الأخبارالأرشيف

اليمين المتطرف في أوروبا – على هامش الإنتخابات في السّويد – الطاهر المعز

 
تقديم:
 
يُعتبر الإتحاد الأوروبي نموذجًا سيئًا جدا لوحدة الشعوب التي يُنادي بها ويَطْمح لتحقيقها التقدميون والقوميون العرب، فقد بُنِيَ الإتحاد الأوروبي، بشكله الحالي، ضد إرادة الشعوب (استفتاء فرنسا وهولندا سنة 2005)، ولمصلحة الشركات متعددة الجنسية والمصارف، وهي وحدة أنظمة، لا مكان فيها للشعوب، ولا حتى للهيئات المُنْتَخَبَة، إذ يتخذ مجلس الوزراء أو “المُفَوّضيّة” (وهي ممثلة للحكومات) جل القرارات، ولا يتمتع البرلمان الأوروبي سوى بمكانة هامشية، ولا سلطة له على المُفَوّضِيّة… 

عارض قادة اليمين المتطرف تأسيس الإتحاد الأوروبي، ولكن من منطلق شوفيني، مناهض لأي شكل من أشكال التمازج، بذريعة الحفاظً على الهوية القومية، ولكن شوفينية قادة اليمين المتطرف لم تمنعهم من تأسيس مجموعة متجانسة في البرلمان الأوروبي، ومن تنظيم لقاءات تنسيق دورية، لرسم استراتيجية موحدة منذ 2008…    

اجتمع قادة أحزاب اليمين المتطرف الأوروبي في مدينة “براغ” (جمهورية التشيك) منتصف كانون الأول/ديسمبر 2017 ثم في مدينة “نيس” الفرنسية، يوم الأول من أيار/مايو 2018 (اليوم العالمي للعمال) بدعوة من زعيمة حزب اليمين المتطرف في فرنسا تحت شعار “الدّفاع عن اتحاد الأمم الأوروبية”، ووَصَفت هذا التجمع ب”حركة أوروبا الأمم والحريات” (كنقيض لأوروبا الشعوب).

يهدف هذا الإجتماع (والإجتماعات التي سَبِقَتْهُ) جمع الأحزاب اليمينية القومية القادرة على الفوز بنواب في الإنتخابات الأوروبية (2019)، خصوصًا بعد ارتفاع عدد الأصوات وعدد النواب في الإنتخابات الوطنية بكل من النمسا وإيطاليا وألمانيا وفرنسا وهولندا والمجر وبريطانيا ومعظم الدول الأوروبية.

نُشير بشأن الهجرة في بلدان الإتحاد الأوروبي، إن نسبة “غير الأوروبيين” لا تتجاوز 4% من إجمالي عدد سكان الإتحاد، وبالتالي لا يمكن لأربعة بالمائة تهديد هوية 96% من السّكان.
 
خلفية تاريخية:

 
تُعْتَبَرُ أوروبا مهد الإيديولوجيات العُنْصُرِية والإستعمارية بشكلها المُعاصِر الذي رافق الرأسمالية منذ بدايات صعودها في القرن السادس عشر، واستخدم الإستعمار الإسباني والبرتغالي والهولندي الديانة المسيحية لارتكاب مجازر وإبادة الشعوب الأصلية التي اعتبرها المُسْتعمرون الأوروبيون “كائنات دون مرتبة البَشَر”، ولذلك يجوز قتلها، دون خشية من الله، الذي يقتُلُون البشر باسمه، ثم تطور الإستعمار بعد الثورة الصناعية وإنشاء الإحتكارات والمؤسسات المالية الضخمة، ليصل مرحلة الإمبريالية، خاصة في القرن التاسع عشر، بقيادة بريطانيا وفرنسا، وبين المرحلتين، كان استيطان الأوروبيين البروتستنت البيض في أمريكا الشمالية والقضاء على السكان الأصليين، ومرحلة جلب الملايين من سكان إفريقيا لاستعبادهم في مزارع أمريكا، بعد وفاة عدد هام منهم أثناء الرحلة المُضْنِيَة…

أما في القرن العشرين، فقد مَثَّلَ صعود الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا – في جزء منه – ردّة فعل على الهزائم العسكرية وفي جزء آخر، محاولة ثأر للرأسمالية المحلية (القومية) ضد رأسمالية الجيران التي استحوذت على حصتها من أسواق أوروبا والعالم، رغم اعتماد “الخطاب الشّعْبَوِي” لاستمالة جمهور الفُقراء والعاطلين والفلاحين، بهدف استخدامهم في الزحف على “روما” في إيطاليا، أو في عمليات النّهب والتخريب والقتل في ألمانيا…

هذه بعجالة، وباختزال شديد مرجعية “التّفَوّق العرقي” (أو “الصّفاء العِرْقِي”) الذي يدعو له اليمين المتطرف الحالي في أوروبا، وهي مرجعية استخدمها قادة بريطانيا وفرنسا منذ القرن التاسع عشر بادّعاء “واجب الأمم المتحضِّرَة” فَرْضَ ثقافتها ورؤيتها للعالم على جميع الشعوب “غير المتحضرة” (أي المتخَلِّفَة والمتهمّجة)، واستخدام الخديعة والدّين والقوة العسكرية لإخضاع هذه الشّعوب…  
 
