الأرشيفعربي وعالمي

النكبة، والكرم الألماني، وفوقهما اللواء الضميري! – عبد اللطيف مهنا

احتفل الألمان والصهاينة بالذكرى الخمسين لإقامتهما علاقات ديبلوماسية متبادلة. لإحياء المناسبة جاءت وزيرة الحرب الألمانية اورسولا فون دير لاين بنفسها الى فلسطين المحتلة، يرافقها اعلان عن صفقة تسليحية تليق بالمناسبة قوامها اربع فرقاطات بحرية تزوِّد بها برلين جيش الاحتلال، قيل أنها لتمكينه من القيام بمهمة محددة وهى حماية منصات نهب الغاز الفلسطيني واللبناني والمصري الذي يسرقه الصهاينة بواسطة الشركات الغربية من المياه الإقليمية العربية شرقي المتوسط. مع الصفقة، التي يطلق عليها الصهاينة “صفقة المياه الاقتصادية”، هبة مالية المانية مقدارها 115 مليون يورو لتغطية جزء من نفقاتها البالغة 430 مليوناً، وذلك جرياً على معتاد الكرم الألماني حيال تليد الابتزاز الصهيوني. ونذكر هنا على سبيل المثال فحسب، صفقات تزويد الكيان بغواصات “دولفين” الألمانية الست المتطورة والجاهزة لحمل مقذوفات نووية، والتي مُوِّلت أيضاً المانياً بما يتراوح مابين ثلث ونصف التكلفة. هذا، مع عدم اغفال الإشارة إلى سيل التعويضات المنثالة على الكيان طيلة العقود التي تلت قيامه تكفيراً عن ما اقترفته المانيا النازية بحق يهودها. ويأخذ السخاء الألماني مداه في هذه المرة بتعهُّد برلين بشراء منتجات صهيونية بما يقارب 200 مليوناً، ويؤكد تدفق فيضه قول الوزيرة: إن (“اسرائيل” هى صديقتنا الأكبر في الشرق الأوسط. لدينا معكم 70 مشروعاً، ولا توجد دولة في العالم لنا معها علاقات أمنية كثيرة بهذا القدر). من جانبه زميلها  ومضيفها وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون كشف مالم تكشفه عندما اشاد بدعم اصدقائه الألمان الجاري للكيان ومنه أنهم قد زوَّدوا جيشه في السنوات الأخيرة بأربع بطريات “باتريوت”، إلى جانب ما يدور الآن في الكيان من حديث عن بطريات من طراز “باك” المانية تفيض عن حاجة الجيش الألماني إثر قرار تقليصه.

هذه الصفقة وهذا الكرم الألماني المرافق لها يسوقان ويبرران بدافع من محاولة إعادة الثقة بين الطرفين بعد أن “تضررت” بسبب من تدهور مزعوم لحق بها إثر انهيار المفاوضات بين الصهاينة والأوسلويين الفلسطينيين، فما بالكم بالكرم الأميركي والبريطاني والفرنسي والغربي عموما الذي لم تشوبه شائبة التدهور هذه اثر انهيار تلكم المفاوضات، بل وكثيراً ما ينثال على الكيان بحجة محاولة اعادة نتنياهو لطاولتها المهجورة؟! كما هل هى الصدفة وحدها التي زامنت بين الاحتفال بخمسين عاما من العلاقات الدبلوماسية بين برلين وتل ابيب ومرور الذكرى السابعة والستين للنكبة الفلسطينية المصادفة لمنتصف شهرنا الجاري، أو منتصف ليلة 14-15 مايو 1948 حين قرر المستعمر البريطاني إنهاء انتدابه على فلسطين ومغادرتها بعد أن مكَّن العصابات الإرهابية الصهيونية منها وسلَّمها لها، وإعلان الصهاينة مباشرةً قيام كيانهم الغاصب على انقاض الوطن الفلسطيني، والذي سبقته مشاورات اجراها بن غوريون مع ترومان، ولحقه اعتراف الولايات المتحدة بعد اربع دقائق فقط من اعلان قيامه. ليعقبه في اقل من اسبوعين توحيد عصابات “البالماخ”، و”الأرغون”، و”الشتيرن”، و”الهاغاناة”، والمتطوعين الأوروبيين أو “الماخال”، لتشكيل الجيش الصهيوني، الذي بات له دولة يرعاها ويرعاه الغرب، ويضمنها ويضمن له التفوُّق، ومن حينها وحتى قدوم الوزيرة الألمانية مع صفقتها وتمويلها لتحتفي بمشاركة خمسين عاماً في صناعة وادامة النكبة الفلسطينية؟!

