وقفة عز

جواز السفر

نضال حمد

جواز السفر كان ولازال وسيظل أهم مشكلة تواجه الفلسطيني أينما كان وحيثما حطت رحاله، إذ أصبح عقدة للاجئين الفلسطينيين من حملة وثائق السفر الصادرة عن دول هي نفسها لا تحترمها ولا تعترف بها، كما كان يحصل في مصر ولبنان على سبيل المثال لا الحصر.

تم منح اللاجئين الفلسطينيين بطاقة هوية خاصة ووثيقة سفر أيضاً خاصة، تمكنهم من إثبات شخصيتهم أو ما يميزهم عن المواطنين في تلك البلاد، وعلى الحواجز التي تحيط بمخيماتهم، وعند نقاط التفتيش، وفي مؤسسات الدولة المضيفة، من فرع المخابرات والأمن العام إلى المكتب الثاني، أو الضابطة أو فرع فلسطين وبقية الأسماء التي اخترعت خصيصا لأجل اللاجئين الفلسطينيين في الدول الشقيقة، دول الطوق. وأي طوق؟ … طوق لا يقرب طوق حمامة ابن رشد الأندلسي بأي شيء، طوق يتنكر للتاريخ والجغرافيا، طوق على الفلسطينيين ..

 ان وثيقة السفر التي من المفترض ان تكون كجواز السفر أي لتسهيل تحرك وسفر حاملها بين الدول، وهي وثيقة معترف بها من قبل منظمة الأمم المتحدة، وصادرة بناء على رغبة دولية في تسيير أمور اللاجئين الفلسطينيين في بلاد العرب الشقيقة بعدما سلبت أراضيهم وسرق وطنهم بإسم عصبة الأمم، التي تعصبت بدورها لفئة ضالة من لمم وشراذم دينية استعمارية عنصرية، سمت نفسها الحركة الصهيونية، والتي في الختام أقامت معزل ومحمية اليهود الصهاينة على أرض شعب فلسطين الكنعاني العربي الأصيل. ليصبح هؤلاء اللمم أصحاب وطن وكيان وجواز سفر حديث وجوازات سفر أخرى، وفي المقابل يتحول أصحاب الأرض الأصليين للاجئين الى بلا هوية، وبلا جواز سفر وطني، بل بوثيقة سفر صادرة عن دول لا تحترمها، وثائق سفر تمكنهم من عبور حدود مخيماتهم، ثم التفكير بالسفر أبعد من ذلك، وفي مغادرة بلاد إقامتهم المؤقتة التي هي ممرهم ولم تكن في يوم من الأيام مقرا أو مستقراً لهم.

كان الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يستعمل عبارة ( ممر لا مستقر) مرارا وتكرارا في خطاباته، أيام كان مازال لاجئا في مخيمات مصر والأردن وسوريا ولبنان، وقبل أن يصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية، التي صار لها جواز سفرها الخاص، الذي يمكنها منحه لكل إنسان بغض النظر عن جنسيته، بإستثناء اللاجئ الفلسطيني المشرد والمهجر خارج وطنه فلسطين والقابع في مخيمات الشتات العربي ومهاجر ومنافي الدنيا الشاسعة.

 شكل جواز السفر عقدة لكل لاجئ فلسطيني فبسبب غيابه وفقدانه، وبسبب المعاملة الأخوية العربية السيئة هاجرت آلاف العائلات الفلسطينية إلى أوروبا والأمريكتين وأستراليا بحثا عن حياة جديدة، وعن جواز سفر يمكنها من دخول بلاد العرب، بشكل محترم ومعزز ومكرم، حيث لا أحد في بلاد الفوضى والقبائل والعسكر والأحزاب طويلة العمر يجرؤ على إهانة حامل جواز سفر غربي، ولا أحد يمكنه الاستعلاء عليه لأنه من اللاجئين الفلسطينيين. فبجواز السفر الغربي أو الأجنبي، تتمكن العائلات المهاجرة من دخول بلاد العرب التي طردوا أو هجروا أو فروا من ظلم حكامها. يدخلون البلاد التي يحبون كما  يدخلها الفاتحين، أجانب يشهرون جوازات سفرهم الغريبة، ورؤوسهم ذات السمات المشرقية عاليا، ويرددون متذكرين زمن مد العروبة والقومية، شعاراتها المحببة بتحوير وتعديل تطلبته الظروف الراهنة: أخي الفلسطيني، العربي، الأجنبي: إرفع رأسك عاليا، فقد ولى عهد المخابرات والاستخبارات ودوائر الأمن وفرع فلسطين والمكتب الثاني والاستغلال والاستعلاء والعبودية… وجاء زمن جوازات السفر الأجنبية التي تفتح كافة الحدود والمطارات والمعابر العربية من المحيط إلى الخليج.

 لكن وبالرغم من هذا الفرح الظاهر إلا أن كل لاجئ فلسطيني يتمنى أن يكون لديه جواز سفر فلسطيني بالإضافة لجنسيته الأجنبية، المكتسبة بفعل التشرد والحرمان واللجوء والغربة والمهاجر وسياسة التوطين والتهجير المتبعة دولياً.

