الأرشيفثقافة وفن

الشاعر خالد أبوخالد: القصيدة طائر يصعب اصطياده

  • عبير يونس

كان الجميع ينتظر أن يعرف مَن الفائز بجائزة القدس، التي أعلنت، في مطلع هذا العام، خلال اجتماعات المكتب الدائم لاتحاد الكتاب والأدباء العرب في أبوظبي. حينذاك، وإذ تسيد اسم الشاعر الفلسطيني خالد أبوخالد المكان، داعبت ذاكرتي صورته القديمة، لمّا كان يأتي إلى مركز أدهم إسماعيل للفنون التشكيلية في دمشق، حيث يدرس الفن، والذي لا ينفصل أحيانا كثيرة عن الشعر لديه.وما بينهما أبدع أبوخالد، شعرا وفنا.

وطبعا إبداعه حفظته «العوديسا الفلسطينية» وهي المجموعة الكاملة لأعماله، والتي أصدرها بيت الشعر الفلسطيني في ثلاثة أجزاء.

(بيان الكتب)، حاور خالد أبو خالد، إذ تحدث عن مجموعة مسائل، بينها مجموعته (العوديسا الفلسطينية). وكذا تطرق إلى فوزه بجائزة (القدس) وتسلمه الجائزة، في أبوظبي. وأيضا، أكد في الحوار، أنه يجد القصيدة طائرا يصعب اصطياده.

كيف جاء إيقاع فوزك بجائزة القدس..وكيف تلقيت النبأ؟

هي ليست تكريما لي كشاعر، لأن فلسطين في نسيج روحي وقلبي، وأنا ساعي بريد أوصل الجائزة إليها.

(بلا قرار)

كيف قررت أخيرا، إصدار المجموعة الكاملة، وما أهمية إصدارها للشاعر والقارئ؟

كان هناك قرار من اتحاد (الكتاب العرب) الذي لا يطبع عادة المطبوع أو المنشور، أن يصدر هذه المجموعة، وأنا تريثت قليلا إلى أن جاء مدير بيت الشعر الفلسطيني، الشاعر مراد السوداني ولملم ما لدي وما وجده وأصدر المجموعة من تلقاء نفسه. وأنا شكرته جدا لأنه في مرحلة ما فإننا بحاجة إلى أن نقدم للمتلقي كل ما كتبناه، كونه متعودا أن يقرأ مجموعة أو مجموعتين، ولما يُطبع له كل هذا الكم من الشعر فالقارئ سيكون مرتاحا والباحثين والنقاد أيضا، وأنا كشخص كنت ممنوعا من التداول عمليا، في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، والتي لم تشترِ لي، إطلاقا، ولا أية مجموعة لتوزعها على كوادرها وعلى مساحتها الثقافية. وحاليا، أعتقد أن «بيت الشعر الفلسطيني» خدم هذه التجربة خدمة كبرى، بأن وزع هذه المجموعة على السجون والمعتقلات والجامعات والمدارس. كما أنه جاء إلى دمشق حاملا 500 نسخة، ووزعت أيضا بالطريقة نفسها، وبالتالي فأنا سعيد جدا أن تجربتي أصبحت كاملة أو شبه كاملة، بين يدي الناس، وخصوصا الباحثين والنقاد الذين كانوا يتتبعون مجموعة أو قصيدة، ففي الوقت الحالي يستطيعون أن يبحثوا في المجموعة أكثر.

هل تضم المجموعة معظم أعمالك؟

هي تضم أعمالي معظمها، ذاك باستثناء الباكورة، والتي عادة ما تصدر بعد وفاة الشاعر، لأنها فنيا أقل تقدما من بقية الأعمال.

تبدو في الفترة الأخيرة مقلا في إصداراتك؟

أنا لست مقلا في إصداراتي، إنما مقل في كتابتي. أنا أعتبر القصيدة طائرا صعبا لا يمكن اصطياده، والقصيدة تأتي إلى الشاعر فيكتبها، وبالتالي أنا لا أكتب القصيدة إلا عندما تأتيني، وربما يستغرق هذا الوقت سنوات ولا أخشى الغياب لأنه عندما تحضر قصيدتي تحضر قوية، وبالتالي تترك التأثير الذي أطلبه.

والذين يكتبون باستسهال و«رشا وليس دراكا»، هؤلاء يخسرون الشعر لأن الشعر ليس قرارا بالكتابة ولكنه ولادة حقيقية.

