الأرشيفوقفة عز

الشيخ حسين الزغموت، شيخ طفولتنا وحارتنا – نضال حمد

منذ أن تفتحت عيناي على الدنيا وإدراكي لما يدور حولي أي منذ الطفولة الأولى في المخيم بعين الحلوة وفي حارة الصفصاف، عرفت ورأيت الشيخ حسين الزغموت – ابو محمد – رحمه الله. فقد كان يسكن في مكان لا يبعد كثيراً عن بيتنا على حدود حارتي الصفصاف والرأس الأحمر في المخيم، وهما حارتين متجاورتين كتجاور البلدتين في أعالي الجليل بالقرب من مدينة صفد في فلسطين المحتلة.

ولد الشيخ حسين في قرية الصفصاف في شهر كانون الثاني سنة ١٩٢٩ودرس في مدرسة القرية حتى الصف الثالث ابتدائي، وفي ذلك الوقت مثله مثل كل أطفال وفتية وصبية وشباب الصفصاف كان يعمل مع عائلته في الزراعة ويقوم برعي الماشية.

الشيخ حسين كان غادر بلدة الصفصاف متوجهاً الى لبنان قبل حدوث النكبة بأشهر قليلة وذلك في مهمة عمل. عندما نزحت عائلته كما كل عائلات الصفصاف صوب لبنان، إلتقت به هناك واستقرت في بلدة “جويا” الجنوبية اللبنانية. للعلم فإن كثير من عائلات الصفصاف وربما العائلات الفلسطينية الأخرى استقرت بداية في بلدة جويا. منها عدة بيوت من عائلتنا نحن حمد، فهناك عدد لا بأس به من أبناء وبنات العائلة ولدوا في تلك البلدة.

في ذلك الوقت كان الشيخ الكادح يعمل في تصليح البوابير لتأمين لقمة العيش له ولوالديه ولأخوته وشقيقاته. تخيلوا معي البابور وابريق الشاي أو ركوة القهوة وهما يغليان فوق ناره الملتهبة. تلك الفترة الزمنية المخيمية، زمن البساطة ، فترة أيام البابور والبريموس والضو واللوكس تعتبر من الفترات الجميلة والبسيطة في خياتنا الصعبة.

عمل الشيخ حسين مصلحاً متجولاً ومتنقلاً بين القرى والبلدات الجنوبية اللبنانية الى حين استرقت عائلته في مخيم عين الحلوة. عقب الاستقرار في المخيم انتقل الى بيروت ومارس اعمالاً حرة ككل أهل ورجال المخيمات من الفلسطينيين، فقد كان هاجس اللاجئين تأمين لقمة العيش لذويهم  والعجزة ولأطفالهم المشردين. في فترة عمله في بيروا ستقر لبعض الوقت في مخيم شاتيلا. في ذلك الوقت كانت هناك بضع عائلات قليلة من الصفصاف استرقت في مخيمات بيروت مثل برج البراجنة وشاتيلا.

عمل شيخنا في كل الأشغال التي تيسر له العمل فيها وبعد عودته من العاصمة اللبنانية بيروت الى عاصمة المخيمات الفلسطينية في لبنان مخيم عين الحلوة، بدأ العمل في مهنة المكوجي، والتي استمر يعمل فيها لغاية مابعد الغزو الصهيوني للبنان واحتلاله سنة 1982. وبعد فترة وجيزة من زوال الاحتلال عن المخيم وصيد عمل في وكالة الأونروا في توزيع الاعاشة  سبع سنوات. إسوة بصديق عمره منذ الطفولة الى الكهولة والدي ابو جمال حمد، الذي عمل أيضاً في الوكالة في عدة وظائف منها مطعم الوكالة بالمخيم، حارس مدرسة رافيديا ثم موزع مياه على التجمعات الفلسطينية في منطقة صيدا. هذا الجيل كان مبدعاً وتمكن من خلق فرص العمل بكده وجده وجهده وكدحه.

كيف أصبح الشيخ مؤذناً لمسجد الصفصاف في مخيم عين الحلوة؟

فإن الفتى حسين الزغموت كان يؤذن منذ كان عمره ١٢ عاما في مسجد قرية الصفصاف في فلسطين وذلك قبل النكبة. ثم عندما وصل إلى مخيم عين الحلوة أصبح يؤذن في مسجد الصفصاف بالتناوب مع المرحوم العم  أبو أحمد حمد النلقب بأبي علي عليوة وكذلك مع المرحوم ابو سميح ميالي. ,اذكر أن المرحوم ابو حافظ حوراني أيضاً أصبح في سنوات لاحقة مؤذناً في المسجد المذكور. استمر الشيخ حسين خادما للمسجد لغاية الغزو الصهيوني للبنان سنة 1982.

