من هنا وهناك

الهجمة على غزة ليس مجرد عدوان.. – علي حتر

الأغبياء والمغرضون والجهلة والإقليميون.. وحدهم.. وما أكثرهم بيننا، هم الذين يرون ما حدث ويحدث في غزة.. مُجرّد عدوان عابر، مثل ما سبقه من الهجمات الوحشية للعدو اليهودي على القطاع، أو على لبنان..

العدوان على غزة اليوم، عنوان للصراع في كل الاتجاهات.. وفي كل العناوين..

قد يُعبّر العدوان عن همجية العدو..

لكن ذلك ابسط وأقل العناوين أهمية.. فنحن جميعا لا نجهل ذلك.. بعد أكثر من مائة عام من الصراع..

ومهما كنت أعتقد بحق الآخرين في أن نسمع آراءهم المخالفة في هذه المسألة، فإنني أؤكد ان من منا يختلف في فهم هذا العدوان، هذه المرة، هو العدو أو المؤيد له أو الجاهل..

العدو همجي.. يا سلام..!

العدو يخالف القانون الدولي.. الآن عرفنا فقط..!

العدو يقصف بالطائرات.. حتى الأفراد.. هل هذا جديد في سلوكه….

الأنظمة العربية متحالفة معه..  هل هذا اكتشاف جديد..؟

رجال السلطة الذين يقودون المفاوضات في القاهرة.. أصدقاء يفاوضون العدو منذ سنين..

العدو يعتقل النشطاء.. بالتنسيق مع محمود عباس وقوات دايتون التي تحميه وتحمي العدو..!! منذ متى… إسألوا عريقات.. وسرير تسيفي ليفني..

أمريكا تدعم العدو.. وتعاتبه فقط.. وتموله كل سنة بالمليارات.. من يقول ذلك؟

ألمانيا تدفع  المليارات لتعويض العدو عن خسائر مزعومة في الأربعينات.. مسكين الشعب الألماني..

قطر متحالفة مع العدو ومُطبِّعة وصديقة له..! عيب أن تقولوا ذلك.. فالقيادات الفلسطينية هناك.. في فنادقها!!

أيها القوم.. اسمعوا وعوا..

ألم يأت هذا العدو إلى بلادنا.. ليأخذ أرضنا..  تحت مسمى أرض الميعاد، ويقيم فيها دولة دائمة؟؟

وأن يبيد أو يحكم شعبنا بسلطة شعب الله المختار؟؟

أليس شرطا من شروط إكمال مشروع دولته.. أن يرهقنا حتى يستعبدنا؟؟

أو يقضي علينا بيده او يد الناتو أو يد داعش.. أيُّهمْ يسبق إلى ذلك؟

أليس شرطا من شروط نجاحه.. أن يبقى على رؤوس أمتنا.. حكام مستعدون لإبادتنا لصالحه؟؟

أليس شرطا من شروط بقائه وديمومته.. أن تكون هناك مفاوضات معه.. وأن يقودها أمثال عزام الأحمد.. بتوجيهات من عباس، أحد أهم أعداء المقاومة، بتصريحات علنية؟؟

ألا يسكل وجود دولة لعدونا، حلا لمشاكله التي كان يعاني منها في أوروبا في أحياء الجيتو الدفاعية، حيث كان يتجمع خوفا من الأوروبيين.. الذين كانوا يحتقرونه.. وأصبح الآن يعيش بيننا سيدا مسلحا قويا يخيف الآخرين.. إلّا المقاومة ومن يدعمها؟

أليس من شروط بقائه ان يقوم بحماية النفط ومصالح الغرب الاستعماري.. عسكريا وأمنيا.. حتى تهطل عليه أموال الغرب التي يسرقها من آبار نفط المنطقة.. بموافقة حكامها.. وحتى ينفذ تعهداته للدول الاستعمارية التي تعهد بها لدول وثيقة بانرمان كامبل عام 1907؟؟

أليس من شروط بقائه وصول رجال يخدمونه إلى مواقع التأثير في المنظمات العالمية.. مثل بان كيمون ومن سبقه؟

وفي الدول القريبة مثل أردوغان..

أليس من شروط بقائه عزل كل منطقة من مناطقنا والاستفراد بها (كما استفرد بغزة).. وخلق مجموعات وتنظيمات وقيادات شعبية وأنظمة إقليمية سايكسبيكوية.. ليتمكن من قتل الثور الأبيض ثم الأحمر ثم الأسود..؟

غزة تبرهن ان شروط بقائه ناقصة.. فهي في قلبه تمنعه من أن يقيم دولته اليهودية..

غزة تمنعه من ذلك.. لا توسُّلات الملوك والرؤساء العرب..!

غزة برهان أن الأرض فيها شعب لا يرحل.. رغم الألم والمعاناة.. ومهما جاع وازدحمت غرف معيشته.. وهذا وحده يشكل قلقا عمليا ونظريا يهز أسس مشروعه.. وان هناك شعبا في الشتات والمخيمات يمكن فعلا أن يتمرد على شتاته.. ويعود.. لا بالتعويضات بل بالصواريخ..

