الأرشيفكتب

بيت لحم في زمن كورونا؛ يوميّات من الحجر – سهى عرّاف

 

عانت مدينة بيت لحم وما زالت تعاني الأمرّين، من الاحتلال الإسرائيلي وجدار الفصل العنصريّ الذي شُيِّد حولها وخنقها من ثلاث جهات، ناهيك عن المستوطنات وسياسة الإغلاق الدائمة للمنطقة، إذ لا يستطيع الخروج من المدينة سوى من يحمل تصريحًا لذلك، كما اشتدّت معاناتها مع وباء كورونا، وبخاصّة لأنها تفتقر لبُنية تحتية ملائمة لاحتواء الوباء.

بدأت أزمة كورونا في المدينة، في 5 آذار/ مارس، حيث اتضح بأن سياحًا يونانيين حاملين للفيروس؛ قد زاروا المدينة وأقاموا في فنادقها، وأكلوا في مطاعمها، وتجولوا في الكنائس والأسواق. عُرِف ذلك، حينما عاد السيّاح إلى بلادهم، حيث اكتُشِف بأنهم مُصابون بالفيروس، ليتمّ إعلامُ السلطة الفلسطينيّة بذلك، ما ساهم في ولادة حالة من الهلع والخوف والإرباك، قد أصابت بخاصّة سكان المحافظة والعاملين في فندق “أنجل” الذي قد زارهُ السيّاح.

بعد نتائج الفحوصات في بيت لحم، والتي أكّدت إصابة 6 من عمّال الفندق بالوباء، قام محافظ بيت لحم، كامل حميد، بالتنسيق مع رئيس الحكومة، محمد اشتية، ورئيس بلدية بيت لحم، المحامي أنطوان سلمان، ليصدُرَ إعلان فوري يُفيد بفرض حالة طوارئ، وذلك لإدراكهم أن الإمكانيات المتوفّرة بالنسبة للسلطة الفلسطينية، من بنية تحتية، ومستشفيات؛ لا تستطيع مواجهة وباء عالمي أودى بحياة 13 ألف شخص في دول ذات قدرات وإمكانيات تفوق الإمكانيّات الشّحيحة المتوفّرة لدى السلطة.

أمام فندق “أنجل” في المدينة

 

وشملت حالة الطوارئ إغلاقًا كاملا لمحافظة بيت لحم، وإقصائها عن باقي محافظات الضفة الغربية. في اليوم التالي لظهور نتائج الفحص، دعا رئيس البلدية، الأعضاء لاجتماع طارئ. وقالت عضو البلدية، لوسي ثلجية، والتي شاركت في الاجتماع الذي جاء فجأة: “لم يكن لدينا وقت للنقاش، عملنا بسرعة هائلة، وقمنا بتشكيل لجنة طوارئ عُليا، انبثقت عنها 5 لجان هي؛ لجنة الإسناد، ولجنة الصحة، ولجنة الأمن، ولجنة الحجر المنزلي، ولجنة خط الطوارئ للدعم النفسي”.

عضو بلدية بيت لحم، لوسي ثلجية

 

وأضافت ثلجيّة: “في البداية قررنا عزلَ المصابين في الفندق، ثم قمنا برشِّ وتعقيم جميع المناطق المركزية في المدينة ابتداءً من كنيسة المهد وساحتها، ثم السوق، وموقف الباصات، وجميع المرافق المركزية المكتظة، وبعدها قمنا بتعقيم جميع الشوارع في المدينة والمخيمات والقرى التابعة للمحافظة، وفي نفس اليوم وبالتنسيق مع وزارة الصحة، قُمنا بإجراء دورة قصيرة ومكثفة لعمال النظافة، ليتبيّنوا كيفيّة التّعامُل مع الوضع الجديد، كالطريقة التي يجب فيها جمعُ النفايات، وكيفيّة ارتداء البدلات الواقية والكمامات. كل ذلك تم خلال بضع ساعات، وفي إمكانيات بسيطة توفرت لدينا”.

المثير للإعجاب هو تجنُّد المواطنين الفلسطينيين وليس فقط الطواقم الطبية، والقوات الأمنية والقيادة المحلية، إذ تجنّد الشارع الفلسطيني في محافظة بيت لحم بكافة فئاته لمحاربة الوباء، وشمل فريق كشّافة، وأخصائيين نفسيين واجتماعيين، وشبابًا وصبايا أصحاب ضمير حي تجندوا للتطوع ومدِّ يد المساعدة.

