الأرشيفوقفة عز

المرحوم أحمد محمد شريدة -أبو ناظم- الملقب أحمد الحاج

في قلب الحارة من الجهة الفوقا للشارع المعروف في المخيم بإسم شارع الصفصاف عند مفرق سيروب القديم أقامت عائلات شريدة وغيرها من عوائل الصفصاف بالذات. الشارع الفوقاني هو واحد من شارعين رئيسيين في المخيم. يمتد من المدخل الشمالي للمخيم حتى المدخل الجنوبي، مروراً بمفرق سوق الخضار ثم مفرق طلعة جبل الحليب فمفرق نزلة حطين ولوبية وصولا الى عرب غوير والخ.

عند مفرق سيروب القديم في الحارة التي تشتهر بوجود “الشيخ محمد آتي” ونهفاته وهو بالمناسبة ابن خالتي “مريم” وابن شقيق المرحوم أبو ناظم. هناك بيت “أحمد الحاج” وهناك على الشارع كانت ملحمته وملحمة شقيقه المرحوم “عبدالله عوفة”، أبو فخري شريدي زوج خالتي، رحم الله الجميع.

قد يسأل البعض لماذا اكتب اسمه عبدالله عوفة. الجواب بسيط فالناس في الصفصاف يعرفون بألقابهم وبعضهم بأسماء أمهاتهم. يعني ما في أحد في الغرب ولا في الشرق فيه يزاود على ديمقراطية أهل الصفصاف وأهل المخيم… “مليح هيك؟”… فنحن كرمنا أمهاتنا ونساؤنا منذ القدم، لأننا كنا ولازلنا ننادي الرجل بلقب أمه بدلاً من اسم عائلته وكنيته. مثلاً في مخيمنا نقول: عبدالله عوفة، محمود وردة، علي حسنة، سعيد المرنية، عبد فهدة، أحمد عطرة، كمال نجدية، جمال كردية، حسام سعدة، حسين زكية، مصطفى بهيجة، محمد دلال، ياسر عربية، أبراهيم حوا وخليل شاهينة… والخ.

العم الصفصافي أحمد محمد شريدة “أبو ناظم” الملقب “أحمد الحاج” ولد في قرية الصفصاف بالجليل الفلسطيني الأعلى سنة 1920. أعتقد أنه لا داعي لإعادة الشرح عن الصفصاف فغالبية قراء الموقع والمجموعة أصبحوا على دراية ومعرفة بتاريخ البلدة.

قبل النكبة عاش العم أبو ناظم 28 سنة في الصفصاف كان خلالها يعمل مع أهله بالزراعة والماشية. اشتهرت الصفصاف كما غالبية جيرانها من البلدات الصفدية الجليلية بزارعة التبغ والفاكهة والتين والزيتون. في ذلك الوقت اعتبرت محاصيل الزيتون والزيت والتبغ من أهم موارد البلدة وسكانها. بالرغم من أن شركات التبغ كانت تستغلهم وتشتري المحاصيل بأثمان بخسة.

لم يلتحق الحاج أبو ناظم بالمدرسة في الصفصاف قبل النكبة. لا أدري في أي سنة تم افتتاح مدرسة الصفصاف التي كانت فيها صفوف المرحلة الابتدائية. جدير بالذكر أنه درس فيها عدد كبير من أبناء الصفصاف.

عندما حلت النكبة وسقطت البلدة بأيدي الغزاة الصهاينة، كان أبي ناظم من المدافعين عن البلدة كما غالبية شبابها. صمد حتى النهاية كما الجميع. بعد احتلال الصهاينة للبلدة فقد ارتكبوا مجزرة الصفصاف وقتلوا العشرات من سكانها ومن بينهم عدد من أقاربه من آل شريدي ومن كل عائلات الصفصاف. بعد سقوط البلدة فر مع عائلته الى لبنان، فكانت البداية كما غالبية أهل البلدة ولاجئي الجليل الى بلدة بنت جبيل وضواحيها. ثم من هناك الى مخيم عين الحلوة قرب صيدا حيث استقر حتى وفاته سنة 2003.