توفي الشيخ  حسين رحمه الله في١١-٣-٢٠١٣ أما زوجته أم محمد رحمها الله  توفيت في ٣١_٥ _٢٠١٨. كنت سنة 1998 وخلال احدى وياراتي الى لبنان اجتمعت بالمرحومة ام محمد الزغموت زوجة الشيخ حسين وكانت برفقته في زيارة لنا في منزل العائلة، فقد جاءا للسلام لي وتهنئة العائلة بوصولي مع عائلتي الى المخيم بعد سنوات من الغياب القسري. أذكر أنني أجريت مقابلة مصورة بالفيديو مع ام محمد تحدثت فيها عن معركة حي الصفصاف خلال محاولات الدبابات والجنود الصهاينة دخول واحتلال مخيم عين الحلوة. وأذكر أنها قالت لي بالحرف وهذا موثق ومسجل بالصوت والصورة أنها شاهدت الدبابات محترقة واشلاء ورؤوس الجنود متطايرة على الشارع عند دكاكين أبو غازي حمد وأبو كامل يونس وأبو قاسم شريدي وعند مفرق سيروب القديم، بالقرب من دخلة المشاة المؤدية الى حارتنا ومنزلنا غرب الشارع. كما وروت لي ولموقع الصفصاف الالكتروني – وقفة عز- أحداثاً كثيرة جرت في تلك الأيام الصعبة على أهل المخيم… ولحظة دخول الجنود الصهاينة عليهم في البيت والملجئ حيث كان يختبئ المدنيون من العجزة والنساء والأطفال. ذات يوم سوف أنشر تلك المقابلة.

كان للشيخ حسين الزغموت شققيته الراحلة عطرة – أم زياد – والتي نشرنا مقالتنا عنها قبل أيام. كما كان له شقيقاً واحداً أصغر منه بسنتين هو المرحوم فخري زغموت، مواليد عام ١٩٣١ في بلدتنا الصفصاف، قضاء صفد في فلسطين قبل أن يحتلها الصهاينة المجرمين.

وكان المرحوم فخري قبل النزوح عن الوطن والبلدة واللجوء المرّ، يعمل في الزراعة ويرعى الماشية كا شقيقه الشيخ وأهل بلدته. أما عندما وصل إلى لبنان فقد عمل في الزراعة وفي بساتين الليمون كما غالبية اللاجئين الفلسطينيين الذي احدثوا ثورة رزاعية في الجنوب اللبناني بالذات. كما كل أبناء جيله في ذلك الوقت من زمن التشرد واللجوء والنكبة التحق المرحوم فخري بحركة القوميين العرب التي كانت تعقد الآمال عليها في تحرير فلسطين كل فلسطين. وعند وصول الفصائل الفلسينية المسلحة الى لبنان أصبح من مناضلي ومنتسبي منظمة التحرير الفلسطينية إلى أن توفاه الله في ١٨ تموز ١٩٧٨ وزوجت هي الراحلة عليا محمود يوسف دهشة من بلدة طيطبا الجليلية جارة الصفصاف، توفيت في عام ٢٠١٢ رحمها الله.

كنت في وقت سابق ذكرت الشيخ حسين في عدة مقالات كتبتها وفي عدة رويات سمعتها من المرحوم والدي ابو جمال حمد، الذي كان صديقاً حميماً للشيخ، منذ طفولتهما في الصفصاف وحتى توفيا في عين الحلوة تباعاً. من تلك القصص هذه القصة المؤلمة والتي لا يمكن نيسانها. خاصة أنني قرأت اليوم مقالة جميلة جدا للراحل نبيل النصر يحكي فيها عن رقيب دركي لبناني اسه ابو محمد كان محبوبا من أهل المخيم. وهذه الحالات كانت نادرة في صفوف الجرك اللبناني. أما قصتي فهي العكس تماماً وتحكي عن الشيخ حسين والمسجد والآذان والمخيم وأحد اسفل عناصر المكتب الثاني والدرك اللبناني.

ممنوع آذان الفجر في مخيم عين الحلوة:

حصل مرة أن جاء تحريّ او ضابط شرطة من المكتب الثاني وكان حاقداً وساقطاً وهدد الشيخ حسين بأنه سوف يضربه ويهينه ويعتقله إن رفع آذان الفجر لأنه يزعجه ويوقظه من نومه.

خضع الشيخ للتهديدات وفي ذلك الفجر فلم يسمع الناس في حي الصفصاف والأحياء المجاورة آذان الفجر. استغربوا لأنه أول مرة يحصل فيها هذا الأمر.

سألوا الشيخ حسين ما الذي حصل ولماذا حصل؟؟

أخبرهم الشيخ رحمه الله حقيقة الأمر، فذهبوا في وفد الى مفتي صيدا واشتكوا له فاشتكى بدوره لمفتي لبنان، وبعد تدخل الأخير تم نقل الضابط الحقير الى مكان آخر.. ويبدو انه لم يحاسب.

هذه القصة رواها لي والدي ابو جمال حمد رحمه الله.

رحم الله الشيخ وفخري وزوجتيهما وشقيقتهما ام زياد ووالدي وكل الحبايب.

شكرا للأخ حسان زغموت على تعاونه معي في جمع المعلمات وارسال الصور.

الطفلة عليا حسان الزغموت حفيدة المرحوم عبدالله الزغموت في لوحة فلسطينية وطنية جميلة ومعبرة انصح بمشاهدتها.

https://www.facebook.com/hassan.zaghmout/videos/1003932452975147

نضال حمد

19-3-2022