المرحلة الإنتقالية، بين الحرب العالمية الثانية وانهيار الإتحاد السوفييتي:

كانت مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية تقتضي إعادة الإعمار وتَوَلِّي الدّولة عملية الإشراف على الإستثمارات الكُبْرى وعلى مجمل المرافق والصحة والتعليم، لكن أوروبا كانت تحت الهيمنة الأمريكية عبر الإستثمارات المالية الضخمة (مشروع مارشال لإعادة إعمار أوروبا) وعبر القواعد العسكرية في معظم دول أوروبا الغربية، وعبر مؤسسات “بريتن وودز” (1944)، وكان مجرد وجود الإتحاد السوفييتي، على أبواب أوروبا الغربية، بعد الإنتصارات التي حققها على الإحتلال النّازي، رادعًا وشكل عامل “اعتدال” لرأس المال الذي لا يمكن له في تلك الظروف، كسر شوكة النقابات والأحزاب الشيوعية، وخصخصة القطاع العام والمرافق… قد يستهين العديد منّا بالدّور الذي لعبه وجود الإتحاد السوفييتي، بقطع النّظر عن تقْيِيمِنا “لاشتراكيته” أو “شيوعيته”، فقد كان مجرد تمتع مواطني أوروبا الشرقية بمجانية التعليم والرعاية الصحية والمرافق، أمْرًا مُعرْقِلاً لتطبيق الليبرالية الفَجّة، وخصخصة المرافق، وكانت المرحلة (ما بعد الحرب العالمية الثانية) تقتضي استثمار الدولة في البنية التحتية وإعادة الإعمار، وتحفيز العُمّال عبر بعض المِنَح والقُروض المُيَسّرة لتَحْيِيد الحركة العُمّالية وإبعادها عن فِكرَة الإشتراكية أو “مَشْرَكَة” وسائل الإنتاج…

قبل نحو خمسة أشهر من انهيار جدار برلين (تشرين الثاني/نوفمبر 1989) الذي كان مُؤَشِّرًا لانهيار الإتحاد السوفييتي، لأسباب داخلية، ولاعتماد الإقتصاد على الريع النفطي، ودخوله في سباق التّسلح وحرب أفغانستان وغير ذلك من العوامل، التأم بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية في واشنطن في منتصف حزيران 1989 لقاء جَمَع مسؤولي أكبر عشر شركات عالمية (وكانت سبعة منها أمريكية) وأكبر المصارف ووزراء المالية للدول الرأسمالية الكُبْرى، بإشراف وزير الخزانة الأمريكي والإحتياطي الفيدرالي (الأمريكي) وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي، وأقرّوا ما هم بصدد فَرْضِهِ حاليا على جميع الدول، دون مراعاة خصوصية كل منها، من خصخصة القطاع العام وفتح الحدود بالقوة أمام رؤوس الأموال والسلع، خصوصًا من “الشمال” إلى “الجنوب”، واستثناء تنقّل البشر من “الجنوب” إلى “الشمال”، وإقرار تأشيرة دخول سكان المُستعمرات السابقة إلى أوروبا (بداية من 1989)، وسُمِّي ذلك اللقاء “وِفاق واشنطن”، الذي وضع الخطوط العامة للهيمنة الإمبريالية، مع بعض التّعديلات التي يُقِرّها ملتقى “دافوس” أو الإجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي والبنك العالمي في واشنطن…

كانت هذه القرارات وغيرها بمثابة الكارثة على ما اصطُلِح على تسميته “العالم الثالث”، حيث رافقتها الحروب والدّيون وفَرْض الخصخصة وارتفاع وتيرة إلغاء دعم المواد الأساسية الضرورية (التي بدأت أواخر سبعينيات القرن العشرين، لكن بوتيرة منخفضة)، وتسببت هذه الحروب والمجاعات في نزوح ملايين صغار الفلاحين والفُقراء، سواء داخل نفس البلد (من الأرياف إلى المُدُن)، أو إلى البلدان المجاورة، ولم تستقبل قارة أوروبا في تاريخها سوى قُرابة 10% من لاجئي العالم، على أقصى تقدير، بما في ذلك أثناء الحرب العالمية الثانية، التي دارت رحاها في أوروبا، قبل انتشارها إلى مناطق أخرى لا ناقة لها ولا جمل في الحرب بين الإمبرياليات (شمال إفريقيا والوطن العربي)

 
عودة الرّوح للفاشية في أوروبا:  

 
شَكّل المُهاجرون واللاجئون هَدَفًا سَهْلاً للحركات الفاشية الأوروبية، فحَمّلوهم مسؤولية مشاكل المجتمع، ليتجنّبوا نقد نمط المجتمع الرأسمالي المتسبب في الإستغلال والإضطهاد وتعميق الفجوة الطبقية، عبر تركيز الثّروة بين أيدي قِلّة من الأثرياء، ولكن الأحزاب الفاشية مُعادية للفُقراء، وتُحَمِّلُهم مسؤولية فَقْرِهم، ويكفي إلقاء نظرة سريعة على برامجهم الإنتخابية لتأكيد انتماء هذه الأحزاب لصفوف الرأسمالية الليبرالية، مع تطعيمها بالحد من حرية التعبير والتنظيم الحزبي والنّقابي، ويشتركون مع القوى الليبرالية التقليدية في تَبَنِّي الحُروب العدوانية ضد شعوب العالم، مع رَفْضِ تحمّل نتائجها، ومنها النزوح والهجرة واللجوء، فرارًا من هذه الحُروب…

