من هنا وهناك

الكيان يعيد صياغة عقيدته الامنية – د. فايز رشيد

الكيان يعيد صياغة عقيدته الامنية – د. فايز رشيد

على ضوء العدوان الذي يشنه الكيان على قطاع غزة , من المفيد التطرق إلى موضوع مهم : وهو : المتغيرات في العقيدة الأمنية الصهيونية .لقد قدّم الباحثان الإسرائيليان:أليكس مينيتس وشاؤول شاي ورقة بحث إلى مؤتمر هرتسيليا الأخير 2014،الذي  انعقد في أوائل يونيو الماضي بعنوان”التغييرات الجيوساسية في المنطقة،تفرض على إسرائيل إعادة صياغة عقيدتها الأمنية”.الأول هو رئيس”معهد السياسات والاستراتيجيا”،الثاني هو رئيس فرقة الأبحاث في المركز المذكور.ترجمت الورقة عن العبرية يولا البطل.

معروف أن الذي صاغ العقيدة الأمنية الإسرائيلية هو ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء ووزير الدفاع في أوائل الخميسنيات.أصبحت فيما بعد نظرية تعتمد عليها إسرائيل.وفقاً لهذه العقيدة فإن من الضروري :”أهمية إقناع الدول العربية دوماً بالتسليم بالوجود الإسرائيلي”.أن تدفع إسرائيل العالم العربي إلى الاستنتاج:أنه لا سبيل عمليا لتدمير دولة إسرائيل”.كل ذلك يتم عبر”تحقيق انتصارات متتالية تؤدي إلى تيئيس القيادات العربية”.مثلما رأينا بالتجربة فإن هذه الخطوط العامة التي عملت وما تزال تعمل بها الدولة الصهيونية جرت ترجمتها إلى مبادئ أخرى من صلب الخطوط الاستراتيجية لبن غوريون, ولعل أبرزها:الحروب الاستباقية،الردع،نقل المعارك إلى أرض العدو،إنهاء الحروب العدوانية بالسرعة الممكنة،كل هذا طبقه العدو الصهيوني في اعتداءاته وحروبه على كافة الدول العربية منذ إنشاء دولة الكيان حتى هذه اللحظة.

يتطرق البحث إلى كل المحاولات السابقة لتحديث عقيدة إسرائيل.لقد كانت المحاولة الأولى من قبل الجنرال يسرائيل فال عندما أصدر كتابه:”الأمن القومي:قلة مقابل كثرة”،الذي عرض فيه تطور العقيدة الأمنية الإسرائيلية وأشار إلى التعديلات المطلوبة التي كانت تلائم من وجهة نظر الباحثين”تسعينيات القرن الماضي”.في عام 1998 بادر وزير الدفاع إسحق مردخاي إلى تشكيل ورشة عمل في هيئة الأركان برئاسة اللواء ديفيد عبري لبحث التجديدات في العقيدة الأمنية.ما جرى تداوله في ورشة العمل والاستنتاجات التي خلصت إليها الورشة , لم يجر عرضها على الحكومة الأمنية المصغرة ولم تُعتمد كعقيدة أمنية قومية.في عام 2006 قدّم الوزير السابق دان مريدور إلى وزير الدفاع آنذاك شاؤول موفاز تقريراً للجنة رأسهاهو , وتضم 20 خبيراً من بينهم اللواء غيورا أيلاند الذي أصبح فيما بعد رئيساً لمجلس الأمن القومي الأمريكي.الاستنتاج الأبرز لتوصيات اللجنة:أن مكوّن الدفاع بحاجة إلى ثلاثة ركائز أمنية:أهمية الرّد المتمثل في الدفاع عن السكان المدنيين والبنى التحتية في إسرائيل من قبل الصواريخ بعيدة المدى التي يطقلها الإرهاب من ميدان القتال المباشر إلى المواطنين في الجبهة الداخلية.إعادة درس ملاءمة مفاهيم الردع،والإنذار الاسترتيجي والحسم،في مواجهة لاعبين غير دولتيين على غرار التنظيمات(الإرهابية).ضرورة استنباط رد مناسب دفاعاً عن أنظمة الحواسيب القومية. أقر وزير الدفاع آنذاك شاؤول موفاز توصيات اللجنة ونقلها إلى الحكومة الأمنية المصغرّة ,لكن الأخيرة لم تقر ولم تعتمد تلك التوصيات.

في العام 2013 نشر اللواء احتياط البروفيسور يتسحاق بن إسرائيل : تصوره لعقيدة أمنية إسرائيلية وأصدر كتاباً بذلك بعنوان”عقيدة إسرائيل الأمنية”.من وجهة نظره:فإن العقيدة الأمنية الإسرائيلية مرّت في ثلاثة مراحل:الأولى “بدأت فور انتهاء الحرب العالمية الأولى والاحتلال البريطاني لأرض إسرائيل”.هذه المرحلة اتخذت طابع الخصام بين الجيران على مسائل المياه وتقسيم الأرض.المرحلة الثانية بدأت عشية إعلان الدولة واستمرت حتى مطلع تسعينيات القرن العشرين.التهديد الرئيسي في تلك لفترة تمثل في خطر غزو جيوش دول الجوار العربية لحدود إسرائيل وخطر المواجهة بين عدة دول.المرحلة الثالثة بعد ذلك: بدأ يتبلور مفهوم جديد يتلخص في:أن التهديد الأهم المحدق بإسرائيل ليس غزو الجيوش وإنما في تنظيمات ومجموعات(إرهابية)وهذا يشمل مواجهات محدودة بين إسرائيل وهذه التنظيمات وغيرها.