وكانت بيت لحم في البداية وحيدة في مواجهة الوباء، فقد تخلّت عنها بقية المدن والمحافظات خوفا من امتداد رُقعة تفشّي الوباء، وعندما اقتُرح نقل المصابين بالفيروس إلى أريحا، تظاهر أهل أريحا، رافضين بشكل قاطع أن يستقبلوا مرضى كورونا.

تجنُّد المواطنين الفلسطينيين وليس فقط الطواقم الطبية

 

وقال رئيس لجنة الإسناد القطرية، محمد المصري، ابن مخيم الدهيشة: “كان لدينا دافع قوي لمحاربة الفيروس. كنا لوحدنا في المعركة، الإسرائيليون قاموا بالاتصال بلواء بيت لحم، وهددوا بأنهم سوف يجتاحون بيت لحم ويفرضوا علينا منع تجوُّل، إذا لم نعالج المصابين. شعرنا بالقهر، لكت هذا زاد من عزيمتنا، ودفعَنا كي نعمل بجدية لكي نثبت للجميع أننا قادرون على الصمود والمواجهة”.

عدوٌ أشرس من الاحتلال 

 

ما ميّز أزمة كورونا في بيت لحم هو عودة النساء إلى الطليعة، في عودةٍ تُذكِّر بدور النساء الرياديّ في الانتفاضة الأولى.

 

في الخوف

لأن الحاضر صار مخيفاً، كابوساً مرعباً، والكابوس كلما طال يقترب من نهايته. صار العربي في الحالتين خائفا. حر خائف.. ومستعبد خائف.. من كثرة الخوف.. صار الخوف تافهاً. تفاهة الخوف. إنها أرض تشع بنور كارثة منتصرة. أو كما قال محمود درويش في

وقالت المحاضرة في علم الإجرام في جامعة الاستقلال في أريحا، كفاح مناصرة، وهي أخصائية نفسية كذلك: “تعاملنا مع الوباء على أنه عدو أشرس من الاحتلال، فالاحتلال مرئيٌّ وملموس، وإحدى تجسّداته تتمثل بالجنديّ الذي يقف أمامك ويُصوّب بندقيته نحوك. أنا ابنة هذا الشعب، ابنة الانتفاضات، وفي الانتفاضة الأولى شاركتُ بالمظاهرات، وبرمي الحجارة، وأُصبت في كتفي بسبب شظايا الرصاص، وفي الانتفاضة الثانية كنتُ قد أنهيت تخصُّصي في علم النفس، فساهمت في خطّ الطوارئ للدعم النفسي، إذ كان من البديهيّ أن أشارك الآن وأُقدّم ما أستطيع لأبناء شعبي، لذا فكّرت كيف أستطيع أن أساهم وأساعد، وتوجهت إلى زملاء لي في المهنة، وتجنّدنا مع نقابة الشؤون الاجتماعية، وأعلنّا عن خطّ طوارئ للدعم النفسي، وفي اليوم الأول عقِب الإعلان، تلقيت مكالمة هاتفية من شاب لا يعرف كيف يتعامل مع زوجته التي انتابتها حالة هلع”.

توظيفُ حالة الهلع

 

وقال المصري: “في أوّل يومين، كان الشارع في حالة من الهلع والذُّعر، وبالنسبة لنا، كان التحدي الأكبر؛ كيف نستطيع أن نُوظّف حالة الهلع ونحوّلها من شيء سلبيّ إلى شيء إيجابي وفعال، وكيف نستطيع أن لا نرفع أيادينا ونقول هذا قدرنا ونستسلم للمرض؟”.

وذكرت ثلجيّة أن “العامل الذي ساعد أهالي بيت لحم على التكافُل والوقوف معا لمحاربة كورونا، كان التصرف الحكيم لمحافظ بيت لحم، إذ إنه وزّع المهام وأوكل مهام لكل لجنة، وفي اللحظة التي تُوكَل لكِ مهمة ما، تشعرين بالمسؤولية، وقد شعر الجميع أنه مسؤول عن محاربة الوباء، وأن له دورًا فعالا في ذلك”.

