الأرشيفعربي وعالمي

ثورة اللصوص ! – ثريا عاصي

سؤال يلح عليّ، أختصره بالقول لماذا تتكرر في بلادنا الفاجعة نفسها . أو بالأحرى لماذا نعاود بين الفينة والفينة الوقوع في الحفرة ذاتها، فيعلو الصراخ والنحيب من ألم الثُكل ومن انتشار الخراب. كأن جميع الطرق العربية تؤدي إلى الهزيمة ! تختلف العناوين من ثورة إلى عدوان غاشم وإلى إقتتال، ولكن السيناريو معروف والنتيجة أيضاً. لا جديد، إنكسار ماحق شامل، رغم أن البعض، نظم حكم، زعماء ميليشيات، متنبين، أظلال الله على الأرض، ينتصرون بعد كل هزيمة، في هوامش هزائمنا، يأكلون لحمنا المهترئ ويمتصون إفرازات جروحنا، فـ«ما بشمن ونكاد أن نفنا».

لبنان في مطلع سبعينيات القرن الماضي: كان لبنان يعج بفصائل حركة التحرير الوطني الفلسطينية بعد أن خسرت هذه الأخيرة معركة عمان، أيلول الأسود 1970، فوصلت إلى لبنان جريحة، في جسمها بحسب ظني فجوة كبيرة تسللت منها كمثل الجراثيم، جميع نظم الحكم العربية أملاً بإخفاء  «النكسة» التي تعرضت لها هذه النظم في حزيران 1967، فلم يبق أمامها الا خيار استهلاك شعوبها، وبيع ما يمكن بيعه من موجودات البلاد، ما فوق وما في باطن الأرض.

كان في لبنان، حركة وطنية تتكون من أحزاب ومنظمات، علمانية تقدمية . كانت قد بدأت تمثل مصدر إزعاج لوجهاء العائلات، الذين أخذوا يتقربون شيئاً فشيئاً من رجال الدين، خوفاً من إختلال ميزان القوى لصالح تحالف الحركة الوطنية اللبنانية وحركة التحرير الوطني الفلسطينية. وكان في لبنان أيضاً، بيئة فكرية وأدبية وسياسية، تتغذى من معظم الأقطار العربية، من المنفيين، «المغضوب عليهم».

أكتفي بهذا الوصف السطحي إلى حد ما، للمشهد اللبناني فأنا لست بصدده هنا . مجمل القول، ان المشهد اللبناني لم يكن على هذا الشكل المثالي . فلقد اعتراه بحسب رأيي الكثير من التناقضات التي حالت دون كف أذى تحالف النظام الطائفي رجال الدين والإقطاع . مهما يكن فإن الظروف في لبنان في مطلع السبعينيات كانت مؤاتية من الناحية النظرية لإنطلاقة إنتفاضة جماهيرية غايتها فرض نظام حكم وطني يتولى تدعيم ركائز الوطن اللبناني ويعمل على إيجاد السبل والوسائل من أجل تحصينه ضد إعتداءات المستعمرين (الإسرائيليين).

حدثت هذه الإنتفاضة . كان المبادر إليها في إعتقادي تحالف نظام الحكم ـ رجال الدين ـ الإقطاع السياسي . الذي تلقى الدعم من نظم الحكم العربية ومن الولايات المتحدة الأميركية ومن كلاب حراستها الأوروبيين ومن (الإسرائيليين). فكانت المحصلة انتصار التحالف المذكور نهائياً، وتصفية  الحركة الوطنية اللبنانية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني في لبنان.

ما أود قوله بعد توطئة مطولة، أني لا أعتقد أن الظروف الإجتماعية والفكرية والسياسية في سورية كانت في سنة 2011 مشابهة لما كان عليه الوضع في لبنان في منتصف السبعينيات، أي ملائمة للعمل الثوري. هذا من ناحية، أما من ناحية ثانية، فإن الذين بادروا إلى إعلان التمرد والغدر في سورية رفعوا بالضد من الحركة الوطنية اللبنانية، شعارات طائفية مذهبية، بالإضافة إلى أنهم استنصروا بالجهات العربية والغربية التي أجهضت الإنتفاضة الإصلاحية اللبنانية. بمعنى آخر، إن المتمردين السوريين استنصروا بعرابي «الثورة» المضادة في المنطقة العربية المرتبطين كما هو معروف بعلاقة تبعية بالولايات المتحدة الأميركية.

خلاصة القول، انه إذا كان دور السعودية في تخريب الدولة السورية بوجه خاص، وغيرها من الدول العربية على وجه العموم، معلوماً ومفهوماً تاريخياً، وتحديداً منذ ظهور الناصرية في خمسينيات القرن الماضي، فما هو مثير للدهشة إلى حد الذهول هو استيلاء مشايخ الخليج على معظم وسائل الإعلام في بلاد العرب ونجاحهم في شراء ذمم عدد كبير من الكتاب والصحافيين وتكليفهم بإقناع الناس بأن التمرد الطائفي والمذهبي في سورية هو فعل «معارضة» و«ثورة»، وبأن تطهير سورية من المشركين والكافرين هو واجب، وبأنه يحق للـ«ثورة» استدعاء حلف الناتو لمساعدتها ! تتكرر التجارب، لبنان، الجزائر، العراق، ليبيا… ما يزالون يبيعون الناس لأسماك البحر!!

“الديار”

اترك تعليقاً