الأرشيفوقفة عز

توتر في العلاقة بين بولندا والكيان الصهيوني – نضال حمد

أقر برلمان بولندا يوم الجمعة الموافق 26-1-2018 قانون يعرض كل من يستخدم مصطلحات تُحَمّل بولندا مسؤولية المحرقة اليهودية وغيرها، للسجن لمدة 3 سنوات. وبحسب ما نشرته وسائل الاعلام البولندية والعالمية فإن القانون البولندي الذي نال أغلبية الأصوات يقضي بسجن كل من يحمّل بولندا مسؤولية جرائم ضد الإنسانية ارتكبتها ألمانيا النازية في معسكراتها. لأن تلك المعسكرات كانت ألمانية نازية وأقيمت على الأراضي البولندية المحتلة منذ سنة 1939 وحتى تحريرها من قبل الجيش الأحمر السوفيتي في الحرب العالمية الثانية. وبالتالي لا يجب أن توصم بالمعسكرات البولندية. وفي هذا كل الحق مع البولنديين لأنهم أبرياء مما حصل في تلك المعسكرات على أراضيهم المحتلة. .

وشدد القانون على منع استعمال أي عبارة تربط بولندا بالجرائم النازية التي ارتكبت ضد الإنسانية، مثل استعمال مصطلح “المحارق البولندية” أو “أفران الغاز في بولندا”، معتبرين أنه يجب على كل من يكتب أو يصرح عن هذه الفترة التأكيد على أن هذه الأماكن بنيت وأديرت من قبل النازيين بعد احتلالهم بولندا عام 1939.

وشمل القانون البولندي كذلك قضية المجازر التي ارتكبتها جماعات أوكرانية ضد الشعب البولندي في نفس الفترة من الزمن. ونص القرار على سجن كل من ينكر قتل نحو 100 ألف بولندي على يد المتمردين الأوكرانيين خلال الحرب العالمية الثانية. وجدير بالذكر أن نحو سنة ملايين بولندي قتلوا في الحرب العالمية الثانية ولا ندري أن كان يهود بولندا ضمن هذا الرقم أم لا. لأن تزييف التاريخ حول اليهود الأوروبيين ومنهم البولنديين أصرّ على تحويلهم من أقلية دينية الى شعب كبقية الشعوب. يبدو أنهم فعلوا ذلك من أجل تمهيد الطريق لاحتلال فلسطين واقامة الكيان اليهودي الصهيوني فيها.

القانون البولندي الجديد أثار غضب نتنياهو والصهاينة حيث قال النتن ياهو يوم السبت 27 يناير/ كانون الثاني، في بيان له “هذا القانون باطل وأرفضه بشدة. لا يمكن تغيير التاريخ ولا يجوز إنكار المحرقة“.

وأعلن نتنياهو طلبه من السفيرة (الإسرائيلية) آننا عزاري لدى بولندا بأن تلتقي رئيس الوزراء البولندي كي تعرض عليه موقف نتنياهو ضد هذا القانون. فيما طالب زعيم المعارضة (الاسرائيلية) بسحب السفيرة الصهيونية من وارسو احتجاجا على القانون المذكور.

أما الصحافة الصهيونية فمنذ صباح يوم السبت تقوم بشن حملات إعلامية ضد بولندا وقانونها الجديد وتذكر بتاريخ العداء البولندي لليهود. وهذا الاتهام ليس من فراغ لأن هناك غالبية في كلا الجانبين من اليهود الصهاينة ومن البولنديين لا يكنون الود لبعضهما. وكان اليهود في بولندا من أفقر فئات الشعب فيما القيادة السياسية البولندية رغبت بهجرتهم لذا عندما هاجرت جماعات كبيرة منهم الى فلسطين المحتلة، سرت القيادة المذكورة بتلك الهجرات التي عملت أصلا على تشجيعها. ولما تأسست عصابة الأرغون وأصبح لها مسلحين تلقت سنة 1943 دعماً سرياً عسكرياً وعتاداً وتدريبات من بولندا. وكما هو معروف فإن ضباطا وعساكر من يهود بولندا وصلوا فلسطين المحتلة والشرق العربي مع جيش أندرسن البولندي الذي يقاتل الألمان الى جانب الأنكليز والحلفاء، ومن هؤلاء مناحيم بيغن، الذي ذكر ذلك في كتاب مذكراته. يبدو أن هدف الساسيين البولنديين كان تحفيف الوجود اليهودي في بولندا بسبب الفقر الشديد لتلك الفئة من المجتمع البولندي وتماشياً مع مشروع الحركة الصهيونية وعتاتها البولنديين من أجل التخلص منهم وهجرتهم مرة واحدة والى الأبد نحو فلسطين الانتدابية.