وأضافت ثلجيّة: “كانت الاستجابة سريعة جدا، وعمِل الجميع كيدٍ واحدة، إذ تجنّدت المستشفيات، وقوات الأمن، ووضَعَ أصحاب الفنادق، فنادقَهُم تحت تصرفنا، لاستيعاب المصابين بالفيروس وعزلهم داخلها، كما تجنّدت وسائلُ إعلام عديدة، بالإضافة إلى فرق كشفيّة، وحتى أصحاب المخابز تبرعوا بالخبز ليس فقط للمحجورين وإنما للمواطنين كذلك، وأعلنوا أن من لا يستطيع شراء الخبز، يستطيع الحصول عليه مجّانًا، كما أن المطاعم تبرّعت بإعداد الطّعام للمحجورين مجانا، حتّى أن صاحب مسمكة، اتّصل بي وأعطانا السمك مجانا، لكي نوفر وجباتٍ للمحجورين داخل الفندق، وللطواقم الطبية التي تعالجهم”.

 

معونات من جميع المحافظات ومن الداخل الفلسطينيّ

 

بدوره، أكّد المصري كلام ثلجيّة، وأضاف: “في البداية كانت المعونات تصل فقط من محافظة بيت لحم، ولم نطلب المساعدة والتبرع من أي شخص، فقد بادر المُتبرّعون بذلك، وتواصلوا معنا، وسرعان ما انتقلت هذه النخوة إلى جميع محافظات الوطن، وكانت أولهم مدينة الخليل، وقمنا بفتح مدرسة في بيت لحم وخصصناها لاستقبال شاحنات المعونات وفرزها وتوزيعها”.

وأضاف المصري متحدّثًا عن آليّة التوزيع: “المواد الطبية تذهب إلى المستشفيات، والمواد التموينية تذهب إلى الأشخاص الموجودين في الحجر الصحي، وللطواقم الطبية التي تعالجهم، وإلى قوات الأمن التي كانت في الشارع في البرد والمطر. هناك العديد من المتطوعين الذين يقومون بتنزيل البضائع وفرزها، فقد تلقينا زيتًا وطحينًا وحبوبًا من العدس والفول والحمص، كما وصل حليب، وأرز، وألبان وأجبان، وخضراوات، ومواد تنظيف وتعقيم، وأدوية وفيتامينات،

رئيس لجنة الإسناد القطرية، محمد المصري
وحفاظات للأطفال”.

وتابع: “كل يوم نستقبل شاحنتين من المواد الغذائية من جميع المحافظات؛ من قلقيلية، ونابلس، وطولكرم، وجنين، وحتى أهلنا في الداخل المحتلّ قاموا بإرسال شاحنة من المواد الطبية والمعقمات، والمدهش أن جميع البضائع التي وصلتنا، كانت فلسطينيةَ الصُّنع حتى مواد التعقيم والتنظيف، والحليب والألبان، وما أثّر بيَ جدا وقوّى عزيمتي ودفعني إلى العمل الدؤوب، هو أننا تلقينا شاحنتين من قرى الأغوار؛ قرى طوباس ثلاث، وبالكاد يصل عدد سكانها إلى 3 آلاف نسمة، لكنّهم يعرفون معنى المقاومة والصمود لأنهم يعانون الأمرَّيْن من الاحتلال، فكيف أستطيع بعد مثل هذا العطاء أن أقف مكتوفَ الأيدي؟”.

 

“تكافُلٌ أعادنا إلى أيام الانتفاضة الأولى”

 

وقالت ثلجيّة: “سجّلنا أسماء الأشخاص الذين يجب أن تُوفَّر لهم الطرود الغذائية والأدوية والمعقمات، وقد وَصَلْنا إلى أكثر من 1000 عائلة، أدرجناها في قوائم قمنا بتوزيعها على اللجان الفرعية، بحسب المناطق؛ فمثلا كانت مسؤولية متطوّعي بيت جالا، أن يُوصلوا الطرود الغذائية للأشخاص الذين يسكنون في بيت جالا وهكذا”.

بعض الطرود الغذائية والمعونات

 

وأشارت ثلجيّة بتأثر وحماسٍ كبيريْن، إلى أن المتطوّعين “يعملون 24 ساعة، وكلنا في حالة طوارئ واستنفار، وقد أصبحت البلدية ما يشبه غرفة عمليات، إذ عملنا بتنسيقٍ تامٍّ وتناغُمٍ بين اللجان، وعرف كل فردٍ مسؤوليته، مما أشعلَ روح الحماس فينا، وعُدنا إلى أيام الانتفاضة الأولى من حيث التكافل والحب ومساعدة ومساندة الآخر”.

