وقفة عز

الشاعر الشاب الفلسطيني الدنمركي يحيى حسن

 توضيح إضافي عن الشاعر بمناسبة وفاته اول امس في الدنمارك.

سيرة حياة قصيرة لكنها عاصفة ومثيرة للشاعر الفلسطيني الدنمركي الشاب يحيى حسن (24) عاماً مع ديوانيين شعريين، وديوانه الأول الأكثر مبيعاً في الدنمارك 120 الف نسخة بيعت.

الشاعر الفلسطيني الدنماركي يحيى حسن ولد وترعرع في بيئة الغيتو التي انشأها المهاجرون بأنفسهم، حيث يفضل المهاجرون الأجانب التكتل والسكن والتجمع في كانتونات وغيتووات خاصة بهم. ففي كل مدينة دنماركية كبيرة او متوسطة يوجد غيتو يضم الفلسطينيين والعرب والمسلمين والخ.. وهذا ينطبق عليهم أيضا في دول اوروبية اخرى مثل السويد والمانيا. في تلك الأجواء عاش يحيى. وفي تلك البيئة كان يحيى مع اخوانه تعرض للضرب المبرح من قبل والده، مما أدى الى تمرده، ثم ترحيله الى مؤسسة خاصة بالعناية بالأطفال الذين يتعرضون للضرب. في المؤسسات المذكورة ومراكز التأهيل وإعادة البناء عادة تكون الحياة صعبة على الأطفال. فالقوانين الاسكندنافية الخاصة بهذا الشأن قوانين لا ترحم. يعني يجوز قانونيا ان تقوم مؤسسة حكومية خاصة بأخذ اي طفل تعتبره يتعرض للضرب من قبل والديه وتقدمه لعائلة دانمركية او سويدية او نرويجية. وهذا القانون وحده تسبب بمشاكل كثيرة لعائلات مهاجرة كثيرة ليست مسلمة وعربية فقط بل حتى عائلات اوروبية شرقية وافريقية وغيرها. يمكنني القول انها قوانين لا إنسانية رغم انها وجدت لمعالجة مشاكل الانسان.

في هكذا بيئة وهكذا أجواء ترعرع يحيى حسن لينخرط فيما بعد في العالم السفلي حيث المخدرات والجريمة. هو نفسه في احاديثه أقر بارتكاب ٤٢ جريمة منوعة بين حمل سلاح ومخدرات وسرقات والخ. لكنه لم يمارس فعل القتل أبداً. بينما حوكم وسجن بسبب اطلاق نار على شاب من جيله. 

كل تلك الحياة الصعبة تجلت بوضوح في ديوانه الشعري الذي انتشر انتشارا واسعا في الدنمارك واسكندنافيا وأوروبا. 

حياة بين عادات العائلة الفلسطينية العربية المهاجرة من مخيمات لبنان والثقافة الجديدة للأطفال والمواليد الجدد في بلاد اللجوء والهجرة القسرية. خلافات عاصفة مع الأهل والعائلة والتقاليد، التي لا يمكن المحافظة عليها كما هي في بلادنا في بلد مثل الدنمارك.

انعدام وجود حلول وسط بين الأطفال والأهل، ثم ثقافة الغرب التي تستوعب المهاجرين لتنال من الأطفال غير عابئة بالموروث الثقافي والديني للعائلات اللاجئة والمهاجرة.

انخراط الشبيبة المبكر في عالم الجريمة والمخدرات الذي وجد له ملاذا بين المهاجرين.

دراما حياة ودراما موت مفاجئ لشخصية اعتلت عرش الثقافة والشعر في الدنمارك.

سيرة حياة عجيبة غريبة

نحن الذين نعيش في الغرب نعرف معانيها وصعوباتها ومآسيها.

يحيى حسن موجود في كل مكان فيه عائلات عربية ومسلمة، لاجئة أو مهاجرة في أوروبا والغرب عموماً. هي سيرة ملهمة لكي تكون عبرة للآخرين ولكي تتم دراستها ومراجعتها من قبل المعنيين. هي برسم الحكومة الدنماركية وحكومات الغرب، ووزارات الثقافة ومؤسسات التعدد الثقافي، والجمعيات العربية والإسلامية العاملة هناك، وكذلك لدوائر المهاجرين واللاجئين في الغرب عموماً. بدون عمل مشترك وحد أدنى من التفاهم والتسامح وقبول ثقافة الآخر لا يمكن أن نصنع معاً تعددا ثقافيا يغني العالم ويحافظ على معتقدات وثقافات الجميع.

يحيى المتمرد

عندما انتقد يحيى المجتمع الإسلامي والعادات الإسلامية في الدنمارك وقفت الدنمارك كلها الى جانبه وخاصة اليمين الدانماركي المعادي للمسلمين. ولكنهم انفسهم وقفوا ضده وتخلوا عنه لما أخذ ينتقد المجتمع الدانماركي وسلبياتهز. مقبول منك نقد دينك وأهلك وربعك وأصلك لكن ممنوع عليك انتقاد سلبيات وطنك الجديد ومجتمعه وبعض عاداته التي لم تناسبك. عندما فعل يحيى ذلك تخلى عنه كل هؤلاء. ولم يعد وحش الشاشة بالنسبة لهم. 