بموازاة احتفاءات الكرم الغربي المنثال على “اسرائيله”، والراهن المقيت للواقع العربي، احيا الفلسطينيون، وطناً وشتاتاً، ذكرى نكبتهم المستمرة بالتأكيد على ابدية تمسِّكهم الراسخ والذي لا يلين بحق العودة الذي هو جوهر قضيتهم. أما السلطة الأوسلوية فلاقت المناسبة على طريقتها، أي وفقما تقتضيه منها طقوس التنسيق الأمني “المقدَّس” مع المحتلين، وأيضاً على طريقتهم، أي مطاردات وملاحقات ومداهمات للبيوت بعد منتصف الليل لاعتقال مناضلين واسرى محررين وصحافيين…يؤكد لنا اللواء عدنان الضميري، المفوَّض السياسي العام والناطق الرسمي باسم عموم المؤسسة الأمنية الأوسلوية، إنهم جميعاً اعتقلوا لأسباب جنائية ثابتة واعترفوا بها…وماهي؟!

“حيازة اسلحة، وادخال أموال بطريقة غير مشروعة، وتشكيل عصابات اشرار”…وهى تهم أوسلوية بامتياز، بمعنى أنها وفق المنطق والأعراف والمآثر الأوسلوستانية يمكن تفسيرها فحسب كالتالي: حيازة الأسلحة تعني مقاومة المحتل، والأموال غير المشروعة مصاريف ما يعرف ب”الكانتينة” التي تخص الأسرى في سجون الإحتلال، والتي كانت تودع سابقاً في حساب الأسير مباشرةً من قبل أي شخص في البريد، لكن الإحتلال وتضييقاً على الأسرى قرر منعها واستبدالها بالسماح بمبلغ “محدود القيمة ومن قبل أحد اقرباء” الأسير فحسب، أما عصابات الأشرار فهى تعني أوسلوياً تنظيمات المقاومة!!!

…في الذكرى السابعة والستين للنكبة العربية في فلسطين، تضافر الكرم الغربي الجهنمي مع مختلف سوءات الراهن العربي، تردفهما كارثية العار الأوسلوستاني المتعايش مع جوائح التهويد الزاحف في الضفة الأسيرة وبشاعة الحصار العربي الصهيوني على غزة ، وكأنما لم يعد ينقصها إلا من هم على مثال اللواء الضميري، هذا الذي يسيىء أول ما يسىء إلى عائلته، التي قدمت ثلاثة شهداء واسير، ربما أكثر منه الى عوائل من يعتقلهم، ناهيك عن شعبه وقضيته…بالمناسبة، نقلت صحيفة “هآرتس” الصهيونية أن المحتلين، الذين لايبدو أنهم يُقدِّرون جهوده في ملاحقة المقاومين “الأشرار” حق قدرها، قد سحبوا منه بطاقة ال”vip”، أو “الشخصية المهمة جداً”، التي يمنحونه بواسطتها حرية التنقُّل في الضفة ودخول المحتل في العام 1948 بإذن مسبق، فقط  لأنه وصف نتنياهو بأنه أخطر من ابوبكر البغدادي!

اترك تعليقاً