الأرشيفعربي وعالمي

احتواء الضغوط التضخمية – الدكتور عادل عامر

احتواء الضغوط التضخمية

الدكتور عادل عامر

يعتبر الاقتصاد المصري أحد الاقتصادات القليلة في المنطقة التي تمكنت من تحقيق نمو قدره اثنين في المئة خلال الربع الأول من العام المالي 20/21 طبقا لتقدير العديد من الهيئات والوكالات الدولية؛ حيث توقع البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير أن يصل النمو في مصر إلى 3.3 في المئة في السنة المالية 2020/21، كما توقع البنك ذاته أن ينتعش معدل النمو ليصل إلى خمسة في المئة في العام المالي القادم.

إن البنك المركزي أراد من خلال تخفيض سعر الفائدة تنشيط المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر وأن يقوم بدمج الاقتصاد الرسمي وغير الرسمي من أجل تشجيع التنمية، وقد رأينا أن البنك الدولي تحدث عن معدلات التنمية في مصر والتي ارتفعت إلى 3ونصف في المئة بعدما كان مقدر لها 2 في المئة”

وهو يعني ارتفاع معدلات التوظيف العالية وانخفاض معدلات البطالة”، وخفض معدلات البطالة يأتي من تشجيع الشباب الذي يمتلك أي مهارات لفتح مشروعات خاصة، بحيث تقوم الدولة بعمل دراسة جدوى للمشروع وتقف بجانبه في عملية التسويق وعند تعثره في الدفع تعطيه مهله،

لأن الدولة في مصر رأت أن الدول ذات الكثافات السكانية العالية اتجهت إلى المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر كداعم لاقتصادها، مثل الصين والتي حولت مناطق سكنية إلى قطاعات إنتاج حرفية صغيرة حسب الموارد المتاحة في كل منطقة.

وقد جاء ارتفاع المعدل السنوي للتضخم العام مدفوعاً بارتفاع المساهمة السنوية للسلع الغذائية بشكل أساسي، بالإضافة إلى مساهمة السلع والخدمات المحدد أسعارها إدارياً، ولكن بدرجة أقل في أكتوبر 2020. ويأتي ذلك في ظل استمرار ارتفاع المعدل السنوي لتضخم السلع الغذائية للشهر الثاني على التوالي، على الرغم من استمرار تسجيله معدلات سالبه.

وفي ذات الوقت، ارتفع المعدل السنوي للتضخم الأساسي إلى 3.9% في اكتوبر 2020 مقارنة بـ 3.3% في سبتمبر 2020 من 0.8% في أغسطس 2020، والذي جاء وفقاً للتوقعات، بسبب التأثير السلبي لفترة الأساس. ومع ذلك، ظلت المعدلات السنوية للتضخم تعكس احتواء الضغوط التضخمية. وقد سجل معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي 3.6% خلال العام المالي 2019/2020 مقارنة بـ 5.6% خلال العام المالي السابق.

وقد جاء ذلك نتيجة تباطؤ معدل النمو خلال الربع الثاني من عام 2020، خاصةً في ضوء الإجراءات الاحتوائية لجائحة كورونا، ليسجل وفقا للبيانات المبدئية سالب 1.7%، مقارنة بمعدل نمو بلغ 5.0% خلال الربع الأول من عام 2020.

وقد جاءت الزيادة في مساهمة الاستهلاك في معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي لتحد بشكل جزئي من التراجع في مساهمة الاستثمارات وصافي الصادرات ولكن بدرجة أقل خلال ذات الفترة. وقد انعكس ذلك أيضاً في معدل البطالة والذي سجل 9.6% خلال الربع الثاني من عام 2020 مقارنة بـ 7.7% خلال الربع الأول من ذات العام. وقد استمرت المؤشرات الأولية للربع الثالث من عام 2020 في التعافي التدريجي.

وعالمياً، ما يزال النشاط الاقتصادي ضعيفاً على الرغم من بعض التعافي، كما استقرت اسعار البترول العالمية بشكل عام، واستمر تحسن الأوضاع المالية العالمية، نتيجة إجراءات التيسير الاقتصادية، على الرغم من حالة عدم اليقين السائدة. إلا أن هناك مخاطر تحيط بآفاق النشاط الاقتصادي العالمي نتيجة انتشار الموجة الثانية لجائحة كورونا وعودة الاغلاق وتشديد الإجراءات الاحترازية والتي ستؤثر سلباً على آفاق الاقتصاد العالمي.

وفى ضوء ما تقدم ، وحيث أنه من المتوقع أن يسجل متوسط معدل التضخم خلال الربع الرابع من عام 2020 معدلات أحادية منخفضة تحت مستوى 6.0%، وهو ما يؤكد استمرار احتواء الضغوط التضخمية المتوقعة على المدى المتوسط.

