الأرشيفوقفة عز

الصفصاف في فلسطين.. حكاية صمود وشهادة – نضال حمد

تعود ملكية أراضي بلدة الصفصاف الفلسطينية لسكانها العرب، حيث لم يسكن أيّ يهودي أرض الصفصاف إلا بعد سقوطها واحتلالها، وحتى يومنا هذا، لازالت في الصفصاف 3 بيوت قائمة.

ملف جريدة المعركة 1982

تقع قرية الصفصاف على ارتفاع 750 م عن سطح البحر شمال غرب صفد بحوالي 9 كيلومتراً على الحدود الشرقية لقضاء عكا، وتبلغ مساحة أراضيها 7391 دونماً، منها 355 دونماً أراضٍ خصبة.

تحيط بها أراضي قرى: الجش، ميرون، قديثا، وبيت جن. أما عائلات القرية فهي: حمد، زغموت، شريدي، يونس، اليوسف، حوراني، كرديه (القاضي وأبو عيشة)، عبيد، حمزة، الصالح، فرهود، صبحة، زيدان، دغيم، مرعي، حليحل، دعيبس، خليل، جوخ، بلشة و(القادري).

قُدّر عدد سكانها عام 1596 ب 138 نسمة. أما في القرن الـ19 ب 100 نسمة، وفي عام 1922 ب 521 نسمة، وفي سنة 1931 ب 662 نسمة، وفي 1945 ب 910 نسمة، وفي عام 1948 ب 1056 نسمة.

عام 1931، كان عدد البيوت داخل البلدة 124 بيتاً، وكذلك مدرسة ابتدائية للأولاد، وقد بلغ عدد اللاجئين منها في عام 1998 حوالي 6483 نسمة معظمهم قطنوا بعد النكبة في مخيمات لبنان وسوريا.

أشار الرومان إلى القرية باسم “سافسوفا” وأصبح الاحتلال الصهيوني يطلق على مستعمرة أقامها على تخوم الصفصاف، اسم “سافسوفا”، ولايزال يستخدم الاسم حتى يومنا هذا.

تعود ملكية أراضي البلدة لسكانها العرب، حيث لم يسكن أي يهودي أرض الصفصاف إلا بعد سقوطها واحتلالها، وحتى يومنا هذا، لازالت في الصفصاف 3 بيوت قائمة، وكذلك مدرسة البلدة، وهي الآن مهجورة.

كانت الصفصاف في سنة النكبة مقر قيادة منطقة صفد لجيش الإنقاذ العربي، فالصفصاف مثلها مثل الكثير من القرى التي قاومت حتى الرمق الأخير، أوقعت إصابات، وخسائر بالغة بعصابات القتلة “الإسرائيليين”، فكان نصيبها بعد أن سقطت يوم 29/10/1948 مجزرة رهيبة ذهب ضحيتها الكثير من الشهداء أعدموا رميا بالرصاص، ثم وضعت جثثهم في بئر البلدة، وطمرت إلى الأبد.

هناك من أبناء البلدة من لازال يذكر تلك المجزرة، وما سبقها من معارك بطولية في سهول البلدة، وعلى تلالها، وروابيها بمشاركة جيش الانقاذ (سوريون) بقيادة اديب الشيشكلي، والنقيب غسان حديد، ومساعده الملازم جودت أتاسي، والوكيلان محمد بركات وحسن زينة.

بحسب شهادات كبار السن في البلدة فقد بلغ عدد ضحايا المجزرة من أبناء البلدة 54 شخصاً منهم 7 من عائلة كاتب هذه السطور. إضافة إلى 60 من أبناء القرى التي لجأت إلى الصفصاف بعد احتلالها من قبل العصابات الصهيونية.

أجمع سكان البلدة على أنّ الصهاينة قاموا باغتصاب ثلاث نساء منهن اثنتان بقيتا على قيد الحياة في مخيمات لبنان حتى وقت غير بعيد، غير أنه لم يعد هناك أحياء ممن شهدوا وشهدن على المجزرة إلا عدد قليل جداً.