فجواز السفر الأجنبي محترم ومعتبر عند القريب والغريب وعند العربي قبل الأجنبي، وعند العدو والصديق. لكنه ليس البديل عن الأصل، فكل فلسطيني تجنس في بلاد ما وحمل جواز سفرها المحترم، عليه أن يظل على احترامه لبلاده ووطنه وجواز سفره الذي هو جنسيته. فبلاد العالم التي منحته الجنسية وجواز السفر تريده أن ينسى فلسطين، وهو لا يمكنه نسيان ذاكرته، وتاريخه وأمكنته وأرضه ووطنه وبيته الأول، ففلسطين هي الوطن الأساس ولا بدائل عنه، أما بقية دول العالم فهي كالقلوب تتسع لهم ولآخرين.. يحبونها ويحترمونها لأنها آوتهم وساعدتهم ومنحتهم جواز السفر والإقامة والهوية. ولأن الأرض للجميع شرط أن تكون كل أرض الدنيا وليس أرض كنعان فقط لا غير، ولأنه من المفترض أن تكون بلاد العالم مفتوحة لكل الناس أينما كانوا خاصة عندما يعم الدنيا العدل والمساواة بين كل بني آدم وحواء، فأنه من غير المقبول أن يبقى وطن كنعان مسلوب وأهله مشتتون بلا هوية وجواز سفر كنعاني عربي فلسطيني.

الذي جعلني أكتب عن جواز السفر، وأستحضر المعاناة معه هو ما قام به مؤخرا رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس، حيث منح الجنسية الفلسطينية وجواز السفر الصادر عن السلطة الفلسطينية لبعض العرب والأجانب. ففي وقت سابق قدمه للإعلامي العربي اللبناني زاهي وهبي، مقدم برنامج خليك في البيت في قناة المستقبل اللبنانية. كما قدمه يوم أمس لقداسة بابا الفاتيكان بينديكت السادس عشر. شيء دبلوماسي وسياسي ذات معاني رمزية وأبعاد إعلامية أن يحمل هؤلاء جواز السفر الفلسطيني. وليس  هذا بالأمر المستنكر، لكن اللا عادي والمستنكر في الأمر كله، أن لا يستطيع أبناء الأرض الفلسطينية المشتتين في كافة أنحاء الدنيا الحصول على جواز سفر فلسطيني، حتى لو كان بنفس الطريقة التي حصل بموجبها قداسة البابا أو صاحب برنامج خليك بالبيت.

  ألم يفكر رئيس السلطة الفلسطينية (الذي على ما نعتقد أنه منذ الستينيات من القرن الماضي يحمل الجنسية الأردنية بناء على مرسوم ملكي صدر ردا على الزعيم العراقي عبد الكريم قاسم ومشروعه في تلك الفترة) بتجنيس ملايين اللاجئين الفلسطينيين الذين حرموا من جواز السفر، والذين قضوا ويقضون العمر في المشقة، فمنهم من لا يملك ثمن استصدار وثيقة سفر لا تقدم ولا تؤخر.

هؤلاء اللاجئين هم أول من يستحق جواز السفر الفلسطيني لأنهم بحاجته كي يرتاحوا قليلا في معركتهم لرفض التوطين، وكي يستمروا بتمسكهم بفلسطينهم، وطنهم الأصلي، الذي أبدع في التغزل به شاعر فلسطين الكبير إبراهيم طوقان، صاحب نشيد موطني… وثانيا كي يتحركوا باحترام وحرية مثل كافة البشر في كافة بلاد الدنيا.

كان ولازال من واجب رئيس السلطة الذي أطلق سابقا تصريحات تفسر على أنها تأييد لتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك أطلق تصريحات أخرى تؤكد على سحب سلاحهم الذي يحمون به مخيماتهم بعدما تركت عرضة لكل أنواع الحاقدين ولقوانين أبارتهايدية عربية لا تقل عدوانية وعنصرية عن استعلاء وعنصرية الاحتلال (الإسرائيلي).

 لعل السيد رئيس السلطة مازال يذكر قصيدة محمود درويش الجميلة عن جواز السفر والتي غناها بحرارة وعنفوان الفنان المتألق مارسيل خليفة، وجاء فيها المقطع التالي ” كل قلوب الناس جنسيتي، فلتسقطوا عني جواز السفر”… نعم كل قلوب الناس جنسية الفلسطيني، وكل جوازات السفر هي جواز سفر للفلسطيني، لكن الفلسطيني الذي يستطيع حمل كل جنسيات العالم وجوازات سفره يريد أولا وأخيرا جواز سفره الفلسطيني، إذ لا بديل له عن فلسطينه حتى لو كان جواز سفره الحالي يدخله إلى فلسطين من رفح حتى الناقورة بدون مشاكل وعوائق.

 

04-12-2005