تميزت بكتابة القصائد الطويلة..ما السبب؟

غالبية قصائدي طويلة وذات سمة ملحمية، لأني كفنان أحب أن أرسم جداريات كون المساحات الضيقة لا تتسع للتعبير، وأحب أن أكتب بحيث أستطيع قول ما أريد عن الأمس واليوم وغدا، وهذا هو ما أعطى تجربتي سمة الملحمية.

رماديات الحياة

عملت في المقاومة فترة مهمة. فكيف انعكس هذا على شعرك؟

كما ترين، فإن الحياة مركبة من التجارب والمعايشة. وهكذا فعندما أقول إنني عملت في المقاومة، كممارسة، هذا يعني أن تجربة المقاومة انعكست فأغنت قاموسي الشعري من جهة، وأغنت رؤيتي للواقع.. كما أغنت محاولتي للوصول إلى الرؤيا لكي أرى ما هو بعد ذلك.

  والدك شهيد فكيف شكل هذا الأمر حياتك وأثر فيها؟

هذه مسيرة حياة كونتني منذ كنت صغيرا، حيث ترملت والدتي وعمرها 18 سنة، وربتني وأحسنت التربية ثم انتقلت إلى كلية النجاح، فتعرفت على الشاعر الفذ الشهيد عبدالرحيم محمود، الذي رباني أيضا، ثم أخذتني الحياة فربتني وجعلتني قادرا على التعامل معها لا بالأسود والأبيض، ولكن بمساحات من الرماديات حتى إن هذه المساحات أفادني في الفن التشكيلي الأستاذ نصير شورى، درّسني الفن وقال لي : المساحة ليست بيضاء ولكنها درجات من البياض والمساحة.. ليست سوداء ولكنها درجات من السواد والمساحة.. ليست رمادية ولكنها أيضا درجات من الرماديات. وفي العموم، فأنا أتعامل مع الحياة باعتبارها بانوراما عريضة متشكلة من مساحات واسعة من الأبيض والأسود والرماديات والألوان.

لنتحول إلى تجربتك التشكيلية: متى تلجأ إلى الرسم؟

ألجأ إلى الرسم عندما يغيب عني الإلهام المتعلق ببناء القصيدة، فألجأ إلى التعبير عن نفسي وعما أراه وما أحسه وما أستشرفه.

قلت إنك لم تكتب لتصدر الدواوين فهل هناك خيبة أمل من شيء محدد؟؟

لا، أنا متفائل جدا، بالمقبل من الأيام وأعتبر أن ما يجري على أرض الوطن العربي هو حالة عابرة بمقدار ما نصمد ونقاوم، بمقدار ما نوفر شروط الانتصار هذه الحالة ستذهب إلى غير رجعة. وسيكون الوطن كما نريد.

ما رأيك بقصيدة النثر.. وهل ترى صحة أن نطلق عليها تسمية قصيدة ؟

أولا يجب أن نتحدث عن قصيدة التفعيلة باعتبارها امتدادا لديوان الشعر العربي، أما قصيدة النثر فهي بدأت قبل قصيدة التفعيلة، ذلك على الأقل بسبعين عاما، إذ بدأها أمين الريحاني وتوفيق الزيات وآخرون. ولكن المشكلة في قصيدة النثر حاليا، أنها تعتمد على الوافد من المترجم من جهة، ومن جهة اخرى يلونها الاستسهال. وبرأيي إنها لم تعش لأنها لم تتحول إلى تيار في القصيدة كونها انسلخت عن جذورها، وإنما يمكن أن نسمي ما يكتب نصوصا لها علاقة بالشعرية العربية، لأن الشعرية العربية بقيت موجودة في النص الموزون العمودي أو التفعيلة، والقصيدة النثرية لم تتصل حتى بالنثر العربي. وهناك استثناءات قليلة جدا منها شاعر سوري مهم جدا اسمه محمود السيد كتب قصيدة طويلة في كتاب واحد اسمها «منادا دمشق» .