تؤكد الورقة”أن العولمة” والثورات التكنولوجية في مجالات الاتصالات والسايبر والفضاء والتغيرات الجيوسياسية الإقليمية والدولية: تغير وتبدل طبيعة الحروب والمستجدات في(المجتمع)الإسرائيلي, وتستدعي إعادة درس العقيدة الأمنية الإسرائيلية وملاءمتها لظروف الواقع الديناميكي للقرن الواحد والعشرين. وترتدي طابع ملاءمة العقيدة الأمنية لأهداف الدولة ولبيئتها الإقليمية والاستراتيجية المتغيرة،أهمية خاصة.يولي البحث أهمية كبيرة للتغييرات الجيوسياسية في المنطقة والتي أسماها”الاضطرابات الإقليمية”فقد أخذت المنطقة تتسم اعتباراً من العام 2011 في أعقاب ثورات الربيع العربي: بعدم الاستقرار وبأزمات لا تزال في ذروتها حيث يخيم عدم اليقين على مستقبل المنطقة.في أعقاب  الثورات بدأ يتزعزع مفهوم الدولة القطرية العربية الذي كان الأساس النظامي الإقليمي،وتشهد بعض دول المنطقة حالات تفكك وهي آخذة بالتحول إلى دول فاشلة.في الدول العربية غير المنحاز لجهة تركيب سكاني معين ,هناك احتمال لحالات تفكك من الداخل وظهور جيوب مستقلة ذاتياً(على أساس جغرافي،أو طائفي،أو ثقافي،أو وظيفي)تسيطر على هذه الجيوب عناصر متشددة, وتشهد صعود لاعبين لا دولتيين في المنطقة ومعظمهم ذوي اتجاه إسلامي متطرف معاد لإسرائيل.التنظيمات”الإرهابية”الإسلامية تشكل تحدياً لإسرائيل وللجيوش العربية في مصر سوريا العراق اليمن وغيرها.

إسرائيل محاطة بلاعبيين لا دولتيين:حزب الله المسيطر في جنوب لبنان, مجموعات سورية بالقرب من هضبة الجولان.السلطة الفلسطينية في يهودا والسامرة(الضفة الغربية).سلطة حماس في قطاع غزة تنظيمات جهادية في شبه جزيرة سيناء.

تستعرض الورقة الخطر الإيراني وتحذرمن إمكانية تحول إيران إلى دولة نووية، كما أن النزاع(الصراع)الفلسطيني(العربي)-الإسرائيلي(الصهيوني)يستغل كعقبة لإجراء السلام مع الدول العربية ويتحول إلى مفاعيل سلبية على إسرائيل على الساحة الدولية ,كما يجسد هذا النزاع(الصراع)تهديداً للهوية اليهودية-الديموقراطية لدولة إسرائيل،كما أن إسرائيل تعاني من خطر العزلة الدولية.الورقة تعتبر أن صراع القوى الكبرى بين الولايات المتحدة وحلفائها من جهة وبين روسيا والصين من جهة أخرى يؤدي: إلى انعكاسات على منطقة الشرق الأوسط.تستعرض الورقة تحديات قديمة جديدة لإسرائيل تتمثل في: مجالات الحرب السبرانية(الإلكترونية) ,مجال تطبيقات تكنولوجيا الفضاء.ويبين البحث إمكانية أن تشكل هذه التحديات أخطاراً على إسرائيل لذا يتوجب مقاومة هذه الأخطار وإعداد الردود المناسبة لها.

يخلص البحث إلى نتائج:أهمية استمرار التحالف مع الولايات المتحدة.زيادة أهمية الاهتمام بالساحة البحرية فسكان إسرائيل في معظمهم يعيشون على ساحل البحر الأبيض المتوسط،وأن 97% من استيراد وتصدير البضائع من وإلى إسرائيل يتم عن طريق الشحن البحري عبر الموانئ.وحول العقيدة الأمنية الإسرائيلية:يتوجب مواجهة التهديد الإيراني،يتوجب أن تركز هذه العقيدة الجديدة على أولاً الردع ،بناء قدرات عسكرية تردع أعداء إسرائيل.ثانياً:الإنذار الاستراتيجي في حالة فشل الردع في تحقيق غايته،مطلوب قدرة استخباراتية تعطي إنذاراً مبكراً عن نية العدو الإقدام على شن حرب.ثالثاً:الحسم،حسم المعركة بأسرع ما يمكن،رابعاً:الدفاع.يستهدف الرد على التهديدات التي تتعرض لها الجبهة الداخلية من دول بعيدة جغرافياً،ومن تنظيمات إرهابية.أهمية التكيف والتأقلم مع المتغيرات الجيوسياسية، وبخاصة الجوانب المفاهيمية الاستراتيجية.إقامة تحالفات إقليمية مع دول شرق حوض البحر المتوسط كاليونان وقبرص ودول أخرى في البلقان،تحالفات في الشرق الأوسط،وفي شرق إفريقيا.

أما الذي نلمسه في هذا البحث فأبرزه يتلخص في: دينامكية مفاهيم الأمن الإسرائيلي والتجديد فيها،إعداد الدولة بالمعاني السياسية والعسكرية لتخدم في كافة مؤسساتها هذه المفاهيم.طموح إسرائيل لتكون مكوناً رئيسياً من مكونات المنطقة.محاولة إسرائيل إبقاء موازين القوى العسكرية في صالحها نظراً لارتباط هذه الموازين بكل ما تقوم إسرائيل بتطبيقه من سياسات ,بغض النظر عن مدى صحة أو خطأ أهمية هذا الاستنتاج أو الطرح او ذاك في التقرير, إلا أنه يلامس بواقعية شديدة وموضوعية العقيدة الأمنية الإسرائيلية.

اترك تعليقاً