“نُحارب لنعيش؛ نحيا وتحيا فلسطين”

 

من جانبها، ذكرت الناشطة الاجتماعية والسياسية، روان الزغايري، والتي تعملُ في جهاز المخابرات الفلسطينية، أن “جميع سكان مخيم الدهيشة متطوعون. بدأتُ التطوع منذ صغري، وهذا ليس بجديد عليّ، وأنا حاليا متطوعة في لجنة الإسناد، وأنا المرأة الوحيدة من المخيم (الدهيشة) في اللجنة هذه”.

وأضافت الزغايري، والتي تبلغ من العمر 36 عامًا: “نعمل بكدٍّ كالنمل، الآن عدتُ من الخارج فقد قمنا بجولة في المخيم وطلبنا من أصحاب المحال التجارية غير الضرورية إغلاق مصالحهم. أتجول في أنحاء المحافظة (بشكل دوري) وأحيانا أعود إلى المنزل في منتصف الليل”.

حتى نهاية آذار: مليون عاطل عن العمل بالبلاد بسبب كورونا

أظهرت معطيات مصلحة الاستخدام التابعة لمؤسسة التأمين الوطني، أنه منذ انتشار فيروس كورونا في البلاد، تسجل نحو 511965 شخصا لدى مكاتب الاستخدام، لحصول على مخصصات البطالة، بعد أن فصلوا من العمل أو خرجوا لأجاز غير مدفوعة الأجر

 

وأكملت: “نقوم بتوزيع وجبات طعام لأفراد قوات الأمن الذين يقفون على الحواجز بعد أن ننهي مهامنا من توزيع الوجبات على العائلات التي تخضعُ للحجر المنزلي، بالإضافة إلى كبار السن والمرضى، لم يعُد أحد يتحدث عن الانقسام بين فتح وحماس، فالكل يعمل سويا، إذ إننا شعرنا فجأة بقيمة الحياة، وبأن حياة الإنسان هي المركز، وهي الأهم، لذا فنحن نحارب لنعيش، وبات شعارُ ’نموت وتحيا فلسطين’؛ ’نحيا وتحيا فلسطين’”.

الناشطة الاجتماعية والسياسية، روان الزغايري

 

وتحدّثت ثلجيّة بشأن المشاكل المتعلّقة بالإمكانيات الطبيّة المُتاحة، قائلة: “واحدة من المشاكل التي واجهناها، عدم توفر أطباء في منطقتنا فأغلب الأطباء يعملون في مستشفيات مختلفة، فيما لا يتجاوزُ عدد الأطباء المستقلين الثلاثين طبيبًا”.

وأضافت ثلجيّة: “توجهنا إلى وزارة الصحة في رام الله، وأرسلوا أطباء من مناطق أخرى في الضفة، وكان علينا أن نوفر لهم أماكن مبيتٍ، وقد تبرّع ’فندق جاسر’ بإقامة الأطباء خلال فترة مكوثهم في بيت لحم”.

وتابعت: “المشكلة الأخرى التي واجهتنا، هي نفاذ الكمامات التي كانت في حوزتنا، بالإضافة إلى نفاذ الكميات التي وصلتنا من محافظات أخرى ومن وزارة الصحة، لكن شعبنا جبار، والحاجة أمُّ الاختراع، ففي اليوم الخامس من بداية الأزمة، افتتحَ شاب من الخليل مصنعًا لإنتاج الكمامات، وخلال أقلّ من 24 ساعة، وفّر لنا الكمامات، والآن لا توجد مشكلة كمامات بتاتا، كل شيءٍ نُظِّم بسرعة رهيبة”.

الأملُ مُعدٍ… معنويات الناس مرتفعة

 

وذكرت المحاضرة في علم الإجرام في جامعة بيت لحم، كفاح مناصرة، أن “معنويات الناس مرتفعة جدا”، موضحة: “ثقتنا بأنفسنا عادت من جديد بأننا نستطيع (التغلُّب على) حالات الإحباط التي عانينا منها في السابق نتيجة الاحتلال، ونتيجة الانقسام الداخلي، وهذه هي المرة ألأولى التي نشعر فيها، بأننا وقيادتنا في نفس المركب، ونتحكم في مصيرنا لوحدنا، فالشارع والقيادة على وفاق تام، ونحن نفرض الإغلاق ونُعلّقهُ متى نشاء، وليس الاحتلال من يفرض علينا إغلاقًا أو منعًا 

المحاضرة في علم الإجرام، كفاح مناصرة

 

للتجول، إذ أننا أصحاب القرار وأصحاب القضية، نتحكم في مدينتنا، وفي مصيرنا، إذا استطعنا محاربة كورونا وهزيمته نستطيع هزيمة الاحتلال والانتصار عليه”.