الشاعر الفلسطيني ظلم، إن كتب خارج القضية يتهم، وإن كتب في القضية فربما يقولون إنه يتسلق على القضية. كيف خرجت من هكذا مأزق؟

أولا، من هو غير جدير بأن تحمله القضية يكون غير جدير أيضا بأن يحملها. وثانيا، الشعر عموما هو شعر ملتزم بقضية وطنية، مهما أراد الشاعر أن يكتب وفي اية قضية، هو فعليا ملتزم بقضية إنسانية كبرى دعينا نلخصها بالحب والحياة، وهناك خمسة موضوعات لا يتجاوزها أي فنان ولن يتجاوزها عبر التاريخ لا في الشرق ولا في الغرب: الموت والحياة والحرية والحب والوطن. ويمكن تركيبها في قصيدة واحدة.. هذا هو موضوع القصيدة. القصيدة الفلسطينة لم يكتبها فقط شعراء ينتمون جغرافيا إلى فلسطين، ولكنها قصيدة كتبها الشعراء العرب جميعا، ومن دون استثناء، وتمحورت حول الهم الفلسطيني باعتباره مركزيا لهذه الأمة.

هل لديك قصائد غير مطبوعة وتنوي إصدارها قريبا؟

عندي قصيدة مهمة جدا. إنها جزء أول منشور من كتاب (الشآم ). وباقي الأجزاء لم تنشر وتروي تجربة ما يجري على أرض سوريا.

هل هناك ما لم تقله بعد في الشعر؟

نعم.

كيف ستقوله أو انك لن تقوله؟

لا سأقوله حتما، سأقوله حتى عندما أرحل نهائيا سيبقى من يقوله، لأن هذه الأجيال تتصل جيلا مع آخر، وأنا أؤمن بتواصل الأجيال وليس بصراعها، وأفرح عندما يولد شاعر أو فنان تشكيلي جديد ببلادي. هذا يعني أن البلاد لا تزال غنية وقادرة على العطاء.

«العوديسا الفسطينية ».. ملحمة وتواصل

«القصيدة مفتوحة، القصيدة مقفلة، في الحالتين لتؤكد أنها غير قابلة للتأويل الغريب أو المتغرب. فإما فلسطين وإما فلسطين وإما أن نكون أو نكون تلك هي المسألة، تأسيسا على الحياة وهي كونية دائما، تأسيسا على جوهر الشعر». هذا ما كتبه خالد أبوخالد بخط يده على الغلاف الخلفي للأجزاء الثلاثة من المجموعة الشعرية، «العوديسا الفلسطينية» وأضاف أبوخالد: إذ كيف لأحد ان يبرر كونيته.. خارج الصراع.. إنه تواصل الأجيال في الشعراء كما في المقاتلين«.

أربع مجموعات

يضم الجزء الأول من المجموعة الواقعة في 364 صفحة من القطع الكبير، أربع مجموعات شعرية: »وسام على صدر المليشيا«، »نقوش محفورة على مسلة الأشرفية«، »تغريبة خالد أبو خالد«، »أغنية حب عربية الى هانوي«.

وضم المجلد الثاني، خمس مجموعات شعرية: »الجدل في منتصف الليل«، »شاهرا سلاسلي أجيء«، »بيسان في الرماد«، »أسميك بحرا .. أسمي يدي الرمل«، »دمي نخيل للنخيل«. وتضم المجــــموعة الأخــيرة قصيدة »العوديسا«.

واحتوى المجلد الثالث ست مجموعات شعرية :»فرس لكنعان الفتى«، »رمح لغرناطة«، »معلقة على جدار مخيم جنين«، »فتح ي..مسرحية شعرية«، »قتلنا الصمت«، »الرحيل باتجاه العودة«. إضافة الى ثلاث قصائد جديدة، وهي »تفصيل آخر من لوحة الصعود الى العراق«، »تقاسيم عصرية على مكابدات المعري«، »من قصيدة نداء الجنوب«.

   سيرة

ولد خالد أبوخالد عام 1937 في «سيلة الظهر» بفلسطين. والده الشهيد والقائد في ثورة القسام، محمد صالح الحمد، الملقب أبوخالد. سبق له وأن عمل مذيعا في إذاعة وتلفزيون الكويت، وفي سوريا أيضا. وهو عضو مؤسس في اتحاد الكتاب العرب في سوريا، وعضو مؤسس في اتحاد الكتاب الفلسطينيين منذ العام 1973.  لديه عدد كبير من اللوحات الجدارية والمجموعات الشعرية. أصدر أولها عام 1970.

البيان الاماراتية *

اترك تعليقاً