شارك يحيى مع آخرين في تأسيس حزب جديد بالدنمارك وترشح للانتخابات على لائحته لكنه حسرها وفشل في الوصول الى منصة البرلمان الدانماركي، الذي تسيطر عليه هذه الأيام الأحزاب اليمينية ومنها العنصرية. حيث العداء للمسلمين واضح وعلني كان آخره عاصفة عنصرية مفتعلة تحت قبته، ضد نائب مسلم عن حزب البديل يدعى مالك اسكندر صدّيق، الذي افتتح كلمته في البرلمان بالتهاني بحلول شهر رمضان المبارك.

كلماته اعتبرت من قبل العنصريين اهانة للمجتمع الدانماركي بحجة ان هذه التحية غير مقبولة في مجتمع مسيحي مثلما هو المجتمع الدانماركي. هذا المجتمع المسيحي المزعوم موجود في بلد يعتبر بلدا علمانيا.

يحيى حسن يترك الحزب الجديد ويرحل عنه بعدما نشبت خلافات بينه وبين رفاقه في الحزب. المؤسف انه سرعان ما عاد الى السجن بتهمة حيازة سلاح غير مرخص واستخدامه بالإضافة لمخالفات قانونية أخرى. 

يذكر أن أُسرة يحيى حسن تعود إلى بلدة لوبيا الفلسطينية المهجّرة (قرب مدينة طبريا) التي احتلتها العصابات الصهيونية العام 1948، فلجأ اجداده  إلى لبنان، ثم هاجر والده إلى الدنمارك هرباً من جحيم الحرب والعنصرية ضد الفلسطينيين في مخيمات لبنان، التي شهدت حصارات وتدمير وابادة وحروب، استهدفت وجودهم في بلاد الأرز.  نتجت عنها مجازر ومحو كامل لمخيمي النبطية وتل الزعتر( إبادة لرجاله وشبابه) ومجازر في مخيمات ضبية وجسر الباشا وصبرا وشاتيلا وحصار المخيمات الشهير الذي شمل برج البراجنة وصبرا وشاتيلا والرشيدية والبص وبرج الشمالي .. ومحاولات تكرار المجازر في مخيمي عين الحلوة والمية ومية. ثم مأساة تدمير مخيم نهر البارد ومسحه عن الوجود.

في آخر فيديوهاته المنشورة ظهر يحيى حسن مؤكداً أنه لم يتخلّ عن الإسلام، وإن كان يُفكّر بطريقة مختلفة: “ولدت مسلماً وأريد أن أموت مسلماً، لكن الإنسان يمكن ألا يفكّر مثل معظم الناس”.

وكلام يحيى حسن يؤكده التقرير الذي أعده احمد ضيف ونشره موقع 24 الإماراتي في نوفمبر تشرين الثاني سنة 2014 حيث عرف يحيى نفسه كالتالي: 

فلسطين تاريخي 

تلقى اليمين المتطرف في الدنمارك أشعار حسن وسحبها إلى أرضه، “حاولوا استخدامها ضد الإسلام”، بينما يوضح أنه ليس ضد دين أبويه.

يضيف :”أنا فلسطيني”، ويشير لعلم فلسطين المعلّق كدبوس على معطفه: “هذا تاريخي وثقافتي، ولدت في الدنمارك، أحمل الجنسية الدنماركية، لكن لا أستطيع أن أتحول لدنماركي”.

يتابع: “لا أحمل أي رفض للدنمارك، أنسجم مع اللغة، أعبر عن نفسي بالدنماركية والعربية، لكن تاريخي ليس التاريخ الأوروبي”، رغم ذلك، يوضح أنه معجب بالعادات الغربية ويرفض بعض العادات العربية، يفزعه وجود نظرة عامة لصورة العالم الإسلام، كما يزعجه “نفاق” الغرب أمام صراع الشرق الأوسط.

أعتقد ذلك

فلفهم وضع وقصة هذا الشاب جيداً، نحتاج إلى فهم وضع المغتربين والمسلمين بالذات في الدنمارك وفي الغرب عموما. إذ أن يحيى حسن كان ضحية لكل شيء وقبل كل شيء لسلوك الوالدين وللتشريعات القانونية في الدنمارك، التي لا تراعي خصوصية وديانة اللاجئين وبالذات المسلمين منهم.

العديد من الأطفال والشباب من أصل أجنبي ليس لديهم هوية، لا يعرفون من هم، ولا يعاملهم الدنماركيون على أنهم دنماركيون، ولا يرى آباؤهم فيهم ما يريدون ويودون رؤيته في أبناءهم. هذه المشكلة معقدة للغاية والجميع مذنب وبريء، فيما الأطفال هم الضحايا، ضحايا اللجوء والخريطة والتعدد الثقافي المفقود.

