من هنا وهناك

إن لم تستسلم فأنت المنتصر – عبداللطيف مهنا

إن لم تستسلم فأنت المنتصر – عبداللطيف مهنا

من رماد متتالي محارقهم الهمجية المتواصلة ينطلق كعادته الفينيق الفلسطيني العنيد، ومن بين سواد دخان مراحلها الكثيف تخرج مفاجاات ابابيل مقاومته محلقةً من فوق رؤوس الغزاة المتغطرسة… هاهى تُكرههم في مثل هذه الأيام المصيرية الفارقة للإنتقال هم وجبروتهم ومعهم فجورهم للسكنى في عتمة ملاجئهم، حيث توالي صافرات الانذار الزاعقة في ايام لم يعهدوها من قبل تحذيرهم من مغبة مغادرتها…

…ومن عدوان ألى ما تلاه، ومن مذبحة الى لاحقتها، هاهى غزة هاشم، المضرَّجة بدمها المقاوم، والعزلاء المقاتلة، لكنما المنطلقة من ماراكمته اسطورية إيبائها ومذهل صمودها وديدنة مواجهاتها لأعدائها ، تخرج وستخرج هى هى، وكما عودتنا دائما، الأعند، والأقوى، والأصلب، والقائلة لهم، إني لها، وإنه لم يعد من عدوان تشنونه علىَّ بعد اليوم بلا ثمن….

ولأن الحال هي كذلك، فإنها ليست سوى هذه اللحظة التاريخية الفارقة، التي تسطِّر تجلياتها وكأنما قدر غزة المحاصرة والمستفردة فيها هو أن تقاتلهم وحدها وظهرها إلى حائط الزمن العربي الأردأ ونيابة عن مترامي أمتها المبددة. كما أنه هو هذا الراهن العربي المرير عينه الذي انمحت فيه المسافة الرمادية المضللة سابقاً بين القاعد المتفرج على طقوس شقيق يذبح، والعاجز، والمتواطىء، فالمتوسط بين المعتدي والشقيق المعتدى عليه…وصولاً إلى المتسابقين للفوز باحتكار عار الاستفراد بالمشاركة في محاولات تصفية قضية قضايا أمتهم….

…وهى اللحظة، التي من لم يك فيها مع غزة، مع المقاومة، بكل ماتعنيه هذه الكلمة، فهو ليس إلا، إما المهرول بين العجز والتواطوء، او تجاوزهما مرتضياً لنفسه حال المرسال، أو دور الوسيط بين الضحية الشقيقة وجلاَّدها العدو، وفي كل هاته الأحوال فهو موضوعياً ليس سوى الشريك أو المساعد في عملية ذبحها…

                                                            ***

انها ليست سوى اللحظة التاريخية الفارقة التي نسفت فيها مفاجأات غزة المقاومة بائد معادلة هدوء مقابل هدوء، هذه التي لم تكن من ترجمة لها في يوم من الأيام سوى الإستسلام مقابل وجبة من عدوان ستتبعها لاحقة مؤجلة…أو تعويض للعدو عن استحالة انتصار عدوانه على شعب اعطى الكون مضموناً مذهلاً لمعنى الصمود في مواجهة البطش، والقدرة الخارقة على ابتكار الجديد والمتعدد من اشكال مقاومتة لهمجية الغزاة، قدرة تبعثها الحاجة ولم يعرف تاريخ البشرية لها مثيلاً من ذي قبل…لم تعد غزة حقل رماية لهم، والمهم أنها ستظل غزة غير القابلة لأن تدجَّن، وأن ما انجزته مقاومتها حتى الآن يشي بمقدمات لمعادلات جديدة في هذا الصراع آتية لاريب….

…إنه ليس سوى زمن الصافرات الصهيونية المنذرة، وقبابهم الحديدية المثقوبة، ومشاهد هروع قطعان المستعمرين إلى الملاجىء، وحيث تعقد حكومتهم المربكة اجتماعاتها في قبو وزارة حربها، ويركض وزير خارجيتهم مع ضيفه الألماني القادم للتضامن مع عدوانيتهم إلى الملجأ…زمن فشل جهنمية التجسس التكنولوجي الغربي المتطورة، هذه التي تلاحق كل التفاصيل الغزاوية، جواً، وبراً، وبحراً، وتضع كل دقائقها تحت مجهرها، والراصدة لكل حركة تدب أوحتى سكنة، والمتابعة لكل همسة تسمع، والتي لايفوتها أن تحصي حتى انفاس الغزيين…بالمقابل، لم تكتفي المقاومة بابابيلها المحلقة في سماء الوطن المغتصب، بل اتسعت ضروب مقاومتها جواً وبراً وبحراً ومن تحت الأرض، واضفت على اتساع مواجهتها لعدوها لمسةً الكترونية باختراقها لشبكات الإنترنت والهواتف النقَّالة والقنوات التلفزيونية الصهيونية باثةً رسائلها لعدوها بالعبرية…

       ***                                                                                            

…انها المرة التي لم تحقق فيها حربهم هدفاً استراتيجياً واحداً، وحيث، ووفق ما اعلنوه، قد نفذ بنك اهدافهم، ولم يرمموا “ردعاً” تهتكت عراه، ولم تحقق آلتهم التدميرية فترة “هدوء” أخرى ينشدونها، ولم يتمكنوا كسابقهم من اقتناص لقائد كبير في المقاومة، ولم تتوقف صواريخ المقاومة من دك تجمعاتهم على مساحة الخارطة الفلسطينية، وفشلوا في فرض التهجير، أوتنفيذ سياسة الأرض المحروقة، شرقي غزة وشمالها، وبان أن لاقدرة لهم على الحؤول دون استمرارية المقاومة، ولامن ما يضمن لهم عدم قدرتها على تجديد وتطوير قدراتها مستقبلاً، لجأوا إلى هدم البيوت على رؤوس ساكنيها الآمنين، وارتكاب مجازر حصد ارواح الأطفال التي لم يشهد العالم مثيلاً لها في بشاعتها انتقاما لما فشلوا في تحقيقة وعجزوا عنه… بعد هذا كله، وتفادياً لكلفة الحرب البرية الباهظة التي كانوا يتهيبونها ويتحسبون لها، لجأوا الى توسيط غربهم وعربهم وكل من شاء توسطاً لتحقيق ماعجزوا عنه في حربهم تفاوضاً ومساومةً….

                                                                                 ***

…ولأنها المرة التي فيها لم ولن يأخذوا من غزة بالمساومات ماعجز عنه مديد حصارهم، وقصَّرت عن فعله هائل آلة فتكهم، ولم تحققه مسلسلات المحارق والمذابح التي اداروها ضده، وحيث لم ولن يسمح الجرح المقاوم بأن تحول شراك المبادرات بين الدم الغزي الزكي وما انجزته مقاومته، بدأوا هجومهم البري…وإذ بدأوه، وإذ هى المقاومة في انتظارهم، وحيث سيقاتل الدم الفلسطيني نيابة عن العربي وحيداً، فلايجدر بأحد أن ينسى أن عشرة أيام غزِّية مرت فحسب، كانت كافية لأن تثبت أن هناك شعب لاتوحِّده إلا مقاومته ولاتتهدد وحدته إلا مبادرات المساومين على حقه الثابت في كامل فلسطينه والعودة اليها…شعب لايقوده ولايمثله إلا شهداؤه وأسراه وجرحاه…ولذا فإن لسان حاله يقول في غزة اليوم: إن لم تستسلم فأنت المنتصر.

                                                        

اترك تعليقاً