عربي وعالمي

الدور الأمريكي في حرب حزيران العدوانية – د. غازي حسين

 
جاء تأسيس الكيان الصهيوني في فلسطين العربية في أعقاب الحرب العالمية الثانية باستغلال معزوفتي اللاسامية والهولوكوست، وبدعم من الدول الاستعمارية والصهيونية العالمية، ليظهر بجلاء ما خططته الولايات المتحدة الأمريكية لمستقبل الوطن العربي، وما ينتظر أبناء الأمة العربية من مصائب ونكبات وحروب وفتن جراء السياسات والحروب والمخططات الأمريكية والإسرائيلية في الوطن العربي,
وجاء عدوان حزيران عندما كانت مصر وسورية في الستينيات من القرن العشرين تعملان على تطوير وتقدم بلديهما وتعزيز التضامن والتنسيق والعمل العربي المشترك، وتحرير جميع أجزاء الوطن العربي من الاستعمار، وصولاً إلى تحقيق الوحدة العربية.
أشعل الكيان الصهيوني حرب الخامس من حزيران لتدمير القوة العسكرية العربية، والإطاحة بالرئيس جمال عبد الناصر، وعرقلة الوحدة والتنمية والتطور في سورية ومصر، وخدمة المصالح الأمريكية والصهيونية على حساب الشعب الفلسطيني والثروات العربية، وكانت الحرب تهدف إلى تنصيب دمى لإنجاح المشروع الصهيوني، والسيطرة على النظام العربي أو تقزيمه.
كانت الحرب العدوانية (واستمرار الاحتلال الإسرائيلي) مخالفة لمبادىء القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وروح العصر التي تكرست بعد الحرب العالمية الثانية بالقضاء على النازية والفاشية في أوروبا والعسكرية اليابانية في آسيا.
وجاءت الحرب لتعيد شريعة الغاب في العلاقات الدولية، ولإشعال سلسلة من الحروب الإسرائيلية والامريكيةالعدوانية، وارتكاب مجزرة القرن، مجزرة صبرا وشاتيلا، وتمرد الكيان الصهيوني على تنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي بالانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة، ولا يزال يماطل بدعم امريكي حقير منذ صدور قراري مجلس الأمن الدولي رقم 242 و338 وحتى اليوم، ويرفض الانسحاب بذرائع كاذبة وهي الأمن، وبمزاعم وأطماع توراتية وتلمودية وصهيونية، ولا تشكل حقاً من الحقوق انطلاقاً من مبادىء القانون الدولي واتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949. 
إن التخطيط والتنسيق والتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة في حرب حزيران العدوانية، لم يكن مفاجئاً وذلك للقواسم المشتركة بين الطرفين وأطماعهما في الأرض والثروات العربية وفي طليعتها النفط العربي، وكانت الحركة الصهيونية إبان الحرب العالمية الثانية قد ارتمت كلية في أحضان الولايات المتحدة وحولت مركزها من لندن إلى واشنطن.
قام العدو الإسرائيلي بالحرب العدوانية بعد أن تلقى من إدارة الرئيس الأمريكي ليندون جونسون كل ما يحتاجه من أسلحة وذخائر وصور ومعلومات استخباراتية لضمان النصر العسكري الإسرائيلي، وتدمير القوات العربية، وبعد أن تعهدت إدارة جونسون أن تكلل العدوان العسكري الإسرائيلي بدعم سياسي ودبلوماسي داخل الأمم المتحدة وخارجها، فدافعت الإدارات الأمريكية المتعاقبة ولا تزال تدافع عن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية بما فيها القدس والجولان ومزارع شبعا اللبنانية.
اتفقت الولايات المتحدة مع إسرائيل على أن الطريق الوحيد لإسقاط الخط القومي الصاعد في الوطن العربي هو قيام إسرائيل بعدوان على مصر وسورية ، وعقد جيمس انجلتون مدير إدارة العمليات في وكالة المخابرات الأمريكية عدة اجتماعات مع مسؤولين من الموساد وبحثوا سبل تحقيق ذلك من خلال حرب تشنها إسرائيل على مصر وسورية ,
وتوصل الطرفان إلى قرار مشترك يقضي بالتخلص من جمال عبد الناصر ومن النظام في سورية بإطلاق حرية العمل للعدو الإسرائيلي، والإبقاء على الطريقة والأسلوب والتوقيت سراً من الأسرار في دوائر صنع القرار في البلدين ولتخفيف الضغط العسكري المصري عن السعودية في اليمن .
