الأرشيفوقفة عز

الجامعة العربية تعمل على تثبيت مشروع هرتسل

نضال حمد

 الثبات اللبنانية /03/2010

يبدو أن غالبية وزراء الخارجية العرب صاروا وكلاء محليين للاحتلالين الصهيوني والأمريكي في منطقتنا العربية، ويعتبر هذا الشيء مساهمة كبيرة منهم في تحقيق حلم شقيقهم في المؤامرة الكبرى، اليهودي الصهيوني المجري، ثيديور هرتسل مؤسس الحركة الصهيونية، والأب الروحي لكيان ” إسرائيل ”  بالقوة والإرهاب على أرض فلسطين.

  تخليداً لذكرى هذا الفاشي الاستئصالي الكبير قام كيان الاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة بتأسيس وإقامة بلدة هرتسيليا نسبة له  على أنقاض قرية فلسطينية مدمرة، تم قتل وتشريد وتهجير وترويع سكانها الآمنين من قبل العصابات الصهيونية القادمة الى بلاد الفلسطينيين والعرب من وراء البحار، برعاية الغرب المعادي للعرب ولمشرقه بشكل عام.

 لم يخجل رئيس وزراء سلطة رم الله حين شارك في مؤتمر هرتسليا لحماية وصيانة أمن الكيان الصهيوني ووجوده. بالنسبة له على ما يبدو أن وجود “اسرائيل” أهم من وجود فلسطين.

ولأن هرتسل هو الأب الروحي والزعيم المؤسس للصهيونية في فلسطين المحتلة والعالم  حتى بلدية العاصمة النمساوية فيينا لم تخجل من جرائم أحفاده وأتباعه، فافتتحت قبل عدة سنوات ميدانا في فيينا حمل اسم الصهيوني الأول.

 وتقوم بلدية فيينا سنوياً بتقديم الملايين لدعم مشاريع ثقافية صهيونية يتم الترويج لها باسم الجالية اليهودية هناك. كل هذا يحدث ووزراء الخارجية العرب يتهافتون للتطبيع مع الكيان الصهيوني، بدلاً من مواجهة هذا الوضع الخطير.

 أما سفراء السلطة الفلسطينية ومغتصبة منظمة التحرير الفلسطينية، هؤلاء فلا وجود لهم لا في الحياة السياسية ولا في الحياة الاعلامية والدبلوماسية. فهم نسخة طبق الأصل عن سلطتهم العاجزة والبائسة، ينتظرون الهبات والمساعدات كل آخر شهر، ويقضون جل أوقاتهم يحسبون الأيام المتبقية لعملهم في تلك البلدان، ويفكرون بالمستقبل الذي سيحملهم الى سفارات ومكاتب تمثيلية جديدة في دول أخرى عديدة. ولا ينسى البعض منهم أن يقوم بالمزايدة على مناضلين فلسطينيين وعرب وأجانب يعملون لأجل فلسطين بكل اخلاص وايمان ليلاً ونهار.

في هكذا أجواء ملبدة وسوداء يقوم وزير خارجية دولة البحرين(العظمى) الشيخ خالد بن حمد الخليفة برفقة سفيرته اليهودية في واشنطن هدى عزرا نونو بزيارة سريّة لمقر حركة “حياد” اليهودية المتطرفة.

يلتقي هناك بشخصيات يهودية صهيونية نافذة ومعروفة بعنصريتها وكراهيتها للعرب والمسلمين وبالذات للفلسطينيين. ومن هؤلاء ممثلين عن منظمة “ايباك” الصهيونية الشهيرة، واللجنة اليهودية الأمريكية ومنظمة “بني بريت” واللجنة الأمريكية لمكافحة التشهير، وشخصيات يهودية نافذة في واشنطن. وكبار ممثلي اللوبي اليهودي في أمريكا.

أطلق وزير الخارجية البحريني خلال اللقاء تصريحات مثل “علي الجميع أن يدرك أن (إسرائيل) لها وجود تاريخي في منطقة الشرق الأوسط وأنها موجودة هناك في تلك المنطقة وللأبد”.

 وتابع الخليفة “حينما يدرك الآخرون تلك الحقائق فإنه سيكون من السهل التوصل للسلام بين دول المنطقة و(إسرائيل)”. على حد تعبيره.

من الجدير بالذكر أن وليّ عهد البحرين، الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، كان قد دعا العام الماضي القادة العرب إلى مخاطبة “الإسرائيليين” من خلال وسائل الإعلام ” الاسرائيلية” لتسهيل جهود السلام فى منطقة الشرق الأوسط، وهو الأمر الذي جعل وسائل إعلام “إسرائيلية” تقول إن البحرين تبدو كمرشح قوى للتحرك نحو التطبيع مع تل أبيب.