شكل انتخاب “دونالد ترامب” مرحلة متقدّمة من وصول الفاشية الفجّة إلى أعلى مراكز السّلطة في الولايات المتحدة، مهد العنصرية والقوة العسكرية، ومركز الرأسمالية الليبرالية منذ الحرب العالمية الثانية، وكان عاملاً مُشَجّعًا للأحزاب الفاشية الأوروبية لرفع القيود على خطابها وممارساتها، وإن كانت تمارس العنف بانتظام (في ألمانيا على سبيل المثال) ضد المهاجرين، لأنهم فُقراء وفي أسفل السّلم الإجتماعي، لذلك يمكن مهاجمتهم وقَتْلُهم، دون إثارة ضجّة كبيرة، كما انتشرت دعايات كاذبة عن التحرش الجماعي المزعوم لمجموعات من المهاجرين، ضد حرائر ألمانيا، واعترفت الصحف بزيْف هذه الإدعاءات، لكن صورة المهاجر المُتَهمج والمكبوت والمُغْتَصِب للأوروبيات، بقيت في الأذهان، وفي الذّاكرة الجَمْعِية للمواطنين…

يتمثل تكتيك الرأسمالية، والأحزاب الفاشية إحدى أدوات الرأسمالية، في إطلاق الحرب بين مختلف فئات العاملين (موظفي القطاع العام ضد القطاع الخاص، أو عمال الشركات الكبرى ضد عمال الشركات الصغيرة والمتوسطة) وبين الفُقراء أنفسهم (العمال والفُقراء المحليون ضد العمال المهاجرين، أو من يعملون ضد العاطلين عن العمل)، لكن المجموعات المناهضة للفاشية تكتفي بوصفهم بالعنصرية، ولا تُحَلِّلُ برامجهم الإقتصادية ومُقترحاتهم (إن أعلنوها صراحة) للتركيز على مناهضتهم للطبقة العاملة وللفُقراء، مقابل اصطفافهم وراء مصالح البرجوازية الإحتكارية (لأنهم جُزْءٌ من تعبيرتها السياسية والإيديولوجية).

من جهة أخرى، بقيت القوى المناهضة للإمبريالية ضعيفة جدًّا في أوروبا، ولا تشرح الأحزاب والقوى التقدمية – ضمن اليسار الأوروبي- أسباب ونتائج الحروب العُدوانية التي تشنُّها جيوش أوروبا وأمريكا ضد عدد من البلدان التي يأتي منها المهاجرون واللاجئون، كما لا تهتم هذه الأحزاب والقُوى كثيرًا بهيمنة الشركات العابرة للقارات على اقتصاد بلدان ما يُسمّى “الجنوب”، ونتائج خطط وبرامج الخصخصة التي يَفْرِضُها صندوق النقد الدولي، والدّائنون بشكل عام، ومنهم الإتحاد الأوروبي وشركاته ومصارفه…

لهذه الأسباب مجتمعة، وغيرها، وأهمها ضعف القوى التقدمية، تنتشر أفكار وأُطْرُوحات الأحزاب الرجعية والفاشية في أوروبا (أما في أمريكا فهي في أعلى هَرَم السّلطة)، ومن بين هذه الأطروحات الرجعية والخاطئة تمامًا الإعتقاد إن المهاجرين يُزاحمون العمال المحليين على الوظائف، في حين أظهرت الدراسات الرسمية إيجابيات وجود المهاجرين، واستفادة اقتصاد الدول الأوروبية من وجود المهاجرين، في مجال الضرائب وصناديق التقاعد والتأمين الصحي، فضلاً عن الإستهلاك وتنشيط التجارة وقطاع البناء وغيرها، بالإضافة إلى إفساح المجال للعمال الأوروبيين بالإرتقاء في السلم الوظيفي والطبقي، ليحتل المهاجرون أسفل السّلّم…

 
جبهة تنسيق لليمين المتطرف على الصعيد الأوروبي:

 
بدأت لقاءات اليمين الفاشي في أوروبا منذ 1972، لكن هذه المنظمات كانت ضعيفة ولا تصل نسبة الأصوات التي تحصل عليها إلى 1%، وبعد انتعاشها، تطور مُسْتوى التنسيق وتوسع إلى أحزاب وبلدان جديدة، وتستعرض بعض هذه المحطات:

التأم سنة 2008، خلال الأزمة المالية (صُدْفَةً؟) في مدينة “أنفير” البلجيكية اجتماع لأحزاب اليمين المتطرف من بلجيكا والنمسا وإيطاليا وفرنسا وألمانيا والدنمارك وهولندا وإسبانيا “لمكافحة انتشار الإسلام في أوروبا، عبر المساجد والمتاجر” وفق البيان الذي أصدرته المجموعة…