إن قرارات زيادة الفائدة في الغالب تكون مرتبطة بمستويات تضخم مرتفعة، فيتم رفع سعر الفائدة لتخفيض السيولة المتداولة في السوق، والطبيعي في معظم دول العالم أنه عندما تزيد نسبة السيولة تزيد عمليات الشراء مع ثبات المعروض من السلع فترتفع الأسعار ويحدث التضخم، وفي مصر عندما كان يتم رفع سعر الفائدة للتحكم في نسبة التضخم، في الحقيقة أن التضخم لدينا لم يكن ناتج عن زيادة إنفاق المستهلكين وإنما ناتج زيادة أسعار السلع”.

أن التضخم العام هو معدل التغير في الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين، بينما يعد التضخم الأساسي مشتق من الرقم العام لأسعار المستهلكين مستبعداً منه السلع والخدمات المحدد أسعارها إدارياً والسلع الغذائية الأكثر تقلباً وهي الخضروات والفاكهة.

والحق أن معدلات التضخم السنوي التي نعرفها قد سجلت تراجعا جيدا ومؤثرا عام 2019 بنسبة قريبة من المستوى المزمن 9,2% متفوقة على عام 2013 والذى شهد جانبا كبيرا من عدم الاستقرار في النشاط الاقتصادي وربما في عمليات الإحصاء (بنسبة 9,5% للتضخم السنوي).

أما كل من التضخم الشهري (شهر إلى شهر سابق في نفس العام) أو التضخم الشهري على أساس سنوي (شهر إلى شهر مقابل من العام السابق) فله دلالات مختلفة.

بالنسبة للتضخم الشهري فله مدلول موسمي وعادة ما يعكس في مجموع شهوره التضخم السنوي. وأما التضخم الشهري على أساس سنوي فعلى الرغم من دلالاته الموسمية أيضا فإنه يجب أن يقترب من التضخم السنوي نهاية كل عام (إلا إذا كان ثمة اختلاف جوهري في منهجية حسابه لكن الموقع الرسمي للجهاز لا يوضحها) وعندما نجد هذا المؤشر للتضخم على أساس سنوي قد بلغ 7,4% في شهر أغسطس الحالي بل ووصل إلى 3,1% شهر أكتوبر الماضي فإن هذا يحتاج إلى اهتمام وتفسير. بل إن اتساع الفجوة بين كل من التضخم الأساسي والتضخم العام (وفقا لبيانات البنك المركزي) لتصل إلى 67% بداية شهر ديسمبر 2019 هي أيضا أمر غير مألوف يحتاج إلى كثير من التفسير.

بالتأكيد استمرار تراجع قيمة الجنيه المصري أمام المنتجات التي يشتريها (أي التضخم بشكل مبسط) مع شبه ثبات قيمته أمام الدولار الأمريكي يشكك البعض في مصداقية عملية التعويم وأنها لم تكن تحريرا كاملا بل تعويما مدارا في صورة طفرات أو تعويم جزئي،

ومن ثم فإن تراجع معدلات التضخم يصب بشكل مباشر في عملية إدارة سعر الصرف، وإن كان الهدف الأصلي للسياسة النقدية هو المحافظة على استقرار المستوى العام للأسعار. لكن هذا التحسّن لا يأتي بصورة مفاجئة إلا نتيجة لصدمة أو أننا نقارن تفاحا بخيار

لا يزال معدل التضخم معتدلاً في مصر ككل ولكن الضغوط التضخمية تزداد بصفة خاصة في البلدان الأفريقية المستوردة للنفط بسبب ارتفاع أسعاره. بيد أن الضغوط التضخمية من المحتمل أن تزداد بدرجة طفيفة حيث يدخل سلسلة الإنتاج ارتفاع أسعار المواد الخام والسلع الأساسية. وعلاوة على ذلك، يأتي تزايد تدفقات رؤوس الأموال القصيرة الأجل في وقت تزداد فيه الضغوط التضخمية في بعض الاقتصادات. وكانت الضغوط التضخمية أقل بقليل مما كان متوقعا بالنسبة لمصر كليتا . وتم تشديد السياسة النقدية كردّ فعل للضغوط التضخمية. وتضاءلت الضغوط التضخمية بسبب كفاية الإمدادات الزراعية وتحسن القدرات الإنتاجية وتعزيز العملات في بعض البلدان.

. وبالتالي، قررت لجنة السياسة النقدية خفض أسعار العائد الأساسية لدي البنك المركزي بواقع 50 نقطة أساس. ويوفر خفض أسعار العائد الأساسية في اجتماع اللجنة الدعم المناسب للنشاط الاقتصادي في الوقت الحالي ويتسق ذلك القرار مع تحقيق استقرار الاسعار علي المدى المتوسط

يأتي هذا القرار بناء علي ما قررته لجنة  السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري  عن كثب جميع التطورات الاقتصادية وتوازنات المخاطر ولن تتردد في استخدام جميع أدواتها لدعم تعافي النشاط الاقتصادي بشرط احتواء الضغوط التضخمية.

 

الدكتور عادل عامر

دكتور القانون العام

محكم دولي معتمد

وعضو المجلس الأعلى لحقوق الانسان