مأساة للعائلة التي فجعت بفقدانه مرتين 

قلبي معهم فنحن كلنا في الغرب واللجوء العالمي نعيش يوميا حوادث مشابهة لأقراننا وللكثيرين من أبنائنا.

يحيى الشاب الجريء والمتمرد لا بد أنه ترك أثره في الكثيرين، عرب وفلسطينيين، مسلمين ودنماركيين. إذ أنه حظي بتأييد كبير من اللاجئين والمهاجرين وجيل الشباب من الدانماركيين من أصول أجنبية وعربية ومسلمة في الدنمارك وكذلك في دول اسكندنافيا. 

ربما شعره وسيرته سيساعدان الطرفين في فهم الواقع وإيجاد حلول وسبل أفضل للتعدد الثقافي والتربوي.

كنت اكدت ذلك في مقالتي الأولى عنه في شباط – فبراير سنة 2014 حيث شارك يحيى في ندوة شعرية بدار الثقافة النرويجية في العاصمة النرويجية اوسلو, 

يحيى حسن: في البيت لم أتكلم اللغة الدنماركية وفي المدرسة لم أتعلم العربية.

شهدت دار الثقافة النرويجية في العاصمة أوسلو يوم 21-2-2014 يوما للغة الأم شارك فيه عدد من الادباء والشعراء والمثقفين النرويجيين والأجانب. ومن المشاركين الشاعر الشاب الفلسطيني – الدنماركي يحيى حسن (18) عاما، الذي نال مؤخرا ارفع جائزة أدبية في الدنمارك. والشاب من أصول فلسطينية من لبنان، يدرس في مدرسة الكتاب الدنماركيين بكوبنهاغن، له ديوان شعري صدر مؤخرا باللغة الدنماركية، ويتميز بأنه يكتب شعره بحروف كبيرة ولا يستخدم الحروف الصغيرة. لديه معاناة عائلية صعبة ومعقدة فرضتها ظروف وواقع الفلسطينيين والعرب والمسلمين في الدنمارك وأوروبا.
يقول يحيى: في البيت لم أتكلم اللغة الدنماركية وفي المدرسة لم اتعلم العربية ..

يتهم من قبل بعض الفلسطينيين والعرب والمسلمين بالدنمارك بمعاداة الإسلام. لكن الحقيقة ليست كذلك لان الشاب يحيى لديه رؤية وموقف من عادات عربية حملتها العائلات ( منها عائلته الفلسطينية) اللاجئة في الدنمارك واللاجئة في مخيمات لبنان، حملتها معها ورفضت التخلي عنها والتكيف مع الواقع الجديد وفهم طبيعة الحياة في المجتمع الغربي.

شخصيا اعتبر هذا الشاب بعدما قرأت كلامه ومقابلات أجرتها معه وسائل اعلام نرويجية ودنماركية، اعتبره عقلا لا يستهان به وشاعرا واعدا ومميزا.
واطالب عائلته والمهتمين الفلسطينيين بالدنمارك واسكندنافيا والشتات بمتابعته والالتفات له ولظاهرته الأدبية الواعدة.

خسارة كبيرة انني لم اعلم بوجوده في أوسلو الا بعد انتهاء الندوة. إذ كان بودي الالتقاء به وسماع حكايته منه شخصيا واجراء مقابلة معه. فقصة يحيى حسن واحدة من آلاف القصص التي يمكنني تخيلها لمواطنين مهاجرين ولاجئين عرب وفلسطينيين ومسلمين في اسكندنافيا خاصة وفي الغرب بشكل عام.

تحية لك يحيى حسن.

24-02-2014

( نضال حمد – موقع الصفصاف )

  •  

 

من قصائده

 

طفولة

خمسة أطفال مصطفون وأبٌ بهراوةٍ

شتى أنواع النواح وبركةٌ من شخيخ

نمدّ بتناوبٍ أكفّنا للأمام

محتسبين مقدما

ذلك الصوت عندما الضربات تصيب

الأخت التي سرعان ما تطفر

من القدم الأولى إلى الثانية

والبول شلالٌ ينزل على طول ساقها

اليد الأولى إلى الأمام أولا ثم الثانية

إن تأخر الوقت تصيب الضربات عشوائيا

ضربةٌ صرخةٌ رقمٌ 30 أو 40 أحيانا 50

وضربةٌ أخيرة عند الخروج على المؤخرة

يُمسِكُ الأخ من كتفيه يعدّله

يواصل الضرب ويعدّ

أنظرُ أسفل وأنتظر ليحين دوري

الأم تكسّر الصحونَ في المدخل

بينما تلفزيون الجزيرة يبثّ

بلدوزر مفرط النشاط وأجزاءُ جسدٍ مستاءةٍ

قطاع غزة تحت الشمس