الأرشيفوقفة عز

الشهيد محمد صادم شحادة 1960-1982- نضال حمد

الشهيد محمد صادم شحادة 1960-1982- نضال حمد

 في مخيم برج البراجنة في الضاحية الجنوبية لبيروت وبالقرب من مطار بيروت الدولي، غير بعيد عن مخيم شاتيلا، ولد الشهيد محمد صادم شحادة سنة 1960. مثله مثل جميع أطفال عائلات بلدة كويكات الفلسطينية، وبلدات فلسطين الأخرى التي لجأت الى المخيم إبان النكبة الفلسطينية سنة 1948.  تلك الأُسَر التي مع مرور السنين أنجبت بنات وبنين في المخيم. ومن هؤاء كان شهيدنا المثال، مثله مثلهم كلهم، حيث ترعرع محمد صادم مع رفاقه وأصحابه في حارات وأزقة المخيم. هناك بالرغممن قساوة الحياة والعدوانات المتكررة على شعبنا في مخيماته، أكمل تحصيله العلمي بنجاح وتفوق، منذ الصف الأول ابتدائي الى المدرسة التكميلية في مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين الأنروا.

عندما أصبح محمد صادم شاباً في بداية العمر انتمى لتنظيم جبهة التحرير الفلسطينية، وأصبح من كادرها المثير للاعجاب فيي المخيم. ثم عين مسؤولاً لمكتبها الطلابي الذي أسسه مع رفاقه في مخيم ومنطقة برج البراجنة. فالحضور الفلسطيني آنذاك شمل كل مناطق لبنان التي لم تكن تحت سيطرة عملاء الكيان الصهيوني من جماعات وعصابات القوات اللبنانية وزعيمها الفاشي بشير الجميل.

مع رفاق آخرين ومنهم الشهيدين فيما بعد محمد عبد العال ومحمد بدران. كذلك مع الصديق الجميل جمال أحمد، رفيقي فيما بعد في تجربة العمل الجبهوي والطلابي في أوروبا الشرقية. بدأ الاتحاد الطلابي الجبهوي نشاطاته التنظيمية والجماهيرية والطلابية. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، فكان الرفاق وغالبيتهم من أعضاء الميليشيا في الجبهة، أي ليسوا فدائيين متفرغين أو محترفين، دائمي الاستعداد والجهوزية للمشاركة في معارك الدفاع عن الثورة وعروبة لبنان، وكذلك في التصدي للغزو الصهيوني للبنان سواء سنة 1978 أو سنة 1982. فعندما حصل الاجتياح الصهيوني للبنان في شهر آذار – مارس 1978 هب الرفاق من شباب التنظيم ومخيم برج البراجنة وفي المقدمة منهم قائدهم محمد صادم، للالتحاق بمواقع وقواعد جبهة التحرير الفلسطينية في منطقة صور الجنوبية اللبنانية. مكثوا في موقع البرغلية المعروف، الذي تعرض لعدة غارات صهيونية خلال تلك الفترة من الزمن الفلسطيني في لبنان. كان الشهيد محمد صادم شحادة عضواً في قيادة منطقة برج البراجنة ومسوؤلاً عن الاتحاد الطلابي الجبهوي. وكان انسانا مثقفاً ومستنيراً وطموحاً ومحبوباً من رفاقه وأهل بلدته ومخيمه وجبهته.

في بداية ثمانينيات القرن الفائت سافر محمد إلى دولة الامارات العربية المتحدة. كان يريد أن يحصل على إقامة في الامارات لكي يتمكن من خلالها فيما بعد من الحصول على فيزا الى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان يخطط لاستكمال دراسته الجامعية والعليا هناك. لكن القدر أراد له أن يعود الى لبنان إبان الغزو الصهيوني في حزيران – يونيو 1982 . حيث حضر الفلسطينيون من كل دول العالم للمشاركة في الدفاع عن مخيماتهم وشعبهم وثورتهم وعن عروبة لبنان ولمواجهة الغزو الصهيوني. وكان منهم محمد صادم وجمال أحمد الذي حضر برفقة طلبة آخرين من بولندا للمشاركة في الدفاع عن الثورة. سرعان ما سافر رفيقنا محمد صادم من الامارات الى دمشق. من هناك توجه الى مواقع جبهة التحرير في البقاع، ثم الى الجبل اللبناني، حيث استشهد في معركة بحمدون، في المواجهات الشرسة التي حصلت مع الدبابات الصهيونية. أصيب محمد اصابات صعبة وخطيرة وحاول أحد الرفاق انقاذه لكن القدر لم يسعفه فكان نصيبه الشهادة في تلك المواجهة التاريخية. وجدير بالذكر أنه في تلك المنطقة فقد أيضاً الرفيق سعيد اليوسف نائب قائد قوات الجبهة وعضو لجنتها المركزية، الذي اتجه الى هناك بقرار من الأمين العام للجبهة الرفيق طلعت يعقوب. فقبل فقدان سعيد بيومين أو ثلاثة في معركة بحمدون كان معنا وبرفقة القائد الشهيد فيما بعد أبو يعقوب في زيارة مواقع الجبهة في النبطية وصور وصيدا. كانت زيارة تحت القصف الجوي والبري والبحري طوال الطريق ذهبابا وإيابا من بيروت الى النبطية ومن هناك الى بيروت. استغل هذه المناسبة لأسجل شهادتي برجل قوي وجريء وشجاع ومقدام هو القائد الفلسطيني طلعت يعقوب، الذي لم يكن يخشى الموت. فقد حرص دائما على ملازمة رفاقه الفدائيين المقاتلين في مواقعهم وعلى خطوط الماجهة والتماس. هذا ما عشته ورأيته وعرفته عن قرب عن الشهيد خلال الغزو وبالذات في اثناء حصار بيروت الشهير سنة 1982.

أذكر الزيارة التي قام بها الرفيق أبو يعقوب أمين عام الجبهة خلال حصار بيروت لمنزل عائلة الشهيد محمد صادم ولمخيم برج البراجنة لتقديم واجب العزاء بالشهيد لعائلته. وصلنا المخيم تحت القصف الشديد الذي كانت تتعرض له المنطقة. ولم يأبه لذلك رفيقنا ابو يعقوب، فواجب العزاء بالشهيد محمد صادم واجب جبهوي ووطني وإنساني ورفاقي وأخلاقي

كان محمد صادم صديقاً لمحمدين آخرين هما الشهيد محمد عبد العال والشهيد محمد بدران. وكذلك للصديقين الحيّين جمال أحمد وأبو رفيق التونسي. كانوا نواة المكتب الطلابي لجبهة التحرير الفسلطينية في مخيم برج البراجنة. حيث عملوا أيضا مع الرفيق القائد الشهيد أبو كفاح فهد الذي كان قائدا محبوبا في المخيم وعاملا جذاباً لشبابه للالتحاق بصفوف الجبهة.

في الحلقتين القادمتين سيكون حديثنا عن الشهيدين محمد عبد العال ومحمد بدران.

المجد والخلود للشهداء وعلينا الوفاء

نضال حمد

21-02-2021