أدّت الحروب العدوانية التي ساهمت الجيوش الأوروبية في إطلاقها (ضمن حلف شمال الأطلسي أو خارجه) في أفغانستان وليبيا وسوريا والعراق والصومال، وغيرها، إلى ارتفاع عدد الفَارِّين من الحرب ومن الفقر والبطالة (كان يعمل في ليبيا ثلاثة ملايين عامل مهاجر من إفريقيا) نحو أوروبا التي أغلقت حدودها، مما أدى إلى غرق آلاف المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط…

كانت المجتمعات الأوروبية ولا تزال تعيش على وقع الأزمة التي انطلقت سنة 2008، فارتفعت نسبة البطالة والفقر، واستغل أرباب العمل الأزمة لتسريح العُمال وخفض الرواتب، مما خلق وضع احتقان، وَجَّهَتْهُ الأحزاب الحاكمة، وخاصة أحزاب اليمين المتطرف، ضد المهاجرين والأجانب، لِتَحْمِيل هؤلاء العُمال والفُقراء مسؤولية أزمة دول رأسمالية عريقة، بلغت مرحلة الإمبريالية !!!

كانت سنة 2011 (سنة الإنتفاضات العربية وتكثيف الحروب العدوانية) سنة عودة الروح للفاشية الأوروبية، وعادت أطروحات الدفاع عن “الثقافة” و”الحضارة” الأوروبية و”الجنس الأبيض” “والديانة المسيحية” (أو اليهو-مسيحية) لِتُزِيح الأسباب الحقيقية لانتشار الفقر والبطالة، وتُصَوِّب السّهام نحو الضحية الأولى لرأس المال الأوروبي، أي المهاجرون وسكان البلدان المُهَيْمَن عليها، وبرعت وسائل الإعلام والدعاية الإنتخابية في قَلْبِ الحقائق، وجعل الضّحِيّة مَسؤولةً عن استغلالها وفقرها، واستغلال وفَقْرِ غَيْرِهِا.   

 
أهم قوى اليمين المتطرف في أوروبا:

 
وصل اليمين المتطرف إلى أعلى المناصب في هولندا وإيطاليا وأوكرانيا وسويسرا (وزير الخارجية من اليمين المتطرف) وكاد يحصل على الرئاسة في النّمسا (الموطن الأصلي ل”هتلر”) وأصبح يحتل مراتب متقدّمة في جميع الدول الأوروبية، في الشرق (المجر وبولندا) كما في الغرب… من جهة أخرى يصعب الفرز بين خطاب رئيس الحكومة “الإشتراكي” الأسبق في فرنسا (مانويل فالس) وخطاب وممارسات اليمين المتطرف، وكذلك الشأن بالنسبة ل”طوني بلير” (حزب العمال البريطاني) و”خوزي ماريا أزنار” (رئيس الحكومة اليميني الأسبق في إسبانيا)، أو نيكولا ساركزوي (رئيس فرنسا الأسبق)، مما أدّى إلى “انزلاق” خطاب وبرامج الأحزاب اليمينية التقليدية أو “الإشتراكية الديمقراطية” إلى اليمين، فيما انهارت الأحزاب “الشيوعية” التحريفية (التي كانت قوية نسبيًّا في إيطاليا وفرنسا والبرتغال واليونان) وأصاب الوَهَنُ الحركة النّقابية بسبب الخصخصة والبطالة وانتشار العقود الهشّة والعمل بدوام جُزْئي، وفي مُؤسّسات صغيرة، وزيادة عدد الوظائف في قطاع الخدمات… وعمومًا، لم يكن “اليسار” في أوروبا مُهْتَمًّا بقضايا الشعوب الأخرى وبقضايا الإستعمار والإمبريالية (قضية فلسطين نموذج صارخ ومقياس سَلْبِي لهذا “اليسار” الأوروبي)…

في فرنسا، يعتبر حزب “الجبهة الوطنية” أهم قوة تمثل اليمين المتطرف، ولم يكن يحصل على 1% من أصوات الناخبين بنهاية عقد سبعينيات القرن العشرين، ثم فاز بالإنتخابات البلدية في ثلاث مدن كبرى، إلى أن أصبح حاليا على رأس عشر بلديات، كما حصل على نتائج هامة في انتخابات البرلمان الأوروبي سنة 2014، وحصل في الإنتخابات الإقليمية يوم 06/12/2017 على نسبة 28% من أصوات الناخبين، على صعيد وطني، واحتل المركز الأول في ستة أقاليم من ضمن ثلاثة عشر إقليم…

في إيطاليا، وصل الحزب الفاشي بقيادة “بنيتو مُوسِلِّيني” إلى الحكم سنة 1923، وبقيت الحركة الفاشية قوية في البلاد، لكنها لم تحقق نتائج هامة في الإنتخابات، لأن الحزب الديمقراطي المسيحي الذي كان متحالفًا مع المافيا، حكم البلاد خلال أربعة عقود، واستوعب داخل صفوفه الفاشيين والفاسدين واللصوص، ثم برزت أحزاب فاشية “مُعتدلة” يقودها لُصُوصٌ كبار مثل الملياردير “سيلفيو برلسكوني” الذي حَكم بالتحالف مع الفاشية “المتطرفة”، المتمثلة بحزب رابطة الشمال (له علاقات وثيقة مع اليمين المتطرف في فرنسا) والذي يحكم منذ 2015 منطقة “فينيتو”، شمال شرقي إيطاليا، والتي تظم مدينة البندقية… 