واعتبر المصري أن “الأمل مُعدٍ مثل كورونا تماما”، وقال: “كلنا في محافظة بيت لحم أُصِبنا بعدوى الأمل، بعد أن شاهدنا بأمِّ أعيننا أن عدد الإصابات لا تتزايد (بشكل كبير كما في باقي الدول)، وهناك حالات تتماثل إلى الشفاء، فقد شُفي 11 شخصا، وأنهوا الحجر الصحيّ في فندق ’بارديس’ وعادوا إلى منازلهم”.

 

تشابُهٌ بين الانتفاضة الأولى وبين أزمة كورونا

 

وقال المصري الذي يبلغ من العمر 42 عامًا، إن هناك “تشابهًا وتقاطعًا بين الانتفاضة الأولى وبين أزمة كورونا، ففي الانتفاضة الأولى كان هناك منع تجول وإغلاق، والآن هناك منع تجول وإغلاق، والفرق أن الاحتلال كان من يفرض علينا ( منع تجول والإغلاق) في الانتفاضة الأولى ليقمعنا وليهيننا، أما الآن، نحن نفرضُه علينا لنحمي أنفسنا”.

وأوضح المصري أنه عاش “تجربة طويلة بالتعامل مع الأزمات فلقد تم اعتقاله في الانتفاضة الأولى على يد جيش الاحتلال ولم يكن قد بلغ حينها الـ16 من العمر، وتمت محاكمته ليقضيَ 6 شهور في الأسر، كما تمّت مطاردته في الانتفاضة الثانية، بسبب انتمائه لكتائب الأقصى (الذراع العسكري لحركة فتح)، وأُسِر لمدة ستة أشهر وأُطلق سراحه لأنه لم يعترف بشيء”.

وذكر أن “هناك وجه شبهٍ كبير بين الانتفاضة (الأولى) وبين زمن كورونا”، متابعًا: “في الانتفاضة فرض علينا الاحتلال منع التجول، ما أدى إلى منعنا من التواصل الاجتماعي، إلا أننا قمنا بالحديث مع بعضنا عبر الشبابيك، وسطوح المنازل، والآن نتواصل (من خلال ما هو مُتاح) عبر (تطبيق) ’واتساب’ والهواتف النقالة”. واستدركَ المصري: “حاولنا في زمن كورونا أن نشجع، ونحثّ الناس على التواصل الاجتماعي دون تواصل اجتماعي (بسبب الحجر وتعليمات الطوارئ) وهذه معضلة”.

لرجال الأمن دورٌ في مجابهة الفيروس

 

وتطرّقت الناشطة الزغايري، في حديثها، إلى القوات الأمنية، قائلةً: “تعامُلُنا مع قوات الأمن والشرطة تغير تماما، إذ أنهم يقفون في البرد وتحت المطر ليحمونا، فيما نجلس في منازلنا الدافئة، لذا فإننا نُقدّرهم، وفي بعض الأحيان، نذهب لزيارتهم عند الحواجز في الثالثة صباحا، ونأخذ لهم ما يتوفّر من مسليّات، لنُفاجأ بأن لديهم الكثير من القهوة والحلويات، وحينما نسألهم عن مصدرها، يقولون إن مواطنين يحضرون لهم القهوة والشاي باستمرار”.
من جانبها، أكّدت مناصرة حديث الناشطة، وقالت: “أنا متطوعة في حراك ’يكفي’ لمكافحة العنف ضد المرأة، وقد قررنا أن نتوجه بلفتة تقدير لرجال الشرطة والأمن الذين تفانوا في خدمتنا، في ضل هذه الظروف القاسية، إذ إنهم تركوا بيوتهم وعائلاتهم ووقفوا ليلا ونهارا لحمايتنا، فاشترينا وردًا وبطاقات لطيفة، وقمنا بإعطاء رجال الشرطة هذه الهدية المتواضعة جدا كتعبير عن تقديرنا لهم ولدورهم، وتفاجأنا من تأثر رجال الشرطة، إذ إن عيون البعض منهم اغرورقت بالدموع”.

