الأخبارالأرشيف

السيد حسن نصرالله: هكذا أعدّ خطاباتي… وصرت أقرّر متى أرفع إصبعي!

 منذ بدأ السيّد حسن نصر الله دراسته الدينية في النجف، تميّز بقدراته الخطابية. وعلى مرّ السنوات والمسؤوليات، سحرت مهارته في الخطابة كثيرين، فيما جعل منها الاسرائيليون مادة للدراسة والتحليل. كيف يعمل قائد المقاومة على إعداد خطاباته النارية؟ وما هي أسرار هذه الخطابات؟

 ابراهيم الأمين, وفيق قانصوه, حسن عليق, مهى زراقط

 ■ هل تحبّ إلقاء الخطابات؟

لا أقدر أن اقول إني لا أحب أن أخطب. نحن مشايخ وهذا جزء من عملنا. في الثمانينيات كنت ألقي خطاباً كلّ ليلة وأتنقل من حي السلم إلى الأوزاعي إلى بيروت إلى الشياح. نعم، أحب أن أخطب خصوصاً انه لدي شيء لأقوله.

■ لكن يبدو مؤخراً أنك تقنّن ظهورك وإطلالاتك؟

بعد عام 2006، صار لكلّ كلمة وكلّ حرف وكلّ طلة حساب، وباتت تُبنى على الخطاب مواقف، وله تبعات. صار الخطاب مراقباً بشكل كامل وهناك متابعة له من الصديق والعدو، وبالتالي صرت أنا في مسؤولية أخطر وأكبر، وهناك حجم توقعات مختلف. لم يعد الموضوع يتعلق بمزاجي إن كنت أحب أن أخطب أم لا. لم يعد الأمر شخصياً. صرت معنياً أن أقلّل من الأخطاء لأنه لا أحد فينا معصوم.

■ من الذي يقرّر موعد إطلالاتك وإلقاء الخطب فيها؟

لا يوجد قرار في حزب الله أن فلاناً يخطب كلّ فترة محددة أو لا يخطب. هذا الأمر من صلاحيات الأمين العام. أنا أرى المصلحة في الكلام أو عدمها. أحياناً يقدّم الأخوان اقتراحات أنه من المفيد الآن أن نخرج بخطاب، لكن هذا الموضوع عندي كصلاحية، وله علاقة بمزاجي ورغبتي.

 ■ هناك انطباع بأن خطاباتك لا تحتاج إلى تحضير. تطلّ وتقول مباشرة ما تريد قوله؟

لا، ليس الأمر كذلك. أنا لا أخرج وأقول ما أريده من دون ضوابط ونقاش مع الإخوان، خصوصاً في الخطابات الحساسة والتي يكون فيها اتخاذ مواقف. في النهاية هناك شيء له علاقة بأصل تركيبة حزب الله. الأمين العام ليس قائد حزب الله، وهو ليس صاحب القرار في حزب الله. القرار السياسي يؤخذ بشكل أساسي في شورى القرار. الشورى هي التي ترسم المسارات وتتخذ المواقف الأساسية والقرارات الأساسية. طبعاً الأمين العام شريك مؤثّر في اتخاذ القرار، لكنه ليس من يتخذه.

 مثلاً، إذا كنت سأعقد الآن مؤتمراً صحافياً متعلقاً بالشأن السياسي، لستُ من يقرّر إن كنا نريد انتخابات نيابية أو سنقبل بالتمديد للمجلس النيابي أو، مثلاً، قرار الدخول إلى معركة القصير. هل هذا قرار يتخذه الأمين العام؟ لا. تأخذه شورى حزب الله. حتى الإعلان عن الأمر هو قرار تأخذه الشورى. ما يبقى لي هو كيفية التعبير عن هذا الموقف، الحجة، المنطق البيان، اللغة، الأدبيات. كذلك الأمر في الموضوع الجهادي. مثلاً، في السابق عندما كانت تطلق التهديدات الإسرائيلية كنت أناقش مع الإخوة الجهاديين في كيفية الردّ وما إذا كان مناسباً الآن أن نطرح هذه المعادلة أو نبقيها لوقت لاحق.

■ مثل معادلة كلّ مبنى في الضاحية مقابله مبانٍ في تل أبيب؟

مثلاً، أو مثلاً معادلة مطار بن غوريون، أو معادلة البحر. أنا أناقش الأمر مع الإخوة. نتحدّث في أصل المعادلة الموجودة لدينا ضمناً.

