من هنا وهناك

الرسالة المصرية

ثريا عاصي –

لا يجد المراقب عناء في إكتشاف المميزات التي اتسم بها «الربيع العربي» في تونس ومصر مقارنة بالإعصار القاتل والمدمر الذي ضرب على التوالي ليبيا وسوريا واليمن والعراق. فالمعطيات التي يمكننا أن نحصل عليها تتيح لنا أن ننعت ما جرى في تونس ومصر بـ «ثورة» من أجل التلميع أو التطيين، بقصد خداع وغش وإغراء الحركة الشعبية الوطنية والفكرية المتقدمة في هذين البلدين، قياساً بمثيلاتها في البلاد العربية الأخرى.

اللافت للنظر هو تشابه المسار الذي إتخذته الأحداث. تنحى الرئيسان التونسي والمصري بعد وقت قصير نسبياً من تفجر الأزمة. فحلت مكانهما قيادات الإخوان المسلمين. أمَّ القرضاوي الصلاة في ساحة التحرير ودخل الغنوشي تونس دخول الفاتحين! تسلم الإخوان المسلمون السلطة ديمقراطياً، وانتزعت منهم ديمقراطياً أيضاً، لتعود إلى أصحابها!

يحسن القول بادئ ذي بدء، انه عندما كانت مصر تنطق باسم العروبة وتتقدم الصفوف رافعة راية القومية العربية . كان العروبيون باللسان دون القلب كثيرين. هكذا هم الأعراب أسلموا في الماضي ولكنهم لم يؤمنوا . كان للعروبة آنذاك، معنى وجودي ومكانة على الساحة الدولية وأفق حضاري . يلزم التذكير هنا، بأن هجمات جماعات «داعش» التي وقعت في سيناء في الأول من تموز الجاري، سبقتها عدة هجمات في نفس المنطقة وفي المناطق المحاذية لليبيا. بمعنى آخر، نحن حيال منازعة عسكرية بين جماعات «داعش» ومن هم على شاكلتها من جهة وبين الدولة المصرية من جهة ثانية. علماً أن هذه الأخيرة تواجه أيضاً تمرداً مسلحاً من جانب الأخوان المسلمين الذين يدعون أحقيتهم في السلطة. فهم يزعمون أنهم أصحابها الشرعيون وانهم أخرجوا منها بطرق غير شرعية.

هل هذا يعني أن الهجمات التي يتعرض لها الجيش المصري هي دليل على وجود تنسيق، أو إندماج بين الإخوان المسلمين وبين جماعات «داعش»؟ السؤال الأساسي هو من أين جاء عناصر «داعش» إلى سيناء، ما هي أصولهم؟

من البديهي أن الجيش المصري لديه الإجابة على ذلك. الغريب أن إعلامه يتكتم على الموضوع. تاركاً المجال مفتوحا أمام الإعلام الإسرائيلي الذي يـُكثر بالتلازم مع المعارك في سيناء من التصريحات ويسرب معلومات الغاية منها كما أظن، هي جعل الأوضاع أكثر غموضاً وتعقيداً. كيف نفهم ذلك إذا أخذنا بعين الإعتبار حساسية المواقف في موضوع سيناء. حيث أن للإسرائيليين، كما تناهى إلى العلم، رأياً وكلمة في ما يجري هناك، بالإضافة إلى كون الإشتباكات تدور في مناطق سيناء الساحلية، المحاذية لقطاع غزة. سيناء بوابة القطاع!

ومن العجب أيضاً في مسألة سيناء هو ما تناقلته الصحف عن الإرهابيين الذين استطاعوا في آن واحد، الهجوم على خمسة عشر موقعاً للجيش المصري، وعن امتلاكهم أسلحة ثقيلة وقذائف متطورة مضادة للمدرعات والطائرات.. هذا يرتجع أمامنا حادثة إعتراض طراد عسكري مصري من قبل إرهابيين كانوا على متن زوارق ! بكلام صريح وواضح يواجه الجيش المصري عدواً يمتلك العديد والعتاد كمثل جيش نظامي مهني ! كمثل جيش «داعش» الذي يقاتل في سوريا، حيث ليس مستبعداً أن يكون تحت إشراف وكالة أمنية أميركية، من نوع «بلاك ووتر» التي توكلت إحتلال العراق!

من المرجح بحسب رأيي أن جماعات «داعش» لا تقاتل من أجل استرجاع السلطة وإعطائها للإخوان المسلمين. لأن ذلك من شأنه أن يستنهض الحركة الوطنية والشعبية المصرية من جديد، وبالتالي يبطل مفعول التطيين الذي أشرنا إليه أعلاه، لا سيما أن إجهاض إنتفاضة شعبية وطنية في مصر مرة ثانية، قد لا يكون ممكناً، لأن الإخوان المسلمين فقدوا مصداقيتهم . هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، فإن استعادة مقاليد الحكم تعني أن الإخوان المسلمين توصلوا إلى صفقة سياسية بينهم وبين الجيش ! هذا يجعل الأخير في موقف حرج!

تأسيساً عليه، أعتقد أنه يحق لنا ألا نهمل فرضية تندرج في الواقع، في سياق المشاركة المصرية في حرب آل سعود على اليمن من جهة وفي سياق التنصل وإدارة الظهر لسوريا أيضاً، التي تتكالب عليها القوى الإستعمارية والعثمانيون الجدد وآل سعود. رغم ان المعطيات والوقائع التاريخية والجغرافية تثبت على الدوام، أن مصير سوريا ومصر واحد. ينجم عنه إذن، أنه يحق لنا ألا نهمل فرضية تقول ان المطلوب من مصر خدمات أمنية، وربما سياسية أيضاً، تؤديها في لبيبا وفي قطاع غزة، بانتظار ما ستسفر عنه المواجهة بين سوريا وأعدائها وبالتالي أعداء مصر!

* الديار

اترك تعليقاً