“أحيانا نذهب لزيارتهم عند الحواجز في الثالثة صباحا”
“فرصة ذهبية لا تُعوَّض”؟ “.. “بيت لحم أصبحت مدينة فاضلة”

 

وذكر المصري بفخر، أن بيت لحم أصبحت منذ بدء أزمة كورونا، “مدينة فاضلة”، مُشيرا إلى أنها “لم تُسجّل حالة سرقة واحدة أو أي نوع من أنواع الجرائم”.

ولم يقتصر هذا الفخر على المصري، إذ أعربت مناصرة عن فخرها بشعبها وبالكيفيّة التي تعامل فيها مع الأزمة، مُعتبرةً أن “هناك عدلًا سماويًا (…) وفرصة ذهبية لا تعوض”، وموضحة في الوقت ذاته: “يجب أن نلتحم من جديد، يجب أن نكتشف قدراتنا، وأن نُعزّز ثقتنا بأنفسنا من جديد كشعب”.

وتابعت مناصرة: “هذه المرة كنا بعيدين عن السياسيين، فقد عملنا كشعب بالتعاون مع قيادته المحلية، من أدار الحرب ضد كورونا كانوا أخصائيين وخبراء ، كل في مجاله، وتواجد الإنسان المناسب في المكان المناسب، واكتشفت خلال هذه الأزمة وجوهًا جديدة وشابة لم أسمع عنها من قبل، يجلسُ أصحابُها أمام كاميرات التلفزيون ويتحدثون بطلاقة وثقة ومهنية عالية. هذه الأسماء لم نسمع عنها من قبل. نملك طاقات وموارد بشرية هائلة من الشباب والنساء، من الأخصائيين والأطباء والخبراء، الذين تصدّروا شاشات التلفاز”.

الاحتلال يستطيع اقتحام بيت لحم لكنه عاجز عن سرقة الأمل

 

ولم يترك الاحتلال الإسرائيلي المدينة بحالها في ظلّ الأزمة، إذ اقتحمَ جيشه المدينة قبل يومين، واخترق عنوةً الحواجز المؤقتة التي نصبَها رجال الأمن الفلسطيني، واقتحمت قوة مخيم الدهيشة ليلًا، واعتقلت 3 شبّان، وألبسوا المُعتقلين البدلات الواقية والكمامات واقتادوهم في الشارع أمام أنظار رجال الشرطة الفلسطينية الذين تابعوا المشهد بصمت، دون أن يستطيعوا أن يحركوا ساكنا، ودون أن يستطيعوا حتى التعبير عن استيائهم.

وفي هذا الصّدد، قال المصري: “دخول جيش الاحتلال في نفس اليوم الذي فرضنا نحن منع تجول على بيت ساحور بهذه الطريقة، يُوضح أنها خطة مدروسة لتحطيم معنوياتنا وإحباطنا، فماذا أرادوا أن يقولوا لنا؟ افعلوا ما شئتم، أغلقوا وامنعوا التجول؛ هل تعتقدون أنكم أحرار وأنكم تسيطرون على المدينة؟ نحن أصحاب القرار ندخل متى شئنا ونخرج متى نشاء ونفعل ما يحلو لنا. أرادوا إهانة قوات الأمن والشرطة وإذلالهم فهم يعلمون أن الشرطة وقوات الأمن لا تستطيع أن تتخذ ضدهم أي إجراء، ومن البديهي أنهم يتابعون أخبارنا ويتابعون ’السوشيال ميديا’، وأدركوا أن علاقتنا برجال الأمن توطدت وأننا نحترمهم ونثق بهم”.

وأكمل المصري: “أرادوا أن تهتز ثقتنا برجال الأمن وبأنفسنا. أرادوا إذلالنا لكن لم ينجحوا بذلك ولن ينجحوا، فجميع الفلسطينيين وقفوا مذهولين عندما سمعوا عن عدد الإصابات في إسرائيل، حتى إنهم لم يشمتوا بدولة الاحتلال، لذا فالذي فقد قوته وجبروته هو الاحتلال ولسنا نحن، فقد رأينا ضعف الاحتلال الذي جاء كورونا ليُرينا هشاشته”.

وختمَ المصري بالقول: “نعم إنهم يستطيعون الدخول إلى بيت لحم والخروج منها عندما يريدون، لكنهم لن ينجحوا في كسر معنويتنا وإحباطنا، ولن ينجحوا باحتلال وسرقة الأمل”.

 

سهى عرّاف – خاصّ بـ”عرب 48″