من هنا وهناك

الشهيد القائد عبد القادر الحسيني

 

قائد معركة القسطل البطولية في فلسطين المحتلة الذي ولد في 8 نسيان عام 1908 واستشهد في 8 نيسان عام 1948..!

بقلم :أكرم عبيد

لقد حل شهر نيسان بكل ما له وما علية من ذكريات ومآسي حلت بالشعب العربي الفلسطيني المقاوم وفي مقدمتها جرائم عصابتي ” شتيرن ” والهاغانا ” الصهيونيتين في دير ياسين منذ ” 66 ” عاما والتي ترافقت مع معركة القسطل البطولية بقيادة الشهيد القائد عبد القادر الحسيني الذي استشهد قبل يوم واحد من مجزرة دير ياسين في 8 نيسان عام 1948.

الشهيد عبد القادر الحسيني هو احد ابرز القيادات العسكرية المقاومة في الحركة الوطنية الفلسطينية ولد لعائلة فلسطينية مقاومة عام 1908 في 8  نيسان بمدينة القدس وفي رواية اخرى في اسطنبول .

 انهى دراسته الاولية في  روضة دار المعارف الابتدائية في القدس وانهى دراسته الثانوية ونال شهادة  “المتريكوليشن ” سنة  1927بتفوق والتحق بكلية الآداب والعلوم في الجامعة الامريكية في بيروت وطرد منها بسبب نشاطه السياسي الوطني فالتحق بالجامعة الامريكية في القاهرة ودرس الكيمياء وهناك عايش الحركة الوطنية المصرية في نهوضها ومارس نشاطه السياسي من خلال رابطة الطلبة الشرقين واكتشف مدى خطورة الدور السياسي الذي تلعبه الجامعة الأمريكية.

 فانتهز فرصة حفل تخرجه وتخرج زملائه  الذي أقامته الجامعة في صيف سنة 1932 ووقف خطيباً في الحضور، وبينهم الوزراء ورجال السلطة فكشف زيف الدور العلمي الذي تزعم الجامعة الأمريكية القيام به واتهمها بأنها بؤرة إفساد ديني إذ تطعن في الدين الإسلامي وتشوه الدين المسيحي وانتهى إلى أن طالب المصريين بمقاطعة الجامعة الأمريكية.

 وبعد عدة أيام وزع بياناً على الصحف المصرية ضمنه اتهاماته للجامعة الأمريكية. واثر ذلك أصدرت الحكومة المصرية  في عهد اسماعيل صدقي باشا أمرا بطرد عبد القادر الحسيني من مصر مع نهاية سنة 1932.

فعاد عبد القادر إلى فلسطين وعمل محرراً في جريدة “الجامعة الإسلامية”، ثم مأموراً في دائرة تسوية الأراضي في فلسطين مما أتاح له أن يطّلع على المشاريع المشبوهة لسلطات الانتداب البريطاني التي خططت لتهويد الأرض الفلسطينية فاستخدم وظيفته لإحباط  بعض محاولات الاستيلاء على هذه الأرض

وبعد أقل من سنتين استقال من عمله في تسوية الأراضي حتى يحضر للثورة على الاحتلال البريطاني والحركة الصهيونية.

مع اشتعال ثورة 1936 – 1939 لجأ عبد القادر إلى الجبال وخاض عدة معارك مع الجنود البريطانيين أهمها معركة الخضر (4/10/1936) الذي سقط فيه القائد السوري سعيد العاص شهيداً كما أصيب عبد القادر الحسيني بجروح بالغة وتمكنت القوات البريطانية من أسره لكنه نجح في الفرار من المستشفى العسكري في القدس وتوجه إلى دمشق حيث استكمل علاجه.

عاد عبد القادر مع بداية سنة 1938 إلى فلسطين وتولى قيادة الثوار في منطقة القدس وفي أوائل أيار من تلك السنة قاد هجوماً عسكرياً على مستعمرة “فيغان” الصهيونية جنوب القدس وكبد القوات البريطانية المحتلة في القدس وبيت لحم والخليل وأريحا ورام الله وبئر السبع خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات ونجح في القضاء على فتنة دينية خططت لها سلطات الاحتلال البريطاني بين المسلمين والمسيحيين.

