الأرشيفكتب

المواطن الرقمي سلعة للبيع – الإعلامي: خالد الفقيه

أفرزت حالة الرقمنة وشيوع إستخدام الشبكات العنكبوتية وما بني عليها من منصات ومواقع حالة جديدة تهدد المواطنة التقليدية بحيث ألغت الحدود وهدمت أركان الدولة القطرية والحالة القومية نحو ما بات يعرف بالقارة الرقمية التي وضعت البشر على إختلاف خلفياتهم الإثنية والدينية والاقتصادية والثقافية في كيان واحد مع تفضيل لقبيلة صغيرة تتحكم بهذا المجموع البشري بحكم تحكمها بتقنياته.
دخلت الرقمنة حياة البشر بعد أن كانت سراً عسكرياً خلال الحرب العالمية الثانية فيما كان يعرف بالخط -الكيبل- عبر الأطلسي الحياة المدنية أواسط ثمانينيات القرن الماضي وبداية لصالح المصارف والشركات التجارية وهذا أمر ليس بالمستغرب بقدر ما يعكس العلاقة بين العسكر والاقتصاد، وبدأت من هنا ثقافة وسياسة الترميز والترقيم للبشر وحياتهم. ومع شيوع الاستخدام العام تجلى مصطلح جديد يعرف بالأمية الرقمية لوصف من لا يستطيعون التعامل مع الشبكات والإلكترونية والمنصات والمواقع الرقمية كبديل لمحو الأمية الذي عهدناه طويلاً في وصم من لا يعرفون القراءة والكتابة.
والمواطنة الرقمية تعني اليوم كل الأشخاص الذين يستخدمون الشبكات والمنصات الالكترونية والتكنولوجيا المرتبطة بالشبكة العنكبوتية، ولتفادي أن يقعوا ضحايا للاصطياد والابتزاز عليهم إتباع إرشادات فردية وأخرى جماعية تقع على عاتق المؤسسات الرسمية من حكومات ووزارات مختصة فيها وعلى عاتق الجامعات والمدارس ومؤسسات المجتمع المدني التوعوية، وعلى المستوى الفردي فإن الوعي الرقمي يتطلب من المواطن الرقمي التقيد بمباديء وإتخاذ إحتياطات تجاه هذه المنصات تخفيه عنه المؤسسات المشغلة بأوامر من القبيلة المالكة، ومنها عدم نشر معلومات شخصية، وعدم وضع كلمات سر متشابهة لكل الحسابات التي يعمل عليها الفرد والحذر من تحميل أية مواد من أية مواقع حتى لا يسهل تتبع ميوله وإهتماماته وغير ذلك.
وتفيد المعلومات بأننا لا نستخدم من حجم الويب أكثر من 4% فيما 96% هي معلومات شخصية متحصلة للشركة المشغلة من خلال إستخداماتنا ل 4% فقط مما يسهل على هذه الشركات والقراصنة إحداث الاختراق والابتزاز والتوجيه الاقتصادي والسياسي والثقافي، كما تشير أخر المراجعات بأن 56% من المتابعات والاختراقات تتركز على رسائل البريد الإلكتروني.
تصيد المواطن الرقمي يضعه فريسة للابتزاز والاختراق الأمني والثقافي والاجتماعي بتوظيف المعلومات الخاصة به، وقد يصل الأمر للتأثير على الرأي العام مع العلم أن الرأي العام الإلكتروني غالباً ما يكون خادعاً كونه إفتراضي ولا يعكس الرأي العام الفعلي والحقيقي حيث أثبتت الكثير من  إستطلاعات الرأي الإلكترونية عدم دقة نتائجها كون المستطلع تتلبسه الخشية من قول آراءه أو من أن تتسرب لجهات أمنية أو معادية فيلجأ للتضليل وهو أمر قد يحدث في إستطلاعات الرأي التقليدية فلا يعطي مواقفه بدقه تجاه مختلف القضايا ولا سيما السياسية منها وهذا يتبدى في ظل النظم غير الديمقراطية للاعتقاد بارتباط المؤسسات المستطلعة بالجهات الرسمية.
والشركات المشغلة للمنصات أو الجهات التي تستخدمها تستطيع التأثير تدريجياً في الوجهات الثقافية والاقتصادية والقيمية للأفراد المستخدمين لها عبر البيانات التي تقدمها مجاناً في ظاهرها والفئات المستهدفة هم كل الأشخاص المرقمنين.
فالمنصات الرقمية تتعاطى مع المواطن الرقمي كسلعة بوصولها إلى خصوصياته وبياناته الدفينه وقد تقدم على بيعها لجهات أمنية أو بحثية وتجارية وإعلانية بما يرفع القيم السوقية لها على حساب المواطن وتشير الكثير من الأبحاث أن توظيف المسوقين الإلكترونيين (السوشلجيه) المعلومات المتحصلة من المنصات بشرائها ضمن فئات مستخدمه لخطة تسويقية لمنتج أو شركة أو فكره قد أثبتت فشلها عالمياً، فالثقة بالتسويق الإلكتروني في ثقافات مثل ثقافتنا غير مرتفعه من جهة ومن جهة أخرى أن هؤلاء (السوشلجية) يخدعون هذه الشركات والجهات من خلال شراء إعجابات (لايكات) ولكن دون إنعكاس تسويقي وأثبتت دراسات أن هذه التفاعلات لأشخاص يمكن بيعها لمنتج منافس دون نتائج حقيقية وهو ما دفع ببعض المؤسسات للعودة نحو الإعلام التقليدي في التسويق من تلفاز وراديو وصحف ولوحات إعلانية كونها أكثر صدقيه.
ومن نافل القول بأن المواطن في عصر الرقمنه أصبح حزمة بيانات في خوارزميات معقدة لا يفك تشفيرها إلا الشركات المشغله وجزئياً بعض القراصنة المتصيدين. والأمر لا يتوقف عند المنصات والمواقع فهناك الشركات المصنعة للهواتف الخلوية الذكية حيث نسعى دوماً لإمتلاك أحدثها للتفاخر دون الدراية بوجود مستشعرات فيها نغفل إستخداماتها وما تقدمه عنا يشكل تهديداً لخصوصياتنا، والهواتف النقالة بحسب الكثير من المراجع كانت سراً عسكريا إستخدمه الجنود الأمريكيون في حرب فيتنام للحيلوله دون تنصت الثوار الفيتناميين والروس على إتصالات وموجات اللاسلكي قبل أن يدرج في الخدمة المدنية ما يفتح السؤال عن البديل الذي حل مكانها.
وعند التوعية بمخاطر الرقمنة فالمقصود ليس التنبيه بقدر وضرورة التعرف على التطبيقات في ظل الافتقار للوعي الرقمي وقد ثبت هذا الجهل خلال جائحة كورونا في تداول وصفات وتوجيهات غير صحية. فالوعي الرقمي مهم في ظل انتشار الحياة المرقمنة والتي أفرزت في عالم الصحافة ما بات يعرف بالمواطن الصحفي والذي صار أحد مصادر الخبر والمادة الإعلامية لوسائل الإعلام، والوعي الرقمي أصبح عنصر من عناصر المواطنة في هذه القارة الرقمية ويعتمد على الثقافة الرقمية والأمن الرقمي والحقوق الرقمية أو بما يعرفه البعض بالأمن السبراني.
المواطن الرقمي سلعة للبيع
بقلم الإعلامي: خالد الفقيه