من هنا وهناك

ثورة السكـاكين و” أولاد المـيـتة ” . . ! !

بـقلـم :  عـادل أبو هـاشـم

 

في المشهد التلفزيوني المرعب للطفل الفلسطيني أحمد مناصرة ( 13 عاماً )  و هو غارق في دمائه بعدما أطلق  عليه  جنود الأحتلال النيران ، و رغم  استنجاده طالبا الإسعاف فقد أمطره المستوطنون بعبارات نابية تشمت به وتتلذذ بموته البطيء كانت حكومة القتلة في ” اسرائيل ” تعيد اكتشاف نفسها للتأكد من صلاحيتها للحياة ، و تبحث في الوقت ذاته عما يؤكد لها أن الفلسطينيين ما زالوا مصرين على الشهادة .!

عشرات الشهداء و الآف الجرحى في كل الأراضي الفلسطينية في حرب حقيقية افتعلتها عصابة القتلة في تل أبيب  لسبب ما ..!!

هل ” الذاكرة ”  التي لم تعد خصبة ، و باتت مجرد ذاكرة تلفزيونية تنفعل بالمشهد هي السبب في استحالة التوجه مباشرة نحو معرفة الحقيقة .؟!

أم أنها عادة التفكير بـ ” عقل بارد ”  و عصر السلام الشرق أوسطي الذي عاش الفلسطينيون و العرب تحت وطأته منذ  العام 1991م أفقد كثيرون القدرة على التمييز  فكان هناك ما يشبه المفاجأة بما  يحدث مع أن سجل ” اسرائيل ” حافل بالمجازر و الحروب منذ أن وجدت و حتى هذه اللحظة .!

أم أن مواقف رئيس السلطة صاحب شعار ” التنسيق الأمني المقدس ” ، و تصريحاته  المثيرة للأشمئزاز من تحقيره للمقاومة ، ومطالبته بتجريد الفلسطينيين من السلاح المقاوم، ، و استخفافه بنضال الشعب الفلسطيني قد جعلت ” أولاد الميتة ” من الصهاينة يستأسدون على الفلسطينيين .!

ومهما يكن السبب أو الأسباب  فهذا هو قدرنا .. قدرنا الفلسطيني ..!

قدر الفلسطينيين أن يقاوموا .. ويقاوموا .. ويجاهدوا .. ويستشهدوا ..!!

قدر الفلسطينيين أن يواجهوا ــ لوحدهم ــ  هذه الهجمة الصهيونية التي لم يسلم منها الأطفال الرضع والفتية والنساء والشيوخ والشباب حتى الحجر والحيوان والطير ..!!

فكل ما في فلسطين استباحه العدو الصهيوني منذ عشرات السنين ، ويستبيحه يوميـًا هذه الأيام ..!

والعالم العربي يصر ــ  إصرارا عجيبـًا ــ على أن خيارهم الإستراتيجي هو خيار السلام ، ليظهروا للعالم بأنهم دواجن سلام ..! أمام ذئاب إسرائيلية اغتصبت الإنسان والأرض والمقدسات الفلسطينية والإسلامية ، وانتهكت الأعراض ، ودنست المقدسات .!

هذا الشعار المسخ الذي ابتدعه بعض المنهزمين في أمتنا العربية  ، وصدقه كل العرب  ، وتمسكوا به حتى آخر فلسطيني ..!

والعالم الغربي يمارس مؤامرة الصمت والإستهتار واللامبالاة ضد الشعب الفلسطيني ..!

فعلى مدى قرن من الزمان نزف الفلسطينيون من الدماء ما لم ينـزفه شعب من الشعوب..!

وخلال هذه الرحلة الطويلة بين الفلسطيني والدم ، ورغم شلال الدماء الذي سال على أرض فلسطين الذي اختلط بترابـها لينبت شقائق النـعمان المتمثلة في شهدائنا البررة ، فإن عدونا الأزلي والأبدي لا زال مصرا على ابادة كل ما هو فلسطيني في ظل صمت عربي أين منه صمت القبور ..!

وأمام عالم منافق لا يحترم إلا القوي وإن كان مجرمـًا وقاتلا ..!

ولا يعترف بالأخلاق والحقوق..!

يقف مع الجلاد ضد الضحية ليشارك في ذبحها ..!

لم يتحرك هذا العالم المنافق عندما شاهد الرصاص الإسرائيلي يقتل الطفل محمد الدرة بين يدي والده ..! وقذائف الدبابات الإسرائيلية تغتال الرضيعة إيمان حجو وهي في أحضان أمها ..! وصواريخ الطائرات الأباتشي تغتال الطفلين الشقيقين أشرف وبلال أبو خضر ..! ومتفجرات الحقد الإسرائيلي تنثر أجساد الطفلين شهيد وملاك وبركات في الهواء بعد نسف منـزلـهم على رؤوسهم ..!!

لم يتحرك العالم عندما مزقت قذيفة دبابة جسد الطفل فارس عودة بعد أن قذف دبابة المحتل بحجر ..! وعندما مزق رصاص المستوطنين القتلة جسد الرضيع ضياء الطميزي ..!

لم يتحرك هذا العالم عندما قصفت البوارج الإسرائيلية شاطيء غزة و قتلت سبعة من أفراد عائلة الطفلة هدى غالية  أمام بصرها ..!

لم يتحرك هذا العالم المنافق عندما شاهد الطفل محمد حسين أبو خضير من حي شعفاط بالقدس الذي خطف وعذب وأحرق وهو على قيد الحياة على أيدي  حاخام صهيوني واثنين من أبنائه، وثلاثة آخرين من المستوطنين .!

