلى الأمم المتحدة أن المجازر الجماعية كمجزرة دير ياسين لعبت دوراً أساسياً في عملية تهجير وترحيل الفلسطينيين، وتمسك الوسيط الدولي برأي ثابت مفاده أنه ينبغي تثبيت حق هؤلاء اللاجئين في العودة إلى ديارهم في أبكر وقت ممكن عملياً.

وقدم برنادوت مقترحاته الأولية إلى الأمم المتحدة في 27 حزيران 1948، وجاء في النقطة التاسعة منها ما يلي: «لسكان فلسطين إذا غادروها بسبب الظروف المترتبة على النزاع القائم (الحرب) الحق في العودة إلى بلادهم دون قيد واسترجاع ممتلكاتهم».

رفضت «إسرائيل» مقترحات الوسيط الدولي الذي اقترحه مجلس الأمن، وأيدتها أمريكا وبريطانيا بذلك، وتبعاً لذلك أنجز «برنادوت» صيغة معدلة عرفت باسم “مشروع برنادوت”، بعثه برنادوت في أوائل أيلول عام 1948 إلى الأمين العام للأمم المتحدة، وذلك قبل أن تغتاله “إسرائيل” بأيام قليلة. وتوجه في 17 أيلول إلى بيروت ومنها إلى مطار قلنديا في القدس ثم إلى الشطر الغربي من القدس المحتلة، حيث اغتالته هناك عصابة شتيرن الإرهابية التي كان يتزعمها رئيس وزراء العدو الصهيوني الأسبق الإرهابي اسحق شامير.

سادت موجة غضب واستنكار شديدين في أوساط أعضاء مجلس الأمن الدولي، والجمعية العامة للأمم المتحدة لاغتيال برنادوت، ووافقوا على مقترحاته الأخيرة التي كانت سبباً لاغتياله، والتي حمّل فيها مجلس الأمن “إسرائيل” المسؤولية التاريخية عن نشوء مشكلة اللاجئين، وصدر القرار 194 في 11/12/1949، واعتقد أنه لولا اغتيال «إسرائيل» للوسيط الدولي لما صدر هذا القرار، وبالتالي دفع الكونت برنادوت حياته ثمناً لصدور القرار 194.

شكلت الأمم المتحدة بموجب القرار 194 لجنة التوفيق الدولية من أمريكا وفرنسا وتركيا، وطلبت منها العمل على تسهيل عودة اللاجئين وتأهيلهم ودفع التعويضات عن الخسائر والأضرار التي لحقت بهم وطن لا يرغب في العودة.

رفضت “إسرائيل” تنفيذ مطالبة لجنة التوفيق الدولية بعودة اللاجئين إلى ديارهم، وعندما تقدمت بطلب الانضمام إلى عضوية الأمم المتحدة رفضت الأمم المتحدة الطلب الإسرائيلي، لأن العديد من الدول اشترطت عليها تنفيذ قرار التقسيم 181 وقرار عودة اللاجئين إلى ديارهم رقم 194.

وكعادة اليهود في المراوغة والتضليل والخداع والكذب وقعت “إسرائيل” مع لجنة التوفيق الدولية بروتوكول لوزان، الذي تضمن التزام “إسرائيل” بتنفيذ القرارين الدوليين 181 و194، وتعهدت أمام اللجنة السياسية التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة بتنفيذ القرارين المذكورين، وتقدمت بطلبها الثاني للانضمام إلى الأمم المتحدة ووافقت عليه الجمعية العامة لأن “إسرائيل”  تعهدت بتنفيذ القرارين وتضمن قرار الأمم المتحدة، رقم 273 بتاريخ 11 أيار 1949 قبول عضوية إسرائيل شريطة تنفيذ القرارين 181 و194.