وكانت إسرائيل تعتبر أن إسقاط الرئيس عبد الناصر هو حصة أمريكا من الحرب، بينما حصتها يجب أن تكون احتلال الضفة الغربية بما فيها مدينة القدس الشرقية، وأطلق الرئيس جونسون عبارة «اصطياد الديك الرومي» على حرب حزيران العدوانية، وكانت واشنطن تعرف بأن الوضع العربي يلائم القيام بالحرب نظراً للخلافات التي كانت قائمة بين مصر والسعودية، وعدم قدرة الجيش المصري على القتال في جبهتين في اليمن ومع إسرائيل في وقت واحد.
وتشجعت إسرائيل للحرب انطلاقاً من هدايا الأسلحة التي قدمتها ألمانيا الغربية، والأسلحة الحديثة التي زودتها بها الولايات المتحدة، واستعداد الرئيس الأمريكي توفير كل ما تحتاجه من السلاح والعتاد والمعلومات لإنجاح الحرب ضد العرب، وحماية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية داخل الأمم المتحدة وخارجها حتى فرض اتفاقات إذعان على بعض الأطراف العربية، واعتقدت إسرائيل أن التخلص من الرئيس عبد الناصر يحقق لها التخلص من أهم وأكبر وأقوى أعدائها في المنطقة، وبالتالي يفتح المنطقة على مصراعيها أمام الهيمنة الأمريكية والصهيونية وتصفية قضية فلسطين.
ويتلخص الموقف الأمريكي انطلاقاً من التصريحات والمذكرات الرسمية بالنقاط التالية:
– أكدت وتعهدت واشنطن بأن إسرائيل لن تبدأ بالهجوم.
– طلبت واشنطن من مصر ألا تبدأ بالهجوم.
– أعلنت واشنطن أنها تعارض معارضة قاطعة أن يبدأ أي طرف من الأطراف بالعدوان المسلح.
– وجوب فتح مضائق تيران أمام الملاحة الإسرائيلية.
– بذل كل ما في وسعها للوصول إلى حل سلمي يضع قضايا شعوب المنطقة موضع الاعتبار.
– العمل على إبعاد أي تدخل سوفييتي في الأحداث.
وفي الأول من حزيران قابل جمال عبد الناصر روبرت أندرسون ليسلمه رسالة شفوية من جونسون يطلب فيها عدم البدء بالحرب، وكرر عبد الناصر له أن مصر وافقت على مقترحات الأمين العام للأمم المتحدة، وتؤكد من جديد أنها لن تبدأ الحرب.
وفي اليوم نفسه قابل محمود رياض وزير الخارجية المصري تشارلز بوست مبعوث الرئيس جونسون الذي أكد له بأن الولايات المتحدة سوف تكون ضد أي طرف يبدأ بالعدوان المسلح، وأكد له محمود رياض أن مصر لن تبدأ هجوماً مسلحاً ضد إسرائيل.
تلقى الرئيس جونسون في 2/6/1967 معلومات تفيد بوجود غازات سامة لدى مصر، وأنه من الجائز أن تستعملها خلال الحرب مع إسرائيل، فتدخل مباشرة لدى حكومة ألمانيا الغربية، وطلب منها إعطاء إسرائيل (20) ألف قناع واق من الغازات السامة، وشحنتها الطائرات الأمريكية فوراً إلى إسرائيل.
وبتاريخ 3/6 وقع الرئيس جونسون أمراً بأن تقوم القوات الجوية الأمريكية في قاعدة رامشتاين الألمانية باستطلاع الجبهة المصرية بالتنسيق مع الإسرائيليين، وقامت بمهمتها من قاعدة جوية في بئر السبع.
وطلب الرئيس جونسون من والت رستو مستشار الأمن القومي إعادة تقييم الضربة العسكرية الإسرائيلية، وكتب رستو للرئيس الأمريكي مذكرة بتاريخ 3/6 تتضمن الأهداف الرئيسة التي يمكن أن تحققها الحرب ومنها: إحراج الاتحاد السوفييتي إذا قامت إسرائيل دون مساعدة أمريكية علنية وظاهرة بتوجيه ضربة شديدة إلى مصر، وتدمير جزء من الأسلحة السوفييتية، واختبار أنظمة السلاح الغربي في مواجهة أنظمة السلاح السوفييتية في حرب فعلية، وربما إسقاط النظام المصري، وتمكين الإسرائيليين من الاستيلاء على أرض يستطيعون أن يضغطوا بها مقابل تسوية للصراع العربي الإسرائيلي.