هناك كلمات في اللغة البولندية تعتبر شتائم ترتبط باليهود، وهناك نكات كثيرة خاصة عن اليهود … من المصطلحات التي يستخدمها البولنديون ما  يبيّن وشطهر عدم رغبتهم بوجودهم وعدم محبتهم عنوة عن بقية سكان البلد … مثلا هناك القول بدلا من انني ذاهب الى ميدان “نوفي” في حيّ “كاجمييج” اليهودي في مدينة كراكوف العريقة كانوا يقولون وحتى يومنا هذا لازالوا يقولون: ذاهب الى “الميدان اليهودي” أو الى “اليهودي” … تنم هذه الطريقة في استخدام العبارات عن رفض البولنديين للتواجد اليهودي في بلدهم وعن تحقير لهم. والغريب فعلا أن اليهود في بولندا لازالوا يتحكمون بمفاصل البلد سياسيا واقتصاديا واعلاميا وثقافيا. وازداد حضورهم وأشتد وصار قوياً جداً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية. وفي بولندا مهرجنات ثقافية يهودية تمولها الدولة مثل مهرجان الثقافة اليهودية ومهرجان السينما اليهودية. كما هناك متاحف ومراكز يهودية تنتشر في كافة أنحاء بولندا. بالاضافة للاعلام البولندي الذي يشبه كثيرا الاعلام (الاسرائيلي) في تعامله مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية والاسلامية.

الوجه الآخر للبولنديين يظهر في تضحيات قدمها الشعب البولندي حيث هناك العديد من البولنديين الذين دفعوا حيواتهم لإنقاذ اليهود من الجحيم النازي ومعسكرات النازية خلال الحرب العالمية الثانية. إذ كان القانون العسكري الألماني النازي ينص على اعدام أي بولندي يساعد يهودي او يخبأه عنده. كما هناك العديد من الأطفال اليهود الذين تبنتهم عائلات مسيحية بولندية اثناء الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أن اعتقل أو قتل النازيون ذويهم.

كما أن عتاة الصهيونية العالمية وبناة كيان الاحتلال اليهودي الصهيوني في فلسطين المحتلة هم من يهود بولندا. ومنهم على سبيل المثال لا الحصر ديفيد بنغريون، أبراهام شترن، مناحيم بيغن وإسحق شامير وآخرين  يصعب تعدادهم كلهم. لكن من بينهم اسحاق فونداك جنرال يهودي بولندي صهيوني عمره 104 أعوام تباهى مؤخراً في مقابلة أجرتها معه صحيفة هآرتس الصهيونية بقتله عربي فلسطيني في أحد البساتين وبالعصا التي قتل فيها العربي ولازال يحتفظ بها كذكرى.

الحديث عن العلاقة بين بولندا واليهود يطول كثيا فهي علاقة مئات السنوات شهدت مراحل سعيدة وأخرى غير سعيدة بين الطرفين. وإن كان اليهود الصهاينة سعداء بهجرتهم من بولندا الى فلسطين المحتلة واقامة كيانهم الارهابي هناك. والبولنديون سعداء بتخفيف الوجود اليهودي في بولندا على حسابنا فنحن غير سعداء بذلك لأننا ومنذ وصول هؤلاء المجرمين المستعمرين الصهاينة الى وطننا، وعقب احتلالهم له، ونحن ندفع الدماء والتضحيات ثمنا لمقاومتهم والمحاربة لأجل تحرير فلسطين كل فلسطين.

لعل هذه الأزمة في العلاقات بين الطرفين اليهودي الصهيوني المتطرف الحاكم في كيان ( اسرائيل) والبولندي ممثلا بحزب العدالة والقانون الحاكم والمسيطر على البرلمان والدولة، وهو حزب قومي ومسيحي متشدد، لعلها تفتح عيون وعقول البولنديين المغلقة والخاضعة للدعاية الصهيونية، وتنتج تحولاً معقولا ومقبولا في مواقفهم من الكيان الصهيوني الذي لا يخفي قادته وناسه كرههم للبولنديين .

 

نضال – كرك 28-1-2018