و لم يتحرك العالم عندما قام المستوطنون الصهاينة بحرق منزل دوابشة في قرية دوما بنابلس و استشهاد الأب سعد دوابشة و الأم ريهام  دوابشة و الطفل الرضيع علي سعد دوابشة ” 18 شهراً ” ، و كذلك ضرب يوسف الرموني بالأدوات الحادة والمفكّات ثم شنقه بدم بارد  في الحافلة التي يقودها في القدس ، و كانت التهمة الموجهة له أنه فلسطيني ..!

 و لم يتحرك العالم أمام إرهاب الدولة الإسرائيلي المنظم من عمليات الإغتيال والأعتقال  اليومية للفلسطينيين التي تنفذها الأجهزة الأمنية الصهيونية .

ولم يتحرك هذا العالم أمام آهات آلاف الأسرى والمعتقلين في المعتقلات الإسرائيلية منذ عشرات السنين ، وأنات الجرحى والمعاقين ودماء آلاف الشهداء ودموع الثكالى والأرامل والأيتام ..!

لم يتحرك العالم أمام حالة الحصار والتجويع التي يمارسها العدو الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ أكثر من عشر سنوات  والتي وصلت إلى حد المجاعة ..!

لم يتحرك العالم أمام المرضى من  أطفالنا ونسائنا وشيوخنا وموتهم على الحواجز الإسرائيلية المنتشرة بين المدن والقرى الفلسطينية بعد منعهم من الذهاب إلى المستشفيات ..!

لقد أثبت شهداء و جرحى أبطال ” انتفاضة الدهس و السكاكين ”  بدمائهم الطاهرة أننا أمة نصفها من الشهداء والنصف الآخر من الأبطال ، وأن الشعب الذي يزرع أرضه بالتضحية لا بد وأن يحصد النصر ،  و أن  الدماء الزكية التي سالت على أرض فلسطين ستضيف خطوات واثقة على الدرب السائر في اتجاه العزة والكرامة والإباء .. الدرب الوحيد إلى فلسطين .. درب الشهادة والتضحية والفداء .

لقد كشفت دماء الشهداء  التي سالت ولا تزال على ثرى فلسطين الطاهر يوميـًا على العجز العربي والإسلامي ، وعلى الظلم الذي يعانيه الشعب الفلسطيني من ذوي القربى ، والإنحياز الصارخ للدول ــ التي تتشدق يوميـًا بحقوق الانسان والحيوان ــ مع العدوان والطغيان ضد الفلسطينيين ..!

ومع ذلك يجب علينا الاعتراف بأن التخاذل الذي أبداه البعض من أبناء جلدتنا تجاه أعدائنا هو الذي جعل هذا العدو يتجاسر على محاولاته المتكررة لإلغائنا وابادتنا ..!

يبدأ التخاذل عندما نقوم بتلوين أعدائنا ونختار اللون الذي يناسبنا ..!

فهذا مع التسوية .. والآخر مع السلام ..!

هذا مع تكسير عظام الفلسطينيين .. وذاك مع كسر رقابـهم ..!

هذا مع قتلهم بالطائرات والدبابات .. وذاك بالحصار والتجويع ..!

هذا مع القدس الموحدة عاصمة أبدية لإسرائيل .. وذاك مع أبو ديس عاصمة للفلسطينيين ..!

هذا من الحمائم .. والآخر من الدواجن .. وذاك من الصقور ..!

مع أن الجميع ذئاب متوحشة ..!

فلنتوقف عن تصنيف أعدائنا ..!

ولنخلع هذه الملابس الجميلة والبذل التي نلبسها من أرقى المحلات العالمية ..! ولنلبس ملابس الحرب والأحزمة الناسفة أمام هذا العدو المتغطرس الذي يقتل أطفالنا ونسائنا وشيوخنا ، وينسف البيوت على رؤوس سكانها من المدنيين العزل ، ويقضم الأرض شبراً شبراً ،  و يزرع مستوطناته في قلوبنا وعلى صدورنا بل وفي عقولنا ،  ويهدد يوميـًا باجتياح أرضنا الفلسطينية ، ولنثأر لأطفالنا ونسائنا وشيوخنا وشبابنا ونقتص من قتلتهم ..!

فلنثأر للشهداء  من أبناء شعبنا .

فلندفع عن أنفسنا ..!

ندافع عن أطفالنا ..!

عن نسائنا ..! شيوخنا ..! شبابنا ..!

عن ذاتنا .. كرامتنا .. عزتنا .. مقدساتنا ..!

ولنموت واقفين كالأشجار الباسقة في مواجهة هذا العدو الجبان ..!

فلنجعل نسائهم تبكي على قتلاهم كما تبكي نسائنا على شهدائنا ، ولنثبت لهم أن دمائنا غالية وليست رخيصة ..!

فنحن أصحاب ثأر ، ومن كان صاحب ثأر كان الأقدر على الصبر على شدائد الحروب ..!

إن ثأرنا عند كل إسرائيلي مقيم على أرض وطننا الحبيب ..!

لن نصدق بعد اليوم أنهم أبناء العمومة .. بل هم أعدائنا ..!

ولن نوهم أنفسنا بأنهم أصدقائنا الجدد .. بل هم قتلتنا ..!

ولن نتحسر على عرب يتلهون بالآمنا ، وعجمـًا يعبثون بدمائنا ..! بل سنردد مقولة طارق بن زياد بأن العدو أمامنا والبحر من خلفنا ..!

وإذا كان نتنياهو يستمتع بقتل الأطفال والنساء والشيوخ والشباب بهذه الصورة المأساوية اليومية التي يشاهدها العالم ، فليستعد إلى دفع الثمن أكثر وأكثر ..!!

اترك تعليقاً