نشأت الموجة الثانية من اللاجذين الفلسطينيين نتيجة حرب حزيران العدوانية التي أشعلها العدو الإسرائيلي، فاتخذ مجلس الأمن الدولي القرار 237 في 14 حزيران 1967 وتضمن مطالبة الكيان الصهيوني تسهيل عودة اللاجئين إلى ديارهم.  وأكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في القرار 2252 في 4 تموز 1967 حق اللاجئين الذين شردتهم إسرائيل جراء الحرب بالعودة إلى ديارهم. ولم يتحقق شيئاً من عودة اللاجئين حتى اليوم.

اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 القرارين 2236و2237، وجاء في القرار الأول: «إن الجمعية العامة تؤكد من جديد حق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي شردوا عنها واقتلعوا فيها وتطالبه بإعادتهم».

وأعطى القرار الثاني منظمة التحرير الفلسطينية صفة العضو المراقب وشكلت الجمعية العامة “اللجنة المعنية بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف”، وتناول تقرير اللجنة عام 1976 حق العودة وجاء فيه: «إن حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف في تقرير المصير لا يمكن أن تمارس إلا في فلسطين، وتبعاً لذلك فإن ممارسة الحق الفردي للاجئين في العودة إلى ديارهم شرط لا غنى عنه لممارسة هذا الشعب لحقوقه في تقرير المصير وفي الاستقلال الوطني والسيادة». وجاء في تقرير لجنة الأمم المتحدة حول مسؤولية “إسرائيل”  في تطبيق حق العودة ما يلي: «إن على “إسرائيل”  واجباً ملزماً بعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا نتيجة للأعمال الحربية في 1948 و1967».

إن الشعب العربي الفلسطيني يرفض رفضاً قاطعاً التوطين والوطن البديل، ويصر على عودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم تطبيقاً للقرار 194 ووفقاً لمبادىء القانون الدولي وأسوة بالتعامل الدولي.

كما يرفض أيضاً تفسير رئيس منظمة التحرير الفلسطينية بأن حق العودة يعني العودة إلى الدولة الفلسطينية المزمع إقامتها ومنقوصة  الأرض والشعب والسيادة، ويرفض رفضاً قاطعاً تشطيبه على حق عودة اللاجئين إلىديارهم.

وهذا الشطب لحق عودة اللاجئين إلى ديارهم يعني إعطاء الضوء الأخضر “لإسرائيل” لتقوم بعمليات الترانسفير (الترحيل) لفلسطينيي الداخل (عام 1948)، والتوطين والوطن البديل والتهجير إلى كندا واستراليا وبعض البلدان الأوروبية. ويرفض شعبنا وامتنا التوطين والترحيل والوطن البديل.ويصران على تطبيق حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وإستعادة ارضهم وممتلكاتهم تطبيقاً للقرارات الدولية وأُسوة بالتعامل الدولي.

إن اللاجئين الفلسطينيين سيظلون يشعرون بالغربة إن لم يعودوا لديارهم، فلقد شعرت بالغربة عندما رحلت عائلتي قسراً إلى نابلس، وانتابني الشعور نفسه عندما درست وعملت في ألمانيا والنمسا ودمشق على الرغم من المكانة الفريدة التي يتمتع بها الفلسطيني في سورية والتي لايحظى بها في أي بلد من بلدان العالم.

تأكدت بالتجربة بأن غربتي لن تزول إلا بعودتي إلى قريتي سلمة (يافا)،فهي الحق والواجب والحلم والامل.وتؤكدها الشرائع السماوية والقوانين والمواثيق الدولية والقانون الدولي الانساني  ولن أقبل عنها بديلاً مهما طال الزمن، لأن حق العودة جوهر قضية فلسطين، ولأن منظمة التحرير تأسست من أجل عودة اللاجئين إلى ديارهم وإستعادة أرضهم وممتلكاتهم، ولأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة وما بني على باطل فهو باطل وتبقى فلسطين عربية من رأس الناقورة حتى رفح ومن النهر إلى البحر.وستحرر بالمقاومة المسلحة وحرب التحرير الشعبية ومصير إسرائيل إلى الزوال كبقيو أنظمة الاستعمار الاستيطاني والانظمة العنصرية .