إن مصر لم تكن تفكر في بدء الحرب، وأكدت رسمياً لواشنطن وموسكو وباريس بأنها لن تبدأ الحرب، وأدت عملية التضليل والخداع  والكذب التي قام بها الرئيس جونسون دورها في توفير الظروف لشن العدوان.
 قررت مصر في اليوم الثاني للحرب قطع العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة لتواطئها مع إسرائيل، وأكد الرئيس عبد الناصر أن التواطؤ الأمريكي، وبهذا المستوى مع إسرائيل، يعني أن لدى أمريكا ما تريد أن تفرضه علينا في الفترة القادمة ثمناً للانسحاب الإسرائيلي.
 حصلت الولايات المتحدة على تعهد من مصر بعدم بدء القتال، وأكدت لمصر أن إسرائيل من جانبها لن تبدأ الحرب، وأكد جونسون لعبد الناصر بأنه سيقف بحزم ضد الطرف الذي يبدأ بالحرب. 
 واشترك اليهودي يوجين روستو مساعد وزير الخارجية الأمريكي في عملية الكذب والتضليل والخداع، حيث أكد للسفير المصري أن إسرائيل لن تبدأ الحرب مطلقاً، وأن الولايات المتحدة سوف تناهض العدوان بقوة.
 وأعلن الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الأمريكية على أثر قيام إسرائيل «بحرب حزيران العدوانية في الخامس من حزيران، أن موقف الولايات المتحدة من الحرب حيادي من حيث الفكر والقول والعمل.
 وقامت الولايات المتحدة بتعطيل أي جهد فعال يمكن أن يقوم به مجلس الأمن، فعارضت إدانة إسرائيل في المجلس مهددة باستخدام الفيتو، كما عارضت سحب القوات الإسرائيلية المعتدية من المواقع التي كانت فيها قبل البدء بالحرب العدوانية، وماطلت بالتوصل إلى وقف لإطلاق النار إلى أن تأكدت أن إسرائيل قد حققت أهدافها في مصر والأردن وسورية، ودافعت عن إسرائيل المعتدية وعن نتائج الحرب العدوانية لتحقيق الأهداف والمصالح الأمريكية والإسرائيلية دون الاكتراث بميثاق الأمم المتحدة ومبادىء القانون الدولي، ومصالح البلدان العربية.
 إن حرب حزيران العدوانية، والنتائج التي أفرزتها، وتمسك إسرائيل باحتلالها للأراضي الفلسطينية والسورية واللبنانية، حتى اليوم، يظهر بجلاء أنها ثمرة من ثمار التخطيط والتنسيق والتعاون العسكري والسياسي والدبلوماسي بين الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية، وكانت ولاتزال مشاركة وتأييد الولايات المتحدة الأمريكية لحروب إسرائيل العدوانية في فلسطين وسورية ومصر ولبنان بادرة خطيرة جداً في العلاقات الدولية، وتعتبر عودة إلى الوراء في العلاقات الدولية والتعامل الدولي، وتظهر عداء الولايات المتحدة السافر لقضية فلسطين ومصالح العرب والمسلمين، وانحيازها الكامل والأعمى للعدو الإسرائيلي، عدو الله والوطن والمواطن.
 لقد أثبت تطور الأحداث والحروب في منطقة الشرق الأوسط أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تخطو خطوة واحدة في الصراع العربي الصهيوني دون العودة إلى العدو الإسرائيلي، وتبني موقفه ومخططاته، لذلك تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية حرب حزيران العدوانية، ومسؤولية الحروب التي أشعلها الكيان الصهيوني، والمصائب والويلات والخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالشعب العربي في البلدان العربية المحيطة بفلسطين.
 إن المشاكل والفتن الداخلية التي تعاني منها الدول العربية هي نتيجة من نتائج استمرار العدوان  والحلف الاستراتيجي غير المقدس بين إسرائيل والولايات المتحدة والمعادي لجميع الشعوب في منطقتنا، لذلك فإنه من غير الممكن قيام أمريكا بدور الراعي لعملية التسوية لانحيازها الأعمى للعدو الإسرائيلي، كما لا يمكن التعايش مع الكيان الصهيوني، ولا القبول به في فلسطين العربية قلب الوطن العربي ومصيره الى الزوال.