هنا يحضرنا سؤال ملح :

 هل تريد البحرين التسابق مع جاراتها من دول الخليج على لعب هذا الدور القذر؟

تأتي هذه الأخبار السيئة والمهينة والمخزية في ظل أخبار أخرى سمعناها وشاهدناها عن وزراء الخارجية العرب الذين اجتمعوا مؤخراً في عاصمة أول أنظمة الاستسلام العربي “القاهرة” حيث أصدروا قرارا بتفويض محمود عباس وسلطته التفاوض بشكل غير مباشر مع الكيان الصهيوني. عارضت القرار سورية وقطر وأيده بتحفظ كل من لبنان والجزائر، فيما بقية الحكومات أيدته بدون تحفظ.

 على كل حال القرار لم يحظ بإجماع الدول العربية كما أعلن البعض وهذا ما أكدته مواقف سورية وقطر ولبنان والجزائر. إذا ما أضفنا لذلك معارضة قوى المقاومة الفلسطينية فإن القرار لا يمكن أن يكون ملزماً للشعب الفلسطيني. ولا يمكن للجامعة العربية المتأمركة والمستسلمة أن تحدد مصير الشعب الفلسطيني وبرنامجه السياسي والمصيري. ولا أن تحاول فرض قيادة عليه إبتعدت في خطها الاستسلامي كثيراً عن خط الشعب الفلسطيني المكتوب بالدماء الحمراء.

القرار المذكور لم يكن وليس للأسف مجرد حبر على ورق، بل هو تراجع عربي خطير ينسجم مع تراجع سلطوي فلسطيني أخطر. والأخطر في تلك التراجعات هو نقل التفويض الى جامعة الدول العربية، حيث سبق لهذه الجامعة أن مددت لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بعد انتهاء مدة ولايته في الرئاسة.

يبدو أن عجز محمود عباس وسلطته مقابل عجز الجامعة العربية وحكوماتها جعل قرار العودة للمفاوضات أمراً محتوماً لم يتمكن عباس اتخاذه من جانب واحد، عملاً بمقولة وشعار القرار الفلسطيني المستقل، الذي بسببه أبيدت ودمرت في السابق (1985-1987 – حرب المخيمات ) بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان ولأجل صيانته وحمايته.

مقابل التعنت الصهيوني والتوسع اليومي في الاستيطان والضم وبناء المساكن الجديدة في القدس الشرقية والضفة الغربية، وفي ظل الاعتداءات المتواصلة على الفلسطينيين هناك وطرد السكان وهدم منازلهم، وضم الآثار والمقدسات الفلسطينية ( مسجد بلال، الحرم الابراهيمي) الى التراث الصهيوني المزيف والمصطنع. وكذلك التهديد اليومي بالترانسفير للسكان الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب، تحت شعار تبادل ديمغرافي بين الاحتلال الصهيوني والسلطة الفلسطينية..

في ظل هكذا مشهد مظلم وسوداوي نجد أن الحكومات العربية تتسابق للتطبيع مع الكيان الصهيوني.. وللضغط على الجانب الفلسطيني من أجل تسليم أوراقه كلها للاحتلال والقبول بأي عرض صهيوني أمريكي حتى وإن كان لا يلبي الحد الأدنى من الطموحات الفلسطينية والعربية.

لا بد أن الانتفاضة الفلسطينية الثالثة أصبحت قاب قوسين أو أكثر وعندما تتفجر هذه المرة سوف تكون بالمقام الأول ضد المستسلمين والمفسدين الفاسدين، ومن ثم ضد الاحتلال الصهيوني. فقد تعلم الشعب الفلسطيني من تجربته السابقة في الانتفاضة الثانية، وبالتأكيد  لن يسمح للمهزومين والذين قضوا حياتهم مفاوضات وكرروا ويكرروا يومياً بأنهم لن يسمحوا بقيام انتفاضة ثالثة ولا بأي عمل مقاوم في الضفة الغربية…

 الشعب لن يسمح لهؤلاء بركوب موجة الانتفاضة ولا بد أنه سيحاسبهم وقد آن الأوان ليقوم الشعب الفلسطيني بمحاسبتهم. إذ أنهم المسؤولين عن ضياع الحقوق الفلسطينية والتفريط بها، وعن شطب الميثاق القومي الفلسطيني، وقرارات مجالس منظمة التحرير الفلسطينية المتعاقبة، وقرارات الجامعة العربية والأمم المتحدة، وعن تدمير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية وافراغها من مضمونها وشعاراتها وأسس قيامها، وكذلك عن خراب وتدمير حركة فتح والمتاجرة بدماء شهداءها وتضحيات جرحاها وأسراها ومناضليها الوطنيين الثوريين. والانحراف عن برنامج الحركة والخروج عن خط فتح الوطني التحرري. هذا قليل من كثير .. لذا على الشعب الفلسطيني أن يعد عدته ليوم الحساب وأن لا يرحم أحداً.

 

* نشر في أسبوعية الثبات اللبنانية