الأخبارالأرشيف

الوهم التاريخي في الذهنية الصهيونية ومعركة «هرمجدون» المتخيلة – مي أحمد شهابي

مما لا شك فيه أن لكل سبب مسبب، ولكل فعل فاعل يقوم فيه بقصد الحصول على نتيجة ما. وكما استنتج أرسطو وأرخميدس وأفلاطون. فإن ثمة هدف يقع خلف أي فعل، وحتى حين يكون ذلك الفعل لا يزال في خدر النوايا.

وبما أن عزم عطالة الأحداث يخفت بفعل الزمن، إلا أن الأحداث ــ سواء كانت سياسية أو تاريخية أو ميثولوجية ــ تبقى تدور في فلك الأيديولوجية التاريخية، وهي تقترب وتبتعد وفق متطلبات مصالح الشعوب.

وبالتالي، فإن كانت تلك المصالح تقتضي افتعال أحداث بقصد تحقيق أهداف أو امتيازات، أو حتى أساطير، فإن عزم عطالة تلك الأهداف سيبدأ بالتسارع شيئاً فشيئاً، وحتى يصل لمستوى الكارثة والشرق الأوسط، وشمال إفريقيا نموذجا.

حمى التوراة والعقول اليهودية:

إن كل ما جرى من أحداث عبر التاريخ المكتوب، وبدءاً من تاريخ الحضارات القديمة الما قبل التاريخ، وما تلاها، كان وفق تعاليم دينية مشبوهة لطائفة يهودية متطرفة تدعى «القبالا» والتي تنبأت بما سيحدث في الزمن المناسب، وسيادة اليهود على كل شيء، وهو ما يجب السعي من أجله وتهيئة كافة الظروف المواتية لذلك ووفق برنامج زمني مدروس.

وفي ذات السياق، يتسابق الساسة الاستعماريون إلى تثبيت فكرة المعركة بتفسيرها اليهودي لدى الشعوب للحصول على مكاسب سياسية، وتنفيذاً لمآرب الصهيونية العالمية وإرضاءً لدولة (إسرائيل) العنصرية المزعومة.

وفي هذا الصدد، تقول الكاتبة الأمريكية «جريس هالسل» في كتابها النبوءة والسياسة:

(إن النبوءات التوراتية تحولت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مصدر يستمد منه عشرات الملايين من الناس نسق معتقداتهم ومن بينهم أناس يرشحون أنفسهم لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وكلهم يعتقدون قرب نهاية العالم ووقوع معركة هرمجدون، ولهذا فهم يشجعون التسلح النووي ويستعجلون وقوع هذه المعركة باعتبار أن ذلك سيقرب مجيء المسيح).

وفي هذا المعنى تحدث الرئيس الأمريكي «رونالد ريغان» عام 1980م مع المذيع الإنجيلي «جيم بيكر» في مقابلة متلفزة أجريت معه قال: (إننا قد نكون الجيل الذي سيشهد معركة هرمجدون).

وفي تصريح آخر له: (إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيرى هرمجدون).

وبالتالي، فلا عجب في أن نرى ما يجري في العالم عموماً، وفي الدول التي اجتاحها ما يسمى بالربيع العربي كتمهيد للمعركة المتخيلة فوق سهول «تل مجدو» شمال فلسطين المحتلة، أو «هرمجدون».

ومما سبق، وبعد هذه الإضاءة على الهدف الحقيقي لما يجري في العالم العربي، يمكننا أن ندرك حجم الخطر المحدق في الوجود العربي ككل، وكما يلي:

الساحة المصرية:

بعد الثورة التي حدثت كنتيجة لوصول رياح الربيع العربي إليها، أصبحت مصر مكبلة بالعديد من القيود السياسية والاقتصادية والحزبية والدينية، وأصبح التحاصص سيد الموقف، مما جعل التيار الديني يحصل على أغلبية الأصوات حينذاك، ومن ثم تعيين الرئيس الراحل محمد مرسي، ومن ثم وضوح التيار الذي ينحرف نحو الغرب والمصالح الغربية للرئيس عبد الفتاح السيسي، وليس آخرها شق قناة موازية لقناة السويس وتقديم جزيرتي «تيران وصنافير» للمملكة السعودية وعلى طبق من ذهب، في حين تتجه جهوده الآن حول إيجاد طريقة لتسويق صفقة القرن بحق الشعب الفلسطيني. وكذلك المواقف الضبابية حول ما جرى في السودان، واليمن، وما يجري في سورية، والعراق.

وحتى الساعة، لا تزال التيارات المعارضة تنادي إلى الاعتصام في «ميدان التحرير» للمشاركة في تظاهرات أغلبها مناهضة للسيسي. كما وتزال بعض تلك التيارات تدعو للاحتجاج بالميادين، والمناداة لإسقاط السيسي في غير مدينة مصرية، في حين أن تيارات أخرى تؤكد ثقتها في الرئيس وتحذر من الفوضى.

