عربي وعالمي

جريمة أغتيال الدكتور هشام الهاشمي ضحية صراع الدولة واللادولة- د.عامر صالح

في ظل احتدام الصراع المتزايد والعنيف من اجل مشروع دولة المواطنة يقدم العراقيون المزيد من الشهداء والضحايا النوعية من الاوساط الفكرية والسياسية والثقافية والتي ناضلت من اجل اعادة بناء الدولة العراقية, دولة المواطنة التي افرغ محتواها جراء عقود من القمع والدكتاتورية وتلتها سنوات ما بعد 2003 حيث انهارت مؤسسات الدولة العراقية وتصدع المنظومة القيمية والاخلاقية والسياسية, واصبح القول الفصل للدولة العميقة, دولة الميليشيات المسلحة والمجاميع الأجرامية والقتلة المأجورين من حملة العقائد المتحجرة والسلوكيات المنحرفة, والتي لا ترى في الأختلاف في الرأي والجمال وتنوع الافكار إلا عدوها اللدود والذي يجب تصفيته رموزه بشرعها الخاص المعادي للحياة والوجود الانساني القائم على ستة الاختلاف والتنوع.

ولكي يبقى العراق أسيرثقافة القبح والتفرد في الرأي وثقافة الكراهية التي طالما نخرت بالجسد العراقي وأقحمته في متاهات فقدان الأمل والمستقبل وغياب دولة القانون, حيث يكون فيها المواطن العراقي عموما والمثقف بشكل خاص هدفا سهلا ومستساغا للتصفية الجسدية والقمع الفكري, وأحلال ثقافة اليأس المتراكم واعادة انتاج ثقافة البقاء لحملة السلاح المنفلت والميليشيات المشرعنة وغير المشرعنة وحملة كواتم القتل, وتحويل الدولة الى حاضنة للموت والفناء اليومي, بعيدا عن مهمتها الأصل في حماية المواطن وأمنه وسلامته ودعم التكافل الاجتماعي وتعزيز السلم المجتمعي.

لقد أقدم خفافيش الظلام المسلحة بأغتيال الدكتور هشام الهاشمي, المحلل السياسي والخبير الأمني, مساء يوم الأثنين الماضي قرب منزله ولاذوا بالفرار, ويعتبر مراقبون عراقيون، أن اغتيال الهاشمي وفق ما أظهرته كاميرات المراقبة، يكشف مدى ترهل أجهزة الدولة الأمنية، في ظل سهولة تحرك منفذي الجريمة في شوارع بغداد، خاصة وأن التوقيت كان متزامنا، مع بدء ساعات حظر التجول، المفروض للحيلولة دون تفشي وباء كورونا، ويضع هؤلاء علامات استفهام كبيرة، أمام كيفية تحرك منفذي الجريمة بهذه السهولة، ثم تمكنهم من الانسحاب والعودة من حيث أتوا بنفس السهولة، بعد تنفيذ جريمتهم النكراء.

والشهيد الدكتور الهاشمي ولد في بغداد عام 1973, هو مؤرخ وباحث في الشؤون الأمنية والاستراتيجية والجماعات المتطرفة، ومختص بملف تنظيم داعش وأنصارها. متابع للجماعات الإسلامية العراقية منذ عام 1997، عَمِل في تحقيق المخطوطات التراثية الفقهية والحديثية، مع أن تحصيله الأكاديمي بكالوريوس إدارة واقتصاد – قسم الإحصاء. وتم اعتقاله وحكم عليه بالسجن من قبل نظام صدام حسين، وقد خرج من السجن عام 2002، وبعد عام 2003 انصرف إلى العمل في الصحافة، وبدأ يشارك في كتابة التقارير والوثائقيات مع الصحف والقنوات الأجنبية، وبدأ يكتب مدونة عن خريطة الجماعات المسلحة في العراق، ولم يكن يوماً عضواً في الجماعات المتطرفة، لا سيما أنصار الإسلام وتنظيم القاعدة وفروعها وداعش . الجماعات المتطرفة تحكم على الهاشمي بأحكام مختلفة، منها الردة والعمالة بسبب مواقفه المناهضة لهم, يعد الهاشمي أول من أماط اللثام عن قيادات تنظيم الدولة – داعش في كُلٍ من العراق و سوريا، حيث افصح عن أسماء ومعلومات تخص قيادات التنظيم وآلية عملهم. وقد ساهم من خلال قدراته الفكرية والتحليلية في تقديم خدمات مهمة للحكومات العراقية أسهما في تفكيك تنظيم داعش من الداخل, ويعتبر الشهيد من صناع القرار والرأي العام في قضايا مختلفة.

