الأخبارالأرشيف

الحراك الأردني – زهير كمال

وأخيراً فعلها الأردنيون ونزلوا الى الشارع بكثافة يعبرون فيها عن رأيهم بإجراءات حكوماتهم المتكررة التي استهانت بهم واعتقدت أنها تستطيع تمرير ما تشاء من القوانين والسياسات وكأنه لا وجود لشعب في الأردن.

تجذرت حوادث أيلول / سبتمبر 1970 العنيفة عميقاً في أذهان الأردنيين واستطاع النظام ببراعة اللعب على وتر الأصول الأردنية – الأصول الفلسطينية طويلاً ، فاعتقد من هم من  أصول أردنية أنه لا بد من تبعيتهم للنظام فهو الذي يحميهم ويدافع عنهم ضد العواصف المدمرة في المنطقة ، أما الأردنيون ذوو الأصول الفلسطينية فقد لاذوا بالصمت والجمود خشية اتهامهم بالعمالة للمنظمات الفلسطينية.

ورغم أن الأردن يتمتع بنظام برلماني وسمح منذ وقت طويل بتكوين الأحزاب ، إلا أن المخاوف من التبعية للخارج جعلت الأردنيين يحجمون عن المشاركة في العمل الحزبي بكثافة وفي نفس الوقت كان الأمن يتابع بنشاط وبلا كلل كل هؤلاء الذين يفكرون في المشاركة خارج الدوائر التي يرسمها النظام ، الأمر الذي حول الانتخابات النيابية وما يتمخض عنها الى أنتخابات عشائرية ذات نظرة ضيقة لا علاقة لها بالعمل السياسي بتمثيل الشعب والدفاع عن مصالحه ككل مع بعض الاصوات التي لا تؤثر في المجرى العام بالطبع.

غياب الرقابة الفاعلة وتهميش دور الشعب الى الحد الأدنى في وجود نظام حكم فردي سمح بتمرير الكثير من السياسات التي لا ولن يقبلها الشعب الأردني ، ومن ذلك اتفاقية وادي عربة المجحفة بحق الأردن ثم المشاركة في المؤامرة على سوريا بالتنسيق الكامل مع أمريكا وتدريب وتجهيز الفصائل التي تقاتل النظام السوري.  

منذ 1970 وحتى الآن لم يشهد الأردن سوى بعض الهبات البسيطة في المناطق التي يغلب علي سكانها الأصول الأردنية مثل معان والكرك والطفيلة احتجاجاً على رفع أسعار المواد الأساسية مثل الخبز والبنزين ، كان يقود بعضها إسلاميون متطرفون ولكنها لم تنتشر وانتهت بسرعة، فالشارع الأردني لم يكن ليتورط في اضطرابات أهلية ويضحي بالأمن والأمان الذي يوفره له النظام .

وعلى الصعيد الاقتصادي ولغياب الرقابة الفاعلة زاد الفساد واستشرى وتم نهب المال العام من محاسيب النظام مما رفع مديونية الأردن الى مستوى قياسي وأصبح سداد الدين عبئاً ثقيلاً على كاهل اقتصاد ضعيف أصلاً.

لم يكن لدى الحكومات المختلفة أية رؤية اقتصادية خاصة بها ، وكانت تتبع ما يمليه عليها البنك الدولي الذي يتبع دائماً سياسة تؤدي الى إفقار الشعوب ، فكل همه هو سداد دين الدولة المدينة بزيادة الضرائب على الشعب ورفع الدعم عن السلع الأساسية الى غير ذلك في نهج ينظر الى الشعوب كأرقام فقط ،  فقضايا الجوع والفقر والمعاناة لا تدخل أبداً في حساباته.

اتبع هاني الملقي ما يمليه البنك الدولي تماماً ، ولمن لا يعرف هاني الملقي فهو ابن رئيس وزراء سابق ، حاصل على الدكتوراه في الهندسة الميكانيكية من إحدى الجامعات الأمريكية  ويحمل الجنسية الأمريكية ومتزوج من أمريكية ، تدرج في وظائف الدولة ووصل الى رئاسة الجمعية العلمية الملكية وكان محسوباً على الأمير حسن عم الملك الحالي. وبعد وفاة الملك حسين 1999 ابتعد عن الأنظار لفترة ست سنوات إلى أن تم تعيينه مستشاراً للملك الحالي.

