الأرشيفوقفة عز

برج الشمالي أحدث ضحايا سلاح “الخراوات”…

نضال حمد

ربما يكون عنوان هذه المقالة صادماً للبعض هذا صحيح، لكنه بالتأكيد لن يصدم من عرفوا ويعرفون قيمة السلاح الفلسطيني في الدفاع عن المخيمات والقضية. لأن السلاح الفلسطيني الذي دافع عن مخيمات تل الزعتر والنبطية وجسر الباشا وضبية وصبرا وشاتيلا وبرج البراجنة وعين الحلوة وكل المخيمات الأخرى في لبنان.  كان سلاحاً مختلفاً تماماً عن سلاح اليوم. كان سلاحاً منتمياً يحركه الوعي والحس الوطني والكرامة الانسانية. كما كان حاملوه من أبناء شعبنا يمتلكون وعياً وثقافة وقضية. أما سلاح اليوم فلا قيمة له ولا هوية ولا قضية. إذ لا يعرف الذين يحملونه قيمة ومعنى أن يكون الانسان فلسطينياً مسلحاً في محيط معادي وفي غابة من السلاح

. على كل حال هذه ليست مشكلتهم فقط بل هي مشكلة تخص كل الفلسطينيين. تخص بالذات الفصائل ومنها أكبرهما فتح وحماس. لو قامتا مثلا بتوعية الشباب المنتمي اليهما بطريقة بسيطة وهي أن يتم أخذ الشباب الى مقابر الشهداء في المخيمات بشكل عام لتعريفهم بالشهداء وكيف وأين سقطوا ولماذا استشهدوا. كذلك أخذهم الى مقبرة شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا والى مقبرة مسجد مخيم شاتيلا حيث ووري الثرى شهداء ما عرف بحرب المخيمات اثناء حصارها الطويل في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الفائت. وفي عين الحلوة الى مقبرة شهداء هبة نيسان 1969 التي فتحت أبواب المخيمات للثورة وسلاحها. هذه النقبرة تقع على بعد عشرات ألأمتار عن موقع الأمن الوطني الفلسطيني في مخيم عين الحلوة.

لكنني أكاد أجزم أن غالبية أعضاء الأمن الوطني لا يعرفون شيئاً عن تلك المقبرة وعن الشهداء فيها ولا حتى عن شهداء المخيم بشكل عام.ما جرى في مخيم برج الشمالي يوم أمس الأحد الموافق 12-12-2021 يذكرني بسنوات الحرب الأهلية اللبنانية. ففي لبنان هناك مثل شاع خلال الحرب الأهلية وهو مثل شوارعي فصائلي يقول: (السلاح بيد الخرا بيجرح) أي ما معناه أن السلاح بيد النذل بيقتل. يعني الاستنتاج يقودنا الى أنه لا فائدة من سلاح حَمَلَتَه لا يعرفون لماذا يحملونه. ولا من فصائل وتنظيمات لا فائدة من وجودها لأنها أصبحت مثل الشركات والعصابات. طبعاً لا اعمم لكنه واقع الحال وهو واقع مخزي ومخجل ومزري. كما نعلم أن السمكة بتتلف من رأسها والمنظمات الفلسطينية رأسها تلفت منذ وقت طويل.

كثير من حاملي السلاح في لبنان ومخيماته جهلة وعديمي ثقافة ووعي وبلا تربية وطنية واستعراضيين، شغل مافيات وعصابات ومنهم كثيرين غرقوا في المخدرات. لا أقول هذا الكلام جزافاً، فهناك قبل سنوات دراسة داخلية أعدها أخصائيون فلسطينيون من المنظمة والسلطة وفتح أكدت على انتشار المخدرات بين منتسبي قوات الأمن الوطني الفلسطيني. عند سؤالي لأحدهم عن قوات الأمن الوطني في مخيم عين الحلوة أجاب أن غالبية منتسبي تلك القوة الأمنية يتعاطون المخدرات… وأنها تنتشر بشكل كبير بينهم. طبعاً هذا لا يزعج جنرالات وألوية الصُدفة الفلسطينية في زمن التسلق على ظهر التضحيات وأضرحة الشهداء والقضية. على كل حال المخدرات تنتشر بشكل كبير في جميع المخيمات وليست حصراً في الأمن الوطني. كذلك تنتشر في مخيماتنا، الاستعراضات التشبيحية المسلحة وقادة المصادفة ومرافقينهم، كما وتنتشر العباءات والعمائم والذقون واللحى والمواعظ والدروس وعرض العضلات. لكن الأهم انتشار الفقر والعوز والبطالة والمرض والجهل وكل هذه الأمور تؤدي بالنهاية الى سقوط الشباب في أفخاخ عديدة أمنية وأخلاقية.

قرأت عند غالبية المُعلقين الفلسطينيين في فيسبوك على أحداث مخيم برج الشمالي أن هناك طرف خارجي يقف وراء ما جرى أو أن الذي أطلق النار شخص عميل والخ. بصراحة أنا لا أوافق على هذه التشخيصات المتسرعة والعاطفية. كما لا اعتقد أن مطلق النار وقاتل الشباب الأربعة في برج الشمالي شخص عميل. بل شخص جاهل وبلا تربية وطنية، رأى في نفسه عضواً ينتمي لشركة اسمها تنظيم أو كانت فصيلاً وطنياً قبل أن تتحول الى وهم أو الخ .. الشخص المذكور حمل السلاح كما الغالبية في المخيمات منذ سنوات، بدون تثقيف وتوعية وانتماء وتربية صحيحة. السلاح بيد مثل هولاء يصل الى مثل ما وصلنا إليه في برج الشمالي وقبله في عين الحلوة والمية ومية والرشيدية والبداوي والى ما نراه من استعراضات وتناحرات واشكالات وسقطات في الضفة الغربية المحتلة وأحياناً بشكل أقل في غزة.

 الصحيح أن التربية من أساسها مغلوطة وغير صحيحة هذا إذا كان هناك فعلاً تربية وتوعية للأعضاء المنتسبين للفصائل الفلسطينية، التي لازالت تملك مالاً ووجوداً وسطوة على الشارع الفلسطيني الجائع والمعذب. كلنا نعرف أن المخيمات يجب أن يكون فيها سلاحاً يدافع عنها وقت الحاجة. ولا نتفق أن حالة الحصار والعدوان والمجازر ضد المخيمات في لبنان حتمت بقاء السلاح في المخيمات وتحتم ذلك. فلبنان كله غابة سلاح (رأينا ما حدث في عين الرمانة مؤخراً فذكرنا ببوسطة 13 نيسان 1975 التي كانت شرارة الحرب الأهلية)…وسمعنا ولازلنا نسمع يومياً تصريحات أعداء الوجود الفلسطيني المؤقت في لبنان مثل جعجع وعصابته ومثل السنيورة وجماعته ومثل جبران باسيل ومن هم على شاكلته وغيرهم… على كل حال لكي تتمكن من الاستمرار والعيش في الغابة اللبنانية المليئة بالوحوش الضارية يجب أن تكون مسلحاً، لتدافع عن نفسك. ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار أن هناك فرق بين سلاح “الخراوات” و السلاح المقدس لحماية المخيمات.

نضال حمد

13-12-2021