وفي خريف سنة 1938 حاصرت القوات البريطانية المحتلة بشكل محكم قوات الثوار بين بيت لحم والخليل وسقط في تلك المواجهة غير المتكافئة الكثير من الثوار الفلسطينيين بين شهيد وجريح وفي مقدمتهم جرح القائد عبد القادر جراحاً بالغة ونقله زملاؤه بعدها إلى المستشفى الإنكليزي في الخليل باسم مزور حيث قدموا الإسعافات الأولية له ثم نقلوه خفية إلى سورية ثم الى لبنان ومن هناك نجح في الوصول إلى العراق بجواز سفر عراقي يحمل اسم ” محمد عبد اللطيف ”

ووصل الى بغداد وعمل مدرساً للرياضيات في المدرسة العسكرية في معسكر الرشيد وفي إحدى المدارس المتوسطة ثم التحق في أول نيسان سنة 1940 بدورة لضباط الاحتياط في الكلية العسكرية مدتها ستة أشهر وتخرج من الكلية العسكرية في بغداد مع ضباط فلسطينيين آخرين منهم حسن سلامة وذو الكفل عبد اللطيف وعبد الرحيم محمود وأكرم زعيتر وانضم جميعهم إلى ثورة رشيد عالي كيلاني عام 1941وشارك مع رفاقه الثوار الفلسطينيين اللاجئين إلى العراق في قتال القوات البريطانية المحتلة.

وعندما انهزمت الثورة حاول مع رفاقه  اللجوء إلى إيران لكن العصابات الصهيونية المرتبطة بنظام الشاه المقبور  منعتهم فألقت السلطات العراقية القبض عليهم وقدمتهم للقضاء العراقي الذي اصدر عليهم حكماً بالسجن ثلاث سنوات  وتحت ضغط الرأي العام العراقي والرموز الوطنية العراقية التي ضغطت على السلطة استبدل السجن بالنفي عشرين شهراً إلى بلدة زاخو في أقصى شمال العراق ثم نقل عبد القادر إلى معتقل العمارة بعد اتهامه بتدبير اغتيال فخري النشاشيبي وفي معتقل العمارة قضى سنة أخرى.

أفرجت الحكومة العراقية عنه في أواخر سنة 1943 بعد تدخل الملك عبد العزيز آل سعود ملك العربية السعودية فتوجه إلى السعودية وأمضى فيها عامين متنقلاً بين مكة المكرمة والطائف مع أسرته.

وفي مطلع سنة 1944 تسلل عبد القادر الحسيني من السعودية إلى ألمانيا حيث تلقى دورة تدريب على صنع المتفجرات وتركيبها ثم انتقل وأسرته إلى القاهرة مع بداية سنة 1946 للعلاج من الجروح في جسده أثر معاركه الكثيرة وهناك وضع خطة لإعداد وتدريب المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال كما دربَ شُبان مصريين للقيام بأعمال فدائية وأنشأ معسكراً سرياً بالتعاون مع قوى وطنية مصرية ليبية مشتركة بالقرب من الحدود المصرية الليبية وأنشأ معملاً للمتفجرات وأقام محطة إذاعية فى رام الله ومحطة لاسلكية فى مقر القيادة فى بيرزيت فأمرت حكومة السعديين المصرية بإبعاده سنة 1947 بسبب نشاطه السياسي وصلاته بعناصر من الحركة الوطنية المصرية لكن الضغوط التي مارستها القوى الوطنية المصرية حالت دون تنفيذ ذلك الإبعاد.

بعد قرار التقسيم فى 29 نوفمبر تشرين الثاني سنة 1947 وانتهاء الانتداب وتقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية قررت الهيئة العربية العليا تشكيل منظمة الجهاد المقدس المسلحة وعين محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا  قائداً أعلى للجهاد المقدس في حين عين عبد القادر الحسيني في موقع القائد العام لهذه المنظمة وانتقل إلى فلسطين في 22/12/ 1947 واهتم بتنظيم وهيكلة منظمة الجهاد المقدس وشكل ” مجلس قيادة الثورة ” و “لجنة التموين وحشد النجدات” وتشكيل ” جيش الجهاد المقدس “

وقد انحصرت خطة القائد عبد القادر الحسيني:

في اعتماد الشعب الفلسطيني على ذاته.