■ ماذا تقصد بالمعادلة الموجودة ضمناً؟

يعني أننا لا نتحدّث عن شيء غير موجود. وهنا ألفت إلى أن الحرب النفسية بالنسبة لمدرسة حزب الله تعتمد على الصدقية. في الحرب النفسية يمكنك أن تبالغ وأن تشيع أجواء معينة، ولكن الصدقية يجب الحفاظ عليها. لا أستطيع أن أقول: إذا قصفتم بيروت نقصف تل أبيب في وقت لا تتوافر فيه لدى حزب الله القدرة على ذلك. غير ممكن لأنه أولاً هذه الحرب ستكون فاشلة، وثانياً حرص المقاومة في لبنان على الصدقية التي استطاعت أن ترسّخها نتيجة تراكم التجربة والخبرة، حتى بات الإسرائيلي، سواء كان جيشاً أو حكومة أو أحزاباً أو ناساً، يقولون لك نحن نصدّق فلاناً أو الجهة الفلانية ولا نصدّق كثيرين في العالم العربي.

■ بعيداً من المعادلات العسكرية، هل تعدّ بقية الخطابات مسبقاً، وهل تناقشونها أيضاً؟

 نعم، أحياناً يحصل ذلك. كأن يجتمع الأخوان المعنيون بالسياسة ويقدّمون مجموعة أفكار لما يجب أن يرد في خطاب معيّن.
 

■ الانطباع السائد لدى الناس مختلف، حتى أن هناك من يفصل بينكم شخصياً وبين حزب الله؟

  الناس معتادون على الزعيم والقائد والرمز. حتى هنا كنا إذا قلنا لهم إنه في حزب الله توجد مؤسسات قرار، وجهات تخطط وتبرمج، والأمين العام هو واحد من مجموعة، هناك أناس لا يصدّقون لأن المزاج العربي والشرقي معتاد على الزعيم والقائد والبطل. هذا بحاجة إلى توضيح. داخل الحزب هذا معروف، ما هي آليات اتخاذ القرار ومن هي الجهات المعنية باتخاذ القرار، وعندما أتحدث عن قرار أتحدث عن مستويات. داخل الحزب هذا معروف، أما خارج الحزب، وباعتبار العلاقة والمحبة التي تنشأ مع الناس، سيتأثرون. كما أن طبيعة الخطاب وطريقته والأدبيات والصياغات واللغة التي يجري استخدامها تلعب دورها، ولا شك أنه في تجربة حزب الله قُدّمت مجموعة أدبيات لم تكن موجودة لعمل المقاومة، وجاءت حرب تموز أيضاً ساعدت في تكريسها، لذلك الآن نجد أن جزءاً كبيراً من هذه الأدبيات موجودة في حرب غزة، رغم أن التجربة هناك لها خصوصياتها ومميزاتها ولها أدبيات مختلفة، لكن بشكل عام متقاربة.

 ■  عندما تكون في مرحلة إعداد لخطاب، هل تدرّب نفسك ولو بشكل أوّلي على مساره؟ أين سترفع الصوت، أو تستعمل حركة رفع الإصبع التي تحظى بتعليقات؟ أم أن الأمر يأتي في سياق ارتجالي حسب التفاعل مع الجمهور؟

  بالنسبة لرفع الصوت أو خفضه، فهذا أمر مقصود طبعاً. الأمر يتعلق بطبيعة المناسبة وطبيعة الجمهور، فما يجب رفع الصوت فيه لا يمكن قوله بصوت منخفض، والعكس صحيح، فلكل مقام مقال وحال وصوت و«رفعة إصبع».

 ■ هل تتقصدّون رفعه؟

  في الماضي كان الأمر طبيعياً، ولكن بعدما بدأ الآخرون يتحدثون عن هذه المسألة، أصبحت أحسب الموضوع، وأقرر متى أرفع إصبعي.

  ■ هل تشاهد نفسك بعد إلقاء الخطاب؟

  لا.. إلا إذا بثوا قسماً من الخطاب في نشرات الأخبار. أما أن أجلب الشريط وأشاهده، فهذا لا يحصل. لكن هناك مجموعة من الأخوة والأصدقاء يقدمون لي ملاحظات إيجابية وسلبية بالشكل وبالمضمون وأنا آخذها عادة في الاعتبار.

 ■ هل تدرّبت على الخطابة، أو خضعت لدورات تتعلق بالقيادة؟

  قرأت بعض التقارير الإسرائيلية التي ذُكر فيها أني قد أكون خضعت لدورات عديدة في إدارة الحرب النفسية، أو أنني أتمتع بهذه الإمكانية بالفطرة أو بالغريزة. الحقيقة، أنا لم أخضع لأي دورات، لا بالحرب النفسية ولا بالإدارة ولا القيادة. هذا الأمر تطوّر معي ومع إخواني نتيجة التجربة والمراكمة والخبرة.

 ■ بما في ذلك قدر المعلومات الذي كنت تقدمه خلال إلقاء الكلمات؟

  نعم. كلّه حصيلة تجربة وتراكم ونقاش. عندما يكون الشخص هو من يتابع، هو موجود داخل الإدارة وداخل اللعبة، وتكون لديه إحاطة كاملة بالمعلومات ويعقد نقاشات مستمرّة لتقدير الموقف المناسب أو غير المناسب، تحديد ما هو مناسب أن يقال للعدو، ما هو مناسب أن يعرفه الصديق، ما يجب أن يُخفى، ما يجب أن يعلن، عندها يصبح الشخص على معرفة بقدر المعلومات الذي يجب قوله.