في عام 2016 تم تغيير مادة في الدستور الأردني سمحت له بتولي منصب رئيس الوزراء كونه يحمل جنسية أخرى غير الأردنية مما يثبت متانة العلاقة بين الملك عبدالله الثاني والرجل ولعل تصريح الملقي في رد فعله على مطالبة الجماهير له بالاستقالة قوله: من وضعني في وظيفتي يقيلني وليس الشارع.

منذ توليه المنصب وحتى يومنا هذا قام الملقي بتنفيذ التوصيات المجحفة، إلى أن وصلنا إلى موضوع مشروع ضريبة الدخل الذي كان القشة التي قصمت ظهر البعير، فقد طفح الكيل بالشعب الأردني وتحرك على مستوى غير مسبوق حيث عمت المظاهرات مدن المملكة كلها ولا تزال. ولعله يمكن تلخيص الوضع ومستقبل هذا الحراك في النقاط التالية.

1. لم يعِ الملقي ووزراؤه خطورة الوضع الموجود على الأرض واعتقدوا أنها مظاهرات وقتية سرعان ما تنتهي ، فالشعب الأردني شعب مطيع ، فرفعوا أسعار المشتقات النفطية الأمر الذي أجج الموقف ، ولولا تدخل الملك لمعرفته بخطورة ما يجري على الأرض لتطور الوضع الى الأسوأ ، فعندما تكون الجماهير في حالة غليان تقتضي الحكمة من الطرف الحكومي أن لا يفاقم الوضع باستفزاز ما. والملقي لم يحلل الوضع كما يجب.

سجلت الجماهير انتصاراً صغيراً على حكومتها بتجميد أسعار المشتقات النفطية، ودخل في وعيها أن تحركها يؤدي الى نتيجة.

على كلتا الحالتين فالحركة الجماهيرية منتصرة ، فعدم التراجع يعني مزيداً من الجماهير تنضم الى الحراك .

2. يسجل للأمن الأردني انضباطه وعدم تورطه في العنف ضد المتظاهرين كما يحدث في البلدان الأخرى في الشرق الاوسط ومن بينها (إسرائيل)، ولا شك أن هذه ظاهرة حضارية مميزة ، ففي العادة فإن العنف ضد متظاهرين في حالة غليان إنما يصب الزيت على النار.

3. تعي الجماهير جيداً خطورة أوضاع المنطقة ولهذا كان ضمن هتافاتهم المناداة بسلمية المظاهرات. ولا شك أن تثبيت حقهم في التظاهر للتعبير عن مطالبهم إنما هو خطوة صغيرة لتغيير تفرد السلطة بالقرارات المصيرية ، فلن يتوقف الأمر فيما بعد على المطالب الاقتصادية فقط وإنما على المواقف السياسية للمملكة ، ومثال ذلك الموقف من إسرائيل ، فاذا كانت السلطة تقبل اعتذاراً عن حادثة مقتل مواطنين مسالمين بدم بارد في السفارة ، فمن المؤكد أن الجماهير الأردنية لن تقبل ذلك قطعاً.

4. تتولى النقابات الأردنية التي تقود الحراك الأردني المفاوضات مع رئيس الوزراء ولا شك ان هناك عدم تكافؤ بين المفاوضين ، فالملقي رجل محنك وله تجربة سياسية طويلة ، ولهذا كان الله في عون الجانب الآخر إذا تناسوا لفترة وجيزة أنهم في موضع قوة ، لأن وراءهم سيلاً عارماً من الجماهير مستعداً للإستمرار حتى تحقيق مطالبه. يعزز ذلك سقوط حاجز الخوف الذي طال طويلاً.

5. كما هو متوقع فإن مجلس النواب بتركيبته العشائرية أثبت أنه صفر كبير على الشمال وأنه لا يمثل الشعب الأردني، فالمفترض أن المجلس هو الذي يقود الحراك الجماهيري.

6. أثبت الحراك الجماهيري أن تنظيم الأخوان المسلمين تحت تسمياته المختلفة في واد والجماهير في واد آخر، فالأمن والأمان لا يكفي للشعب المطحون وإنما هو للموتى سكان المقابر.

7. مثل كل شعوب المنطقة لا يوجد حزب طليعي يستطيع البناء على الحراك الجماهيري يدعمه ويقويه ويطوره ، وقد آن الأوان لمثقفي الطبقة الوسطى العمل في هذا المجال الهام فبدونه لا تستطيع الشعوب تحقيق أهدافها.