ووفق وكالة الأنباء المصرية الرسمية، فقد نظم العديد من أبناء الجالية بالولايات المتحدة عقب وصول السيسي وقفة تأييد له وترحيب، مقابل وقفة مناهضة، نقلتها قنوات معارضة وناشطون بمنصات التواصل.

وفي الوقت الذي لم تصدر الصحف المملوكة للدولة، ولاسيما «الأهرام» وكذلك الخاصة، أي تعليق على الاحتجاجات، وحيث دعا سياسيون ومعارضون بالخارج إلى استمرار الاحتجاج داخل البلاد.

ومن الداخل، دعا الحزب المصري الديمقراطي (يساري) في بيان له، السلطات للسماح بحق التظاهر السلمي، والإفراج عن جميع الموقوفين الجمعة.

وفي السياق نفسه، دعت منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية الدولية النظام المصري، إلى احترام حق التظاهر السلمي، مؤكدة في بيان أن «العالم يراقب». مما لا شك فيه أن إرادة الشعب المصري ستكون الغالبة لا محالة.

الساحة اليمنية:

لايزال الشعب اليمني يناضل ضد التدخل الأجنبي والعربي على أرضه. لم يكن ما حصل في عدن يوم العاشر من أغسطس (آب) 2019 بالحدث الهامشي، ولكنه أحدث الهزة الأكبر في قواعد اللعب سياسياً وعسكرياً في اليمن، منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة اليمنية صنعاء أواخر عام 2014.

يجب التذكير هنا أن معظم القوات التي أعلنت تمردها على الحكومة اليمنية، والتي سيطرت على القصر الرئاسي في عدن قبل أيام، كانت تقاتل تحت شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي ضد مليشيات جماعة الحوثي التي غزت عدن بعد لجوء هادي إليها من صنعاء في 2015. غير أنه ومع طول فترة الحرب، ومراوحة المعارك على خطوط التماس بين قوات الحكومة وقوات الانقلابيين الحوثيين لفترة طويلة، تمكنت التيارات التي تحمل مشاريع انفصالية غير مشروع اليمن الاتحادي، تمكنت هذه التيارات من استغلال الفراغ السياسي والعسكري والأمني في محافظة عدن التي أعلنها هادي عاصمة مؤقتة له. ومع الوقت أصبح لهذه التيارات اليد الطولى في عدن، وأصبحت الحكومة اليمنية تعيش تحت رحمتها، نظراً للفارق الكبير في التسليح بين القوات التي تتبع تلك التيارات ـــ التي توحدت تحت مسمى المجلس الانتقالي الجنوبي يرأسه محافظ عدن الأسبق عيدروس الزبيدي ـــ وقوات الحكومة اليمنية التي ضمتها تشكيلات الحرس الرئاسي الموالي للرئيس هادي.

كما ولقيت قوات «الانتقالي» دعماً غير محدود من التحالف العربي، وعلى وجه الخصوص من الإمارات العربية المتحدة التي تتهمها أطراف في الحكومة اليمنية بالعمل على منع عودة الشرعية إلى عدن، ودعم التوجهات الانفصالية في اليمن، مستدلين بتغريدات أطلقها مغردون إماراتيون مقربون حول ضرورة إعطاء الجنوبيين دولة مستقلة، فيما تنفي الإمارات ذلك بشكل رسمي، وتتهم الشرعية بالاستلاب لحزب الإصلاح الذي تقول إنه ذراع الإخوان المسلمين في اليمن.

وفيما لا يخفي الانتقالي طموحاته الانفصالية، ولا عداءه السافر لحزب الإصلاح، يبدو أن الإمارات لا تذهب بعيداً في دعم مشروع تقسيم اليمن، بقدر ما تريد من دعم تيارات الانفصال محاولة الضغط على الحكومة اليمنية وعلى الرئيس هادي لتقديم بعض التنازلات، وإقصاء المحسوبين على الإصلاح من مراكز القرار في الشرعية، كما أنها وجدت في تيارات الانفصال حليفاً قوياً يمكن الاستفادة منه على الأرض. وهو بطبيعة الحال ما يخدم مصالح (إسرائيل) في المنطقة المطلة على باب المندب.

الساحة العراقية:

بعد انتهاء عهد الرئيس صدام حسين على يد الاحتلال الأمريكي الذي غزا العراق بدعم سعودي وخليجي. أصبح العراق في مهب الريح بعد أن أخلاه حاكم العراق «بول بريمر» من فعالية قوانينه وتشريعاته، وتعزيز النعرات الطائفية والتيارات السياسية الموالية ل(إسرائيل) والولايات المتحدة الأمريكية.