 ■ هل تحضّر مضمون خطابك مسبقاً؟

  نعم، أنا أحضّر في غالب الأحيان، وأكتب الأفكار على الأوراق التي أضعها أمامي عندما أكون في موضع الخطابة. احترام الناس يفرض على الخطيب أن يحضّر. كما أحرص على أن تكون الأفكار حول موضوع واحد أو أن تكون متناسبة مع بعضها، أو أقسّم الخطبة إلى محاور عندما أكون مضطراً في السياسة أن أفعل ذلك. أما في الموضوع الديني، فأتناول موضوعاً واحداً، حتى لو حكيت ثلاثة أرباع الساعة أو ساعة كاملة، وأركّز عليه. لكن لا شك، الكلام يجرّ الكلام خلال الخطاب، والأفكار تتفاعل، والحضور أمامك يفرض طريقة الخطابة.

 ■ كيف ذلك؟

  هناك ثلاث حالات خبرتها. إما أن أتحدّث بين الناس، أو عبر الشاشة في حضور الناس، أو عبر الشاشة من دون وجود الناس. عندما أوجّه رسالة تلفزيونية، أجلس أمام الكاميرا والناس يكونون مفترضين. أي أنهم جالسون أمام الشاشة ويحضرون الرسالة، وهذا يختلف عندما يكون الناس موجودين في المكان الذي أخطب فيه. فأنا أراهم وأتفاعل معهم وإن كنت لست واقفاً بينهم.

 ■ كما حصل في إطلالتك في خطاب الانتصار في 22 أيلول 2006، الأولى لك بعد حرب تموز. كان الجوّ عاطفياً
صحيح، وقد لمست ذلك وشاهدت شخصيات سياسية تنفعل وتبكي وبالكاد استطعت التماسك.

 ■ عبارتكم الشهيرة «أشرف الناس» وردت في ذلك اليوم، هل كانت مكتوبة؟

  يومها لم تكن مكتوبة في النص، أحياناً يخطر الكثير من الأفكار في بال الشخص وهو يخطب وهنا أهمية الخطاب بين جمهور. لكن على ما أذكر، تضمّنت رسالتي إلى المجاهدين مقطعاً كان موجهاً إلى الناس أثناء الحرب، لكن لم يجر تسليط الضوء عليه وأظن أن هذا التعبير ورد في ذلك المقطع.

 ■ يقال إنك اتخذت قرار الظهور الشخصي في اللحظات الأخيرة في 22 أيلول 2006؟

صحيح. كان هناك نقاش حول ظهوري العلني أو عبر شاشة. وترك الأمر في النهاية لي وللحاج عماد مغنية. وقد كنا معاً في المبنى الملاصق للاحتفال، وفي نصف الساعة الأخير حسمنا القرار. الحاج عماد كان يريد تغليب الجانب الأمني وطال النقاش بيني وبينه. وفي الحقيقة أنا من اتخذ قرار الظهور العلني، ولو أن شيئاً حصلف في ذلك اليوم كنت أنا من يتحمّل المسؤولية وقد قلت للحاج أنت بريء الذمة، واتكلنا على الله سبحانه وتعالى.

  ■ بناء على أيّ حسابات اتخذت قرارك؟

  كان واضحاً عندي أن الإطلالة عبر الشاشة في ذلك المهرجان ستكون محبطة للناس الذين شكلوا حشداً ضخماً. كما أني كنت أتابع عبر التلفزيون التحضيرات، وشاهدت الآتين من البقاع والجنوب مشياً على الأقدام. من جهة ثانية، لا نقاش في أهمية الظهور العلني في الحرب النفسية. أي أن حساباتي كانت سياسية ومعنوية وأخلاقية وعاطفية وشعبية، لكن في الموضوع الأمني، كنت أعي عندما صعدت إلى المنبر أن هناك احتمالاً بتعرضه لقصف من الجو. لم يكن احتمالاً بنسبة 70 أو 80 في المئة، لكنه كان احتمالاً معتداً به. وأذكر يومها أني اتفقت مع الحاج عماد أن أخطب ربع ساعة أو ثلث ساعة، لكنني تخطيت الوقت حتى راح يرسل إليّ أوراقاً طيلة الوقت بأن «خلّصنا انزل خلّصنا انزل».

 ■ هل اقتصار الخطاب على عشرين دقيقة له علاقة بالوقت الذي يحتاج إليه الطيران الإسرائيلي لكي يصل إلى الأجواء؟

  لا، القصد هو الاختصار ما أمكن. القول إنهم بحاجة إلى 15 دقيقة ليس دقيقاً.

 

 

الاخبار

اترك تعليقاً