في ألمانيا، نُذَكِّرُ أن “أدولف هتلر” والحزب النازي حَكَم البلاد، إثر انتخابات عامة، من 1933 حتى نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، ثم أصبحت ألمانيا الغربية تحت الإنتداب الأمريكي والشرقية تحت الإنتداب السوفييتي، ومنعت أمريكا الحزب الشيوعي، مع حرمان أي شخص يُشْتَبَهُ في اعتناقه المبادئ الإشتراكية (بدون الحاجة إلى دليل) من العمل في القطاع العام، لذلك كانت ولا تزال الأرضية خصبة لتطور الفكر الفاشي، ويُمثّل “الحزب القومي الديمقراطي” واجهة اليمين المتطرف، وليس له نواب في البرلمان الإتحادي الألماني، لكنه يُنظم مظاهرات صاخبة ضد الأجانب واللاجئين، ويُشتبه في وقوفه وراء عمليات اغتيال وحرق مبيتات اللاجئين، وأسّس عددًا من الحركات الفاشية مثل “بيغيدا”، كما يُنظّم عددًا من المهرجانات والتظاهرات التي تحظى بجماهيرية لدى الآلاف من شبان ألمانيا، بجناحيْها الغربي والشرقي… تأسس حزب “البديل من أجل ألمانيا” سنة 2015 وحقق نتائج هامة في الإنتخابات المحلية (آذار/مارس 2018) بعد ثلاث سنوات من تأسيسه، وبينما يدعو أرباب العمل إلى سد الفراغ، عبر تشغيل اللاجئين الحاصلين على شهادات جامعية عُلْيا وخصوصًا من لهم خبرة في مجالات الهندسة والإتصالات والطب، يدعو هذا الحزب إلى عدم تشغيلهم، مُدّعِيًا إنهم يحتلون وظائف الألمانيين…

يتمتع اليمين النّازي الألماني بدعم البعض من أعضاء الحكومة الإتحادية، ومن بينهم وزير الداخلية “هوست زيهوفر” الذي أبدى تأييده، خلال تصريح صحفي، لمظاهرات اليمين المتطرف الذي رفع شعارات نازية، وأدّى التحية النّازية، التي تُعتبر جريمة، بحسب قوانين البلاد…   

 

    
في النمسا، بلغ الأمر حدّ بلوغ مُرشّح “حزب الحُرّية” (حزب فاشي) المرتبة الأولى في الجولة الأولى للإنتخابات الرئاسية (نيسان/ابريل 2018)، ولم يتجاوزه المنافس في الدورة الثانية سوى بنسبة 0,6%، مما يؤشّر لعُمق الأفكار النّازية في موطن “أدولف هتلر”، ولا يُمكن لليمين الفاشي في النّمسا التَّعَلُّل بكثرة المهاجرين، فهم قِلّة، غير ظاهرة، مما يُبيّن بوضوح إن الهجرة مُجرّد ذريعة للهجوم على العاملين وعلى الفُقراء وعلى الشُّعُوب المُهيمَن عليها والمُضْطَهَدَة… يعتنق “حزب الحرية” النمساوي الأفكار والعقيدة النّازية، بلا موارَبَة، ويدعو إلى الوحدة مع ألمانيا، وله 38 نائبا برلمانيا (من إجمالي 183) في النمسا وأربعة مقاعد في البرلمان الأوروبي…  

   

في هولندا، أصبح حزب “من أجل الحُرّية” ثالث أكبر أحزاب البلاد، وحصل في انتخابات مجلس النواب سنة 2010 على 24 مقعدا من إجمالي 150 مقعد، وله عشرة مقاعد في مجلس الشيوخ، وخمسة نواب في البرلمان الأوروبي، واحترف مؤسِّسُه التهجّم على الفُقراء والعُمّال والمهاجرين، حاشرًا إياهم ضمن “المُسْلِمين”، وأنتج شريطا دعائيّا ضد من يعتبرهم مسلمين، وحاز على دعم هام في هولندا وفي أوروبا، باسم “حُرِّيّة التّعْبِير” التي تمنعها عديد القوانين الأوروبية على المُساندين لحقوق الشعب الفلسطيني… 

في بريطانيا، يُشكل حزب المُحافظين حاضنة لليمين الليبرالي المتطرف، لكن يوجد أيضًا حزب فاشي تحت إسم “حزب الإستقلال”، ويَعتبر قادته إنهم وَرَثَة الإمبراطورية البريطانية التي كانت “لا تغيب عنها الشّمس”، ويدعو إلى استغلال المستعمرات البريطانية، مع منع مواطنيها من دخول بريطانيا، وكان هذا الحزب في طليعة الدّاعين إلى الخروج من الإتحاد الأوروبي، وله مقاعد في برلمان “ولز” الإقليمي ومقاعد في المجالس المحلية في إنغلترا…  