في مخيم عين الحلوة بدأ الشاب أبو ناظم الذي كان يبلغ من العمر 28 عاماً حياته من الصفر وحتى من تحت الصفر، من العدم ومن لاشيء. لم يكن متعلماً ولم يعرف فك الحرف لكن الحياة علمته كيف يكون مُعلماً وصاحب مهنة ناجح وبارع. قبل أن يستقر في العمل في ملحمته قرب محلي العمان الراحلان أبو مروان وأبو غازي حمد على الشارع الفوقاني، عمل في مهنٍ مختلفةٍ وعديدةٍ وفي أشغال شاقة مثل كل لاجئي المخيم. عمل في الزراعة وفي البساتين وفي تعبئة ونقل الرمال من شط البحر. كان عاملاً ومزارعاً في نفس الوقت. في ذلك الزمن خالف الفلسطينيون قوانين العلوم الاشتراكية وتقسيماتها العلمية والطبيقة، فالعمال صاروا فلاحين والفلاحين غدوا عمالاً… بينما النظرية تقول أن العمال هم العمال والفلاحين هم الفلاحين. لكن في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين كل شيء غير شكل، مختلف، متنوع، فريد من نوعه. ففي البدايات ولغاية سنوات طويلة في المخيمات سكنت كل فئات شعبنا وطبقاته في ظروف واحدة متشابهة، كما عملوا في مهن متشابهة. فكل فلسطيني لجأ الى مخيمات القهر والعذاب والشتات، أصبح مع مرور الأيام والأسابيع والشهور عاملاً وفلاحاً ومزارعاً وصيادا وحضرياً وفلاحاً وبدوياً، تغريبة فلسطينية وخلطة غرائبية عجائبية.

جيل أبو ناظم الذي حول العدم الى حياة والأراضي القاحلة الى رياض وحدائق وأماكن مزدهرة وعامرة، هو نفسه الذي حول الأرض البورالمليئة بالصخور والأشواك والأفاعي والعقارب والشعاب الى حواضر سكنية، سُميّت مخيمات ولازالت تسمى مخيمات. فالمخيم ليس قرية ولا هو مدينة بل شيء جديد جمع بين البدو والحضر والفلاحين، شيء اسمه كما عرفناه مذ ولادتنا، المخيم، الذي ابتكره واقع حال الفلسطينيين بعد اللجوء والنكبة سنة 1948. المخيم لا يمكن تسميته بغير اسمه المخيم،. فهو الذي تغنى به أدباء وشعراء فلسطين. لأنه أنجب الفدائيين والمبدعين والأكاديميين والمتعلمين والأطباء والمهندسين، وجاء لنا بالصحافيين والاعلاميين، والممرضين والصيادلة والفنانين والأدباء والشعراء والمقاتلين من الجنسين، من الذكور والإناث. وهو الذي صان القضية بالدماء وفجر الثورة بالفداء والعطاء وحافظ على حقي الكفاح والعودة.

أبو ناظم الذي جد وكدح وتعب وعمل ليلا ونهار أراد لأطفاله ولأولاده أن يحصلوا العلم وينهلوا منه وأن يتعلموا ويكونوا ناجحين. فتخرج من ابنائه الأستاذ والمهندس والممرض. وعملوا ونجحوا.. أذكر منهم الأستاذين ناظم وجمال شريدي اللذان عَلَما ودَرَسا في مدارس الوكالة “الانروا” حتى تقاعدهما. بقيّ العم أبو ناظم يعمل ويكد في ملحمته الشهيرة التي اشتهرت بنوعية اللحوم الجيدة، بقيّ يعمل لحاماً حتى وفاته رحمه الله في سنة 2003 عن 83 عاماً قضاها كاداً وصابراً ينتظر التحرير والعودة الى الصفصاف وكل فلسطين.

اعداد نضال حمد وموقع الصفصاف

25-12-2021