الأستاذ أبو مروان حمد في شهادة قدمها للشاعر الصفصافي المرحوم محمود صبحة، قال إنه “كان يوجد في الصفصاف مدرسة ابتدائية في عام 1933، وكان عدد الطلاب في الصف الرابع 24، وكانت المدرسة في دار أبي منير حليحل (أحمد كريم حليحل)، وكان الطالب يجلب رغيفاً أو حطباً كأجر”.

بعد التخرج كان الطلاب يذهبون إلى مدرسة صفد، على سبيل المثال الخجا الكبير أبو قاسم حمد، وكذلك قاسم وعلي وابراهيم حمد، كلهم تعلموا في صفد.

أما والدي المرحوم أبو جمال حمد (1927-2018) الذي شارك في الدفاع عن البلدة عز عليه بعد الوصول إلى لبنان عقب سقوط الصفصاف أن يبيع بندقية العائلة في لحظات العوز، والجوع بعد النكبة،  فقرر دفنها في بلدة بنت جبيل، ولازالت مدفونة هناك حتى يومنا هذا.

لطالما رجوت والدي أن نذهب ونحضرها لكنه رفض ذلك وتوفي نهاية سنة 2018 في مخيم عين الحلوة، وبقيت البندقية تحت تراب بنت جبيل.

في بلدة الصفصاف وبعد قرار تقسيم فلسطين الصادر في 29-11-1947 قام أهل البلدة بتشكيل لجنة لإدارة البلدة، والدفاع عنها. تشكلت اللجنة من مندوبين عن عائلات البلدة ومن هؤلاء: قاسم زغموت، علي طه شريدة، اسماعيل حمد، ونجيب يونس وغيرهم من ممثلي العائلات الأخرى. المرحلة الأولى من عمر تلك اللجنة تركزت على القيام بشراء السلاح، كذلك على القيام ببعض التدريبات، وتنظيم الحراسة.

يوم الجمعة الموافق 29-10-1948 وبعد معركة حامية استمرت لساعات استطاعت عصابات الهاغاناه، وكانت بقيادة الإرهابي مانو بن مردخاي من مستوطني الجاعونة، من دخول الصفصاف، وبعد سقوطها نهبوا البيوت، والمواشي، ومحاصيل الزراعة، وكل شيء في البلدة.

جاء في كتاب تصحيح غلطة، تأليف بني موريس، وترجمة هارون محاميد، وفواز جرار الآتي :
“تحدث بعض المسؤولين عما جرى في قرية الصفصاف من أن 52 رجلاً رُبطوا معاً في حبلٍ طويل، وأنزلوا إلى حفرة سحيقة، ثم شرع جنود الجيش “الإسرائيلي” بإطلاق النار عليهم وهم داخل الحفرة، فصرخت النساء طالبات الرحمة من الجنود اليهود، فقام الجنود باغتصاب ثلاث نساء من بينهن فتاة في الرابعة عشرة من عمرها. كما قتلوا أربع نساء أخريات، ثم قاموا بتقطيع أصابع النساء بالسكاكين لانتزاع الخواتم الذهبية منها”.

وفي مذكراته يقول الصهيوني يوسف نحماني الذي اشتهر في منطقة الجليل باسم يوسف العونطجي أنّ “الأعمال الوحشية التي ارتكبها جنودنا في قرية الصفصاف كانت في منتهى البشاعة. فمثلاً بعد أن استولى الجنود على القرية، ورفع سكانها الأعلام البيضاء، قاموا بجمع السكان، وفرقوا بين النساء والرجال، ثم قاموا بتقييد أيدي الرجال بعد أن أوقفوهم في صف واحد، وأطلقوا النار عليهم”.

في تموز 2019 نشرت المؤرخة “الإسرائيلية” تمارا نوفيك بحثاً في صحيفة “هآرتس” عن الصفصاف استندت في معلوماتها على أرشيف قادة صهاينة شاركوا في احتلال الجليل، ووصلت إلى نتيجة مفادها نفس ما قاله كل شهود مجزرة الصفصاف.

*نضال حمد: كاتب فلسطيني مقيم في النروج، وصاحب موقع الصفصاف الالكتروني.

 

الصفصاف في فلسطين.. حكاية صمود وشهادة