وهو برهان أن الإبادة الجماعية لشعب المنطقة.. التي أوصى بها هرتزل أتباعه ليقيموا بها دولة اليهود.. وان الأسس التي اعتمدوا  عليها عندما جاؤوا.. لم تنجح في غزة.. رغم أنف نتنياهو وعباس وكل حكام الجامعة العربية والعالم….

غزة فيها ثورة.. برهنت أنها لا تُقاد بالخلويات والريموت من الخارج، بل بالخطوات الجبارة التي تهز ألأرض.. بقيادات تختفي في الأنفاق وبين الأنقاض.. لا تعرف الهزيمة.. ولا الاستسلام.. موجودة على الأرض ذاتها.. من حماس والجهاد والشعبية وبقية الفصائل.. وهي التي تعلمت من أوسلو الكثير الكثير..

ترفض الهدنة التي لا تناسبها.. والتي يستجديها أقوى جيوش العالم..

بقيادات ترعب قلوب جنود العدو أكثر من كل جيوش الجامعة العربية مجتمعة..

أما الخارج فهو غير مضمون وقابل للتلوث..

غزة محاصرة من كل جهاتها..

ومن الجنوب بدولة لم تتمكن من المحافظة عليها عام 1967.. لكن قيادتها أيضا لا ترغب بعودة الهمّ الغزاوي إليها اليوم.. لأن من يحكم هذه الدولة منذ عقود.. ليس جمال عبد الناصر.. ولا عمال حلوان ولا فقراء الصعيد..

غزة.. ورغم الحصار.. جاءت لها دلافين البحر بالسلاح.. فواجهت هجمات الجو.. بهجمات الأنفاق..

أهل غزة يعرفون ويفهمون التناقض مع العدو اليهودي.. بطريق لم يفهمها أحد غيرهم.. غلا المقاومة اللبنانية..

غزة عرفت مفهوم الصراع.. القتال أو العبودية.. لا يوجد خيارات أخرى..

العدو اليهودي ينطلق من عقيدته التي تأمره بإبادتنا.. رجلا وامرأة وكهلا وطفلا وبقرة وغنمة وشجرة..

علموه أن هذا ما يأمره الله به..! وإذا خالف ذلك فهو يُغضب الله..!! ومن ذا الذي يريد أن يغضب الله.. إذا كان يؤمن به..؟

غزة.. حركت مشاعر أهل المنطقة..

وإن لم تحرك مشاعر كل حكامها.. إلا غضبا على نتنياهو الذي لم يكمل ما تعهد به من التزامات بالقضاء على غزة وإخراجها من لعبة التاريخ..

غزة.. حركت مشاعر أهل المنطقة.. وهذا يترك العدو اليهودي أمام واقع برهنته غزة.. بعد أن بدات ببرهانه مقاومة لبنان.. برهان أنه لن يدوم هنا..  لأن أهل غزة.. وإن قاتلوا منفردين.. فإن شجاعة أهل المنطقة إذا تحركوا.. لن تقل عن شجاعتهم.. وهذا مخيف ومرعب للذين جاؤوا إلى أرض العسل واللبن.. للهرب من جيتووات أوروبا..

مجرد 360 كيلومتر مربع.. تخيف أحد أقوى جيوش العالم.. وتمنعه من التقدم خطوة واحدة.. وتجبره على اللجوء للطائرات والقصف من بعيد..

فكيف إذا تحرك أهل المنطقة الآخرون.. حين يصحون من سباتهم.. ويلقون بعيدا بقماقم الطاعة لحكامهم.. كما صحا قبل ذلك، أهلنا في جنوب لبنان.. وفي سورية التي دعمت كل من يقاوم..؟؟

غزة صغيرة المساحة.. وصغيرة بعدد سكانها.. لكنها كبيرة بفعلها.. غير قابلة للفناء..

وأي منطقة من المنطقة الممزقة المفتتة.. أكبر منها (عدا دول الخليج غير الفاعلة إلا بالاتجاه المعاكس)..

فكيف يكون الأمر إذا أفاقت هذه المناطق.. ووصلت إلى مسامعها صرخات وامعتصماه.. وواأهلاهْ..

وباختصار.. بانتظار المزيد من هذا العدو.. نقول لغزة.. أنت برهنْتِ بمقاومتك ما حاولوا أن يقنعونا بطلانه..

أنت برهنت أن المفاوضات لا تأتي بالحلول.. وأن الإنسان في منطقتنا لا يحيا بالخبز وحده.. بل بالبندقية والصاروخ قبل الخبز..

وبرهنت للعدو ان أسباب ديمومته تقوّضت..

وأقول لكم جميعا.. إن علينا أن ننتظر الكثير من هذا العدو.. ما دام في أرضنا.. لكن علينا ألا نقبل العبودية له.. كما فعلت غزة..

الهجمة على غزة ليس مجرد عدوان.. – علي حتر

اترك تعليقاً