في أوروبا الشرقية، تمثل المجر مُخْتَبَرًا لليمين المتطرف، ويحكم البلاد منذ 2010 حزب “الإتحاد المدني”، وهو حزب فاشي، حاز على أغلبية المقاعد ب114 نائب في البرلمان (من إجمالي 199)، قيّد حُرّية الصحافة والإعلام، وأنفقت الدولة خلال فترة رئيس الوزراء “فيكتور أوربان” جدارًا على الحدود، لمنع دخول اللاجئين (الذي يعبرون أراضي المجر ولا يستقرون بها)، وهو ليس الحزب الفاشي الوحيد، إذ يوجد حزب آخر أكثر تطرُّفًا منه (حزب “يوبيك”، أو الحركة من أجل مَجَر أحْسَنَ)، وهو حزب يُصرّح باعتناقه المبادئ النّازية، ويعتبر المجَرِيِّين من جنس أرقى من بقية الأوروبيين، ناهيك عن غير الأوروبيين، الذين يعتبرهم من فئة دُنْيا من البشر، ولهذا الحزب 24 نائب في البرلمان وثلاثة مقاعد في البرلمان الأوروبي…

بالإضافة إلى المجر، يُشارك اليمين المتطرف في الحكم في لاتفيا، وتعتبر الأحزاب المسيحية المتطرفة في بولندا أحزابًا يمينية متطرفة، معادية للحركات الإجتماعية وللعمل النقابي المناضل.

يحكم بولندا منذ انتخابات 2015 “حزب القانون والعدالة” وهو حزب يميني متطرف، فاشي، وله أغلبية في البرلمان، وتمكّن من الحدّ من حرية الصحافة ومن استقلالية القضاء، وهذه مسائل لا تخص المهاجرين، بل جوهر وأسس الديمقراطية البرجوازية.

 
اليمين المتطرف في شمال أوروبا (اسكندينافيا):

 
لا يزال العديد من العرب وغير العرب يحمل نظرة خاطئة عن دول أوروبا الشمالية، فقد تغيرت “الإيديولوجيا الرّسمية” مع انهيار الإتحاد السوفييتي، وانتشرت العُنْصُرية والشوفينية وارتفعت نسبة التصويت لصالح اليمين المتطرف في كافة هذه البلدان، مع الإشارة إن هذه الدول أعضاء في حلف شمال الأطلسي، وتشارك في أي عدوان تقوده الإمبريالية الأمريكية، ودور الحكومات فيها مُكَمِّلٌ للدور الأمريكي في الخارج، فهي عبارة عن “حكومات غير حكومية”، تتدخل بهدوء، ويُكَمّل دورها العُنف والعنجهية الأمريكية، لخلْقِ نوع من “التّوازن” مع سياسة القوة الأمريكية، ولدول شمال أوروبا جنود (في إطار حلف شمال الأطلسي) في أفغانستان وفي سوريا والعراق وليبيا وغيرها…

في الدنمارك، حصل اليمين المتطرف (“حزب الشعب”) على 37 مقعد في البرلمان من أصل 179، وله أرب نواب في البرلمان الأوروبي، ويدعو إلى منع الأجانب (من دول “الجنوب”) من دخول البلاد، باسم “الدفاع عن القيم الدنماركية”، وتمكّن الحزب من التأثير على السياسة الرّسمية للدولة، وتتبنّى الحكومة العديد من أفكار هذا الحزب المُتطرّف ومقترحاته القانونية. يذكر العديد منا الإستفزازات المُتكررة والمستمرة لليمين “المتطرف” و”المُعتدل” في الدنمارك، عبر الدفاع عن نشر وإعادة نشر رسوم مُسِيئة لدين له أكثر من مليار شخص من الأتباع (الدين الإسلامي)، باسم حرية التّعبير.  

في النّرويج، بلغت الوقاحة بالفاشيين حد تسمية حزبهم ب”الحزب التّقَدّمي”، وهو يُشارك في الحكم مع حزب المحافظين ( أقل تطرفًا، لكنه يميني جدًّا) منذ 2013، وفرضت الحكومة عددًا من القوانين والإجراءات التي تحد من الإنفاق الإجتماعي، “لإجبار الناس على العمل”، وكأن الفُقراء يُفضّلون الفُتات على رواتب قارة من عملهم، وكغيرها من دول أوروبا، خَصْخَصَت الدولة المرافق والتعليم والصحة، وغيرها، ورفعت أسعار الخدمات الصحية والكهرباء والوقود…

في فنلندا، يمثل اليمين المتطرف (حزب الفنلنديين) ثاني أكبر حزب في البرلمان منذ انتخابات 2015، ولا يوجد مهاجرون في فنلندا، سوى 20 ألف من اللاجئين، يُطالب الحزب بطردهم جميعًا.