وعلاوة على ذلك، فقد اتضح في أحداث الشغب الأخيرة، بأن الحكومة هي من دفعت بالأوضاع إلى هذا المستوى من التدهور، ولم يعد خافيا على أحد الجهات التي تقف وراء ذلك.

كما ويعرف كل العراقيين أن البلد يمتلك ثروة نفطية هائلة، تدر عليه شهرياً 6.5 مليار دولار، لكنهم يعانون من بطالة واسعة النطاق، وشح الكهرباء، وتفشي الفساد وأنظمة صحية وتعليمية ضعيفة المستوى. وهم يعرفون أن مسؤولين حكوميين حققوا ثروات هائلة عن طريق الاستيلاء على أموال مشاريع لم تكتمل أبداً، وأحياناً لم يباشر العمل فيها أبداً. ولسنوات كثيرة، استُورِدت حتى أجهزة استكشاف القنابل التي كانت غير فعالة على الإطلاق في الكشف عن المتفجرات مقابل عشرات آلاف الدولارات للجهاز الواحد، على الرغم من أن كلفتها لا تزيد عن دولارات قليلة.
كما أنه من الجليّ أن الحكومة أخفقت في تقديم أي تنازلات منذ ارتكابها أول خطأ لها. في حين كان على رئيس الوزراء أن يبادر إلى شيء ما مثل الإعلان عن أنه سيقبض على مئات الفاسدين في الأجهزة الحكومية.

ولكن إلى ما ستؤول الأمور؟ الحكومة لا تستطيع إبقاء بغداد مغلقة تماماً لمدة طويلة، فهي مدينة عدد سكانها يصل إلى سبعة ملايين، والناس بدأت تسير في الشوارع حول فندقي في طريق يؤدي بالكثير منهم إلى ساحة التحرير، في وقت أن إغلاق الانترنت عرقل التواصل بين المحتجين، وجعل من الصعب عليهم تنظيم تظاهرات وسط المدينة.

ولكن هذا الإجراء نقل بعض الاحتجاجات إلى كل مناطق بغداد، بما فيها المعقل الشيعي الأبرز، مدينة الصدر، المشهورة بعدد سكانها الذي يصل إلى ثلاثة ملايين نسمة. وأشارت التقارير أمس إلى أن حشوداً هناك قاموا بحرق مكاتب البلدية ومقرات الأحزاب السياسية المتعاونة مع السلطة. كذلك فإن الانتفاضة انتشرت إلى مدن جنوب العراق كلها، على الرغم من أنها لم تصل بعد إلى المحافظات الأخرى وهو ما يخدم في العموم مصالح الكيان الصهيوني وأمريكا في المنطقة.

الساحة السورية:

لم يعد خافياً على أحد بأن الحرب على الإرهاب في سورية قد تعدت عامها التاسع، وهي ذات الحرب التي خطط لها ونفذها قادة الإرهاب السياسي في العالم وداعميهم من العرب.

كما أن لهيب هذه الحرب المصطنعة قد أثر تأثيراً شديداً على البنى السياسية والاقتصادية والديموغرافية في سورية، ودول الجوار.

ومع أن التناحر الدولي بين الأمريكان وحلفائهم من جهة، والذي يسعون إلى تفكيك الدولة السورية وتقسيمها طائفياً، وبين الروس وحلفائهم من أجل ترسيخ سيادة الدولة السورية، يبقى الملف السوري بين المدّ والجزر إلى الوقت الذي خرج فيه القادة السوريون ليؤكدوا عزمهم على تحرير كل شبر من التراب السوري، سواء بالحوار السياسي، أو بالقوة وهو ما عبر عنه صراحة وزير الدبلوماسية السورية وليد المعلم، والذي جاء بمثابة تحذير جدي أخير لكل القوى الأجنبية المعادية للجيش السوري. وبذلك فوت الفرصة على اعداء الدولة السورية، وهم ينظرون إلى أحلامهم ومخططاتهم، وهي تنهار تحت اقدام الجيش السوري العقائدي والمصمم على تحرير التراب السوري من رجس العدوان والإرهاب.

وبالنتيجة. فإن الوهم الصهيوني في تحقيق الدولة اليهودية من الفرات إلى النيل لا شك في أنه مستحيل التحقيق، ناهيك عن الصمود التاريخي للجيش العربي السوري وقوى المقاومة. والذين سيحطمون العنجهية الصهيونية وأحلامها في نصر معركة هرمجدون المتخيلة.

مي أحمد شهابي

 

الوهم التاريخي في الذهنية الصهيونية ومعركة «هرمجدون» المتخيلة