ولدى الدكتور عدد من المؤلفات هي: عالم داعش, ونبذة عن تاريخ القاعدة في العراق, وكتاب تنظيم داعش من الداخل, ولديه اكثر من 500 مقال وبحث منشور في الصحف والمجلات العراقية والاجنبية عن الجماعات المتطرفة. وقد عمل في عدة مراكز ابحاث, أبرزها:

مدير برنامج الأمن الوطني ومكافحة الإرهاب في مركز آكد للدراسات والابحاث الاستراتيجية, ومستشار أمني لمرصد الحريات الصحفية العراقي, ومستشار أمني لنقابة الصحفيين العراقيين, وعضو فريق مستشارين لجنة تنفيذ ومتابعة المصالحة الوطنية في مكتب رئيس الوزراء, وعضو اللجنة العلمية لمؤتمر بغداد لمكافحة الأرهاب, ومحاضر لمادة مكافحة الأرهاب في الأكاديميات الأمنية, وباحث زائر في مركز النهرين للدراسات الاستراتيجية وعضو ملتقى النبأ للحوار وغيرها.

ونددت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة وبريطانيا ودول اخرى باغتيال هشام الهاشمي، ودعت ممثلة بعثة الأمم المتحدة في العراق هينس بلاسخارت في تغريدة الحكومةَ العراقية لتحديد الجناة بسرعة وتقديمهم للعدالة واعتبرت اغتياله عمل خسيس. والهاشمي هو أحد أبرز المحللين السياسيين والأمنيين العراقيين، ولديه العديد من المقالات في مراكز أبحاث عراقية، وهو أحد أبرز الشخصيات العراقية حضورا في منصات التواصل الأجتماعي، ولديه العديد من المتابعين، ويعد من المؤثرين في مسار الرأي العام العراقي.

وقد غرد الدكتور الشهيد هشام العديد من التغريدات لعدة ايام وحتى يوم استشهاده, وبالتأكيد سيغضب وينتقم من شملته التغريدات ضمنا ولم يحترم حرية أبداء الرأي, وابرز هذه التغريدات هي:

الحراك التشريني, بما فيه النخب المعارضة, التي ترفع شعار السلمية, عليها تنظيم نفسها سياسيا للتنافس انتخابيا عبر وسائل الديمقراطية, ومن يرى تأييد الحراك بدون تنظيمه فهو يسعى الى حراك فوضى ووهم, بدون حراك منظم سياسي وقوي ستأكل النخب السياسية الفاسدة الحراك أصلا وفصلا.

“أكثرُ الشباب الذين يطبلون للسياسيين الفاسدين هم باحثون عن فتات وبقايا طعام من موائدهم وأموالهم التي سرقها الفاسدون، لا يعرفون شيئا لحظة التطبيل لسلطة الفاسد، فلا ناقة لهم فيها ولا جمل. وإنّما أنفُسَهم يظلِمون”.

‫”مشكلة القوى السياسية التي خسرت مكاسبها باستقالة عادل عبد المهدي، أن معظم الخاسرين من الأحزاب السياسية، فقدوا قدرتهم على التفكير المتوازن. ‬وأصبح الانتقام والعبثية والوهم، رأس الحربة لمهاجمة الكاظمي الذي ساهموا بمنحهِ الثقة والمشروعية من خلال تفاهمات سباعية البيت السياسي الشيعي”.

“السياسي الفاسد حينما يقارن مع صديقه الشيطان، قد لا يبدو صديقه على ما هو عليه، ربما نقارن بين سياسي فاسد ومخلوق ورع. سياسي برلماني ينتمي لحزب عنده هيئة اقتصادية مستحوذة على منفذ حدودي وميناء بحري، يزعم أن بيته في البصرة بدون خط كهرباء المولدة الأهلية، ورع كاذب وكذب مكشوف”.

“إن قدرة الدولة على فرض سيادتها الداخلية ترتبط بصورة رئيسية بالحد التدريجي من تأثير الفصائل والاحزاب الهجينة، من دون الدخول بصدامات عنيفة ومعارك تكسير عظام لإنهاء وجودهم، ولكن الخطوة التدريجية تكمن في احتواء كيانهم لإصلاحه، وتفكيك نواتهم الصلبة بفتح حوار قانوني وطني، ومن ثم معالجة المتمرد بفرض القانون ولو بالعنف”.

تأكدت الانقسامات العراقية ب: 1 ـ عرف المحاصصة الذي جاء به الاحتلال” شيعة, سنة, كرد, تركمان, اقليات ” الذي جوهر العراق في مكونات. 2 ـ الاحزاب المسيطرة” الشيعية, السنية, الكردية, التركمانية ..” التي ارادت تأكيد مكاسبها عبر الانقسام. 3 ـ الاحزاب الدينية التي استبدلت التنافس الحزبي بالطائفي.