وطلب الامداد العسكري من الأقطار العربية .

والتركيز لإعلان قيام حكومة عربية فلسطينية.

وبالرغم من ميل ميزان القوى العسكري إلى صالح العصابات الصهيونية المسلحة في مختلف مجالات التدريب والتسليح والحجم فإن قوات الجهاد المقدس بقيادة الحسيني تمكنت من إحراز انتصارات هامة من أهمها استسلام الصهاينة في القدس بعد أن حاصرتهم قوات الجهاد المقدس التي عدة كمائن ناجحة للقوات الصهيونية ونسفت بعض المؤسسات الصهيونية مثل معمل الكحول عند مدينة يافا وبناية حزيون  ومقر الوكالة اليهودية بالقدس  ومعمل الجير وبناية المطاحن في حيفا وبناية شركة سوليل يونيه ودار الصحافة اليهودية في القدس التي تضم شركة صحافة القدس وصحيفة علهمشمار وصحيفة هامشكيف ووكالة اليونايتد برس والوكالة اليهودية للأنباء فصلاً عن نسف حي منتفيوري وشارع ” بن يهودا ” في القدس.

وقد شن عبد القادر الحسيني بقواته هجماتقوية ضد مستعمرات النبي يعقوب وعطاروت وميكور حاييم  ورامات راحيل وتل بيوت وسانهدريا.

وتمكنت قوات الجهاد المقدس من السيطرة على منطقة القدس ومن التحكم في خطوط المواصلات التي تربط بين أغلب المستعمرات الصهيونية في فلسطين.

وفي أواخر آذار سنة 1948 توجه عبد القادر الحسيني إلى دمشق طلباً للسلاح من جامعة الدول العربية لكنه فشل بعدما رفضت الجامعة العربية إمداد جيش الجهاد الفلسطيني المقدس بالسلاح لمواصلة الدفاع عن المدينة فقال مخاطبا الجامعة العربية

“إن التاريخ سيكتب أنكم خذلتم الأمة وبعتم فلسطين.. وإن التاريخ لا يرحم أحداً!

  وأثناء غيابه عن القدس سقطت قرية القسطل في أيدي العصابات الصهيونية المسلحة فعاد ومعه ستون بندقية انكليزية قديمة وعشرة مدافع رشاشة وبعض القنابل تبر بها ابناء الشعب العربي السوري فضلاً عن ثمانمائة جنيه فلسطيني أعطاه إياها الحاج أمين الحسيني ووصل عبد القادر إلى القدس صباح 7/4/1948 فنظم هجوماً مسلحاً على القسطل استطاعت قواته أن تسترد الموقع في اليوم التالي (8/4)  لكن هذا القائد البطل استشهد خلال المعركة بعد أن ظل يقاتل منفردا ودفن إلى جانب والده في المدرسة أو التربة الخاتونية  والتي تطل نوافذها الشرقية على المسجد الاقصى المبارك .

ويؤكد الدكتور مصطفى كبها المتخصص في التاريخ الفلسطيني أن استشهاد عبد القادر الحسيني انعكس سلبيا على معنويات كل الشعب الفلسطيني وعلى تماسك الجبهة الداخلية بعدما بنيت آمال كثيرة على “جيش الجهاد المقدس”. وأضاف “باستشهاده تعرض الشعب الفلسطيني لضربة قاصمة وما لبث أن تعرض لأخرى باستشهاد القيادي حسن سلامة قائد منطقة المركز في هذا الجيش في معركة راس العين يوم 31 مايو/ أيار 1948.

وفي نفس السياق كشف الجاسوس الصهيوني ”  يسرائيل  نيتح ” عميل الاستخبارات الصهيونية التابع لعصابة الهاغانا  أن عبد القادر الحسيني استشهد في تلك الليلة فاغتنم فرصة وجوده بالقرب منه وسارع إلى تفتيش ملابس الشهيد بحثا عن وثائق قبل أن يسرق خنجره وجواز سفره وخاتم الزواج، لافتا إلى أن جميع هذه الأشياء لا تزال محفوظة حتى الآن في متحف الهاغانا بتل أبيب

اترك تعليقاً