 
السويد، نموذج لِوجْهَيْن من ديمقراطية البرجوازية – “الإشتراكية الديمقراطية” واليمين المتطرف:

 
جرت انتخابات عامة يوم التاسع من أيلول 2016، في السّويد، التي يحمل عنها العديد من التّقدّميين أفكارًا “إيجابية” خاطئة ومجانبة للحقيقة بشأن “دولة الرّفاه”، وبشأن “الكَرم الحاتِمِي” المَزْعُوم تجاه اللاجئين، وبشأن “الإشتراكية” المزعومة، التي لا تتعدّى النّسخة الكينزية من الرّأسمالية، وادّعى “زعيم” أحد الأحزاب العراقية، قبل بضع سنوات “إن الإشتراكية التي يُنْشِدُها (حزبه) هي نسخة لما يطبّقه الحزب الإشتراكي الديمقراطي في السويد”…

تعد السويد 10 ملايين نسمة، وهو البلد الإسكندنافي الأكبر مساحة. يبلغ عدد الناخبين 7,4 ملايين ناخب، وشارك نحو 84% منهم في انتخابات التاسع من أيلول/سبتمبر 2018. تراجعت نسبة الأصوات التي حصل عليها الإئتلاف الحاكم (الإشتراكيون الديمقراطيون وحلفاؤهم)، والذي حقق نسبة 40,6% (144 مقعدًا) فيما حصل ائتلاف “اليمين والوسط” (بمقاييس السويد) وهي كتلة المعارضة، على 40,3% (143 مقعدًا)… حصل الحزب “الإشتراكي الديمقراطي” الحاكم على 28,4%، وهي أسوأ نسبة يحصل عليها منذ خمسين سنة، كما تراجع حزب “المحافظين” بنسبة 3% مقارنة بانتخابات 2014 وحصل على المرتبة الثانية بنسبة 19,8%، وارتفعت نسبة تأييد حزب “فينسترا” (يساري، بمقاييس السويد) ليحصل على نسبة 8% (بزيادة 2,2% عن 2014 )…

ارتفعت نسبة تأييد اليمين المتطرف (حزب الديمقراطيين السويديين) بنحو 4,7% مقارنة بانتخابات 2014، وحصل على 17% من أصوات ناخبي البلاد (62 نائبًا، بزيادة 13 عن انتخابات 2014)، وله نائبان في البرلمان الأوروبي، وعلى سبيل المقارنة فلم يحصل سوى على 0,4% سنة 1998، أي قبل عقدَيْن، ونظَرًا للفارق الضّئِيل بين الكتلتَيْن الرئيسيتَيْن، يرتفع نفوذ اليمين المتطرف في البرلمان، لتصبح مشاركته ضرورية لتشكيل حكومة اليمين…

لم ينشأ اليمين المتطرف في السويد من فراغ، بل جاء من خلفية تاريخية وسياسية، يحاول الجميع تجاهلها، فقد انبثق حزب اليمين المتطرف من الحركة النازية التي كانت قَوِيّة في السويد خلال الفترة الفاصلة بين أزمة 1929 ونهاية الحرب العالمية الثانية، بالتزامن مع الحكم النازي في ألمانيا…  

 
الشباب الفاشي في أوروبا:

 
يدعو اليمين المتطرف في كافة دول أوروبا إلى ترحيل اللاجئين وغلق الأبواب في وجه المهاجرين الجدد، ويعتبر اليمين المتطرف (في كافة دول أوروبا) أن اللاجئين يشكلون عبئاً على البلاد، ويتوجب حماية الهوية الوطنية كوسيلة للحفاظ على رفاهية البلاد، ويُقدم زعماء اليمين المتطرف بيانات مُخالفة للمؤسسات الرسمية الحكومية والدّولية التي تُثْبِتُ أن الدول والشركات تستفيد من المهاجرين اقتصاديا وماليا، كما تستفيد المجتمعات من عمل المُهاجرين واللاجئين الذي أنفَقَتْ شُعُوبهم ثمن تربيتهم وتعليمهم ورعايتهم الصحية، حتى أصبحوا شبابًا، ثم يُهاجرون لتستفيد منهم اقتصادات دول أخرى (راجع الفقرة عن ألمانيا في هذا النّص)، ولا يَحْصُل المهاجر المريض أو المصاب بعاهة على إقامة دائمة، بل يخضع كل مهاجر لفحص طبي دقيق، قبل قُبُوله مُقِيمًا في البلدان الرأسمالية المتطورة، وكانت قضيتا الهجرة واللاجئين من جهة وتقليص الرعاية الصحية والاجتماعية من جهة أخرى محورا الحملات الانتخابية، مما جعل اليمين المتطرف يتقدم بين كل دورة انتخابات وأخرى، واستهدف اليمين المتطرف الأوروبي في حملاته الانتخابية منذ حوالي عشر سنوات، فئة الشباب وسُكّان الأرياف، والفئات التي تضرّرت من الأزمة الإقتصادية ومن تحولات الإقتصاد الذي كان يعتمد على الفلاحة والصناعة إلى اقتصاد يعتمد على الخدمات وعلى التقنيات العالية، وتضررت من تحول الوظائف الثابتة إلى وظائف مؤقتة، بدوام جُزْئِي وبرواتب ضعيفة…