وكذلك ظهوره قبل استشهاده بيوم في احدى الفضائيات متحدثا عن المليشيات المنفلتة وعدمية جدوى صواريخ كاتيوشا التي يقذف بها بين الحين والآخر على مختلف المناطق ولا تصيب الاهداف المعنية بل تلحق الضرر بالمنازل السكنية والاطفال”حسب قوله”. الى جانب علاقاته المقربة والاستشارية من رئيس الوزراء الحالي قد اثار ضغن وكراهية من لا يرغب الاستماع لرأي الآخر.

لقد كان اغتيال الخبير الامني والمحلل الاستراتيجي والباحث الدكتور هشام الهاشمي” حسب حديث لأحد السياسين” ” ليس فقط جريمة بشعة لشخصية تميزت بمعارفها الواسعة والعميقة بشؤون الجماعات المسلحة المتطرفة والارهابية، ورؤيته الرصينة والمتوازنة للاوضاع السياسية وانحيازه الفكري لخيارات الاعتدال وارساء اسس الدولة مدنية القائمة على المواطنة ولجرأته في التعبير عن افكاره وتشخيص المخاطر التي تتهدد امن البلاد واستقراره ومصادرها، وانما هو حدث صادم يحمل رسائل سياسية تحمل تحذيرا جديا لاكثر من جهة وتمثل تحديا للحكومة ورئيسها ولمنهجه”.

وما يؤذي الذات الانسانية ان يكون لدى بعض اوساط “مثقفة” أن ادانة الجريمة عمل خجول وحذر, ومغلفا برؤى مريضة محتواها” ان الضحية هو نتاج للأوضاع العامة وبالتالي متوقعة هذه العمليات وستزداد, وعلينا معالجة القضية في اطار الصراع الاقليمي والدولي, بل اعتبرها البعض جريمة ارتكبتها اسرائيل وامريكا لتأجيج الصراع الطائفي مجددا”, انها محاولات بائسة للتخفيف من هول الجريمة المرتكبة بحق الخبير الامني والسياسي, بل واعطاء الضوء الاخضر للقتلة بارتكاب مزيدا من الجرائم. لقد اهتز الرأي العام العالمي الرسمي والشعبي لأغتياله, ولم يهتز بعض من الضمائر” المثقفة “.

لقد كان اغتياله نكسة لحرية التعبير, بل ان الهاشمي كان احد رموزها, وقد عانى العراق ومنذ 2003 بفقدان الكثير من الاعلاميين والصحفيين وقد بلغ عددهم اكثر من 240 ضحية في مختلف التخصصات الاعلامية والصحفية والثقافية, حتى صنفت المنظمات الدولية العراق ضمن الدول الخطرة على ارواح الصحفيين والاعلاميين وغيرهم, الى جانب ما استثهد مؤخرا وفقط في احتجاجات اكتوبر الماضي والتي بلغ عددهم اكثر من 700 شهيد وآلاف الجرحى والمعوقين والمغيبين واالمعتقلين, وفي صفوفهم الكثير من يعمل في الصحافة والاعلام.

وكانت أصوات الشعب قد تعالت، مطالبة بكبح جماح الجماعات المسلحة في الشارع العراقي، وضبطها في إطار سلطة الدولة، وقد طالب نشطاء عراقيون إبان انتفاضة تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بالكشف عن مرتكبي عمليات اغتيال واختطاف الناشطين، التي زادت بصورة كبيرة في ذلك الوقت، وكانت تتم بنفس الطريقة في العاصمة بغداد، وعدة مدن ومحافظات أخرى، منها كربلاء والنجف والناصرية.

تبقى الدروس المستخلصة من استشهاد الهاشمي كما غيره تثير تساؤلات مشروعة لدى الناس والرأي العام, ولعل ابرزها: هل ينجح الكاظمي في منع عودة عمليات الاغتيال للشارع العراقي كما تعهد, واين دور الحكومة الحالية وجهودها في الكشف عن قتلة محتجي اكتوبر وهل سيتم الكشف عنهم فعلا أم اللعب في الوقت الضائع, وهل تمتلك الحكومة اجهزة امنية واستخبارتية حيادية تعمل بدون مساومات وضغوط, هل ستنحدر نحو الأسوء حرية التعبير على خلفية اغتيال الهاشمي ويعود الخوف انتاج نفسه اضعافا بسبب عدم العثور على الجناة المجرمين, وهل هناك سقف زمني لفك الارتباط بالدولة العميقة وجماعاتها المسلحة. انها مهمة ليست سهلة في وجه مصطفى الكاظمي اذا اراد يبدء فعلا بخطوة الآلف ميل ولكن هناك شعب سيقف معه وعلى افتراض صدق نوياه. المجد والخلود لروح الشهيد هشام الهاشمي شهيد الكلمة الحرة والخزي والعار للقتلة الجبناء.