 
انتشرت في السويد كما في ألمانيا أخبار زائفة تُفيد إن شبانًا من المهاجرين أو من طالبي اللجوء يتحرشُون بالنّساء المَحَلِّيّات، بشكل فَردي أو جماعي، ونَفَت الشرطة وكذلك بعض الصّحف هذه الأخبار، ولكنها لا تزال تُنْشَر بكثافة في مواقع التواصل المُسمّى “اجتماعي”، مما يُثْبِتُ إن وراء هذه الدّعايات الزائفة تنظيم محكم، وخِطّة إعلامية، يُنَفِّذُها عادة شباب ما سُمِّيَ ب”حركة الهوية”، الذين استطاعوا استقطاب روابط مشجعي كرة القدم لأكبر النوادي الأوروبية (في إيطاليا وفرنسا وعدد من النوادي في ألمانيا والنمسا وغيرها)، وهي حركة تُرَكِّزُ على الشباب المُتعلم وترفع شعارات نازية صريحة وبدون مُوارَبَة، ويتمتع قادتها بخبرة كبيرة في مجال الإعلام الإلكتروني وترويج الدّعايات، واستخدام شعارات بسيطة ومُؤثِّرَة، تستهْوي فئات واسعة من الشباب، بسهولة، ولا يُروجون الشعارات العنصرية الواضحة في وسائل الإتصال، بل تختبئ وراء الإفتخار بالتاريخ والحضارة ونقاوة الثقافة وغيرها من المقومات التي يستنتج القارئ (عبر الإيحاءات) إنها في خطر، والمهاجرون هم منبع هذا الخطر على الشعوب الأوروبية وأصالتها وثقافتها وحضارتها…

تكمن خطورة حركة “الهوية” في ضخ دماء جديدة وأفكار جديدة للحركات الفاشية الأوروبية، ومنذ بضعة سنوات تغير مظهر اليمين المتطرف، وأصبح اليمينيون المتطرفون بارعين في المجادلة في محطات الإذاعة والتلفزيون، ويرتدون البدلات الأنيقة، ولكنهم يناهضون من يُسَمّونهم “النُّخَب” (وهم جُزْءٌ من هذه “النُّخَب”)، ويدّعون قُرْبَهُم من أبناء الشّعب الذين أهملتهم “النّخب”، وهو الخطاب الذي نقلته حركات الإخوان المسلمين في تونس ومصر والمغرب والأردن، على سبيل المثال، وهو نفس النهج الذي اتّبعَهُ الرئيس “دونالد ترامب” للوصول إلى رئاسة أقوى دولة في العالم…

 
استعمار جديد:     

 
يشارك اليمين المتطرف في حكومات العديد من دول أوروبا، الشرقية (المجر وبولندا والتشيك وسلوفاكيا…)، والغربية (هولندا وإيطاليا والدنمارك والنمسا…)، بالإضافة إلى الأحزاب التي لا تُحتسب ضمن اليمين المتطرف، ولكنها لا تختلف عنه، مثل اليمين الإسباني والفرنسي وغيرهما، وينعكس ذلك على مستوى اتخاذ القرارات في مُؤسّسات الإتحاد الأوروبي…  
اتفق قادة الدول الأوروبية خلال قمة أواخر حزيران/يونيو 2018 ، إثر 12 ساعة من النقاش، على “إنشاء مراكز لمعالجة طالبات اللجوء خارج الاتحاد الأوروبي، وخاصة في دول إفريقية، بالتعاون مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومنظمة الهجرة الدولية…”، واعتبر بعض قادة أوروبا “إن هذا الملف يهدد وحدة الاتحاد الأوروبي”، وقرر قادة أوروبا “زيادة عدد العاملين بالوكالة الأوروبية لحماية الحدود الخارجية (فرونتكيس) بحلول عام 2020″، وفق تصريح للمستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل”، وتُعدُّ مثل هذه القرارات دَعْمًا لأطروحات اليمين المتطرف، وتطبيقًا لبرنامجه دون حاجة لسيطرة هذه اليمين الفاشي على دواليب الحُكْم، بينما أظهرت كافة التّحليلات السياسية والإقتصادية الرسمية والجامعية والصادرة عن مراكز البحث، “إن العُمّال المهاجرين ساهموا في تحسين أداء الاقتصاد الألماني، ونمو الناتج الإجمالي”، وحصل نفس الشيء في كافة الدّول التي يوجد بها العمال المهاجرون…

 
يا فاشِيِّي العالم اتحدوا؟

 
استثمر “ستيف بانون”، أحد رموز اليمين المتطرف في أمريكا، والمستشار السابق للرئيس الأميركي “دونالد ترمب”، في اليمين الأوروبي المتطرف، وأنشأ مؤسسة أوروبية في “بروكسل” عاصمة بلجيكا، ومقر المُؤسّسات الرسمية الأوروبية، بهدف إطلاق “ثورة يمينية” في القارة، بحسب موقع “دايلي بيست” ومجلة “بوليتيكو” الأمريكيين، والتّأثير في الانتخابات الأوروبية المقررة سنة 2019، عبر تزويد شخصيات اليمين المتطرف “باستطلاعات واستشارات وأفكار ومقترحات”، ودعم إعادة انتخاب “فيكتور أوربان” في المجر، وإعادة انتخاب نواب حزب الرابطة اليميني المتطرف ليبقى في السلطة في إيطاليا مع حركة خمس نجوم “الشعبوية”…

إنها “الأممية الفاشية”، ولا يمكن مكافحتها سوى بائتلاف أُمَمِي مناهض للفاشية، يضم المُتضرِّرين الحالين منها ومن سيلحقهم الضّرر في المستقبل، وعددهم أكبر بكثير من عناصر القُوى الفاشية.